الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب تقسيم الشرط
(لا حكم له قبل العلم من المخاطب)؛ وإنما كان العلم شرطا؛ لأنه لا تحصل القدرة بدونه، والله تعالى نفي التكليف بدون القدرة بقوله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا)
وكذلك هذا في كل الشروط في العبادات والعقوبات والمعاملات.
(فالصيغة) هي: أن تدخل كلمة من كلمات الشرط.
(والدلالة) هي: أن يكون في الكلام معنى الشرط من غير صيغته.
(وقال بعضهم هو شرط عادة) يعني خرج الكلام على وفاق العادة، فإن الإنسان إنما يكاتب عبده إذا علم فيه خيرا لا أن يكون هذا شرطًا.
(وهذا قول بأنه لغة)؛ لأنه وجد الشرط ولم يجد معناه، واللغو ليس إلا هذا.
(فأما الإباحة فتستغني عنه) أي الإباحة في الكتابة تستغني عن العلم بالخير.
(وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ). (سنة واستحباب) أي عطف قوله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ) على قوله: (فَكَاتِبُوهُمْ) أجمعنا على أن قوله: (آتُوهُمْ) للاستحباب، فكان المعطوف عليه أيضا للاستحباب، وعقد الكتابة وإن كان مباحا قبل أن يعلم فيه خيرا، فإنما يصير مندوبا إليه إذا علم فيه خيرا، فظهرت فائدة الشرط من هذا الوجه.
فإن قلت: يشكل على هذه قوله تعالى: (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) حيث عطف الذي هو للوجوب على الأمر الذي للإباحة وهو الأكل.
قلت: ليس كذلك، فإن الأكل بقدر ما يقوم به مهجته فرض، وجاز أن يكون المراد هنا ذاك، وإن نفع الأكل راجع إلى العبد والشكر حق الله تعالى، فلذلك قام دليل الوجوب في الشكر لكونه حق الله تعالى، ودليل الإباحة في الأكل لكونه حق العباد وكلامنا فيما إذا كان الحق لواحد.
(قصر الأحوال) أي قصر أحوال الصلاة كالأداء راكبا بالإيماء والإيجاز بالقراءة وتخفيف الركوع والسجود لا أن يكون المراد قصر شطر الصلاة، وإنما عرف هذا بنص أخر وهو قوله تعالى:(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) فإنما تعلق قصر أحوال الصلاة بالخوف، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
(وقال تعالى): (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَانَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) والمراد- والله أعلم- فإذا أمنتم فأتموا
الصلاة بأحوالها.
(وَرَبَائِبُكُمْ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ)(فلا تذكر الحجور شرطًا)، وكلامنا في صريح الشرط لما أن دلالة الشرط لما أن دلالة الشرط لا تعتبر في المعرفة والربائب معرفة بالإضافة فكان ذكر الحجور لبيان التقرير كقوله تعالى:(من أصلابكم) وهذا الكلام لرد سؤال وهو أن يقال: ينبغي أن يكون الحجر شرطا؛ لأنه شرط دلالة من حيث الظاهر فيتفقد به حتى لو كانت الربائب في غير الحجر ينبغي أن يجوز نكاحها.
والجواب ما ذكر وهو أن دلالة الشرط إنما تعتبر شرطا في النكرة لا في المعرفة.
(هذا الكلام بمعنى الشرط دلالة لوقوع الوصف في النكرة) لما أن التزوج دخل علة امرأة غائبة غير معينة فكانت نكرة، والوصف في الغائب معتبر فصار كأنه قال: المتزوجة طالق، فكان الطلاق متعلقًا بالتزوج بخلاف ما
إذا قال: هذه المرأة التي أتزوجها طالق، فإنه لو تزوجها لا تطلق؛ لأن الوصف في الحاضر لغو لما أن الوصف للتعريف؛ لأنه موضوع للتفرقة بين المشتركين، والتعريف الحاصل من الإشارة أقوى من التعريف الحاصل من الوصف، فكان الوصف بعد الإشارة وقع ضائعا فلا يعتبر فبقي قوله: هذه طالق وهي أجنبية فلا يصح.
(ونص الشرط يجمع الوجهين) أي صريح الشرط وهو ذكر حرف من حروف الشرط يجمع وجهي المنكرة والمعينة أي صح فيهما، ويكون الطلاق معلقا فيهما حتى لو قال: إن تزوجت هذه المرأة فهي طالق ثم تزوجها تطلق كما قول قال: إن تزوجت امرأة فهي طالق.
(لما لم تكن عللًا بذواتها استقام أن تخلفها الشروط)؛ لأن العلل الشرعية أمارات في الحقيقة فيمكن أن ينقل حكمها إلى ما يقاربها وهو
الشروط بخلاف العلل العقلية، فإنها علل بذواتها أي بوضعها فلم يستقيم أن يخلفها الشروط في إضافة الحكم إليها. ألا ترى أن الكسر لما كان علة للانكسار والقطع علة للانقطاع لم يقم غيرهما مقامها في إثبات الانكسار والانقطاع.
