الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث: أقسامها من حيث الصحة والفساد
. وتنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين:
القسم الأول: الفروق الصحيحة، وهي الفروق التي تتحقق فيها الشروط الآتية:
1 -
أن يكون ما يُبْدَي من فرق معنى مناسباً للحكم، في إحدى الصورتين، مفقوداً في الصورة الأخرى (1). وقد ذكر الطوفي (ت 716 هـ) أن طريق النظر في الجمع والفرق بين الصور، هو أن يُنْظَرَ في الجامع والفارق، فيعتبر المناسب منهما، ويُلْغَى الطردي، بطريق تنقيح المناط (2).
وقد نقل الزركشي (ت 794 هـ)(3) عن كتاب (الفرق والجمع)
(1) رفع النقاب (ص 892).
(2)
علم الجذل في علم الجدل (ص 71).
(3)
هو أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي، الملقب ببدر الدين، عرف بالفقه والأصول والحديث والأدب وعلوم القرآن، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة. تلقى علومه على جمال الدين الأسنوي وسراج الدين البلقيني وآخرين، رحل إلى حلب، وسمع الحديث في دمشق وغيرها، كان منقطعاً لا يتردد إلا إلى أحد أسواق الكتب. درس وأفتى. توفي في القاهرة سنة (794 هـ).
من مؤلفاته: البحر المحيط في أصول الفقه، تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع في أصول الفقه، والبرهان في علوم القرآن، وخبايا الزوايا، والمنثور في القواعد، وغيرها.
راجع في ترجمته: الدرّر الكامنة (5/ 133)، وشذرات الذهب (6/ 335)، والأعلام (6/ 60)، ومعجم المؤلفين (9/ 121).
لنجم الدين المقدسي (ت 638 هـ)(1) أنه إذا تمت المناسبة بشروطها فهذا الفرق الصحيح (2).
ومثال ذلك التفريق بين الهبة والبيع، في مسألة حصول الغرر، فعندما يقول المستدل لا تجوز الهبة مع الغرر قياساً على البيع، يُعْتَرَضُ عليه بالفرق بينهما، لأن البيع عقد معاوضة، والمعاوضة مكايسة يخل بها الغرر، بخلاف الهبة فإنها عقد فيه إكرام وإحسان محض، فلا يخل به الغرر، وكذلك أن الموهوب له، إذا لم يحصل على شيء، فلا يتضرر، بخلاف المشتري الذي يلحقه الضرر (3).
2 -
تغليب الأنسب للحكم، إذا كان كلٌّ من الجامع والفارق مناسباً له. سواء كان الأنسب جامعاً أو فارقاً، فمثال الأنسب جامعاً ما ذكره
(1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي، ثم الشافعي. ويعرف بالحنبلي ويلقب بنجم الدين. تلقي علومه على طائفة من علماء عصره، ثم درّس في مدارس عدة، في بلدان مختلفة وبخاصة في دمشق، تنقل في البلدان، فسافر إلى بغداد وهمدان وبخاري واستفاد من علمائها. كان ذكياً برع في الحديث وعلم الخلاف، وعرف بأنه صاحب أوراد وتهجد. ناب في القضاء إلى أن مات سنة (638 هـ).
من مؤلفاته: شرح المعالم لفخر الدين الرازي في الأصول، والفصول والفروق، وطريقة الخلاف، والدلائل الأنيقة، وغيرها.
راجع في ترجمته: طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 448)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 403)، وشذرات الذهب (5/ 189)، ومعجم المؤلفين (2/ 99).
(2)
البحر المحيط (5/ 316)، ويبدو أن الزركشي ذكر الكتاب بمعناه ومحتواه، لأن الوارد في ترجمة نجم الدين المقدسي أن كتابه اسمه (الفصول والفروق).
(3)
رفع النقاب (ص 893).
الطوفي (ت 716 هـ) بشأن قتل الأب ولده، إذ لا فرق في قتله بين أن يضربه بالسيف، أو يرميه بسهم، أو يذبحه. فإنه لا يقتل تغليباً للمعنى الجامع، وهو الإشفاق الوازع. وقد غلّب هذا المعنى المناسب على ما ورد عن مالك – رحمه الله (ت 179 هـ)(1) في تفريقه بين القتل بالسيف والقتل بالذبح، فإنه رأى أن الذبح معنى مناسبٌ للقود، فيقاد به الأب، بخلاف القتل بالطرق الأخرى. ووجه التفريق والأرجحية عنده، هو أن القتل فيما سوى الذبح، يحتمل أنه أراد به ترويع ولده لتأديبه، فأفضى إلى القتل خطأ، بخلاف الذبح الذي لا يتحقق به معنى التأديب، فيجب القود – حينئذٍ – قياساً على الأجنبي، فرجّح مناسب القتل العمد العدوان، على مناسبة الإشفاق الوازع- بينما لم يعتد الجمهور بهذا الفرق واعتبروه وصفاً طردياً.
