الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
نشأة الفروق الفقهية وتطورها
المبحث الثاني
نشأة الفروق الفقهية وتطورها
ليس لدينا ما نستطيع أن نحدد به على وجه قاطع، بداية صيرورة معرفة الفروق بين الفروع الفقهية، أو القواعد، علماً أو فناً متميزاً، ولكن طبيعة الموضوع تقتضي أن يكون نشوؤه مقارناً أو مقارباً لنشوء القواعد والضوابط الفقهية؛ إذ كما ينظر العالم إلى الفروع التي تتشابه في أحكامها، فإنه ينقدح عنده ذلك فيما يفارق غيره من الأحكام.
وقد وردت عن الشارع طائفة من الأحكام المختلفة لفروع قد تلتبس على الناس لما بينها من تشابه ظاهري، كالبيع والربا الذين اشتبه أمرهما على اليهود، فقالوا إنما البيع مثل الربا، لكن الشارع نص على التفرقة بينهما بقوله:(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)(1).
وكما هو الشأن في بول الجارية وبول الصبي والتفريق بينهما بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يغسل من بول الجارية ويرشّ على بول الغلام"(2).
وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج كثيرة، فرّق فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين
(1) البقرة: 275.
(2)
رُوي هذا الحديث بألفاظ وصيغ مختلفة. وقد قال البيهقي: الأحاديث المسندة في الفرق بين بول الغلام والجارية إذا ضُمّ بعضها إلى بعض قويت. والذي جاء في الحديث هو عن أبي السمع قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بحسن أو حسين، فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام". وقد رواه من حديث أبي السمع أبو داود والبزار والنسائي، وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم. تلخيص الحبير (1/ 37 و 38).
"هي لك أو لأخيك أو للذئب"(1). وقوله في ضالة الإبل: "مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها"(2). ففرّق بينهما بامتناع الإبل من صغار السباع، دون الغنم (3).
وفرق صلى الله عليه وسلم بين الشاب والشيخ الصائمين، بتجويز القبلة للشيخ دون الشاب، لوجود قوة الشبيبة ودافع الشهوة عند الشاب، دون الشيخ (4). وقال في طعام تُصُدِّق به على بريرة (5):"هو لها صدقة ولنا هدية"(6). ففرّق بين الحكمين لاختلاف الجهتين (7). وقال جواباً لمن سأله عن رجلين عَطَسا عنده، فشمّت أحدهما، دون الآخر: "إن هذا حمد الله، وإن هذا
(1) جزء من حديث متفق عليه رواه زيد بن خالد الجهني، فيما يتعلق بالشاة، قال صلى الله عليه وسلم: "
…
خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب" نيل الأوطار (5/ 338)، وتلخيص الحبير (3/ 73).
(2)
وهو جزء من الحديث المتفق عليه من رواية زيد بن خالد الجهني، وفيما يتعلق بالتقاط ضالة الإبل ورد قوله صلى الله عليه وسلم:"مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها صاحبها" نيل الأوطار (5/ 338)، وتلخيص الحبير (3/ 73).
(3)
علم الجذل (ص 74).
(4)
الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في شأن مباشرة الصائم امرأته. فعن أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخّص له، وأتاه آخر فنهاه عنها، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب
…
" رواه أبو داود. انظر نيل الأوطار (4/ 211).
(5)
هي بريرة بنت صفوان مولاة عائشة بنت أبي بر الصديق رضي الله عنها كانت لعتبة بن أبي لهب. ذكرها بقي بن مخلد فيمن روى حديثاً واحداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: الأسماء واللغات (2/ 332).
(6)
حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم بقر، فقيل هذا ما تُصُدِّق به على على بريرة، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية). انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (4/ 183).
(7)
علم الجذل (ص 74).