(فقد قالوا في شهود الشرط واليمين إذا رجعوا جميعا بعد الحكم إن الضمان يجب على شهود اليمين لأنهم شهود العلة)، وأما إذا رجع شهود الشرط وحدهم.
قال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله في "أصول الفقه" و"المبسوطة": إنهم لا يضمنون.
وقال في "المبسوط" ظن بعض مشايخنا أنهم يضمنون في هذا الفصل، وقالوا: إن العلة لا تصلح لإضافة الحكم إليها هاهنا فإنها ليست متعدية فيكون الحكم مضافًا إلى الشرط على أن الشرط يجعل خلفًا عن العلة هاهنا باعتبار أن
الحكم يضاف غليه وجودا عنده وشبه هذا بحفر البئر، ثم قال: وهو غلط، بل الصحيح من المذهب أن شهود الشرط لا يضمنون بحال نص عليه في "الزيادات"، وهذا لأن قوله: أنت حر مباشرة الإتلاف للمالية وعند وجود مباشرة الإتلاف الحكم يضاف إليه دون الشرط، ولكن المصنف فخر الإسلام البزدوي وغيره من المشايخ- رحمهم الله اختاروا جانب الضمان.
وذكر المصنف بعد هذا في الكتاب بخطوط: وإذا رجع الشرط وحدهم وجب أن يضمنوا.
(لما قلنا) وهو قوله: "إن الشرط يتعلق به الوجود دون الوجوب فصار شبيها بالعلل" إلى أخره.
وكذلك قال الإمام فخر الدين قاضي خان- رحمه الله في أيمان "الجامع الكبير" وإن رجع شهود الدخول لا غير لم يذكر هذا الكتاب، واختلفوا فيه، قال بعضهم: لا يضمنون استدلالا بشهود الإحصان إذا رجعوا وحدهم لا يضمنون، ثم قال: وأكثر المشايخ قالوا بوجوب الضمان عليهم؛ لأن شهود الدخول إن لم يثبتوا علة التلف فقد أثبتوا التلف؛ لأن قوله: أنت حر يصير علة عند الدخول فالحق ذلك بالعلة عند تعذر إيجاب الضمان على صاحب العلة نظرًا لصاحب الحق.
أما الإحصان فليس في معنى العلة، بل هو مانع عن العلة وهي الزنا فلا
يكون ملحقًا بالعلة.
أما الدخول فلا يمنع العلة وهو الإعتاق فأمكن إلحاقه بالعلة، وكذلك في عامة شروح الجامع الكبير حيث ذكر وجوب الضمان على شهود الشرط إذا رجعوا وحدهم.
(وذلك مثل قول علمائنا في رجل قيد عبده ثم حلف) إلى أخره. ذكر هذه المسألة في باب الشهادة في العتق من عتاق "المبسوط" فقال: وهذا بناء على أن قضاء القاضي بالعتق بشهادة الزور هل ينفذ ظاهرًا وباطنًا؟
عند أبي حنيفة- رحمه الله ينفذ ظاهرًا وباطنًا، وفي قول أبي يوسف الأخر وهو قول محمد- رحمهما الله- ينفذ ظاهرا لا باطنا، فتبين أن قضاء القاضي بشهادتهما لم يكن نافذا في الباطن وأن العبد إنما عتق بحل القيد لا بشهادتهما فلا يضمنان عندهما شيئا.
وعند أبي حنيفة- رحمه الله إنما عتق العبد بقضاء القاضي لنفوذ قضائه ظاهرا وباطنا، وقضاء القاضي كان بشهادتهما، فلهذا ضمنا قيمته؛ لأنا علمنا أنهما شهدا بالباطل.
فإن قيل: هما إنما شهدا بشرط العتق؛ لأنهما شهدوا بوزن القيد أنه دون
عشرة أرطال وذلك شرط العتق ولا ضمان على شهود الشرط.
قلنا: لا كذلك؛ بل شهدا بتنجيز العتق؛ لأنهما زعما أن المولى علق عتقه بشرط موجود، والتعليق بشرط موجود كان تنجيزا حتى يملكه الوكيل بالتنجيز وشهود تنجيز العتق يضمنون عند الرجوع.
فإن قيل: قضاء القاضي إنما عند أبي حنيفة- رحمه الله إذا لم يتقين ببطلانه.
فأما بعد التيقن ببطلانه فلا ينفذ، كما لو ظهر أن الشهود عبيد أو كفار، هاهنا قد تيقنا ببطلان الحجة كان وزن القيد خمسة أرطال وبعد ما علم كذبهم بيقين لا ينفذ القضاء باطنا فيعتق حينئذ بحل القيد.
