المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تقسيم العلة - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٥

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌باب تقسيم العلة

‌باب تقسيم العلة

المعنى من كون العلة اسما أن تكون تلك العلة موضوعة شرعا لذلك الحكم الذي هو حكمها كملك النصاب وضع لإيجاب الزكاة، ومن كونها معنى هو أن تكون تلك العلة مؤثرة في إثبات ذلك الحكم كتأثير الغنى في حق المواساة، ومن كونها حكما هو أن يتصل الحكم بها وجودا عند وجودها كوجود حكم الزكاة بوجوب الأداء عند حولان الحول.

وأما لو أدى قبل حولان الحول يجوز لوجود نفس الوجوب بملك النصاب وإن لم يتحقق وجوب الأداء.

ص: 2060

(وما يجري مجرى ذلك من العلل) كالطلاق والعتاق وخروج النجاسة في حق انتقاض الطهارة.

(لما ذكرنا من تفسيرها) أي تفسير العلة وهو ما ذكره بقوله: فإنها في اللغة عبارةٌ عن المغّير.

وهى في الشرع عبارةٌ عما يضافُ إليه وجوبُ الحكم ابتداءً فقد وُجد التغييرُ وإضافةُ الحكم إلى هذه الأشياءُ عللًا لأحكامها.

(وحقيقة ما وُضعت له) هي إضافة الحكم إلية لا بواسطة ابتداء في الشرع، وقد وُجدت هي ههنا فكانت علةً أسما ومعنى وحكما لوجود الوضع والتأثير والاتصال.

(ومَن فَرق بين الفصلين) أي بين الاستطاعة مع الفعل وبين العلة

ص: 2061

الشرعية (فلا بد من صفة العلة) أي العلة الشرعية (تقدّمُها على الحكم والحكمُ يَعقُبها) ليكون الحكمُ مرتبًا على علةٍ موجودةٍ، وهذا في العلل الشرعية ممكنٌ؛ لأنها بمنزلة الجواهر بدليل جواز الإقالة في البيع بعد أزمنة.

وهي عبارةٌ عن فسخ البيع ورفعه ولولا قيامُ البيع إلى وقت الإقالة لما

ص: 2062

صح فسخه (بخلاف الاستطاعة) وسائرَ العلل العقلية فإنها أعراضٌ لا تبقى زمانين فكما وجدت انعدمت، فلذلك قلنا باقترانهما معا هناك إلا أنا نقول: أن عللَ الشرع أمارتٌ في الحقيقة وأعراضٌ وأجرينا على حقيقتها وقلنا باقتران الأحكام بها.

(وأما الذي هو علةٌ اسمًا) يعنى ليس بعلة معنى ولا حكمًا.

أما علةٌ اسماُ؛ لإنة يضاف الحكمُ إليه بدون الواسطة فيقال كفارة اليمين، وكذلك في يمين الطلاق والعتاق يضافُ الحكمُ إلى اليمين حتى إن شهودَ اليمين وشهودَ وجود الشرط إذا رجعوا كان الضمانُ على شهود اليمين لكونهم شهودَ علةٍ، لكن لما كان وضع اليمين للبر لا للحنث لم تكن اليمينُ مؤثرًا في وجود الحنث فلم تكن علةً معنى، وكذلك لما لم يثبت الحكمُ متصلًا باليمين قبل الشرط لم تكن علةً حكمًا.

وقال الإمامُ شمس الأئمة رحمه الله: لأن العلةَ معنى وحكمًا ما يكون

ص: 2063

ثبوت الحكم عند تقرُّره لا عند ارتفاعه وبعد الحنث لاتبقى اليمين بل ترتفع فلم تكن علةً معنى وحكمًا.

(فمثلُ البيع الموقوف) وهو في بيع ملك الغير يغير إذنه؛ لأنه بيعٌ مشروعٌ؛ لأنه لا ضررَ للمالك في شرعيته وقلنا بشرعيته بقوله تعالى: "وأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ"، ولأنه بيعٌ حقيقةً موضوعُ لهذا الموجب فيضاف لهذا الموجَب إلى هذا البيع فقلنا إنه علةٌ اسمًا.

وكذلك هو علةٌ معنى؛ لأن هذا البيعَ منعقدٌ شرعًا بين المتعاقدين لإفادة هذا الحكم.

وأما أنه ليس بعلة حكما لما في ثبوت الملك به من الأضرار بالمالك في خروج العين عن ملكه من غير رضاه.