عَطَسا عنده، فشمّت أحدهما، دون الآخر:"إن هذا حمد الله، وإن هذا لم يحمد الله"(1)، ومثل ذلك غير قليل في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام السلف، وعلماء الأمة الكبار، الشيء الكثير من تلك الفروع، المتفقة في الصورة، والمختلفة في الحكم. كاستحباب الإمام مالك – رحمه الله (ت 179 هـ) للمرضع أن تتخذ ثوباً للصلاة، وعدم استحبابه ذلك لذي الدمل والجرح (2). وقوله بعدم إعادة مسح الرأس، إذا حلقه صاحبه، وبغسل رجليه، إذا نزع خفّيه، بعد أن مسح عليهما (3). وقوله يتوضأ الجنب، إذا أراد النوم، ولا تتوضأ الحائض، مع أن كلا المانعين موجب للغسل (4). وقوله: لا يجوز الخيار في النكاح ويجوز الخيار في البيع، مع أن كلاً منهما عقد معاوضة (5). وقوله: إذا أخطأ الدليلُ كان له أُجرة، وإذا عطبت السفينة لم يستحق الأجرة (6).
(1) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما وفي مسلم عن أبي بردة قال: دخلت على أبي موسى وهو في بيت بنت الفضل بن عباس، فعطستُ فلم يشمتني، وعطستْ فشمتها، فرجعت إلى أمي فأخبرتها. فلما جاءها، قالت: عطس عندك ابني فلم تشمته، وعطست فشمتها، فقال: إنه عطس فلم يحمد الله، فلم أشمته، وعطست فحمدت الله، فشمتها. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه". انرظ: صحيح مسلم بشرح النووي (18/ 121).
(2)
عدة البروق (ص 82).
(3)
المصدر السابق (ص 89).
(4)
المصدر السابق (ص 104).
(5)
الفروق الفقهية للدمشقي (ص 78).
(6)
المصدر السابق (80 و 81).
وكقول أبي حنيفة – رحمه الله (ت 150 هـ)(1): إذا خرج الدود من أحد السبيلين ينتقض الوضوء، وإن خرج من الجرح لم ينتقض (2). وقول محمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ) (3) في النوادر: إذا نزل الدم إلى قصبة الأنف انتقض وضوؤه، وإذا وقع البول في قصبة الذكر لم ينتقض (4). وقوله في الأصل: إذا نقب البيت، وأدخل يده، وأخرج
(1) هو النعمان بن ثابت الكوفي التيمي بالولاء، أحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. ولد في الكوفة سنة (80 هـ) ونشأ فيها، وتلقى علمه على حماد بن أبي سليمان، وتوفي في بغداد سنة (150 هـ).
من آثاره: الفقه الأكبر في الكلام، والمسند في الحديث، والرد على القدرية، والمخارج في الفقه.
راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص 86)، الفهرست (ص 284)، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (ص 1 - 141)، شذرات الذهب (1/ 277)، والفتح المبين (1/ 101) وما بعدها، ومعجم المؤلفين (13/ 104) وغير ذلك. ومنها الكتب الخاصة عن الإمام أبي حنيفة.
(2)
الفروق للكرابيسي (1/ 34).
(3)
هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صاحب الإمام أبي حنيفة، ومدون فقه المذهب. صحب أبا حنيفة، وأخذ عنه الفقه، ثم عن أبي يوسف. التقى بالإمام الشافعي في بغداد، وناظره، تميّز بالفطنة والذكاء، وكان مقدماً في الفقه والعربية والحساب، توفي بالري سنة (189 هـ) وقيل سنة (187 هـ).
من مؤلفاته: كتب ظاهر الرواية المعتمدة في المذهب الحنفي، وهي الجامع الكبير، والجامع الصغير، والسير الكبير، والسير الصغير، والمبسوط، والزيادات، وله كتب كثيرة غيرها.
راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة (3/ 122)، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (ص 120 - 130)، ووفيات الأعيان (3/ 324)، وطبقات الفقهاء للشيرازي (ص 135)، والفهرست (ص 287)، والفتح المبين (1/ 110).
(4)
الفروق للكرابيسي (1/ 35).
المتاع، وذهب، لم يقطع، ولو شق الجوالِق (1)، وأدخل يده، وأخرج المتاع قطع (2).
ومثل ذلك يقال عن سائر الأئمة ممن لم نذكرهم، والأمثلة على ذلك كثيرة سواء كانت من منصوصات الأئمة، أو مما خُرّج لهم بأي وجه من وجوه التخريج.