قلنا: لا كذلك؛ بل نفوذ القضاء عند أبي حنيفة- رحمه الله باعتبار أنه يسقط من القاضي تعرف ما لا طريق له إلى معرفته وهو حقيقة صدق الشهود ولا يسقط عنه الوقوف على ما بتوصل إليه من كفرهم ورقهم؛ لأن التكليف يثبت بحسب الوسع وقد تعذر على القاضي هاهنا الوقوف على حقيقة وزن القيد؛ لأنه لا يعرف ذلك إلا بعد أن يحله، وإذا حل عتق العبد فتسقط عنه حقيقة معرفة وزن القيد ونفذ قضاؤه بشهادتهما ظاهرًا وباطنًا.
قلت: فعلى هذا كان قوله: "وذلك مثل قول علمائنا" في تشبيه أن شهود العلة إذا كانوا كذبة في شهادتهم يضمنون لما أتلفوا بشهادتهم والكذب منهم يظهر إما برجوعهم عن شهادتهم أو بظهور المشهود به على خلاف ما شهدوا، وهاهنا ظهر كذبهم بظهور المشهود به على خلاف ما شهدوا به فيضمنون عند أبي حنيفة- رحمه الله لذلك، فكان قوله:"وذلك مثل قول علمائنا" إشارة على قوله: "إن الضمان على شهود اليمين"؛ لأنهم شهود العلة.
هذا على تقرير "المبسوط" على ما ذكرت، وأما على تقرير هذا الكتاب فكان قوله:"فأما إذا سلم الشرط عن معارضة العلة صلح علة"، فكان ضمان الشاهدين عند أبي حنيفة- رحمه الله باعتبار أن صاحب العلة وهو المولى بيمينه لما لم يصلح لإيجاب الضمان عليه ضمن صاحب الشرط وهو الشاهدان اللذان أثبتا شرط العتق بشهادتهما إن القيد عشرة أرطال.
وقوله: (فوقع العتق بحل القيد) والحل كان بأمر القاضي فلا يكون موجبًا للضمان.
وقوله: (وهذان الشاهدان أثبتا شرط العتق) من تتمة قول أبي حنيفة
رحمه الله- وقوله: "ومع ذلك ضمنا" أي على قول أبي حنيفة رحمه الله.
وقوله: (لا تصلح لضمان العتق وهو يمين المولى) إما لأنهما مباحة فلا تصلح سببًا للضمان، أو لأن الإنسان لا يضمن لنفسه، أو لأنه تصرف في ملكه.
(وفي مسألة رجوع الفريقين) أي شهود التعليق وشهود وجود الشرط (إيجاب كلمة العتق) وهو قول المولى: أنت حر إن كان كذا، وهما أثبتا تلك الكلمة زورًا فكان الضمان عليهما حيث أثبتا العتق فلا ضرورة في خلفية الشرط
(فيكون حفر البئر إزالة للمانع) فصار كوجود الشرط بدخول الدار مثلًا
فإنه إزالة للمانع فكذا هنا، (ولهذا لم تجب على حافر البئر كفارة) هذا الإيضاح أن حافر البئر صاحب شرط لا صاحب علة.
(فمن قسم الأسباب التي جعلت عللا) لأنها طرق إلى التلف وليست بشروط؛ لأنها لم تكن إزالة مانع للعلة بخلاف حفر البئر ونحوه، فإنه إزالة للمانع لا طريق مفض إلى التلف سابقا عليه، ففي كلتا الصورتين يجب الضمان، (وعلى هذا) الأصل وهو إقامة الشرط مقام العلة عند عدم إمكان الإضافة إلى العلة.
(وإن كان التغيير بطبع الأرض والماء والهواء) يعني ا، تغير المغضوب في يد الغاضب موجب للضمان عليه إذا كان بفعل الغاضب، وهنا وإن لم يوجد فعل مغير منه لكن وجد شرط التغير، وهو الإلقاء في الأرض فأقيم مقام العلة.
(لكن العلة) أي العلة هنا لحصول الخارج من البدن قوة الأرض والماء والهواء وهي (مسخرة) بتقدير الله تعالى لا اختيار لها، فلم يصلح لإضافة الحكم إليها، والإلقاء الذي هو شرط جامع بين هذه الأشياء أعني الحب والأرض والهواء والماء فجعل العلة خلفا عنها في الحكم، وبهذا الطريق يصير الزرع كسب الغاضب مضافًا على عمله فكان مملوكا له فكان هذا كالواقع مع الحافر، فإن الثقل الذي هو علة لما لم يصلح لإضافة الضمان إليه أضيف إلى حفر الحافر الذي هو شرط خلفا عنه فكذا هنا.
(فجعل للشرط حكم العلل) أي في حكم الضمان؛ حيث الضمان إلى صاحب الشرط كما يضاف إلى صاحب العلة.
(غير منسوب إليه) أي إلى الشرط لئلا يكون في معنى العلل (وأن يكون سابقا عليه) أي على الفعل الاختياري ليكون في معنى السبب.
