الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: " أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيْع الحَصَاةِ"(أخرجه مسلم في البيوع، باب: بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، رقم: 1513).
ومثله ما يجري الآن من وضع أشياء في أماكن، وتدار عليها خشبة أو حديدة، فأيّ شيء وقفت عنده الحديدة أو الخشبة ثبت بيعه للمشتري بقيمة معينة. وكذلك إذا وضع للأشياء أرقام، وأديرت دواليب ذات أرقام، فإذا وقفت عند أرقام يحملها أحد الأشياء كان هو المبيع، ولزم البيع.
3 -
بيعتان في بيعة: وهو أن يذكر في صيغة العقد عقدان في آن واحد، كأن يقول البائع: بعتك هذه الدار - مثلاً - بألف نقداً وبألفين تقسيطاً أو إلى سنة. فيقبل المشتري البيع بالنقد أو بالتقسيط. أو أن يقول: بعتك هذه السيارة - مثلاً بألف - على أن تبيعني دارك بألفين. فهذا النوع من البيوع منهيُّ عنه وباطل، للجهل بالثمن في الصورة الأولى، والتعليق على الشرط في الصورة الثانية.
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بّيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ ".
(أخرجه الترمذي في البيوع، باب: ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعه، رقم: 1231، كما أخرجه النسائي وأحمد).
البيع بالتقسيط
وبالمناسبة نبيِّن أن البيع بالتقسيط لا مانع منه وهو صحيح، شريطة أن لا يذكر في صيغة العقد السعران، كما سبق، فيكون بيعتين في بيعة، وهو باطل كما علمت. أما لو تساوم المتبايعان على السعر قبل إجراء العقد، ثم اتفقا في نهاية المساومة على البيع تقسيطاً، وعقد العقد على ذلك، فإن العقد صحيح، ولا حرمة فيه ولا إثم، حتى ولو ذكر السعر نقداً أثناء المساومة، طالما أنه لم يتعرض له أثناء إنشاء العقد.
وينبغي أن ينتفي من الأذهان أن في هذا العقد رِباً، لأن الفارق بين السعرين هو في مقابل الأجل. لأننا نقول: إن الربا هو الزيادة التي يأخذها أحد
المتعاملين من الآخر من جنس ما أعطاه، مقابل الأجل. كأن يقرضه ألف درهم مثلا، على أن يأخذها منه بعد شهر ألفاً ومائة، أو أن يبيعه ألف صاع حنطة مثلاً بألف صاع ومائة من الحنطة، يعطيها له الآن أو بعد أجل، كما ستعلم في باب الربا. أما أن يعطيه سلعة قيمتها الآن ألف، فيبيعها له بألف ومائة إلى أجل أو تقسيطاً، فهذا ليس من الربا في شيء، بل هو نوع من التسامح في التعامل والتيسير، لأنه أعطاه سلعة ولم يعطه دراهم أو غيرها، ولم يأخذ منه زيادة من جنس ما أعطاه، ولا شك أن للحلول فضلاً على الأجل، فكل الناس يؤثر الأقل الحال - أي الذي يُدفع الآن - على الكثير الذي يُدفع بعد حين.
4 -
بيع العُرْبون: وهو أن يبيعه شيئاً على أن يعطيه جزءاً من الثمن، يكون هبة للبائع إن لم يتم البيع، وإن تم البيع حُسب من الثمن. فهو منهي عنه وباطل لأن فيه شرطاً فاسداً، وهو الهبة للبائع.
روى عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العُرْبان ".
(أخرجه أبو داود في البيوع والإجارات، باب: في العُربان، رقم: 3502 كما أخرجه ابن ماجه في التجارات).
[والعُرْبان لغة في العُرْبون].
هذا وينبغي التنبيه على أن المحرم والباطل هو الذي شرط فيه ذلك أثناء العقد، أما لو لم يشرط ذلك في العقد، ويعد تمام العقد طالب البائع بقسط من الثمن عربوناً فلا بأس، ولكن لا يحلّ له إذا فُسخ العقد فيما بعد إلا برضا المشتري.