فمثل هذه الصور المتشابهة، ذات الأحكام المختلفة، أوجدت الحاجة إلى بيان الفروق بين المسائل، توضيحاً وكشفاً عن معانيها، ودفعاً للالتباس وما قد يساور بعضهم من وجود التناقض بين فتاوى العلماء، ومما ساعد على ذلك أمران:
الأمر الأول: ما ظهر من نقد للقياس في الأحكام الشرعية، والقول أن القياس أساسه الجمع بين المتشابهات، والتفريق بين المختلفات، وهذا الأمر غير متحقق في الأحكام الشرعية، لأن الأحكام الشرعية والفقهية، في أحيان متعددة، تفرّق بين المتشابهات، وتجمع بين المتفرقات، فكان التنبيه على الفروق لبيان أن عدم إعطاء المتشابهات حكماً واحداً بالقياس، يعود إلى أن التشابه ظاهري يقابله اختلاف وفروق أوجبت اختلاف الحكم.
والأمر الثاني: هو ضد الأمر السابق، وكأنه للتنبيه على الفروق بين المسائل، منعاً لقياس بعضها على بعض، وإعطائها حكماً واحداً، فيكون ذلك قياساً مع الفارق.
غير أن إظهار الفروق بين الفروع الفقهية المتشابهة في الصورة والمختلفة في الأحكام كان في مجال الدرس، وفي مجال المناظرات والجدل، ولم
(1) الجُوالق: وعاء من الأوعية- معرّب. جمعه جَوالق، وجواليق. (انظر لسان العرب).
(2)
الفروق للكرابيسي (1/ 308).
يعرف طريقه إلى التدوين.
وحين نشطت حركة التدوين في الفقه، وظهرت المباحث المفردة ذات الموضوع الواحد واتجه العلماء إلى التأصيل واستنباط القواعد، كانت الظروف مهيئة للتدوين في الفروق.
وذكر بعض الباحثين أن محمد بن الحسن (ت 189 هـ) هو أوّل من ألّف في الفروق في الفقه الإسلامي، وقال:(ونجد ذلك واضحاً في كتابه (الجامع الكبير) حيث كان أسلوبه ونهجه وطريقة عرضه للمسائل كلها تظهر الفرق بين المسألتين المتشابهتين، مما لا يدع مجالاً للشك أو اللبس) (1).
وفي الحق أن في هذا الكلام نوعاً من المبالغة، فكتاب محمد بن الحسن (ت 189 هـ) المذكور في الفقه بعامة، وليس خاصاً بالفروق، وتنبيهاته إلى الفروق، في بعض المسائل، كان يأتي عند عرض أمثال تلك المسائل، وهي محدودة في نطاق الفقه الواسع، وقد عاصره الشافعي (ت 204 هـ)(2)، ومالك (ت 179 هـ) – رحمهما الله – وهما ممن نُقل
(1) الفروق للكرابيسي (1/ 8) من مقدمة المحقق د. محمد طموم.
(2)
هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي. أحد أئمة المذاهب السنية الأربعة ولد بغزة في فلسطين، على ما هو الصحيح والمشهور من الآراء سنة (150 هـ). وحمل إلى مكة وعمره سنتان، فنشأ فيها وحفظ القرآن، وهو ابن سبع سنين، وموطأ مالك وهو ابن عشر، وتفقه على مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة. لازم الإمام مالكاً، ثم قدم بغداد مرتين، وحدّث بها، واجتمع إليه علماؤها وأخذوا عنه ثم خرج إلى مصر، وأقام فيها حتى اختاره الله إلى جواره سنة (204 هـ)، ودفن في مقابرها.
عنهما فقه كثير وفيه تنبيهات على طائفة من الفروق، كما هو الشأن في كتب محمد بن الحسن (ت 189 هـ). إن المقصود من الكلام عن الفروق هنا، هو الكلام عن الفروق، على أنها عَلَمٌ على عِلْمٍ أو فن خاص، وعلى التدوين في ذلك استقلالاً، سواء كان منفرداً، أو ضمن متون أخرى. ويعزو ابن خلدون (ت 808 هـ)(1) الاهتمام بالفروق إلى نشوء المذاهب، وصيرورة كلّ مذهب علماً مخصوصاً، الأمر الذي جعل العلماء في حاجة إلى تنظير المسائل في الإلحاق، وتفريقها عند الاشتباه، مما يُحتاجُ معه إلى ملكة راسخة، يُقْتَدَرُ بها على التنظير والتفرقة (2).