وقوله: (باتفاق أصحابنا) إنما قيد به احترازًا عن مسألة فتح باب القفص حتى طار الطير أو باب الإصطبل فخرجت الدابة فإن فيه خلافًا بين أصحابنا فقال محمد- رحمه الله: فيه بالضمان.
(إزالة للمنع)؛ لأن إباقة إنما صار علة التلف بعد الحل.
(فالسبب مما يتقدم) أي على العلة، (والشرط مما يتأخر) أي عن العلة.
(ثم هو سبب محض) فلا يمكن إضافة الحكم إليه؛ لأن السبب المحض لا يضاف إليه الحكم بل الحكم وهو تلف المالية مضاف إلى ما اعترض عليه من
العلة دون ما سبق إلى السبب.
(وكالدابة) تجول بعد الإرسال، فكذلك هذا أي يصلح فعل البهيمة قاطعا لفعل الفاتح حتى لا يجب الضمان على فاتح القفص.
وكذلك صيد الحرام إذا خرج من الحرم يعتبر فعله في قطع الحكم وهو الحرمة الثابتة له بسبب الحرم ولما كان فعل الدابة يعتبر في الجملة اعتبر هنا في حق قطع الفتح عن الفاتح حتى لا يجب الضمان على الفاتح بخلاف من فتح فم زق الدهن أو غيره حتى تلفت ماليته بسيلانه كان على الفاتح الضمان؛ لأن السيلان ليس بفعل البهيمة حتى يصلح قاطعا لفعل الفاتح.
وقوله: (ولهذا قلنا فيمن حفر بئرا) متصل بقوله: "لأن الإلقاء هو العلة وقد صلح لإضافة الحكم إليه"(أن العلة صالحة لإضافة الحكم إليها) لكون
ذلك الفعل اختياريا فلا ضرورة في جعل الشرط خلفا عنه؛ لأنه ضروري فلا يصار إليه إلا عند الضرورة.
(ووجب المصير في لاضمان العدوان إلى محض القياس) وهو عدم وجوب الضمان على المشلى؛ لأن ما وجد منه من الإشلاء سبب قد اعترض عليه فعل من مختار غير منسوب إلى ذلك السبب، فإنه لا يكون سائقا بمجرد الإشلاء، ومع الشك في السبب الموجب للضمان لا يجب الضمان بحال.
وحاصل الفرق بينهما ما ذكره في "الهداية" في باب جناية البهيمة: إن البهيمة مختارة في فعله ولا تصلح نائبا عن المرسل فلا يضاف فعله إلى غيره
هذا هو الحقيقة، إلا أن الحاجة مست في الاصطياد فأضيف إلى المرسل؛ لأن الاصطياد مشروع ولا طريق له سواه ولا حاجة في ضمان العدوان.
وذكر الفقيه أبو الليث- رحمه الله إذا أرسل كلبًا فأصاب في فوره إنسانا يضمن المرسل وإن لم يكن سائقا له؛ لأنه إذا أرسله وإن لم يكن خلفه فما دام في فوره فكأنه خلفه.
قال الصدر الشهيد- رحمه الله وعليه الفتوى. كذا في البهيمة في فصل مسائل جناية البهيمة من كتاب الجنايات والحدود.
(ولهذا قلنا فيمن ألقى نارًا) يتصل بقوله: "لم يضمن" لأنه صاحب سبب والفعل الموجود بعده غير مضاف إليه؛ لأن هبوب الريح بعدما ألقى النار في الطريق غير مضاف إلى الملقي، وكذلك لدغ الحية بعد ما تحركت بخلاف ما إذا أحرقت قبل الوقوع على الأرض وقبل التحرك؛ لأنه مضاف إليه تسبيبًا فيضمن.
(وأما الذي هو شرط اسما لا حكما فإن كل حكم تعلق بشرطين فإن أولهما شرطا أسما لا حكمًا)
فإن قلت: ما الفرق بين الشرط وبين العلة في مثل هذه الصورة، فإن الحكم إذا تعلق بوصفين لم يكن الوصف الأول هناك علة اسمًا بل كان هو شبهة العلل على ما ذكر فيه بقوله:"وأما الوصف الذي له شبهة العلل" إلى أخره.
وأما الشرط في مثل هذه الصورة فكان الوصف الأول شرطًا اسما.
قلت: إنما كان هكذا؛ لأن لكل من الوصفين هناك نوع تأثير.
ألا ترى أنه كيف صرح به بقوله: فكل حكم تعلق بوصفين مؤثرين ولما لم تتم العلة إلا بهما لم يكن كل واحدة منهما علة بانفراده، فكان شبهة العلل باعتبار تأثيره ولم يكن علة لعدم تمام ركن العلة بخلاف الشرط، فإنه يتم شرطًا بانفراده وإن لم يثبت الحكم إلى وجود شرط أخر.
وحاصل ذلك راجع إلى أن اجتماع شروط كثيرة جائز في حق حكم واحد وجوده، كجواز الصلاة مثلا يتوقف على شروط كثيرة، وكل شرط.
