الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الوصف غير منصوص عليه فيما ورد من نصوص في الباب، وإنما استنتجه الفقهاء من تلك النصوص فقالوا:
إن الأشياء المنصوص عليها في الأحاديث إما أثمان كالذهب والفضة، وإما مطعومات للآدميين كالبر والشعير والتمر والملح. وعليه: فالعلة المعتبرة في كون المال ربوياً هي الثمنية أو الطعم، دون النظر إلى الكيل أو الوزن. فكأن الشّارع قال: ما كان ثمناً أو مطعوماً فلا يُباع بجنسه إلا بشروط.
وإذا ثبت هذا:
فكلّ ما يجري التعامل به من الأثمان، ويقوم مقام الذهب والفضة، كالعملات الرائجة الآن، يُعتبر مالاً ربوياً ويجري فيه الربا إلحاقاً بالذهب والفضة. وكل مطعوم يطعمه الآدميون غالباً فهو مال ربوي يجري فيه الربا، سواء أكان يُتناول قُوتاً كالأرز والذرة إلحاقاً بالبر والشعير، أو تفكّهاً كالزبيب والتين ونحوهما إلحاقاً بالتمر، أو تداوياً وإصلاحاً للغذاء أو البدن كالزنجبيل والمصطكي ونحوهما إلحاقاً بالملح.
وكل ما ليس بثمن أو مطعوم للآدميين من الأشياء فليس بمال ربوي. ومن ذلك سائر المعادن غير الذهب والفضة، والأقمشة وغيرها، وما كان في الغالب قوتاً لغير الآدميين. فلا يعتبر التعامل في كل ذلك تعاملاً ربوياً.
ولا فرق في كل ما سبق بين أن يكون مقدراً بكيل أو وزن أو غير ذلك.
أنواع الربا وحكم كلّ منها:
حين يبحث الفقهاء في التعامل الربوي يبحثون - غالباً - في بيع الأموال الربوية التي مرّ ذكرها بعضها ببعض: من حيث زيادة أحد البدلين على الآخر، ومن حيث وجود الأجل في التعامل وعدمه، كما يعلم من تعريفهم السابق للربا. وبناء على ذلك يقسمون الربا إلى أنواع:
1 -
ربا الفضل: أي الزيادة، وهو بيع المال الربوي بجنسه مع زيادة في أحد العوضين. كأن يبيعه مُدّ قمح بمُدَّيْن منه، أو: مائة غرام من ذهب بمائة وعشرة منه، أو أقل أو أكثر.
ومعنى الربا في هذا النوع - وهو الزيادة - ظاهر وواضح.
وهذا النوع من التعامل محرم وممنوع، للنهي عنه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيُعوا الذهبَ بالذهب إلاّ مثلاً بمثلِ، ولا تُشفُّوا بعضَها على بعضٍ. ولا تبيعوا الورِق بالوَرِق إلا مثلاً بمثل، ولا تُشفُّوا بعضها على بعض "(أخرجه البخاري في البيوع، باب: بيع الفضة بالفضة، رقم: 2068. ومسلم في المساقاة، باب: الربا، رقم: 1584)
[الورق: الفضة. لا تشفوا: لا تفضلوا، والشف يطلق على الزيادة والنقصان، فهو من الأضداد].
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذهبُ بالذهب والفضَّة بالفضة، والبُرُّ بالبُر والشعيرُ بالشعير، والملحُ بالملح: مثلاً بمثلٍ يداً بيدٍ، فمن زادَ أو استزاد فقد أرْبى، الآخذ والمطعِى فيه سواءٌ ". وروى مثله عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه (انظر: صحيح مسلم: كتاب المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً).
ولا عبرة في هذا لجودة النوع أو رداءته، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تشفوا بعضَها على بعض ". ولما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر بُرْنيّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" من أين هذا؟ " قال بلال رضي الله عنه: كان عندنا تمر رديء، فبعت منه صاعين بصاع لنُطْعم النبيَّ صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك "أوَّه أوَّه، عيُن الربا عين الربا لا تَفْعَلْ "(البخاري في الوكالة، باب: إذا باع الوكيل شيئاً فاسداً فبيعه مردود، رقم: 2188. ومسلم في المساقاة باب: بيع الطعام مثلاً بمثل، رقم: 1594).
[بُرْني: نوع من التمر هو أجود. أوّه: كلمة توجّع وتحزّن. عين الربا: أي هذا حقيقة الربا الممنوع].