وعلى هذا فإنه من المستبعد أن ينشأ التأليف في الفروق، قبل ذلك.
= راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 305)، ومعجم الأدباء (17/ 381)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 11)، وشذرات الذهب (2/ 9 - 10)، وسائر الكتب المؤلفة في ترجمته.
(1)
هو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الحضرمي، الإشبيلي الأصل، التونسي المولد، ثم القاهري، المالكي المشهور بابن خلدون، من العلماء والمؤرخين والحكماء. برع في علوم كثيرة، ولكن كان أكثر ما شهره مقدمته التي كتبها لما ألفه في التاريخ، لما فيها من منهج جديد في دراسة التاريخ وتحليل المجتمعات، توفي في القاهرة سنة (808 هـ).
من مؤلفاته: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومقدمته المشهورة، وله شرح للبردة وتلخيص لبعض الكتب ومنها المحصول للرازي، وله عدد من الكتب في الحساب وأصول الفقه، وغير ذلك.
راجع في ترجمته: نيل الابتهاج (ص 169)، وشذرات الذهب (7/ 76)، والأعلام (3/ 330)، والفتح المبين (3/ 14)، ومعجم المطبوعات العربية والمعربة (1/ 95)، ومعجم المؤلفين (5/ 188).
(2)
مقدمة ابن خلدون (ص 806).
إن الذي يبدو، من خلال النظر في المؤلفات في هذا العلم، أن القرن الرابع الهجري كان بداية للتدوين في هذا المجال، سواء كان على سبيل الانفراد، أو على سبيل دخوله ضمن باب أوسع. ففي هذا القرن ذكرت طائفة من المؤلفات، نذكر منها:
1 -
الفروق لأبي العباس أحمد بن عمر بن سريج الشافعي المتوفي سنة (306 هـ)(1).
2 -
المسكت للزبير بن أحمد بن سليمان الشافعي، المتوفي سنة (317 هـ)(2).
(1) هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سُرَيج من فقهاء الشافعية وأئمتهم، كان له فضل كبير في نشر مذهب الشافعي والدفاع عنه. حتى رشحوه على أنه مجدد الدين على رأس الثلاثمائة، تميز بالقدرة على المناظرة، وإيراد الحجج، وقد لقب بالباز الأشهب وبالأسد الضاري، ولد في بغداد ومات فيها سنة (306 هـ).
من مؤلفاته: الرد على ابن داود في إبطال القياس، والتقريب بين المزني والشافعي، ومختصر في الفقه، والرد على عيسى بن أبان، وكتاب في الفروق، وغيرها.
راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 49)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 87)، وطبقات الفقهاء للشيرازي (ص 108)، وطبقات الفقهاء للأسنوي (2/ 20)، وشذرات الذهب (2/ 247)، والفتح المبين (1/ 165).
(2)
هو أبو عبد الله الزبير بن أحمد بن سليمان البصري المعروف بالزبيري، من أحفاد الزبير بن العوام. كان إماماً حافظاً لمذهب الشافعي، عارفاً بالقراءات والأدب، خبيراً بالأنساب، وقد كان أعمى. توفي قبل سنة (320 هـ)، وحدد ذلك بعضهم بسنة (317 هـ).
من مؤلفاته: الكافي، والمسكت، والنية، وكتاب ستر العورة، وكتاب الهدية، وغيرها.
راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص 108)، ووفيات الأعيان (2/ 69)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 224)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 606).
3 -
الفروق لأبي الفضل محمد بن صالح الكرابيسي الحنفي المتوفي سنة (322 هـ)(1).
وقد ذكرت إلى جانب ما تقدم كتب أُخرى، على سبيل التوهم أو الخطأ، نذكر منها:
1 -
كتاب (الفروق) لأبي عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي المتوفي سنة (320 هـ)(2).
2 -
كتاب (المطارحات) الذي نسبوه خطأ إلى أحمد بن محمد البغدادي المعروف بابن القطان المتوفي سنة (359 هـ)(3).