منها تام في كونه شرطًا وإن لم يثبت الحكم عنده وليست العلة كذلك؛ لأنه مستحيل أن يثبت الحكم الواحد في حالة الوجود بعلل كثيرة جمعًا، والمعنى فيه أن العلة هي المؤثرة في وجود الحكم، فلما وجد الحكم بواحدة منهما كان وجوده ثانيًا محالا بأخرى منها.
وأما الشرط فليس بمؤثر في وجود الحكم؛ بل الحكم يوجد بالعلة عند وجود الشرط فيصح اجتماع الشروط، فكان كل شرط تامًا في كونه شرطًا، فصح إطلاق اسم الشرط على كل واحد من الشرطين بدون الأخر، ولم يصح ذلك في العلل لما ذكرنا أن المؤثر إحداها التي تسبق منها لا الجميع، ثم إذا لم يتم ركن العلة إلا بوصفين مؤثرين لم يكن كل واحد منهما علة تامة، فلم يكن على أسما.
ولكن كان شبهة العلل باعتبار تأثيره لا عند وجود الوصف الأخر ثبوت الحكم بهما، فكان كل واحد منهما مؤثرًا في وجود الحكم، لكن لما لم يتم ركن العلة بوجود الوصف الواحد لم يثبت الحكم بوجوده، فكان هو بانفراده مشابها للعلة لا علة تامة فسمي شبهة العلل لذلك.
(لأن الملك شرط عن وجود الشرط لصحة وجود الجزاء لا لصحة وجود الشرط)؛ لأن الشرط يصح وجوده وإن لم يوجد الحكم عنده على ما
ذكرنا.
وأما الملك فشرط لصحة نزول الجزاء، ولهذا لو دخلت الدارين بعد زوال الملك، فإنه يوجد الشرط وتنحل اليمين لا إلى جزاء حتى لو نكحها بعد ذلك ودخلت الدارين لم تطلق، وهذا لأن الملك لو اعتبر عند وجود الشرط إنما يعتبر لبقاء اليمين ولا حاجة إلى بقاء الملك لبقاء اليمين؛ لأن اليمين تبقى بدون بقاء الملك؛ لأن محل اليمين الذمة، فكانت باقية ببقاء محلها من غير أن يشترط فيه الملك في المحل، ولهذا لو أبانها وانقضت عدتها، فإنه تبقى اليمين ما لم يوجد الشرط وإن عدم الملك، وهو معنى قوله:(ولم يجز شرطه لبقاء اليمين كما قبل الشرط الأول)، فإن اليمين تبقى قبل الشرط الأول بدون بقاء الملك، فكذا بعد الشرط الأول، وهذا لأن الملك في المحل إنما يشترط لنزول
الجزاء أو لصحة الإيجاب، وفي الشرط الأول لا يثبت واحد منهما فلا يشترط بقاء الملك عند وجوده.
(لأن حكم الشرط أ، يمنع انعقاد العلة إلى أن يوجد الشرط)
قال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله وحد الشرط مل يمنع ثبوت حقيقة بعد وجودها صورة إلى وجوده، كما في تعليق الطلاق بدخول الدار والزنا موجب للعقوبة، ولا يمتنع ثبوت الحكم به إلى وجود الإحصان.
كيف لو وجد الإحصان بعد الزنا لا يثبت بوجوده حكم الرجم، فعرفنا أنه غير مضاف إليه وجوبًا به ولا وجودًا عند وجوده، ولكنه معرف، فبظهوره
يعرف أن الزنا حين وجد كان موجبًا للرجم فكان علامة.
(أن مولاه أعتقه) أي أن مولاه الكافر أعتقه (فأنكر العبد والمولى ذلك) أي الإعتاق، وهذا في الأمة ظاهر.
وأما في الغلام فعلى قولهما صحيح أيضا، وفي قوله أبي حنيفة- رحمه الله عليه- يشترط الدعوى من العبد فلا تقبل الشهادة على العتق عنده فب العبد.
(فهلا قبلت هذه الشهادة؟) يعني جرا قبول كرده نه شد اين كواهي دادن كافر بر كافر به اين ك هوي خوي شرا أزاد كرده است كه اين بنده مسلمانست در اثبات رجم وهم جنانكه بكواهي دادن زن عند الاختلاط احصان مرد ثابت مي شود در حق رجم با انكه كواهي زن را مدخل نيست در إثبات حدود.
يعني ينبغي أن يتمكن الإمام من إقامة حد الرجم علة هذا العبد بسبب ثبوت العتق بشهادة الكافرين عليه، وإن لم تقبل شهادة الكافر على المسلم في جميع الصور، كما يثبت إحصان الرجم بشهادة النساء حتى يتمكن الإمام من إقامة حد الرجم بشهادة النساء في حق الإحصان، مع أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود في جميع الصور؛ لما إن إقامة الحد غير مضافة إلى الإحصان لا وجوبًا به ولا وجودا عنده؛ لأن هذه الشهادة أعني شهادة الكافرين على عتق العبد المسلم ليست بشهادة على العبد بل شهادة على مولاه الكافر بزوال ملكه حتى ثبت عتقه على مولاه بهذه الشهادة بالإجماع، فيجب أن يثبت أيضا في حق الرجم.
