الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهناك بيوع خاصة جائزة، كالسلم وبيوع الربا والصرف، سنتكم عنها بالتفصيل بعد الكلام عن
البيوع المنهي عنها
.
ب - البيوع المنهي عنها:
هناك صور من البيوع نهى عنها الشارع لخللٍ فيها أو لأمر اقترن بها، ولذلك كانت على نوعين: باطلة، وصحيحة مع الحرمة.
أولاً: البيوع المحرمة والباطلة:
وهي البيوع التي نهى عنها الشارع لخلل في أركانها أو نقص في شروطها، وقد سمى الشارع أنواعاً من هذه البيوع ونهى عنها، وحكم الفقهاء ببطلانها، وهي:
1 -
بيع اللبن في الضرع قبل أن يحلب، والصوف على ظهر الدابة قبل أن يُجَزّ أي يُقَصّ، وكذلك بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم، أو صوف على ظهر، أو لبن في ضرعٍ، أو سمن في لبن" أي قبل أن يمخض ويستخرج منه. (أخرجه الدارقطني في البيوع، رقم الحديث: 42).
وسبب البطلان هنا الجهالة في المعقود عليه وهو المبيع، فالثمر قبل بدو صلاحه - أي نضجه - لا يعرف كم سيكون مقداره بعد النضج، وقد يختلف اختلافاً كبيراً. وكذلك اللبن في الضرع، والصوف أيضاً: إذا قصّ من أُصوله كان في ذلك ضرر بالحيوان لا يجوز، وإن ترك منه شيء كي لا يؤذي الحيوان لا يعلم مقدار ما يترك منه، وفي ذلك كله غرر وجهالة تبطل البيع.
ونريد أن نتوسع في الكلام عن بيع الثمر قبل نضجه، لكثرة وقوع الناس في هذه المخالفة في هذه الأيام.
بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها (الضمان)
وضعنا كلمة الضمان بين قوسين في العنوان لأن الناس في هذه الأيام يسّمون هذا النوع من البيع بهذه التسمية (الضمان). وتعنينا التسمية ـ فهي
خاطئة على كل حال - وإنما يعنينا المضمون، فهو بيع للثمار قبل ظهور نضجها وصلاحها للأكل، بل لقد ذهب الناس أكثر من ذلك فأصبحوا يشترون الثمار قبل وجودها، وبمجرد ظهور الطَّلْع أي الزهر، وهذا خلل أكبر يجعل هذا البيع أكثر بطلاناً واشد إثماً، لأنه بيع المعدوم الذي قد لا يوجد.
وعلى كل حال علينا البيان، وعلى مَن آمن بالله تعالى وصدق برسوله صلى الله عليه وسلم وآمن بالوقوف بين يدي الله عز وجل، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أن يسمع ويذعن ويخضع لأمر الشرع، فيبتعد عمّا نهى عنه، ولو كان يظنّ في ذلك مصلحة له، على أن الضرر كل الضرر كامِن فيما يخالف أمر الله تعالى أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
نقول: إن بيع الثمار قبل بدو صلاحها - بالإضافة إلى ما ذكرناه من الجهالة بمقدار المبيع - فيه غرر كبير، إذ قد تأتي آفة عليه من صقيع أو مرض أو ما إلى ذلك فلا يخرج، وهنا يأخذ صاحب الشجر مالاً بدون عوض يبذله مقابل ما زعمه ثمناً لثمر أشجاره، فيكون أكلاً لأموال الناس بالباطل، وهذا ما صرح به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:" أرأيْت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " وفي رواية فبم تستحل مال أخيك؟ (رواه البخاري في البيوع، باب: إذا باع الثمار قبل أن يبدوا صلاحها
…
رقم: 2086. ومسلم: المساقاة، باب: وضع الجوائح، رقم: 1555)
فبيع الثمار قبل بدوّ الصلاح حرام وباطل، وقد جاء النهي عنه صريحاً، ويحتمل الإثم البائع والمشتري. فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يَبْدُوَ صَلاحُها، نهى البائعَ والمبتاعَ - أي المشتري " (البخاري: البيوع، باب: بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، رقم:2082. ومسلم: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها، رقم: 1534).
وحكمة التشريع واضحة في واقع الناس، فقلّما تجد المتعاملين بهذا، أي الذين يَضْمَنُون ويُضمِّنون بلغة العامة، إلا ويختلفون ويختصمون، وربما
أدّى ذلك إلى إراقة الدماء أحياناً، نتيجة مخالفتهم لشرع الله عز وجل وإعراضهم عن نهيه صلى الله عليه وسلم وبيان حكمته، فأحرى بالمؤمنين، بل وبالناس أجمعين، أن يلتزموا شرع الله تعالى، لتكون لهم السعادة والرضا، ومَن ترك شيئاً لله عز وجل عوّضه الله تعالى خيراً منه.