ومثال الأنسب فارقاً، في المسألة المتقدمة، أن يقال إن المعنى المناسب الجامع بين الأب والأجنبي أنهما قاتلان، فينبغي أن يقاد الأب بالولد، كما هو الأمر في الأجنبي، لاشتراكهما في العلة المناسبة. فيقال: وصف الأبوّة معنى مناسب لإسقاط القود، وهو أكثر
(1) هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني ولد في المدينة سنة (93 هـ)، وقيل سنة (95 هـ). وأخذ العلم عن ربيعة بن عبد الرحمن وغيره، كان – رحمه الله فقيه أهل المدينة، وأحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. توفي في المدينة سنة (179 هـ)، ودفن في البقيع.
من آثاره: الموطأ، والمدونة الكبرى، وهي تمثل فتاواه وآراءه برواية تلاميذه.
راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 284)، والديباج المذهب (ص 17 - 30)، والفتح المبين (1/ 112)، ومعجم المؤلفين (8/ 168)، والأعلام (5/ 257) ن وسائر الكتب المؤلفة في حياة وسيرة الإمام مالك.
مناسبة من المعنى الجامع، وهو القتل، ووجه ذلك أن شفقة الأب تمنع من تعمد قتل الولد، بخلاف الأجنبي (1).
القسم الثاني: الفروق الفاسدة، وإلى جانب الفروق الصحيحة توجد فروق فاسدة، غير معتدّ بها عند العلماء، ولا تبنى عليها أحكام، وهي كثيرة نذكر بعضها فيما يأتي:
1 -
الفرق بالأوصاف الطردية: والمقصود بالأوصاف الطردية التي لم يعلم كونها مناسبة ولا مستلزمة للمناسب (2). وقيل أنها الأوصاف التي لم يلتفت إليها الشارع، فيما عهد في تصرفه، كالطول والقصر، في عموم الأحكام، والذكورية والأنوثية في باب العتق (3). فلو قيل صحّ بيع الحبشي فيصح بيع التركي، فلو فرق بينهما بأن هذا أسود، وذاك أبيض، لكان تفريقاً باطلاً. قال في البحر المحيط:
(ولو فتح هذا الباب لم يتم قياس، لأنه ما من صورتين إلا وبينهما فرق)(4).
ومما عدّ من الأوصاف الطردية قول الحنفي بشأن عدم افتقار الوضوء إلى النية، عنده، طهارة بالماء فلم تفتقر إلى النية، كإزالة النجاسة. فيقول الفارق المعنى في الأصل أنها طهارة عينية والوضوء طهارة حكمية. فيصير الجامع طردياً (5).
(1) علم الجذل في علم الجدل (ص 71، 72).
(2)
المحصول (2/ 355).
(3)
شرح مختصر الروضة (3/ 408).
(4)
(5/ 316).
(5)
نفائس الأصول (8/ 3467).
2 -
الفرق بوصف مصطلح على ردّه بين العلماء. كما لو قيل في الزاني المحصن، يجب رجمه قياساً على ماعز (1). فيعترض بالفرق بينهما، بأن الرجم في ماعز وجب تطهيراً له، وهذا المعنى معدوم فيما قيس عليه، لأن الرجم في عقوبة الزاني المقصود منها الزجر. فمثل هذا الفرق باطلٌ غير معتد به (2)؛ لأن العلماء اصطلحوا على رد أن علة رجم ماعز هي التطهير.
3 -
الفرق يون الأصل مجمعاً عليه، والفرع مختلفاً فيه، ومثلوا لذلك بما لو قيل: إن الحاجة إلى وجوب الزكاة على البالغ أكثر منها على الصبي، لأنها مما اتفق عليه في البالغ، ومما اختلف فيه في الصبي، ولو كانت الصورتان متساويتين في المصلحة لكانتا متساويتين في الاجتماع وعدمه (3).
4 -
الفرق بكون الأصل منصوصاً على حكمه، والفرع مختلفاً فيه، وهو قريب مما سبق. قال الزركشي (ت 794 هـ):(لو صح الفرق بذلك بطلت الأقيسة كلها)(4).
5 -
الفرق بما هو نتيجة افتراق الأصل والفرع في الاجتماع والخلاف، ومثلوا لذلك بما إذا قاس الفقيه النبيذ المشتدّ على الخمر، فاعتُرِض عليه بالفرق بينهما في أنَّ مُستْحِلَّ الخمر كافرٌ ومُستحِلّ النبيذ لا يفسق.
(1) هو ماعز بن مالك الأسلمي. أقر بالزنا وهو محصن، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمه، فرجم. والحديث عن رجمه صحيح، ثبت في الصحيحين وغيرهما، انظر القصة وما ورد بهذا الشأن في نيل الأوطار (7/ 99) وما بعدها.
(2)
البحر المحيط (5/ 316).
(3)
المصدر السابق.
(4)
المصدر السابق.