الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
التفريق بين الأصول ببيان الفرق بين
الأحكام والآثار المترتبة عليها
ومما يتحقق به التفريق بين الأصول، الأحكام والآثار المترتبة عليها، استدلالاً بالأثر على المؤثر. فالفرق بين الفرض والواجب، عند الحنفية، مثلاً، رتبوا عليه أن ترك القراءة في الصلاة يبطلها، لثبوتها بنص القرآن، قال تعالى:(فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ)(1). أما ترك الفاتحة بعينها فلا يبطلها، لأن الأمر بها ثبت بخبر واحد، وهو يفيد الظن (2). والزكاة عندهم فرضٌ لثبوتها بالقاطع وهو نص القرآن، وزكاة الفطر واجبة لأنها ثبتت بأخبار الآحاد، فما ثبت بالقاطع يكون منكره كافراً، وما ثبت بما هو دونه فلا يكون كافراً (3).
ورتبوا على التفريق بين الحرام والمكروه استحقاق العقاب على فاعل الحرام، دون فاعل المكروه (4). ورتّب جمهور الحنفية الذين فرقوا بين الوجوب ووجوب الأداء أحكاماً على ذلك، وقالوا: إن الوجوب هو شغل الذمة بالملزوم، وهذا يتوقف على الأهلية، ووجود السبب، أما وجوب الأداء فهو لزوم تفريغ الذمة عن الواجب بواسطة الأداء، وهو يتوقف على الأهلية والسبب والخطاب واستطاعة سلامة الأسباب، وغير ذلك (5).
(1) المزمل آية: (20).
(2)
الاختيار لتعليل المختار (1/ 54).
(3)
أصول الفقه لعباس متولي حمادة ص (273).
(4)
روضة الناظر بشرح نزهة الخاطر العاطر (1/ 123 و 124).
(5)
البحر المحيط (1/ 180).
والتفريق بين الصحة والبطلان تترتب عليه آثار في الدنيا والآخرة، فلو كان في العبادات فإنه يقع مجزياً، وتبرأ به ذمة المكلف، وإن كان معاملة فإنه تثبت به الملكية، وإن كان إجازة فإنه يثبت به ملك المنفعة بالعوض، وإن كان إعارة فإنه يثبت به المنفعة من دون عوض، وهكذا. بخلاف البطلان الذي لا تترتب عليه هذه الآثار (1).
والتفريق بين الفاسد والباطل، عند الحنفية، رتبوا عليه في المعاملات أن العقود الباطلة لا تترتب عليها آثارها التي رتّبها الشارع عليها، فلا يفيد العقد الملك، ولو اتصل بالقبض، فهو عندهم كالمعدوم. أما الفاسد فإنه وإن كان لا تترتب عليه آثاره، ولكنه إن اتصل به القبض، ملكه المشتري، ووجبت عليه قيمته لا ثمنه، مع إثم العاقدين بذلك (2).
والتفرق بين العلة القاصرة والعلة المتعدية يترتب عليه نشر حكم ما فيه العلة المتعدية إلى جزئيات كثيرة، والاقتصار على الجزئية التي ورد بشأنها النص في القاصرة. إلى غير ذلك من الأمور المنتشرة في مصطلحات وقواعد أصول الفقه.
(1) أصول الفقه لعباس متولي حمادة ص (317 و 318).
(2)
المصدر السابق ص (318 و 319).