(فإذا زال المانعُ ثبت الحكم به) من الأصل حتى إن المشترى يملكه بزوائده بعد الإجازة من وقت العقد، وكذلك لو أعتقه المشترى يتوقف إعتاقه

ص: 2064

على إجازة المالك ولو لم يكن ملكا موقوفا فيه لما توقف إعتاقه؛ لأن حكمَه تراخى أي حكمه الأصلىّ وهو الملك الباتّ، وأما الملكُ الموقوف ُ فثابتٌ لما ذكرنا.

(إن المانع إذا زال وجب الحكمُ به من حين الإيجاب) حتى يملكه المشتري بزوائده المتصلةِ والمنفصلةِ من وقت العقد بخلاف التعليقات، فإنه إذا زال المانعُ يثبت الحكمُ فيها وقت زوال المانع.

(لما عرف في موضعه) يعنى إنه بيع المعدوم فينبغي إنه لا يصحَ؛ لأن المعدومَ لا يكون محلًا للملك، ولهذا لم يثبت الملك في الأجر لانعدام العلة حكمًا إلا أن الشرعَ جوَّزه لضرورة حاجة العباد إلى ذلك العقد فملك الأجر بشرط التعجيل لوجود العلة اسمًا ومعنى فلا يكون متبرِّعا (لما فيه من معنى الإضافة) أي إضافة الملك إلى وقت المعقود عليه في الأصل وهو المنفعةُ فلم يثبت الملكُ فيه مستندًا إلى وقت العقد؛ لأن إقامةَ العين مُقام المنفعة في حق صحة الإيجاب دون الحكم، فلذلك قيل: الإجارةُ عقودٌ مضافةٌ.

ص: 2065

(وكذلك كل إيجاب مضاف إلى وقت) مثل أن يقول: لله علىَّ أن أتصدقَ عند رأس شهر أو أصومَ أو أصلىَ على ما ذكرنا في باب السبب من مسائل الإضافة (فإنه علةً اسمًا ومعنى)، ولهذا لو عجَّل قبله يصح، وقد ذكرناه.

(لا حكمًا) لأنه لم يلتزمه في الحال فكان متشابها للأسباب من حيث إنه لا يستند الحكم إلى وقت الإيجاب بل كان مقتصرًا وقت وجود الوقت المضاف إليه.

(اتصل بالأصل لحكمه)؛ لأن الوصفَ لا يستقل بنفسه، والأصلُ مع ذلك الوصف علةٌ فكان بمنزلة الأسباب من حيث أن الحكم تأخر إلى شيء آخر فكان منزلة تأخر السرقة من وقت الدلالة إلى وجود فعل السارق بالسرقة (حتى يصح أداءُ الحكم قبله) أي قبل وجود ذلك الوصف باعتبار وجود العلة اسمًا ومعنى.

ص: 2066

(وذلك مثلُ النصاب في أول الحول) فإنه سببٌ لوجوب الزكاة بصفة النماء، وحصول هذا النماء منتظَر لا يكون إلا بعد مدةٍ قدَّر الشرعُ تلك المدةَ بالحول، وإنما ذِكره لم ينتصب الحول شرطًا، فإنه عليه السلام قال:"لا زكاةَ في مال حتى يحولَ عليه الحولُ" وحتى كلمة غاية -والغايةُ صفةٌ للمغيّا- لاكلمةَ شرطٍ، وبانعدام صفة النماء في الحال لا ينعدم أصلُ المال الذى يضاف إليه هذا الحكمُ شرعًا، فجعلناه علةً تشبه السبب حتى يجوز التعجيل بعد كمال النصاب، ولا يكون المودى زكاةً للمال لانعدام صفة العلة بخلاف المسافر إذا صام في شهر رمضانَ والمقيمُ إذا صلى في أول الوقت فالمؤدَّى يكون

ص: 2067

فرضًا لوجود العلة مطلقةً بصفتها.

(ألا ترى أنه تراخى إلى ماليس بحادث به وإلى ما هو شبيه بالعلل) هذان الوصفان أعنى ما ليس بحادث به وما هو شبيه بالعلل يُرجِّحان جانب السببية للنصاب ووصفُ كون النماء غيرُ مستقل بنفسه يُرجِّحث جانب العلية للنصاب؛ لأن تراخى الحكم لو كان لمعنى حادث بالأصل كان الأصلُ بمنزلة علة العلة فيترجح حينئذٍ للأصل جانب العلية كما في الرمى فأن الوسائطَ بينه وبين الحكم وهو زهوق الروح من نفوذ السهم وإصابته وسراية ما جرحة مضافةٌ إلى الأول وهو الرمي، فلذلك كان الرميُ علةً وههنا لما لم يكن حولان الحول حادثًا بالنصاب كان النصابُ شبيهًا بالسبب.