(1) هو أبو الفضل محمد بن صالح الكرابيسي السمرقندي، من فقهاء الحنفية، والكرابيسي نسبة إلى الكرابيس وهي الثياب. توفي سنة (322 هـ).
من مؤلفاته (الفروع في فروع الحنفية).
راجع في ترجمته: الأعلام (6/ 162)، ومعجم المؤلفين (10/ 85)، وهدية العارفين (2/ 33).
(2)
هو أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن المعروف بالحكيم الترمذي كان محدثاً زاهداً وصوفياً، نُفي من ترمذ بسبب اتهامه بالكفر، لما أبداه من آراء شاذة في بعض الأمور العقدية، وقد اختلف في تاريخ وفاته، فقيل سنة (255 هـ)، وقيل سنة (285 هـ)، وقيل سنة (320 هـ)، وهو الراجح عند بعض من ترجم له.
من مؤلفاته: الفروق، وختم الولاية، وعلل الشريعة، ورياضة النفس، والكسب والصلاة ومقاصدها، وغيرها.
راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (2/ 20)، والأعلام (6/ 272)، ومعجم المؤلفين (10/ 315) وقد ذكر أنه كان حياً سنة (318 هـ).
(3)
هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي المعروف بابن القطان. كان من فقهاء الشافعية تتلمذ على علماء بغداد، وكان ممن أخذ عنهم الفقه ابن سُريج (ت 306 هـ). توفي سنة (359 هـ).
من مؤلفاته: ذكروا أن له مصنفات في أصول الفقه وفروعه.
…
=
أما كتاب الحكيم الترمذي (ت 320 هـ) فلم يتضح لنا وجه في عدة من المؤلفات في الفروق الفقهية، بل هو في مجال آخر. لقد ذكره صاحب كشف الظنون (1) وأحال في معلومته عنه إلى كتاب طبقات الشافعية الكبرى للإمام ابن السبكي (ت 771 هـ)(2)، الذي قال عنه في ترجمته له (ومن تصانيف الترمذي (ت 320 هـ)، كتاب الفروق لا بأس به، بل ليس في بابه مثله، يفرق فيه بين المداراة والمداهنة، والمحاجة والمجادلة، والمناظرة والمغالبة، والانتصار والانتقام، وهلم جرّا من أمور متقاربة المعنى) (3). ومثل هذا الوصف، يبعد هذا الكتاب عن المجال الذي نتحدث عنه.
= راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 53)، والأعلام (1/ 209)، ومعجم المؤلفين (2/ 75).
(1)
(2/ 1258).
(2)
هو أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الأنصاري الشافعي الملقب بتاج الدين. ولد في القاهرة، وسافر مع والده إلى دمشق فلزم الإمام الذهبي، وتخرّج به، تولى منصب القضاء وخطابة الجامع الأموي ومهنة التدريس في غالب مدارسها، وقد تعرض لشدائد ومحن واتهامات لم تمر على قاضٍ قبله، كان طلق اللسان قوي الحجة. والسبكي نسبة إلى سبك من أعمال المنوفية في مصر. توفي في دمشق بالطاعون سنة (771 هـ).
من مؤلفاته: طبقات الشافعية الكبرى والوسطى والصغرى، وجمع الجوامع في أصول الفقه، ورفع الحاجب عن شرح مختصر ابن الحاجب، والإبهاج في شرح المنهاج، وغيرها.
راجع في ترجمته: الدرر الكامنة (3/ 232)، وشذرات الذهب (6/ 221)، وكشف الظنون (1//595 و 596)، والأعلام (4/ 184)، ومعجم المؤلفين (6/ 226).
(3)
طبقات الشافعية الكبرى (2/ 20).