وأما بيعه بعد بدوّ صلاحه وظهور نضجه فجائز، ودلّ على ذلك مفهوم الحديث السابق وغيره من الأحاديث التي سيأتي بعضها، فالنهى عن بيعها قبل بدوّ صلاحها يُفهم منه جواز بيعها بعد بدوّ صلاحها، والحكمة في ذلك واضحة: فإن آفات الثمار تصبح مأمونة غالباً بعد ذلك، لغلَظ الثمرة وكبر نواها، وأما قبله فتسرع إليها الآفات لضعف الثمر وصغَر نواه، ونحو ذلك.
فإذا بيع الثمر بعد نضجه كان للمشتري أن يُبْقيه على الشجر إلى أوان قطفه وقطعه، حسب العُرف الجاري والعادة المعمول بها، إلا إذا شرط البائع قطعه في الحال.
وضابط بدوّ الصلاح وظهور النضج:
فيما كان يتلوّن: أن يحمرّ أو يصفّر أو تظهر عليه علامات نضجه المعهودة.
وفي غير المتلوّن: أن تظهر عليه مبادئ النضج، ويتحقق فيه ما يُقصد منه، كحموضة أو حلاوة ولين تين، ونحو ذلك.
وفي الحديث: " نهى أن تُباع ثمرة النخل حتى تزهو، أو: يزهو. قيل: وما يزهو؟ قال: يَحْمَارُّ أو يصفارّ " وفيه: " حتى تُشْقِحَ. فقيل: ما تُشْقِحَ؟ قال: تحمارُّ وتصفارُّ ويُؤكَلُ منها ". (البخاري ومسلم: المواضع المشار إليها قبل قليل).
هذا ويجوز بيع الثمار قبل نضجها بشرط القطع، إذا كانت يُنتفع بها، كحصرم مثلاً، لانتفاء المانع من البيع وهو الغرر بإبقائها، وتحقق شرط المبيع وهو أن يكون منتفعاً به. فإذا كان المقطوع لا ينتفع به لم يصحّ، وكذلك إذا بيعت بشرط الإبقاء لما سبق، ومثل شرط الإبقاء إذا بيعت بدون شرط وكان
العرف جارياً بإبقائها، فهو باطل، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فيٌقام جريان العرف بإبقائه مقام شرط إبقائه فيبطل.
ومثل الثمر في كل ما سبق الزرع، لأنه في معناه، إذ المقصود منهما واحد، والله تعالى أعلم.
2 -
البيوع التي فيها معنى المقامرة: وهي بيوع إما فيها جهالة بالمبيع أو خلل في إرادة العاقدين، ومما نُصًّ عليه من هذه البيوع:
بيع المنابذة أو الملامسة: وهو أن يتبايعا أحد المبيعات دون تعيين، فإذا نبذ - أي ألقى - البائع أحدها ولمس المشتري أحدها كان هو المبيع. ومنها أن يبيعه الثوب - مثلاً - في الظلمة، فيلمسه دون أن يراه.
أو أن يتبايعا مبيعاً معيناً، على أنه متى نبذه البائع أو لمسه المشتري فقد وجب البيع ولزم. وواضح أن في الصورة الأولى جهالة في المبيع، وفي الصورة الثانية خللاً في إرادة المتبايعين، لأنه لا يُدرى متى يلقي ذاك أو يلمس هذا ليُلزم الآخر بالبيع.
وقد روى أبو سعيد الخدري رضي اله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُلَامَسَةِ والمنابَذَةِ في البيع ".
وقد جاء تفسيرهما عن راوي الحديث إذ قال: (والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلِبُهُ إلا بذلك. المنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه، ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراضٍ).
(رواه البخاري في اللباس، باب: اشتمال الصمّاء، رقم: 5482. ومسلم: البيوع، باب: إبطال بيع الملامسة والمنابذة، رقم: 1512).
ومثل المنابذة الملامسة في المعنى: بيع الحصاة، وهو أن يتبايعا إحدى السلع، على أن يلقي أحدهما حصاة، فعلى أيّها وقعت كان هو المبيع، وقد ورد النهي عنه وحكم الفقهاء ببطلانه لما فيه من الجهالة والخلل في إرادة العاقدين.