وكذلك كون الذى يوجب التراخي شبيها بالعلل يشعر بأن الأولَ شبيه بالسبب؛ لأن الحكمَ لو كان متراخيًا إلى ما هو علة حقيقة كسرقة السارق بعد الدلالة كان الأولُ وهو دلالةً الدال سببًا حقيقةً، فإذا كان متراخيًا بما هو شبيه بالعلل كان الأولُ شبيهًا بالأسباب ثم إنما قلنا: إن الذي يوجب التراخي ههنا وهو النماءُ يشبه العلل؛ لأن النماءَ يوجب المواساة فيكون له أثرٌ في وجوب الزكاة.

وإنما قلنا إن وصفَ كون النماء غيرُ مستقلٍ بنفسه يرجح جانب العلية؛ لأن النماءَ وصفُ المال والوصفُ لا يقوم بنفسه، وحقيقةُ السبب أن يكون

ص: 2068

الحكمُ متراخيًا إلى ما يستقل بنفسه كما في سرقة السارق ولم يوجد ههنا كون ذلك الوصف مستقلًا بنفسه فأشبه بالعلل من حيث أن هذا الوصفَ قائمٌ به.

(وكان هذا الشبَة غالبًا) أي شبه كون النصاب في أول الحول علة غالبٌ على شبه كونه سببًا؛ لأنه بالنظر إلى الأصل وهو النصابُ علةٌ وإلى الوصف وهو النماء سببٌ، والأصلُ راجحٌ على الوصف.

(أن لا يظهر وجوب الزكاة في أول الحول قطعًا)؛ لأن فات وصفُ العلة فلم تكن العلةٌ موجودةً؛ لأن العلةَ مال نام فلم يكن الوجوبُ ثابتا قطعًا من أول الحول (بخلاف ما ذكرنا من البيوع) أي من البيع الموقوف والبيع بشرط الخيار؛ لأنه ودت العلةُ ثمة ولم يفت وصف منها، فلذلك عند زوال المانع يثبت الحكمُ من أول الإيجاب قطعا.

(ثابتًا من الأصل في التقدير)؛ لأن الوصفَ متى وُجد اتصل بأصله فكان الأصلُ موصوفا به من الأصل تقديرًا.

ص: 2069

(وهذا أشبه بالعلل من النصاب) لأن المرضَ علةً تغيُّر الأحكام بوصف اتصاله بالموت وذلك الوصف لا يستقل بنفسه فكان المرضُ بمعنى العلة كما في النصاب بل المرضُ أشبه بالعلل من النصاب؛ لأن وصفَ الاتصال بالموتِ حادثٌ بالمرض، فكان شبه المرض بالعلة أقوى من النصاب؛ لأن ترادف َ الآلام التى هى الواسطةٌ المفضيةُ إلى الموت إنما حدثت من المرض.

فلذلك كان شبه المرض بالعلة أقوى كما في الرمي هو علةٌ لزهوق الروح وإن كانت عليته للموت بالوسائط لكون تلك الوسائط حادثة من الرمي لم تُعتبر هى واسطة فكان الرمي علةً تامةً لمباشرة القتل حتى يجبُ القصاص على الرامي فكذا هنا.

وقوله: (لما ذكرنا) إشارة إلى قوله: وكذلك ما هو علةُ العلة "وإنما قلنا إن التزكيةَ علةُ العلة، فإن الموجبَ للحكم بالرجم شهادةُ الشهود، والشهادةُ لا تكون موجبةً بدون التزكية، فمن هذا الوجه يكون الحكمُ مضافًا إلى التزكية، ومن حيث التزكيةَ صفةُ الشهادة بقي الحكمُ مضافًا إلى الشهادة

ص: 2070

أيضًا، فأي الفريقين إذا رجع كان ضامنًا. كذا ذكره الأمامُ شمس الأئمة رحمه الله.

(لأنه ليس بطريق موضوع له) أي أحد الوصفين لا يكون موضوعًا لوجود الحكم لكن له شبة العلل من حيث أن ركنَ العلة إنما يتم إذا كان هو مع غيره؛ (لأن ربا النسيئة شبهة الفضل)؛ لأن للنقد مزية على النسيئة عرفًا لا حقيقةً فيثبت بشبهة العلة؛ لأن الشبهات في باب الحرمات ملحقةٌ بالحقائق.