وأما كتاب المطارحات فقد نسبوه إلى أحمد البغدادي المعروف بابن القطان المتوفي سنة (359 هـ) ويبدو أن هؤلاء قد وقعوا في الوهم؛ لأن الكتاب المذكور هو لأبي عبد الله الحسين بن محمد القطان (1)، الذي ترجم له ابن السبكي (ت 771 هـ) فيمن توفي بين الأربعمائة والخمسمائة (2)، فهو غير داخل في الفترة التاريخية التي نتحدث عنها، وعلى الرغم من ذلك فإن كتاب (المطارحات) ليس في الفروق الفقهية، بل هو في فنٍّ آخر يتصل بالألغاز وامتحان المسؤول وإحراجه. قال عنه الأسنوي (ت 772 هـ)(3)(إنه تصنيف لطيف، وضع للامتحان، ولهذا لقب بالمطارحات)(4). وقد يقال إن المطالبة ببيان
(1) هو أبو عبد الله الحسين بن محمد القطان من فقهاء الشافعية عرف بكتابه (المطارحات)، وإذا ذكر قيل صاحب المطارحات. جعله ابن السبكي فيمن توفي بين الأربعمائة والخمسمائة.
من مؤلفاته: المطارحات.
راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (3/ 163 و 164).
(2)
طبقات الشافعية الكبرى (3/ 163، 164).
(3)
هو أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأسنوي الشافعي الملقب بجمال الدين. ولد بأسنا في صعيد مصر، وقدم إلى القاهرة، وتلقى علومه على عدد من علمائها، ولي الحسبة ووكالة بيت المال، ثم اعتزل. برع في التفيسر، والفقه، والأصول، والعربية، والعروض، وكانت وفاته بمصر سنة (772 هـ).
من مؤلفاته: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، والكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على المسائل النحوية، ونهاية السول شرح منهاج الوصول في أصول الفقه، وطبقات الشافعية، والهداية إلى أوهام الكفاية في فروع الفقه الشافعي.
راجع في ترجمته: الدرر الكامنة (3/ 147)، وشذرات الذهب (6/ 223)، والأعلام (3/ 344)، معجم المؤلفين (5/ 23)، ومعجم المطبوعات (1/ 445)، وهدية العارفين (1/ 561).
(4)
طبقات الشافعية (2/ 387).
الفروق ربما كانت من مجالات الامتحان والألغاز، ولكن المنهج الذي اتبع في الكتاب، كما يتضح مما عرضه ابن السبكي (ت 771 هـ) في ترجمة المؤلف (1)، وما بينه صاحب كشف الظنون (2)، ليس كمنهج الكتب المعهودة في الفروق، وأياً ما كان الأمر، فإن الكتاب ليس داخلاً، كما ذكرنا، في الفترة التاريخية التي نتحدث عنها ويبقى بعد ذلك، الحديث عن الكتب الثلاثة التي ذكرناها أولاً، وهي كتاب الفروق لابن سُريج (ت 306 هـ) وكتاب المسكت للزبير بن أحمد (ت 317 هـ)، وكتاب الفروق لمحمد بن صالح الكرابيسي (ت 322 هـ).
أما كتاب (الفروق) لأبي العباس ابن سُرَيج (ت 306 هـ)، فقد ذكره صاحب كشف الظنون باسم (الفروق في فروع الشافعية)، وقال إنه مشتمل على أجوبة عن أسئلة متعلقة بمختصر المزني (3). وما قاله معلومات غير كافية للحكم على طبيعة الكتاب. وأكثر من ترجم لابن سُرَيج، لم يذكروا الكتاب، وإن كانوا قد ذكروا كثرة مؤلفاته، وأنها
(1) طبقات الشافعية الكبرى (3/ 163 و 164).
(2)
(2/ 1713).
(3)
(2/ 1258).
والمزني هو: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني المصري، صاحب الإمام الشافعي، وناصر مذهبه، وأعرف الشافعية بطرقه وفتاويه وما ينقله عنه، عرف بالزهد وحدة الفهم. توفي في مصر ودفن فيها سنة (264 هـ).
من مؤلفاته: الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، وغيرها.
راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 196)، وطبقات الشافعية الكبرى (1/ 238)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 34)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 58)، والأعلام (1/ 329)، والفتح المبين (1/ 156).
أربعمائة مصنف ولكنها كانت غير منتشرة، وعزيزة الوجود حتى في زمن ابن السبكي (ت 771 هـ)(1).
