المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الرابعة: الحذر من البدع وأهلها - أصول مسائل العقيدة عند السلف وعند المبتدعة - جـ ١

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

الفصل: ‌القاعدة الرابعة: الحذر من البدع وأهلها

‌القاعدة الرابعة: الحذر من البدع وأهلها

البدعة في اللغة: هي الشيء المخترع على غير مثال سابق.

وهي في الشرع كما عرفها بعض العلماء: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى 1.

والبدع قد حذرنا الله عز وجل منها وحذرنا منهارسوله صلى الله عليه وسلم، فمن الآيات في ذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام159] . وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}

إلى قوله – {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران103 - 106] . وقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام153] .

ومن الأحاديث الدالة على تحريم البدع الحديث المشهور حديث عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 2، وكذلك حديث عبد الله بن مسعود في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} 3 وحديث العرباض بن سارية، وحديث جابر بن عبد

1 الاعتصام 1/37.

2 أخرجه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود 5/355.

3 سبق تخريجه ص 13

ص: 16

الله وفيه: "وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". 1

كما كثر عن الأئمة من علماء السلف التحذير من البدع، فمن ذلك:

ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال لما رأى جماعة في المسجد متحلقين وبين أيديهم حصى ورجل يقول: هللوا مائة فيهللون، ويقول: سبحوا مائة فيسبحون، فقال لهم رضي الله عنه:"والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحوا باب ضلالة".2

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور.3

وروي عن حذيفة أنه قال: "اتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم، فلعمري لئن اتبعتموه فقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن تركتموه يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً".4

وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: "أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعدما جرت به سنته"5

ومن نظر في البدع علم أنها من أقبح الأعمال وأفسدها وأشدها خطراً على دين المرء، لما تتضمن من المعاني الفاسدة التي منها:

1 -

أن الله تعالى قد أكمل الدين وأتم النعمة، فمن ابتدع بدعة فقد زعم أن الله تعالى لم يكمل الدين وانه ناقص وأنه يحتاج إلى بدعة المبتدع لتكميله

قال الإمام مالك رحمه الله: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد

زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

1 سبق تخريجه ص6.

2 سنن الدارمي 1/68. باب كراهية أخذ الرأي.

3 سنن البيهقي 4/316، باب الاعتكاف في المسجد.

4 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/97.

5 الشريعة 1/174.

ص: 17

وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة3]1.

2 -

أن المبتدع مستدرك على الشارع ببدعته، فكأنه يرى أن ثمة طرق أخرى موصلة للحق لم يذكرها الشارع.

قال ابن مسعود رضي الله عنه لمن كانوا متحلقين يسبحون: "والذي نفسي بيده إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحوا باب ضلالة".2

قال عمر بن عبد العزيز: "فعليك بلزوم السنة فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق".3

3 -

أن التشريع حق الله تعالى وحده، والمبتدع قد أنزل نفسه منزلة المشرع، وذلك بتشريعه شريعة لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا تشبه بالمشركين قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى 21] .

كما أن من منهج السلف البعد عن أهل البدع والحذر منهم وعدم مجالستهم ومجادلتهم. يدل على ذلك ما روى الآجري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال:

"لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب"4.

وعن أبي قلابة 5 رحمه الله قال: "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإنني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما لبس عليهم"6.

فتجنب أهل البدع والحذر منهم منهج سلفي لما لهم من الخطورة على أغلى ما

1 نقلها الشاطبي في الاعتصام 1/49، 2/18 وعزاها إلى ابن حبيب عن ابن الماجشون عن مالك وانظر: منهج الإمام مالك في إثبات العقيدة ص 99.

2 سبق تخريجه ص 16.

3 الشريعة للآجري 1/444.

4 الشريعة 1/196، وابن بطة في الإبانة 2/438.

5 أبو قلابة، عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر، البصري، ثقة فاضل. مات بالشام هارباً من القضاء سنة أربع ومائة وقيل بعدها. انظر: التقريب 1/417.

6 شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 1/34.

ص: 18

يملكه المسلم وهو دينه، كما أن فيه تصغيرا لشأنهم وتحقيرا لهم وهذا فيه مصالح منها:

1 -

لعلهم يرتدعون عما هم فيه من غواية وضلالة.

2 -

يعرفهم الناس الذين يجهلون حالهم فيحذرونهم ويتجنبونهم.

3 -

في الحذر منهم وعدم مجادلتهم تحجيم لبدعتهم وعدم إظهارها وانتشارها.

ص: 19