الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه، بل كان يردّها إلى ورثة النجاشي، لأنها تعتبر من تركته حينئذ. فقبوله صلى الله عليه وسلم لردّها دليل على أنها لم تثبت ملكيتها للمُهدى له قبل قبضها.
ب - ما رواه مالك في الموطأ: عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نَحَلَها جادَّ عشرينَ وَسْقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله - يا بُنَّيُه - ما من الناس أحد أحبَّ إلى غنى بعدي مْنك، ولا أعَزَّ عليَّ فقراً بعدي منك، وإني كنتُ نحلتك جادَّ عشرين وسْقاً، فلو كنت جددتيه، واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارثٍ، وإنّما هما أخواك وأُختاك، فاقتسموه على كتاب الله. قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت: يا أبت، والله لو كان كذا وكذا بتركته، إنما هي أسماءُ، فمن الأُخرى؟ فقال أبو بكر: ذو بَطْن بنت خارجة، أراها جارية (1).
[نحلها: أعطاها بلا عوض، وهي الهبة. جادّ عشرين وسقاً: أي ما يقطع منه هذا القدر، والوسق مكيال يتسع لما يزن (140) كيلوغرام تقريباً. بالغابة: موضع قريب من المدينة على طريق الشام. أعزّ: أشقّ وأصعب. احتزتيه: قبضتيه وجعلتيه في حوزتك. ذو بطن: الحمل الذي في بطنها. أُراها جارية: أظنها بنتاً].
وهذا صريح في أن الهبة لا تملك إلا بالقبض.
ج - روى مالك أيضاً: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما بال رجال يَنْحَلُونَ أبناءهم نحلاً ثم يمسكُونها، فإن مات ابن أحدهم قال: مالي بيدي لم أعطه أحداً، وإن مات هو قال: هو لابني، قد كنت أعطيته إياه؟ من نحل نحْلَةً، فلم يَحُزْها الذي نُحِلَها، حتى يكونَ إن مات لورثته، فهي باطلة (2).
شروط القبض:
حتى يصح القبض وتلزم الهبة لابدّ من تحقق شروط فيه، وهي:
أ - إذن الواهب: يشترط لصحة القبض أن يكون بإذن من الواهب، فلو
(1)(الموطأ: كتاب الأقضية، باب: مالا يجوز من النحل).
(2)
المرجع المذكور في الحاشية السابقة.
[إن مات هو: أي حضرته أسباب الموت وأيقن به].
قبضها الموهوب له قبل إذنه لم يصحّ القبض ولم تتم الهبة ولم تلزم. أي تبقى ملكية الموهوب للواهب، ويضمنه الموهوب له بقبضه بغير إذن.
ويشترط أن يكون الإذن بالقبض صراحة، أو أن يُْقبض الواهب الموهوب بيده للموهوب له، سواء أكان ذلك في مجلس عقد الهبة أم بعده، وسواء أكان الموهوب في يد الموهوب له أم لا. فلو قبضه بلا إذن صريح أو إقباض لم يصح القبض، ولو رأى ذلك الواهب وسكت عنه.
ب - أن لا يكون الموهوب مشغولاً بما ليس بموهوب، لأن الفراغ شرط صحة التسليم والقبض ولم يوجد. ولأن معنى القبض التمكّن من التصرّف في المقبوض، وهو لا يتحقق مع الشغل بغيره. فإذا فرغ الموهوب من الشغل بغيره وسلم صحّ القبض.
وكذلك لو كان الموهوب متصلاً بغيره اتصال خلقه، كأرض فيها زرع، أو شجر عليه ثمر، فإذا ميز الموهوب عن غيره وسُلِّم صح القبض. وقد مرّ بك كلام نحو هذا في شروط الموهوب، وأنه يشترط فيه أن يكون متميزاً عن غيره غير متصل ولا مشغول به، على النحو الذي فُصِّل وبين.
ج - أهلية القبض: يشترط فيمن يقبض الهبة أن يكون أهلاً للقبض، وهو البالغ العاقل، فلا يصح قبض الصبي والمجنون، لأن القبض من باب الولاية، وغير البالغ والعاقل لا ولاية له على نفس أو مال، فلا يصحّ قبضه.
القبض بطريق النيابة:
وهو القبض لمن لا يصحّ قبضه كالصبي والمجنون، فيشترط في صحة هذا القبض أن يكون للقابض ولاية على المقبوض له، أو عيلة: بأن يكون الصبي أو غيره في حجر وعيال من يقبض له، أي في رعايته وتربيته.
ويجوز قبض الزوج عن زوجته الصغيرة بعد الزفاف، لأنها صارت في عياله. ويملك ذلك مع وجود وليّها على الصحيح ولو كان أباها، لأنه فوض أمورها إليه بزفافها، بخلاف ما قبل الزفاف، لأن هذا المعنى لم يحصل، ولأنها لم تدخل في عياله.
وإذا وهب أحد من الأولياء شيئاً لمن تحت ولايته صحّت الهبة، وملكه