5 -
بيع الدّيْن بالدَّيْن: وهو أن يكون - مثلاً - لشخص دين على آخر، ولثالث دين على الأول، فيبيع أحد الدائِنَيْن دَيْنه من الآخر بالدَّيْن الذي له على الثالث فهذا البيع وأمثاله منهيُّ عنه وباطل، لعدم القدرة على تسليم المبيع.
وروى ابن عمر رضي الله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعِ الكَالِئِ بالكَالِئ "(أخرجه الدارقطني في البيع، رقم الحديث: 269).
[والكالئ هو الدَّيْن، من كلأ يكلأ إذا تأخر، فهو كالئ]
وفسره بعضهم بأن يشتري أحد سلعة يستلمها بعد أجل معين، ويسلم ثمنها الآن، فإذا حلّ الأجل وعجز البائع عن تسليم السلعة قال للمشتري: بعني هذه السلعة بكذا إلى أجل. وهذا باطل أيضاً.
ومن صور بيع الدَّيْن بالدَّيْن: أن يبيعه لمن عليه الدَّيْن أيضاً بدين.
وكذلك لو باع الدين الذي له على شخص بعين - أي سلعة حاضرة، أو قدر من المال يبرزه ويدفعه - لشخص آخر غر مَنْ عليه الدين، فهو باطل أيضاً، لعدم القدرة على تسليم المبيع.
أما لو باع الدين بعين لمن هو عليه الدين، كأن باعه الألف التي له في ذمّته بسجادة مثلاً، أو خمسمائة يخرجها مَنْ عليه الدين ويدفعها، صحّ هذا البيع، لأنه في معنى الصلح، وهو جائز كما ستعلم إن شاء الله تعالى.
ويستدل أيضاً لهذه الصورة بحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبَقِيعِ، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير؟ فقال:" لا بأسَ أنْ تَأخُذّ بسعرِ يومِها، ما لم تَفْتَرِقا وبينَكُما شيءٌ "(انظر: الترمذي: البيوع، باب: في اقتضاء الذهب من الورق، رقم: 3354 كما أخرجه باقي أصحاب السنن والإمام أحمد).
فقوله: (أبيع بالدنانير
…
) أي ديناً، لأنه لم يقبضها، ثم يستبدل بها دراهم يقبضها، فهذا بيع للدين بعين ممّن عليه الدين. والبقيع: اسم موضع فيه قبور أهل المدينة، وكان سوقاً للتجار.
6 -
بيع المبيع قبل قبضه: وذلك بأن يشتري إنسان سلعة أو بضاعة، ثم يبيعها قبل أن يقبضها. فهو بيع منهي عنه وباطل، لما علمنا أن المبيع لم يدخل في ضمان المشتري قبل قبضه، فلا يملك أن يبيعه. روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابْتَاعَ طعاماً فلا يَبِعْهُ حتَّى يَقْبِضَهُ ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يُبَاع حتى يُقبَضَ). قال ابن عباس: (ولا أحسَبُ كلّ شيء إلا مثْلَهُ). (البخاري: البيوع، باب: بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك 2028، 2029. مسلم: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض، رقم: 1525، 1527).
وهذا إذا كان البيع لغير البائع الأول، فإذا كان البيع لنفس البائع الأول كان باطلاً أيضاً إذا كان بغير الثمن الأول أو بمثله، لأنه بيع يدخل في عموم النهي.
أما إذا باعه للبائع الأول بنفس الثمن الذي اشتراه به، أو بمثله إن تلف الثمن الأول، كان صحيحاً، لأنه في الحقيقة إقالة من البيع الأول وليس بيعاً جديداً، وإن كان على صورة البيع.
