الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول:
التفريق بين الأصول ببيان معاني المصطلحات
والتمييز بين حقائقها
وهذا النوع من التفريق يكاد يدخل في كل مباحث أصول الفقه، إذ إن جميع قواعده يخالف بعضها بعضاً، وإلا كانت شيئاً واحداً، ولا نعني بذلك أنها متنافرة، بل هي منسجمة، وإن كان بينها اختلاف في المعنى والدلالة، كالفرق بين الفرض والواجب، والمكروه والحرام، والمكروه تحريماً والمكروه تنزيهاً، والوجوب ووجوب الأداء، والأداء والقضاء والإعادة، والواجب المخيّر والواجب المعيّن، والواجب الموسع والواجب المضيق، وفرض العين وفرض الكفاية، وسنة العين وسنة الكفاية، وخطاب التكليف وخطاب الوضع، والسبب والعلة، والسبب والشرط، والصحة والفساد، والرخصة والعزيمة، والمانع والشرط، والشرط الشرعي والشرط الجعلي، وكالفرق بين تنقيح المناط وتحقيقه وتنقيحه، وبين النسخ والتخصيص، والمطلق والعام، وبين أنواع القياس من طرد وعكس وشبه ودلالة، وخفيّ وجليّ، وبين أنواع الإجماع، وبين أنواع الألفاظ، من حيث دلالاتها، كالفرق بين النص والظاهر، والمجمل والمشكل والخفيّ والمتشابه، والحقيقة والمجاز، والمشترك والمترادف، وكالفرق بين العلم والظن، والشك والوهم، وغير ذلك من الأمور التي هي على هذا المنوال. وإننا لنجد مثل ذلك في جميع المباحث الأصولية. وقد لجأ عدد غير قليل من الأصوليين إلى جعل أوائل كتبهم في التعريفات، وبيان معاني المصطلحات
الأصولية، والفرق فيما بينها، كما في العدة للقاضي أبي يعلى (ت 458 هـ)(1)، والتمهيد لأبي الخطاب (ت 510 هـ)(2).
والمنتهى ومختصره لابن الحاجب (ت 646 هـ)(3)، وشرح الكوكب
(1) هو أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد الفراء البغدادي الحنبلي. ولد في بغداد ونشأ فيها وتفقه على أبي عبد الله بن حامد وغيره. وقد كان أبو يعلى عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون، وإماماً لا يشق له غبار، سمع الحديث الكثير، وحدّث وأفتى ودرّس، فتخرّج به عدد من العلماء. توفي في بغداد سنة (458 هـ)، ودفن بمقبرة باب حرب.
من مؤلفاته: العدة والكفاية في أصول الفقه، والمجرد في الفقه على مذهب الإمام أحمد، وردود على بعض الفرق، والأحكام السلطانية، وغيرها.
راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة (2/ 193)، وشذرات الذهب (3/ 306)، والمنهج الأحمد (2/ 128)، والأعلام (6/ 99)، ومعجم المؤلفين (9/ 245).
(2)
هو أبو الخطاب محفوظ ابن أحمد بن الحسن الكلوذاني البغدادي الحنبلي، والكلوذاني نسبة إلى كلواذي بلدة قريبة من بغداد. ولد ونشأ في بغداد، وتتلمذ على القاضي أبي يعلى، وحدّث عن الجوهري، كان إمام الحنابلة في عصره، بارعاً في الفقه والأصول وعلم الخلاف والفرائض، وكان الكيا الهراسي إذا رآه مقبلاً، قال: قد جاء الفقه. تولى التدريس والإفتاء وتتلمذ عليه عدد من أئمة الحنابلة، منهم عبد القادر الجبلي وغيره. توفي في بغداد سنة (510 هـ).
من مؤلفاته: التمهيد في أصول الفقه، والانتصار في المسائل الكبار، ورؤوس المسائل، والهداية في الفقه، وعقيدة أهل الأثر.
راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة (1/ 116)، وشذرات الذهب (4/ 27)، والمنهج الأحمد (2/ 233)، والأعلام (5/ 291)، والفتح المبين (2/ 11).
(3)
هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي الأصل المالكي المذهب، الملقب بجمال الدين، والمعروف بابن الحاجب، لكون أبيه جندياً حاجباً عند الأمير عز الدين الصلاحي. عرف بالفقه والقراءة والأصول والنحو والصرف والعروض. =
المنير لابن النجار (ت 972 هـ)(1). والحدود في الأصول لأبي الوليد الباجي (ت 474 هـ).
إن الذي يدعونا إلى أن نجعل الكلام عن التقاسيم وتعريفات المصطلحات، وبيان محترزاتها، كلاماً في الفروق، إن العلماء حينما يوردون التعريفات لا يقتصرون على ذلك، بل يتبعون ذلك بشرحها، وبيان محترزاتها أو قيودها التي تمنع من دخول ما ليس من أفراد المعرّف، وتجمع ما هو من أفراده. وذلك كله يُعَدّ كلاماً في الفروق، وإن لم يكن مقصوداً به ذلك أصالةً. وتوضيحاً لذلك نذكر بعض الأمثلة من كتبهم، تشهد لما نقول. فمما يوضح ذلك من التقاسيم قول الآمدي (ت 631 هـ)
= ولد بمصر ودرس وتفقه بمذهب مالك، وتخرّج عليه عدد من العلماء، ثم انتقل إلى دمشق ودرّس بجامعها، ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها مدة، ثم انتقل إلى الإسكندرية وكانت وفاته فيها سنة (646 هـ).