وأيد ذلك ما روى في الحديث:"إن النبى عليه السلام نهى عن الربا والريبة". ولا يقال: كيف يحرُم شبهة الفضل بأحد الوصفين مع أن حقيقةَ

ص: 2071

الفضل لا تحرُم به؟.

لأنا نقول: ذلك الحكمُ فلا يمكن إثباته بشبهة العلة؛ لأن الحكمَ يثبت على حسب ثبوت العلة تحقيقًا للمعادلة والمناسبة.

ألا ترى أن البيعَ الفاسدَ الذي فيه ضعفٌ لفساده يثبت به الحكم الذى فيه ضعف وهو أنه لا يثبت الملك فيه قبل القبض بخلاف حكم البيع الصحيح.

وقوله: (لأنه مؤثر فيه) أي لأنه طهر أثره فيه في الحال؛ لأن الوصفَ الأولَ مؤثرٌ فيه أيضا لمِا ذكر قبل هذا بعلة ذات وصفين مؤثرين لكن لم يظهر أثره في الحال، وإنما قلنا إن كل واحد ٍ منهم مؤثرٌ.

أما الملك فلأنه يُستفاد به ملك العتق فكان بمعنى العلة فكان مؤثرًا كالعلة.

وأما القرابةُ فلأنها مؤثرةٌ في الصلة وفى إبقاء القريب رقيقًا قطعُ الصلة، ولهذا صان اللهُ تعالى هذه القرابةَ عن القطع بواسطة أدنى الرقّين وهو النكاحُ فلأن تُصان عن القطع بأعلاهما وهو ملك اليمين أولى.

ص: 2072

(حتى يصير المشتري معتقًا) أي بواسطة الشراء، ولهذا صحت نيةُ الكفارة عند الشراء ولو كان الحكمُ مضافا إلى الكل لما صحَّت كما في الإرث، وليس لأحد أن يقولَ: أن أحدَهما شرطٌ والآخر علةٌ؛ لأنه لو كان كذلك لما صح عن الكفارة عند النية في آخرهما وجودا كما في المحلوف بالعتق.

وبقوله: بعلة ذات وصفين مؤثرين"وقع الإحتراز عنه؛ لأن الشرطَ ليس بمؤثر.

(أضيف العتق إلى القرابة) إي إلى دعوى القرابة عند الملك؛ لأنه لو لم يُضَف دعوى القرابة عند الملك لما غرِم؛ لأنه لم يوجد منه صنعٌ كما لو ورِثا قريب أحدهما.

(فلا يترجحُ البعضُ على البعض)؛ لأن شهادتَهما إنما صارت حجةً للاستحقاق بقضاء القاضي وعند ذلك لا تأخُّرَ فيهما ولا تقدُّمَ.

(وهذا ليس بعلة حكمًا) أي السفرُ هاهنا ليس بعلة للرخصة حكمًا.

ص: 2073

فإن قلت: أليس في هذا الذى ذكره مناقضةٌ فإنه ذكر أولًا: فكان علةً حكما "أي كان السفر علةً للرخصة بالإفطار في الصوم ونفى هاهنا كون السفر علةً للرخصة فيه!

قلت: لا مناقضةَ؛ لأن موضوعَ المسألة فيما ذكر قبل هذا في الذي لم يُصبح صائمًا في حالةِ الإقامة، بل أصبح غيرَ صائم وهو في السفر كان في حقه علةً للرخصة في الإفطار أي في أن لا يصوم.

وأما إذا أصبح صائمًا وهو مُقيمٌ ثم سافر لم يكن سفره ههنا علةً للرخصة في الإفطار؛ لأنه لو كان علةً لها لأبيح الفطر وليس بمباح له، وذلك لأن العلةَ حكمًا هي التى تثبت الحكم حال وجودها فورًا ولن تثبت الإباحةُ ههنا عُلم أنه ليس بعلة حكمًا، ولكن مع ذلك لو أفطر لا تجب الكفارة للشبهة وهى قيامُ السفر المبيح للفطر في الجملة.