وأما كتاب (المسكت) للزبير بن أحمد الشافعي المتوفي سنة (317 هـ)، فقد ذكره بعض من ترجم له، كابن السبكي (ت 771 هـ)، والأسنوي (ت 772 هـ) وابن قاضي شهبة (ت 851 هـ)(2)، وليس في كلامهم ما يدل على أنه في الفروق بخاصة، بل كلامهم ينعته بأنه كالألغاز. قال الأسنوي: هو كالألغاز وكتاب غريب اختصره بعض الفضلاء) (3)، ونقل ذلك عنه صاحب كشف الظنون (4)، وقال ابن قاضي شهبة (ت 851 هـ):(والمسكت كالألغاز قليل الوجود)(5). وما نقله ابن السبكي (ت 771 هـ) عن الكتاب لا يعطى تصوراً واضحاً عنه (6). فما نقله عنه مسألة فيها فرق، وكلام آخر طويل ليس فيه شيء من ذلك.
(1) طبقات الشافعية الكبرى (3/ 163 و 164).
(2)
هو أبو بكر بن أحمد بن محمد الأسدي الشهبي الدمشقي، الملقب بتقي الدين والمكنى بأبي الصدق، والمعروف بابن قاضي شهبة بسبب أن أحد أجداده كان قاضياً في شهبة من قرى حوران، كان عالماً وفقيهاً ومؤرخاً. توفي سنة (851 هـ). من مؤلفاته: الإعلام بتاريخ الإسلام، ومناقب الإمام الشافعي، وطبقات النحاة واللغويين ومدارس دمشق وحماماتها، وطبقات الشافعية، وشرح المنهاج، وشرح التنبيه، وغيرها.
راجع في ترجمته: نظم العقيان (ص 94)، وشذرات الذهب (7/ 269)، والأعلام (2/ 61)، ومعجم المؤلفين (3/ 57).
(3)
طبقات الشافعية (1/ 606 و 607).
(4)
(2/ 1676).
(5)
طبقات الشافعية (1/ 95).
(6)
طبقات الشافعية الكبرى (2/ 221).
وما نقله محقق إيضاح الدلائل عن مطالع الدقائق للأسنوي (ت 772 هـ)(1). لا يكفي في الحكم على أنه كتاب في الفروق، فالقول بأنه اشتمل على فروق، وعلى فنون أخرى، وصف مبهم ينطبق على كثير من الكتب التي ليست في الفروق، على أن الأسنوي (ت 772 هـ) نفسه نعته في الطبقات بما يشبه أنه في الألغاز (2).
وأما كتاب الفروق لأبي الفضل محمد بن صالح الكرابيسي (ت 322 هـ)، فقد ذكر بأن مصنفة رتبه على أبواب الفقه (مورداً في كل باب طائفة من المسائل المتشابهة، موضحاً الفرق بين كل مسألتين متشابهتين منها، بأسلوب سهل وعبارة واضحة)(3).
وبعد هذه الفترة، أي القرن الرابع، كثرت المؤلفات في الفروق الفقهية، وحظي هذا العلم، أو الفن باهتمام العلم والمؤلفين. وقد وجدنا أن من العلماء من أفرد هذا الموضوع بكتاب خاص، ومنهم من أدخله في ضمن مجموعة من العلوم والفنون.
على أنه مهما يكن الأمر، فإن هذه الكتب تشهد لميلاد إفراد التأليف في الفروق الفقهية، في القرن الرابع الهجري. ومما يقوي ذلك أن
(1)(1/ 35) من مقدمة المحقق.
(2)
طبقات الشافعية (1/ 606 و 607)، وانظر طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 95).
(3)
إيضاح الدلائل (1/ 28) من مقدمة المحقق د. عمر بن محمد السبيل.
وذكر المحقق أن هذا الكتاب المخطوط يقوم بتحقيقه أحد الباحثين في كلية الشريعة بجامعة أم القرى لنيل درجة الدكتوراه علماً بأن هذا الكلام ورد في مقدمة تحقيق إيضاح الدلائل المطبوع سنة (1414 هـ).
أبا محمد عبد الله بن يوسف الجويني المتوفي سنة (438 هـ)(1)، ذكر في مقدمة كتابه (الفروق) أنه رأى لبعض مشايخه المتقدمين، مجموعاً في هذا الباب، لكنه قال إنه كان مشتملاً على مسائل معدودة قليلة، ولا يكاد يحصل مقصود هذا الباب إلا بالزيادة على ما جمع المتقدمون.
