الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأهمية هذا النوع من التوحيد إذ يرتبط به الغاية التي من أجلها خلق الإنسان وهي عبادة الله عز وجل جعله الله سبحانه مستقرا في الفطر،وجعل الإقرار به بين بني البشر عاما كما جعل دلائله من أوضح الدلائل والبراهين حتى تقوم الحجة على الإنسان بأكمل صورها وأوضح مبانيها. وهذا من عظيم لطف الله بخلقه ورحمته بهم، إذ علق نجاتهم وفلاحهم على مطلب دليله مستقر في فطرهم ودلائله غير ذلك من أوضح الدلائل والبراهين بل هي في كل شيء، كما قيل:
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد1
ولذا نجد أن الله عز وجل قد استدل في القرآن الكريم بآيات ربوبيته على ألوهيته واستحقاقه للعبادة دون ما سواه،وهذا ظاهر في الآيات السابقة من سورة يونس والنمل والعنكبوت والروم وغيرها.
1 اختلف في نسبته، فنسبه الصفدي إلى أبي فراس. انظر: الوفيات 7/138، وأما أبو الفرج فقد نسبه إلى أبي العتاهية. انظر ألأغاني 4/35.
النوع الثاني: توحيد الألوهية
وهو: توحيد الله بأفعال العباد، أو هو: إفراد الله عز وجل بالعبادة لا شريك له، وهذا النوع من التوحيد هو الذي خلق الله عز وجل الإنسان من أجله، قال جل وعلا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات56] قال ابن عباس:"إلا ليوحدون" وهو الذي بعثت الرسل في الدعوة إليه وتقريره. قال جل وعلا {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل36] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء25] .
وهو الذي وقعت الخصومة فيه بين الرسل عليهم السلام وأقوامهم، قال جل وعلا عن نوح عليه السلام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون23] . وهكذا قال هود وصالح ولوط وشعيب وهكذا سائر الأنبياء عليهم السلام إلى آخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وهو أول أمر في القرآن الكريم. قال جلا وعلا في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [.البقرة21]
وهو الذي أباح الله بسبب إنكاره دماء الكفار كما قال عليه الصلاة والسلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" 1
وأهمية هذا النوع من التوحيد وخطورته تتضح وضوحا بينا بخطورة الوقوع في ضده وهو الشرك في العبادة حيث هو- نسأل الله العافية -الموجب لغضب الرب وانتقامه وعذابه السرمدي الذي لا نهاية له في نار جهنم لمن مات على ذلك ولم يتب. قال جل وعلا: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} . [المائدة72]
وهذا النوع من التوحيد هو معنى لا إله إلا الله إذ معناها لا معبود بحق إلا الله عز وجل.
وهو توحيد العبادة الذي يعني إخلاص العبادة لله عز وجل وحده لا شريك له.
والعبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع،ومنه طريق معبد إذا كان مذللا بكثرة الوطء2.
1 البخاري في الزكاة رقم 1399، ومسلم في الإيمان رقم 124 ،1/150 من حديث عمر رضي الله عنه.
2 اللسان: 3/273
والعبادة في الشرع: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. أو هي عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف.
وفي هذا يدخل جميع أنواع الطاعات الباطنة بالقلب والظاهرة على الجوارح. فمن صرف شيئا منها لغير الله عز وجل فقد أشرك. ومن أهم أنواع العبادة الصلاة والزكاة والصيام والحج والدعاء والخوف والرجاء والتوكل والنذر والاستغاثة والاستعانة.
شرطا قبول العبادة:
لقبول العبادة شرطان: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا بد في عبادته من أصلين: أحدهما: إخلاص الدين لله. والثاني موافقة أمر الله الذي بعث به رسله"1.
والمراد بالإخلاص: أن يكون العمل مرادا به وجه الله عز وجل.
أما موافقة أمره الذي بعث به رسله: فهو أن لا يعبد الله إلا بما شرع".
قال الفضيل بن عياض في قوله عز وجل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود7]
قال: "أخلصه وأصوبه"، قيل يا أبا علي:"ما أخلصه وأصوبه؟ " قال: "إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل
1 التدمرية ص 233
حتى يكون خالصا صوابا، والخالص إذا كان لله عز وجل والصواب إذا كان على السنة". 1
فهذان الشرطان هما معنى شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله. ولأهميتهما نبين شيئاً مما يتعلق بهما:
أولاً: الإخلاص:-
الإخلاص في اللغة: تنقية الشيء مما يشوبه،وكل شيء خالص فهو منقىمن الشوائب.2
والإخلاص في العبادة: هو أن يقصد بها وجه الله عز وجل، فلا يشرك معه غيره، لا شركاً أكبر ولا أصغر، كالرياء ونحوه.
والأدلة الشرعية على هذا الشرط كثيرة، منها:
قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة 5] . {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [الزمر2] ، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [الزمر11] ، {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} [الزمر2، 11، 14]{وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف9] ، وقال {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر14] ، وقال {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر65] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو من نفسه".3
وضد الإخلاص الشرك.
1 التدمرية ص 232.
2 اللسان 7/26.
3 البخاري. انظره مع فتح الباري 1/233.
والشرك نوعان: أكبر وأصغر.
أما الأكبر: فهو صرف شيء من العبادة لغير الله تعالى من شجر أو حجر أو ملك أو نبي أو أي كائنا من كان، فمن دعا غير الله أو استغاث به أو رجاه أو ذبح أو نذر له أو سجد له أو صرف شيئاً من العبادة لغير الله فقد أشرك الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله.
فدل كلام الله عز وجل هنا على أن كل من دعا غيره فإنه لا يملك شيئاً، حتى ما يكون على نواة التمر من القشرة الرقيقة، كما دل أيضاً على أن ذلك الدعاء شرك، وذلك في قوله:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر14] .وقال جل وعلا: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف5، 6] .
فجعل الله تعالى دعاء غيره عبادة للمدعو، وجعل ذلك كفراً.
والشرك الأكبر محبط للعمل من أصله، كما أنه يفسد الإيمان ولا يقبل الله معه صرفاً ولا عدلا. قال تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر65] ، وقال جل وعلا بعد ذكره للعديد من الأنبياء عليهم السلام {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام88] .
وهو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه.قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء116] .
وصاحبه مخلد في النار أبد الآباد. قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة72] .
أما الأصغر، فمنه الرياء: وهو أن يعمل العمل مما يقصد به وجه الله عز وجل يقصد به رياء الناس.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف110] .
فقوله تعالى: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} فسرها ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم بأن المقصود بها الرياء. 1
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".2
وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر". قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: "الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء".3
والرياء يحبط من العمل بقدره، فإذا دخل على العمل من أوله أحبطه وأبطل أجره وإذا دخل على العبد أثناء العمل نقص من الأجر بحسبه.
وإذا كان الرياء في الإيمان فهو النفاق الأكبر المخرج من الملة.4
1 الدر المنثور 4/458.
2 مسلم في الزهد رقم 2985.
3 المسند 5/428.
4 معارج القبول 1/326-327.