فأجاب عنه بقوله: (والجواب عنه أن لشهادة النساء) إلى أخره. على وجه يقع به الفرق بين شهادة النساء وشهادة الكفار في حق إثبات إحصان الرجم (أن لشهادة النساء مع الرجال خصوصا في المشهود به دون المشهود عليه) أي أن لشهادة النساء خصوصية في حق المشهود به حتى لا تقبل شهادتين في حق الحدود والقصاص وتقبل في غيرهما ولا خصوصية في حق المشهود عليه حتى قبلت شهادتهن في حق المسلمين والكفار جميعًا، وإن كان في شهادتهن ضرر على المسلم كما في إثبات المال على المسلم وشهادة الكفار على العكس، ثم هاهنا المشهود به هو الإحصان، والإحصان لا تعلق له في إيجاب الرجم، ولا في الإيجاد عنده، فتقبل شهادة النساء في
الإحصان لذلك.
وأما شهادة الكفار فتقبل على الكافرين في جميع الصور سواء كانت في الحدود أو غيرها، فدخل الخصوص في شهادة الكفار في حق المشهود عليه أي تقبل في حق الكفار دون المسلمين، ثم لو قبلنا شهادة الكافر بالإعتاق هاهنا في جميع الأحكام لكان شهادة له على المسلم في حق الرجم عليه وذلك لا يجوز، وإن لم يكن الإحصان شرطًا للرجم ولكن له مدخل في الرجم من حيث العلامة، وفيه ضرر على المسلم ولا يجوز أن يثبت الضرر على المسلم بشهادة الكفار بوجه من الوجوه.
قال الله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) فيه نفي لجميع وجوه السبل؛ لأن سبيلا نكرة وقعت في موضع النفي.
وقوله: (ولكن في هذه الحجة) أي في شهادة الإحصان في الموضعين (تكثير محل الجناية) أي من حيث الجناية على نعمة الحرية في أحد الموضعين، وعلى نعمة إصابة الحلال بطريقة في الموضع الأخر، والجناية تعظم
عند كثرة النعمة.
ألا ترى أن الله تعالى كيف ذكر مضاعفة العقوبة على نساء النبي عليه السلام على تقدير إتيانهن بالفاحشة بقوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَاتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) لأن النعم في حقهن دون سائر النساء ضوعفت وتكثرت، فضوعفت العقوبة بمقابلتها عند الجناية لذلك.
وإذا ثبت هذا فشهادة النساء تكون حجة على المسلم وإن كان فيها ضرر عليه كما في إثبات الدين عليه، وإنما لا تكون حجة فيما تضاف إليه العقوبة وجوبا به أو وجودا عنده، وذلك لا يوجد في هذه الشهادة اصلًا.
وأما شهادة الكفار ففيما يتضرر به المسلم لا تكون حجة أصلًا، فلذلك ثبت العتق بشهادة الكافرين على الكافر ولا يثبت الإحصان للمسلم بالعتق؛ لأن في ذلك ضررًا عليه وإن لم يكن ذلك الضرر واجبًا به أو موجودًا عنده.
(وعلى هذا الأصل) أي تفريغ المسألة على أصل أن الشرط الذي هو
علامة (أن شهادة القابلة على الولاة تقبل من غير فراش قائم) أي في المعتدة.
وبها صرح في "التقويم" فقال: وكذلك قال أبو حنيفة- رضي الله عنه إذا ولدت المعتدة وأنكر الزوج الولادة وشهدت القابلة لم يثبت النسب بشهادتها إلا أن يكون الحبل ظاهرًا وكان الزوج أقر بالحبل، أو كان النكاح قائمًا حال الولادة.
وعندهما يثبت بالفراش القائم عند العلوق، والولادة شرط ظهور الولد فهذه الولادة في حق النسب علم محض لنسب قد كان.
وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول: إن كان الحبل طاهرًا حال قيام الفراش أو كان الزوج أقر به، فقد وجد علة ثبوت النسب وبالولادة يظهر ولد كان ثابت النسب، فلم يمتنع الظهور لمكان ثبوت الولادة بشهادة المرأة، والنسب يثبت بعلة قائمة وهي النكاح فلا يصير مضافًا إلى شهادتها.