وليس لدينا تصور واضح وأكيد، عن ظهور التأليف في هذا المجال، أي الفروق في الفقه، قبل القرن الرابع الهجري. وما يذر من أسماء لبعض الكتب، ربما كان في ميادين أُخَر، فضلاً عن أنه من الصعب أن يحكم عليها من العناوين.
ويظهر من استقراء المؤلفات في هذا الموضوع أن القرن الخامس الهجري كان العصر الذهبي لهذا العلم، ففيه ظهرت أبرز المؤلفات في هذا المجال، كما كان العصر الذهبي لهذا العلم، ففيه ظهرت أبرز المؤلفات في هذا المجال، كما كان عدد المؤلفات فيه أكثر من أي عصر آخر. ويليه في ذلك القرنان السابع والثامن.
وبعد ذلك أخذ التأليف في الفروق الفقهية بالضمور، وقلت المؤلفات التي تناولت موضوعه، واعتمد العلماء على مؤلفات السابقين. ولم نعلم في القرن العاشر كتاباً يتناول هذا الموضوع، بانفراد، غير كتاب (عدة
(1) هو أبو محمد عبد الله بن يوسف بن حيويه الطائي الجويني الشافعي، والد إمام الحرمين، قرأ في بلده (جُوين) من أعمال نيسابور على والده وآخرين، ثم خرج إلى نيسابور ومرو، فأخذ عن علمائها، كان إماماً في الفقه والتفسير والأصول والعربية والأدب. وكان مهيباً وقوراً. توفي سنة (438 هـ) في مدينة نيسابور.
من مؤلفاته: التفسير الكبير، والتلخيص في أصول الفقه، والتبصرة، والتذكرة، والسلسلة، والجمع والفرق المعروف بالفروق، والوسائل في فروق المسائل، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (2/ 250)، وطبقات الشافعية الكبرى (3/ 208)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 338)، والأعلام (4/ 146)، ومعجم المؤلفين (6/ 165).
البروق) لأبي العباس الونشريسي (ت 914 هـ)(1). ثم لم نعلم بعد ذلك، شيئاً غير مؤلفات قليلة، مجهولة المؤلف، وغير واضحة في زمن تأليفها، مما لا يفيدنا في الحكم على فترات التأليف. ولكننا نذكر هنا أن موضوع الفروق الفقهية لم يهمل كليّاً، فقد ذكرت الفروق في ضمن الكتب المؤلفة في القواعد، أو الأشباه والنظائر، كما هو الشأن في كتابي الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، والأشباه والنظائر لابن نجيم (ت 970 هـ)(2). وما جاء من المؤلفات في القواعد أو شروحها كان عيالاً عليهما، في الغالب.
وفي العصر الحاضر ظهر اتجاه إلى استخراج الفروق الفقهية الواردة، تبعاً في كتب الفقه سواء كان باستخراج الفروق من كتاب معين، أو باستخراج الفروق، عند أحد العلماء، من خلال النظر في مؤلفاته، كما سنذكر ذلك فيما بعد.
(1) هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي التلمساني. من علماء المالكية وفقهائها تتلمذ على علماء تلمسان، ثم فر إلى فاس، بعد أن انتهبت داره، وتعرض للخطر. وظل فيها حتى مات سنة (914 هـ).
من مؤلفاته: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، والمنهج الفائق والمنهل الرائق في أحكام الوثائق، والفروق في مسائل الفقه، والمختصر في أحكام البرزلي، وعدة البروق في جمع ما في المذهب من الفروق.
راجع في ترجمته: شجرة النور الزكية (ص 274 و 275)، والأعلام (1/ 269).
(2)
هو زين العابدين بن إبراهيم بن محمد المشهور بابن نجيم المصري، من فقهاء وأصوليي الحنفية في القرن العاشر الهجري. توفي سنة (970 هـ).
من مؤلفاته: البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، وشرح المنار في الأصول، والفوائد الزينية في مذهب الحنفية، والأشباه والنظائر على مذهب الحنفية.
راجع في ترجمته: شذرات الذهب (1/ 358)، والأعلام (3/ 64)، والفتح المبين (3/ 78)، ومعجم المطبوعات (1/ 265).