وكذلك لا عبرة للصنعة في هذا، فلو باعه ذهباً مصوغاً بسبائك وجب التماثل في الوزن بين البدلين، وامتنع أن يكون أحدهما أنقص من الآخر، لما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم:" ولا تبيعوا الوَرقَ بالوَرِقِ إلا مثلاً بمثل " فإن الورق يتناول الفضة المضروبة وغير المضروبة " وضربها صنعة لها.
2 -
ربا النساء: أي التأخير، وهو بيع المال الربوي بمال ربوي آخر فيه نفس العلة إلى أجل. ولا فرق في هذا بين أن يكون المالان من جنس واحد أم من جنسين مختلفين، وسواء أكانا متفاضلين أم متساويين.
ومثال ذلك: أن يبيعه مُدّ حنطة بمدّ حنطة - أو بمدّ شعير أو بمدّين إلى شهر. أو يبيعه عشر غرامات من الذهب بعشر غرامات من الذهب أو الفضة أو أكثر أو أقل، إلى يوم مثلاً أو أكثر.
وهذا التعامل أيضاً محرم وممنوع، لوجود معنى الربا فيه حقيقة، وإن لم يكن ظاهراً، فإن للحلول فضلاً على الأجل، فيكون في ذلك زيادة في أحد العوضين، وهو المدفوع حالاً.
وقد دل على هذا المنع قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه السابق: " ولا تبيعُوا منها غائباً بنَاجز ".
والغائب هو المؤجل والناجز هو الحاضر، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:" مثلاً بمثل، يداً بيد " وجاء أيضاً في حديث عباده رضي الله عنه: " فإذا اختلفتْ هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتُم، إذا كان يدً بيدٍ ".
[ومعنى قوله: " يداً بيد " أي مقابضة، بحيث يسلم كلِّ من المتعاقدين البدل الذي في يده في مجلس العقد، وهذا يستلزم الحلول غالباً].
3 -
ربا اليد: وهو أن يبيع المال الربوي بآخر فيه نفس العلة، دون أن يشترط في ذلك أجل بنفس العقد، ولكن يحصل التأخير في قبض البدلين أو أحدهما عن مجلس العقد بالفعل.
ودليل هذا: ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه السابق: " إلا هاءَ وهاءَ " أي خذ وخذ، وهذا يعني وجوب التقابض فعلاً في المجلس.
ما يعتبر جنساً واحداً وما لا يعتبر:
وضع الفقهاء قاعدة لمعرفة ما هو جنس واحد، وما ليس بجنس واحد، فقالوا: كل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة فهما جنس واحد، وكل شيئين اختلفا في الاسم من أصل الخلقة فهما جنسان.
والمراد بالاسم الخاص ما يميز الشيء عن الاسم العام المشترك، فكلمة تمر اسم خاص، يميز نوعاً من الفاكهة والثمر عن غيره، مما يشاركه في الاسم العام، وهو فاكهة أو ثمر
والمراد بأصل الخلقة هيئته التي خلق عليها، فلا يكفي الاتفاق بالاسم بعد الصنعة أو التحويل.
- فالذهب بأنواعه جنس واحد، وكذلك الفضة.
- والتمر بأنواعه جنس واحد، وكذلك الزبيب.
- والحنطة بأنواعها جنس واحد، وكذلك الشعير.
- وكل ماله رطب ويابس، كالعنب والزبيب والرُّطَب والتمر، فرطبه ويابسه جنس واحد.
- وما تفرغ عن أصل يعتبر مع أصله جنساً واحداً، فالحنطة ودقيقها والمجروش منها - كالبرغل - كلها جنس واحد.
- ولحوم الحيوانات أجناس مختلفة: فالضأن جنس والمعز منه، والبقر جنس والجواميس منه، ولحوم الإبل كلها جنس واحد.
ولا فرق بين أن يكون اللحم أحمر أم أبيض، فهما جنس واحد، ويدخل فيه ما خالطه من دهن أو لاصقه، كدهن الظهور والجوانب والصدر.
وأما الشحم الذي يكون في البطن فهو جنس آخر غير اللحم، وكذلك الآلية، فهي جنس غير الشحم واللحم، وكذلك سنام البعير جنس مستقل.
وكذلك الأحشاء - كالكبد والطحال والكرش - فهي أجناس مختلفة فيما بينها، ومختلفة عمّا سبق من اللحم والشحم والآلية.
- وفروع الأصول المختلفة الأجناس أجناس مختلفة كأُصولها: