المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تقسيم العلامة - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٥

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌باب تقسيم العلامة

‌باب تقسيم العلامة

(فما يكون علما على الوجود) أي يكون هو دلالة الوجود فيما كان موجودا قبله كما في علم الثوب، وعلم العسكر.

(على ما قلنا) أي في بيان الشرط الذي هو علامة، (وقد تسمى العلامة شرطا) من حيث إن كل واحد منهما دال على وجود الحكم.

(فصارت العلامة نوعا واحدا) وهو ما كان علما على الوجود من غير أن يتعلق به وجوب الحكم ولا وجوده عنده.

ص: 2115

(بل هو معرف) أي العجز معرف لذلك القذف بأنه كبيرة من حين وجد لا أن يصير كبيرة عند العجز، إلا أنه يحتمل أن يكون صادقا، فلذلك وجب التأخير إلى زمان يتمكن فيه من إثباته، فإذا عجز ظهر أنه حين وقع وقع كبيرة.

(فيكون سقوط الشهادة سابقا عليه) أي على العجز؛ (لأنه أمر حكمي)؛ أي لأن سقوط الشهادة أمر حكمي أي حكمه شرعي، والحكم الشرعي جاز أن يتوقف كالعقد الموقوف على الإجازة، فإذا أجير العقد استند الحكم إلى السبب حتى تكون الأكساب الحاصلة قبل الإجازة للمشتري، فكذلك سقوط الشهادة أمر شرعي يتوقف على العجز عن إقامة البينة، فإذا كان العجز معرفا سقوط الشهادة سابقا على العجز تسقط الشهادة بنفس القذف، حتى إذا شهد القاذف في حادثة قبل العجز عن إقامة البينة، ثم ظهر العجز لم تقبل شهادته في تلك الحادثة عنده.

ص: 2116

أما الجلد عنده ففعل حسي فلا يمكن أن يثبت الجلد بعد العجز مستندا إلى وقت القذف؛ بل يكون بعد العجز لا محالة، فلا يتصور وجوده قبله، (وذلك أن القذف كبيرة) بنفسه لما أنه إشاعة الفاحشة (وهتك) لستر عفة (المسلم).

(والأصل في المسلم العفة)؛ لوجود ما يمنعه من الفاحشة وهو العقل والدين، والعمل بالأصل واجب ما لم يوجد دليل أقوى منه يترك به الأصل، فكان الدليل موجودا بكون القذف كبيرة في الحال لرجحان جهة الكذب بالأصل الذي ذكرنا، فتسقط شهادته بنفس الكبيرة كما في سائر الكبائر.

وقوله: (هذه الجملة) أراد بها قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)).

وحاصله أن العجز شرط للجلد وسقوط الشهادة، والمتعلق بالشيء لا يسبقه لما أن الثابت بالكتاب الجلد ورد الشهادة، وكل منهما فعل ذكر جزاء لفعله.

ألا ترى أن الكل مفوض إلى الإمام، فكان جزاء، والجلد مرتب على

ص: 2117

العجز ورد الشهادة عطف عليه فكان هو مرتبا على العجز أيضا لا محالة ولما كان كذلك كان سقوط الشهادة حكما لرد الشهادة الذي يحصل من فعل الإمام لا أن يكون حكما للقذف؛ لأنه لو كان حكما للقذف لما صح تفويضه إلى الإمام.

(وإذا كان كذلك لم يصلح) أي العجز لم يصلح أن (يجعل معرفا، وأصل ذلك) أي وأصل ما قلنا أن العجز لا يصلح أن يكون معرفا؛ (لأن البينة على ذلك مقبولة) أي على فعل الزنا مقبولة.

(الحسبة): اسم للاحتساب، مزد حشم داشتن از نزد خداي تعالى بمقابلة فعل، وقيل: الحسبة الأجر. (في إقامة حد الزنا) وإقامة حد الزنا حق من حقوق الله تعالى خالصة، والساعي في إقامته محتسب مقيم حق الله تعالى.

ص: 2118

وقال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله وكيف يكون نفس القذف كبيرة وقد تتم به الحجة موجبا للرجم، فإن الشهود على الزنا قذفه في الحقيقة، ثم كانت شهادتهم حجة لإيجاب الرجم، فعرفنا أن ما ادعاه الخصم من المعنى الذي يجعل به نفس القذف مسقطا للشهادة ما لا يمكن تحقيقه.

(لكنه لم يصلح علة للاستحقاق) أي لاستحقاق رد شهادة القاذف؛ لأن الأصل يصلح دافعا مثبتا كاليد الثابتة على العين، فإنها دافعة يد الغير لا مثبتة للملك.

(ولو صلح لذلك) أي ولو صلح الأصل مثبتا لاستحقاق رد شهادة القاذف (لما قبلت البينة) على الزنا (أبدا)، وهذا لأن البينة وإن كانت أقوى من الأصل الذي هو العفة، لكان هذا الأصل شبهة في ثبوت الزنا فلا تقبل البينة، وحيث قبلت بالإجماع دل أن الأصل لا يصلح موجبا.

وقوله: (لكن الإطلاق) متعلق بمحذوف وهو: أن القذف ليس بكبيرة بدلالاة قوله: ((فكيف يكون كبيرة)) أي أن القذف في نفسه ليس بكبيرة لكن تجويز القذف مقيد (بشرط) طلب (الحسبة) أي الأجر والثواب من الله تعالى بقذفه ذلك؛ لأن الخبر بقوله: هو زان- خبر متميل بين الصدق والكذب،

ص: 2119

والإطلاق له إنما يصح إذا اختار الحسبة حتى لو كان ذلك عن ضغينة لا يحل له ذلك وإن كان صادقا، ثم اختيار الحسبة إنما يعلم إذا كان له شهود حضور، فوجب تأخير القاذف إلى ما يتمكن به من إقامة الشهود وهو الزمان الذي يرى الإمام تقديره، وإذا لم يتمكن منه في ذلك الزمان وظهر عجزه فقد وجد الشرط فيترتب عليه الجزاء لرجحان الكذب على الصدق.

(ثم لم يؤخر حكم قد ظهر) أي قد ظهر حكم وهو حد القذف بالجلد ورد الشهادة عند وجود شرطه وهو العجز عن إقامة البينة بسبب ما يحتمل وجود البينة بعد ذلك.

فإن قيل: ينبغي أن يؤخر هذا الحكم وهو إقامة حد القذف إلى آخر جزء من أجزاء حياته؛ لأن عدم الإتيان بأربعة شهداء شرط إقامة حد القذف، والعدم لا يتحقق ما لم يمت كما في قوله: إن لم آت البصرة فهو كذا وهو معروف.

قلنا: الشرط عدم الإتيان بالشهود في الحال إذ لو لم يكن كذلك لخلا قوله: ((فَاجْلِدُوهُمْ)) عن الفائدة؛ لأنه بعد ما مات لا يمكن الجلد ولا رد الشهادة، وكان هذا كقوله تعالى:((فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ))، وقوله:

ص: 2120

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)، فإن فيهما عدم وجود المال في الحال لا العدم المستغرق للعمر، فكذا هنا.

(فإذا أقيم عليه الحد ثم جاء ببينة يشهدون بالزنا قبلنا وأقمنا الحد على المشهود عليه) وهو المقذوف، (وأبطلنا عن القاذف رد الشهادة) وقبلنا شهادته بعد ذلك، لأن سقوط الشهادة ثبت بحسب عجزه، فإذا قدر على إقامة الشهود علم أنه لم يكن عاجزًا.

(كذا ذكره في "المنتقى") في رواية لا تقبل شهادته؛ لأن من ردت شهادته في حادثة لم تقبل شهادته بعد ذلك أبدًا، كالفاسق إذا شهد في حادثة فردت شهادته لفسقه، ثم تاب يشهد في تلك الحادثة لم تقبل شهادته بعد ذلك

ص: 2121

فيها أبدًا فكذلك ها هنا، (وإن كان تقادم العهد) قيل هو ستة أشهر (لم نقم الحد على المشهود عليه، وأبطلنا رد الشهادة عن القاذف) كل ذلك للشبهة، فصار هذا بمنزلة من ادعى السرقة على الغير وأقام البينة رجلًا وامرأتين يثبت المال ولا يجب الحد، فكذلك ها هنا لا يثبت حد الزنا ولكن تقبل شهادة المحدود في القذف.

وقوله: (غير فصل التقادم) أي لم يذكر في "المنتقى" مسألة التقادم وهي قوله: وإن كان تقادم العهد لم يقم الحد على المشهود عليه وذكر غيرها فيه ويتصل بهذه الجملة.

ص: 2122