فأما إذا لم يكن إقرار ولا حبل ظاهر ولا نكاح قائم فابتداء الوجود في حقنا، إنما يثبت بشهادة المرأة بالولادة؛ لأن ما قبله من الوجود وجود باطن في حق الله تعالى لا سبيل لنا إلى علمه، فيعتبر بالعدم في حقنا كالخطاب النازل من السماء يعتبر عدما في حق من لم يبلغه، وحال البلوغ إليه معتبر في حقه
بابتداء الشرع؛ ليكون التكليف بقدر الوسع فكذا هذا، وإذا كان كذلك كان هذا حكمًا مضافًا إلى الشهادة عند عدم العلة وهي إقرار الزوج وغيره فلم يثبت بشهادة القابلة؛ لأنها ليست بحجة على النسب بحيث يضاف غليها، وكذلك الميراث للولد لا يثبت بشهادة القابلة أنه كان حيًا.
وقوله: (فإنما يثبت بالفراش) أي بالفراش السابق الذي كان وقت العلوق (لا يتعلق به وجوب النسب)؛ لأن وجوب النسب إنما كان بالعلوق من مائه.
وقوله: (حكما ثابتًا) متعلق بقوله: "كان ثبوت النسب"، وقوله:(في حق صاحب الشرع) وهو الله تعالى لا يحتاج في حقه إلى ان يثبت الحكم بناء على الأسباب الظاهرة بخلاف ثبوت الحكم في حقنا؛ للأنا لم نكلف درك الغيوب، فكان مضافًا إلى الأسباب الظاهرة.
(فيثبت ما كان تبعًا له) أي ما كان تبعا لوجود الولادة، وهو الجزاء المتعلق به من الطلاق والعتاق وثبوت النسب وغيرها.
اعلم أن هاهنا مسائل لا بد من تحريرها حتى يتميز فأنت طالق، فقالت: قد ولدت وكذبها الزوج لم يقع الطلاق بقولها بخلاف الحيض؛ لأن الولادة مما يقف عليه غيرها، فقول القابلة يقبل في الولد فلا يحكم بوقوع الطلاق ما لم تشهد القابلة به، والحيض لا يقف عليه غيرها- ولا يقع الطلاق ما لم تشهد القابلة به، والحيض لا يقف عليه غيرها- فلذلك يقبل قولها- فإن شهدت القابلة بالولادة ثبت نسب الولد بشهادتها، ولا يقع الطلاق عند أبي حنيفة رضي الله عنه ما لم يشهد بها رجلان أو رجل وأمرأتان.
وعند أبي يوسف ومحمد- رحمهما الله- يقع الطلاق بشهادة القابلة؛ لأن شرط الوقوع ولادتها، وقد صار محكوما بها بشهادة القابلة بدليل ثبوت نسب الولد، ولأن شهادة القابلة في حال قيام الفراش حجة تامة في حق النسب وغيره كجريان اللعان وثبوت الحد وأمومية الولد، فكان حجة في حق وقوع الطلاق، يعني إذا ولدت امرأته ولدا فقال الزوج: ليس هو مني ولا أدري أنت ولدته أم لا؟ فشهدت القابلة- حكم باللعان بينهما، ولو كان الزوج حرًا محدودًا في قذف أو عبدًا وجب عليه الحد.
ولو قال لجاريته: إن كان بها حبل فهو مني، فشهدت القابلة على ولادتها صارت أو ولد له.
وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول: شرط الطلاق إذا كان لا يثبت إلا بالشهادة فلابد فيه من شهادة رجلين وامرأتين كسائر الشروط، وهذا لأن شرط الطلاق كنفس الطلاق، وتأثيره أن شهادة المرأة الواحدة ليست بحجة أصلية، وإنما يكتفي بها فيما لا يطلع عليه الرجال لأجل الضرورة، والثابت بالضرورة، والثابت بالضرورة لا يعدو موضعها، والضرورة في نفس الولادة وما هو من الأحكام المختصة، والحكم المختص بالولادة أمية الولد للأم واللعان عند نفي الولد.
وأما وقوع الطلاق والعتاق فليس من الحكم المختص بالولادة، بل إنما يقع بإيقاعه عند وجود الشرط، ونسب الولد من الأحكام المختصة بالولادة مع أن النسب عند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يثبت بشهادة القابلة، وإنما يثبت يعين الولد.
فأما ثبوت النسب فبالفراش القائم، وكون شهادة القابلة حجة في ثبوت النسب لا يدل على أنها تكون حجة في وقوع الطلاق، فكان هذا كقوله: إذا قال لإحدى امرأتيه: إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك- وهذا في صورة الإنكار-.
وأما إذا كان الزوج أقر بأنها حبلي ثم قال لها: إذا ولدت فأنت طالق،
فقالت: قد ولدت.
فعند أبي حنيفة- رحمه الله يقع الطلاق بمجرد قولها، وعندهما لا يقع إلا أن تشهد القابلة به؛ لأن الشرط ولادتها، وذلك مما يقف عليه القابلة فلا يقبل فيه مجرد قولها كما في الفصل الأول.
ألا ترى أن نسي الولد لا يثبت إلا بشهادة القابلة، وإن أقر الزوج بالحبل، فكذلك فى الطلاق.
وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول: إنه علق وقوع الطلاق ببروز موجود في باطنها فيقع الطلاق بمجرد خبرها. كما لو قال: إذا حضت فأنت طالق، وهذا لأن وجود الحبل بها يثبت بإقرار حبل الزوج، فلما جاءت الآن وهي فارغة وتقول: قد ولدت فالظاهرة يشهد لها أو يتيقن بولادتها وهذا بخلاف النسب؛ لأن مجرد الولادة تثبت بقولها، وليس من ضرورته تعين هذا الولد؛ لجواز أن تكون ولدت غير هذا من والد ميت ثم تريد حمل نسب هذا الولد عليه، فلهذا لا يقبل قولها في تعيين الولد إلا بشهادة القابلة.
فأما وقوع الطلاق فيتعلق بنفس الولادة أي ولد كان من حي أو ميت، وبعد إقرار الزوج بالحبل يتيقن بالولادة إذا جاءت وهي فارغة. هذا كله من باب الطلاق من طلاق ((المبسوط)).
(وكذلك قالا في استهلال الصبي إنه تبع للولادة) يعني لو شهدت القابلة بأن المولود استهل بعد الولادة يثبت حياته فى حق الإرث عندهما بطريق ثبوت التبعية للولادة، كما يثبت حياته في حق الصلاة بالاتفاق.
وذكر في باب شهادة النساء من شهادات ((المبسوط)).
وأما الاستهلال فإني لا أقبل فيه شهادة النساء إلا في الصلاة عليه.
وأما في الميراث فلا أقبل في ذلك أقل من رجلين أو رجل وامرأتين، وهو قول أبي حنيفة- رضي الله عنه.
وقال أبو يوسف ومحمد- رحمهما الله- تقبل في ذلك شهادة امرأة واحدة حرة مسلمة عدلة؛ لأن استهلال الصبي يكون عند الولادة وتلك حالة لا يطلع عليها الرجال، وفي صوته عند ذلك من الضعف ما لا يسمعه إلا من شهد تلك الحالة، وشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال كشهادة الرجال فيما يطلعون، ولهذا يصلى عليه بشهادة النساء، فكذلك يرث.
وأبو حنيفة- رضي الله عنه يقول: الاستهلال صوت مسموع وفي السماع الرجال يشاركون النساء، فإذا كان المشهود به مما يطلع عليه الرجال لا تكون شهادة النساء فيه حجة تامة، وإن وقع ذلك في حالة لا يحضرها الرجال
كالشهادات على جراحات النساء في الحمامات، بخلاف الولادة فهي انفصال الولد من الأم، والرجال لا يشاركون النساء فى الاطلاع عليها، وإنما قبلنا ذلك في حق الصلاة عليه؛ لأن ذلك من أمر الدين، وخبر المرأة الواحدة في ذلك حجة تامة في ذلك كشهادتها على رؤية هلال رمضان، بخلاف الميراث فإنه من حقوق العباد، فلا يثبت بشهادة النساء في موضع يكون المشهود به مما يطلع عليه الرجال.
وقوله: (فأخذ أبو حنيفة- رضي الله عنه فيه) أي في استهلال الصبي أي في ثبوت استهلال الصبي في حق الإرث أخذ (بحقيقة القياس) في أن استهلاله لا يثبت في حق الإرث بمجرد شهادة القابلة بل حجة كاملة وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.
وقوله: (إن الوجود من أحكام الشرط) أي وجود الحكم، وإذا كان الحكم بالشرط وجودا (فلا يثبت) الشرط في حق الحكم (إلا بكمال الحجة) وهو شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كما في وجود الشرط بدخول الدار، (والولادة) لم تثبت بشهادة القابلة مطلقا، بل تثبت من وجه دون وجه كتعليق طلاق المخاطبة وضرتها بحيض المخاطبة، ثم قالت المخاطبة: حضت يثبت حيضها في حق حكم مخصوص بالمخاطبة وهو طلاقها لا طلاق ضرتها.
فكذلك هاهنا أثبتنا حكم الولادة فيما يختص بها دون ما لا يختص بها، فثبوت النسب وجريان اللعان وأمومية الولد مما يختص بالولادة، فيثبت وقوع الطلاق والعتاق، والتوريث مما لا يختص بها فلا يثبت، وهو معنى قوله:(فلا يتعدى إلى التوابع) أراد بالتوابع ما ذكرنا من وقوع الطلاق والعتاق والتوريث.
(لا ترد على البائع وإن كان قبل القبض) مع أن الرد قبل القبض يشبه الامتناع من القبول؛ لأن القبض يشبه العقد ومع ذلك لا يرد بشهادتها، وكذلك لا يرد بعد القبض؛ لأن ذلك يكون نقضا للبيع لا امتناعا، فلما لم يتمكن بشهادتها من الامتناع لم يتمكن من نقضه بالطريق، والله أعلم.