(ولا معنى)؛ لأن المؤثر هو المشقة لا نفس السفر ولو لم يكن علةً اسما

ص: 2074

لوجبت الكفارةُ لوجود الإفطار وعدم المرِخص؛ (لأن الرخصة تعلقت بالمشقة في الحقيقة)؛ لأن للمشقة والحرج تأثيرا في استباحة المحظورات واستجلاب الرخص، وإلى هذا أشار اللهُ تعالى بقوله:" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ" إلا أن المشقة أمرُ باطن تتفاوت أحوال الناس فيه، ولا يمكن الوقوف على حقيقته فأقام الشرعُ السفرَ المقدر بثلاثة أيام مُقام تلك المشقة لكونه دالا عليها غالبًا.

(إلا أنه متنوع) أي في كونه سببا للمشقة بواسطة الصوم؛ لأن الصومَ يحصل به الحِمية وهي رأسُ كل دواء، ثم لو قلنا مع ذلك أن مطلقَ المرض سببٌ للرخصة يلزم منه أن نقول: ما هو الموجب للمنفعة موجبٌ للمشقة فكان فيه خرم القاعدة الممهدة.

فإن قلت: بل في قولك بتنوع المرض في تعليق الرخصة خرم القاعدة

ص: 2075

الممهدة؛ لأن الله تعالى جعل مطلق المرض علة رخصة الإفطار بقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)

حيث لزهما في قرن واحد، والأصل أن المطلق يجري إطلاقه، وفيما ذكرته ترك لهذا الأصل وتفريق للمقترنين في الوصل.

قلت: ليس فيما قلنا ترك الأصل، بل فيه تقييد المطلق لوجود دليل التقييد بالإجماع.

ألا ترى أن ظاهر الآية التي ذكرتها كسف قيد إطلاقه بتقييد الإفطار بالإجماع، فكذا قيد مطلق المرض بالمرض المفضي إلى الحرج بالإجماع.

بيان ذلك الله تعالى قال: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لو خلينا ومجرد النظر إلى ظاهرة الآية يلزم أن يصوم المريض والمسافر مرتين في وقتين مختلفتين.

أحدهما- في وقت الأداء، ويتوقت شهر رمضان لقوله تعالى:(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهما ممن شهد الشهر، وليس في قوله:(وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر) ذكر الإفطار.

ص: 2076

والثاني: أن يصوم في وقت القضاء لقوله تعالى: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فلابد من أن يقيد مطلق تلك الآية بقوله: "ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر، ولو لم يرد قوله: فأفطر" يلزم ما قلنا من الصوم مرتين وذلك مدفوع بمرة لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) ولقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فيقد ذلك المطلق بما قلنا.

فكذا فيما نحن فيه يقيد بالمرض الذي يضر الصوم لا بالمرض الذي ينفعه الصوم. إذ لو قلنا ذلك يلزم أن يعود الكلام على موضوعه بالنقض؛ لأن الله تعالى جعل المشقة سببا للرخصة لا المنفعة فلذلك افترق المرض والسفر، لما أن السفر وإن قلت مشتقة لم يخل عن نفس المشقة لما أن التحرك للساكن مشقة وفيه ذلك.

(فما كان منه سببا لاسترخاء المفاصل أقيم مقامه) وهو أن يكون مضطجعا أو متكئا

(وكذلك الاستبراء متعلق بالشغل) أي بشغل الرحم بماء الغير

ص: 2077

ليصون ماءه عن اختلاط ماء الغير ثم نقل إلى (استحداث سبب الشغل) وهو الملك؛ لأن ملك اليمين سبب لشغل الرحم ظاهرا فأقيم الملك مقام الشغل لذلك.

(والثاني: أن يقوم الدليل مقام المدلول)، والفرق بين الدليل والسبب هو أن الدليل إنما يقام مقام المدلول فيما لا يعلم وجود المدلول حقيقة ولكن

ص: 2078

وجود الدليل ظاهرا يدل على وجود المدلول بخلاف السبب الداعي كالمس في إثبات البعضية ومع ذلك يعلم حقيقة أنه لا يثبت البعضية بمجرد المس.

(وطريق ذلك وفقهه) أي دليل إقامة الشيء مقام غيره، (وفي قيام النكاح مقام الماء) أي الأصل في إثبات النسب الماء إلا أن ذلك أمر باطن فقام النكاح مقامه؛ لأنه سببه.

(كما في تحريم الدواعي في الحرمات) وهو أن الجماع حرام في الظهار وكذلك دواعيه (والعبادات) أي في تحريم الدواعي في العبادات وهو أن الجماع حرام حالة الإحرام والاعتكاف، فكذلك دواعيه من المس والقبلة حرام أيضاً، والله أعلم.

ص: 2079