ثانياً - البيوع المحرّمة غير الباطلة:
وهي البيوع التي ورد النهي عنها لا لنقص في أركانها ولا لخلل في شروطها، وإنما لأمر خارج عنها، ولذا يحكم بصحتها مع ثبوت التحريم لها والإثم على فاعلها. وهذه البيوع هي:
1 -
بيع المُصَرّاة:
وهي الناقة أو البقرة أو الشاة، يترك حلبها عمداً أياماً ليجتمع اللبن في ضَرعها، فيتوهم المشتري كثرة اللبن فيها على الدوام، فيرغب بشرائها، وربما زاد في ثمنها.
فإذا وقع الشراء كان العقد صحيحاً، ولكن مع الحرمة، لما فيه من الغش والتدليس. فإذا علم المشتري بذلك ثبت له خيار الرد على الفور، لأنه في حكم خيار الرد بالعيب، فإذا ردّها وكان قد حلبها ردّ معها صاعاً من تمر بدل اللبن الذي أخذه، أو ردّ البن نفسه إذا رضي البائع بذلك.
وإن رضي بالشاة مع العلم بالتصرية لم يكن له شيء.
ودليل ما سبق: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابْتَاعها بعدَ ذلك فهو بخير النَّظَرّيْنِ بعد أن يَحْلُبها: إن
رضيها أمسكَها، وإن سَخِطَها ردّها وصاعاً من تمر". (أخرجه البخاري في البيوع، باب: النهي أن لا يحفل الإبل .. ، رقم: 2041. ومسلم في البيوع، باب: تحريم بيع حبل الحبلة، رقم 1515).
ويقاس على الإبل الغنم غيرهما مما يتحقق فيه هذا المعنى، ولا سيما الحيوان المأكول اللحم.
2 -
النَّجْش:
وهو أن يزيد شخص في ثمن السلعة وهو لا يقصد الشراء، وإنما ليوهم غيره نفاستها، فيشتريها بأكثر من ثمنها. واصل النجش الاستتار، لأنه يستر قصده.
وهذا العمل حرام، لما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال:" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النَّجْش ". (أخرجه البخاري في البيوع، باب: النجش، رقم:2035. ومسلم في البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه
…
، رقم: 1516) فإذا حصل الشراء كان صحيحاً.
فإذا قام الدليل على أن ذلك كان بتواطؤ بين البائع والناجش كانت الحرمة عليهما، وكان البائع غارّاً وغاشّاً للمشتري ومدلِّساً عليه، فيثبت له بذلك حق الخيار. وإن لم يثبت أن ذلك كان بتواطؤ منهما لم يكن للمشتري الخيار، لأنه مقصِّر في التحرِّي والبحث.
3 -
بيع الحاضر للبادي:
وهو أن يَقْدَم رجل من سفر - من بادية أو غيرها - ومعه متاع يريد بيعه، وأهل البلد في حاجة إليه، فيقول له من آخر من أهل البلد: لا تبع حتى أبيع لك هذه البضاعة شيئاً فشيئاً، ويزداد الثمن.
فمثل هذا العمل حرام، لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يَبْع حاضِرٌ لبادٍ ". فقيل لابن عباس: ما قوله: " لا يبع حاضر لبادٍ"؟ قال: (لا يكون سمساراً) (أخرجه البخاري في البيوع، باب: هل يبيع حاضر لبادٍ بغير أجر
…
، رقم:2050. ومسلم في البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي، رقم: 1521).
وسبب النهي والتحريم ما في ذلك من تضييق على الناس.
وينبغي التنبيه إلى أن هذا لا ينطبق على ما يفعله اليوم الوسطاء، حين يقومون ببيع البضائع لمن يجلبونها إلى البلد، لأن معنى التضييق لأهل البلد غير وارد، بل ربما كان عملهم تسهيلاً وتيسيراً على المنتج والمستهلك.
4 -
تلقَّي الركبان:
وهو أن يخرج التاجر إلى خارج البلد، فيستقبل القادمين بالبضائع، ويوهمهم أن ما معهم من السِّلَع كاسد في البلد، وأن أسعارها بخسة، ليشتريها منهم بأقل من ثمنها.
فإذا اشترى منهم هذه البضائع كان البيع صحيحاً مع حرمته، لما فيه من الخداع، وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق:" لا تَتَلَقَّوْا الرُّكْبَان ".
فإذا نزل أصحاب البضائع السوق وعرفوا الأسعار، وبانَ لهم أنهم مغبونون بالثمن، ثبت لهم خيار فسخ البيع.
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُتَلَقَّى الجَلَبُ، فإن تلقاه إنسانٌ فابتاعَهُ فصاحب السلعةِ فيها بالخيارِ إذا ورد السوق ". (انظر مسلم: البيوع، باب: تحريم تلقي الجلب، كما أخرجه أصحاب السنن).
5 -
الاحتكار:
وهو أن يشتري البضائع التي تعتبر أقواتاً للناس من الأسواق، ولا سيما عند حاجة الناس إليها، فيجمعها عنده ولا يظهرها، ليرتفع ثمنها أكثر فأكثر، فيبيعها شيئاً فشيئا مستغلاً حاجة الناس.
فمثل هذا التصرف حرام، لما رواه معمر بن عبدالله العدوي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يحتكر إلى خاطئ"(أخرجه مسلم في المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، رقم 1605).
[والخاطئ هو المذنب العاصي].
فإذا صار الناس في حاجة شديدة إلى هذه الأقوات، أو ضرورة، أُجبر المحتكر على بيعها بالسعر المناسب، فإن أبى باعها القاضي عليه وأدى له ثمنها.
وهذا ينبغي أن يعلم أن شراء مثل هذه البضائع في المواسم وحال توفرها في الأسواق، من أجل ادّخارها لتباع وقت الحاجة إليها، كما يفعل الكثيرون من التجّار حين يشترون الجبن مثلاً، وكما تفعل المعامل حين تُصَنِّع بعض الأغذية وتحفظها من الفساد، لينتفع الناس بها حين عدم توفرها، كل ذلك ليس باحتكار، وإنما هو تجارة مشروعة وعمل نافع، وقد يكون في ذلك خير العباد والبلاد، ويؤجر هؤلاء الذين يحفظون الفائض عن الحاجة في موسمه ليتوفر في أوقات أخرى، لا سيما لأولئك الناس الذين قد لا يتمكنون من ادّخار الأقوات، وما يسمى (المونة) في بعض البلدان اليوم.
6 -
البيع على بيع أخيه أو السوم على سومه:
أما البيع: فهو أن يجئ إلى من اشترى شيئاً وهو مدة الخيار فيقول له: أنا أبيعك أجود مما اشتريت بنفس الثمن، أو أبيعك مثله بأقل من هذا الثمن.
وأما السَّوْم: فأن يكون رجل يسوم سلعة، وربما اتفق مع صاحبها على ثمن، فيأتي آخر ويعرض على صاحب السلعة ثمناً أكبر ليبيعها له. أو أن يعرض على المشتري سلعة مثلها بثمن أقل، أو أنفس منها بنفس الثمن.
فكل ذلك حرام، لما رواه أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما من قوله صلى الله عليه وسلم:" لا بيع الرجُلُ على بيع أخيه ". وقوله: " لا يَسُم المسلمُ على سَوْمِ أخيه " (البخاري: البيوع، باب: لا يبيع على بيع أخيه
…
، رقم:2023. ومسلم: البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه .. ، رقم: 1515).
والحكمة من تحريم هذه الأمور: ما فيها من إخلال بالمروءة، وإيغار للصدور، وزرع للبغضاء وإثارة للنزاع والشحناء، وإفساد للمجتمعات بقطع الصلات وإلقاء العداوة بين الناس، مما يتنافى مع حرص الإسلام على تآلف المجتمعات، وتمتين الروابط بين الناس وتحسين الصلات.