من مؤلفاته: الإيضاح شرح المفصل للزمخشري، ومنتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ومختصر منتهى السول والأمل وغيرها.
راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (2/ 413)، ومفتاح السعادة (1/ 125)، والديباج المذهب ص (189)، وشذرات الذهب (5/ 234)، والأعلام (4/ 211).
(1)
هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المصري الحنبلي الملقب بتقي الدين، والشهير بابن النجار. ولد ونشأ في القاهرة وتلقى علومه على والده، وعلى كبار علماء عصره. قضى حياته -بعد أن استوى سوقه- في التعلم والتعليم والإفتاء والجلوس في إيوان الحنابلة للقضاء والفصل في الخصومات. كان معروفاً بالصلاح والتقوى والفقه والزهد. توفي سنة (972 هـ).
من مؤلفاته: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزياداته في الفقه الحنبلي، والكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، وشرحه في أصول الفقه.
راجع في ترجمته: الأعلام (6/ 6)، ومعجم المؤلفين (8/ 276).
في بيان أقسام الحكم الشرعي: (وإذا عرف معنى الحكم الشرعي فهو إما أن يكون متعلقاً بخطاب الطلب والاقتضاء، أو لا. فإن كان الأول فالطلب إما للفعل أو للترك، وكل واحد منهما إما جازم أو غيره. فما تعلق بالطلب الجازم للفعل أو للترك، وكل واحد منهما إما جازم أو غيره. فما تعلق بالطلب الجازم للفعل فهو الوجوب، وما تعلق بالطلب الجازم للترك فهو الحرمة، وما تعلق بغير الجازم فهو للكراهة.
وإن لم يكن متعلقاً بخطاب الاقتضاء فإما أن يكون متعلقاً بخطاب التخيير، أو غيره، فإن كان الأول فهو الإباحة، وإن كان الثاني فهو الحكم الوضعي، كالصحة والبطلان، ونصب الشيء سبباً
…
) (1). فمثل هذا التقسيم والحصر الذي ذكره الآمدي (ت 631 هـ) تتضح منه الفروق بين الحكمين الوضعي والتكليفي، كما تتضح منه الفروق بين أربعة أنواع من الحكم التكليفي هي: الوجوب، والحرمة، والكراهة، والإباحة.
ومما يوضح ذلك من التعريفات، قول الآمدي (ت 631 هـ) أيضاً، في تعريف المحظور أو الحرام:(هو ما ينتهض فعله سبباً للذم شرعاً بوجهٍ ما، من حيث هو فعل له)(2). فبعد ذكر هذا التعريف، ذكر قيوده، فقال: (فالقيد الأول فاصلٌ له عن الواجب والمندوب وسائر الأحكام، والثاني فاصل له عن المخيّر
…
والثالث فاصل له عن المباح الذي يستلزم فعلُه تَرْكَ واجبٍ، فإنّه يُذَمُّ عليه، لكن لا من جهة فعله، بل لما لزمه من ترك الواجب) (1).
وقد يتطرقون، أحياناً، إلى الفروق بالتنصيص عليها من خلال بحثهم في موضع معين، كالذي فعله الآمدي (ت 631 هـ) وغيره، عند الكلام
(1) الإحكام (1/ 96).
(2)
الإحكام (1/ 113).
على النسخ، إذ أفرد فصلاً في بيان الفرق بين النسخ والبداء (1)، وفصلاً في بيان الفرق بين التخصيص والنسخ (2)، وكالذي فعله القاضي أبو يعلى (ت 458 هـ) في الفرق بين العام والظاهر (3)، والفرق بين النسخ والتخصيص (4)، وفخر الدين الرازي (ت 606 هـ) في الفرق بين المطلق والعام (5)، والطوفي (ت 716 هـ) في الفرق بين التخصيص بالاستثناء والتخصيص بغير الاستثناء والفروق بين الاستثناء والنسخ (6).
(1) المصدر السابق (3/ 109).
(2)
المصدر السابق (3/ 113).
(3)
العدة (1/ 140 و 141) قال، بعد تعريف كل من العموم والظاهر: والفرق بين العموم والظاهر أن العموم ليس بعض ما تناوله اللفظ بأظهر من بعض، وتناوله للجميع تناول واحد، فيجب حمله على عمومه إلا أن يخصصه دليل أقوى منه، أما الظاهر فإنه يحتمل معنيين إلا أن أحدهما أظهر وأحق باللفظ من الآخر، فيجب حمله على أظهرهما، ولا يجوز صرفه عنه إلا بما هو أقوى منه. وكل عموم ظاهر، وليس كل ظاهر عموماً، لأن العموم يحتمل البعض، إلا أن الكل أظهر.
(4)
المصدر السابق (3/ 779).
قال المؤلف: (والفرق بين النسخ والتخصيص من وجوه:
أحدها: من شرط الناسخ أن يتأخر عن المنسوخ، ولا يقارنه، وأما التخصيص فالذي يقع به التخصيص يصح أن يسبق المخصوص، ويقارنه، ويتأخر عنه.
والثاني: لا يصح النسخ إلا بمثل المنسوخ في القوة أو أقوى منه، والتخصيص يصح بمثل المخصوص وما دونه، وأضعف منه؛ لأن التخصيص لا يرفع كل الخطاب، وإنما يخص بعضه، وترك الباقي على ما هو عليه
…
الثالث: النسخ يرفع كل النطق، والتخصيص ينفي بعض اللفظ).
(5)
المعالم في أصول الفقه ص (83).
(6)
شرح مختصر الروضة (2/ 585).