الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المرض]
(والموت عجز خالص) بخلاف الرق فإنه أيضًا عجز ولكن ليس بخالص.
(ولما كان الموت علة الخلاف كان المرض من أسباب تعلق حق الوارث والغريم بماله)؛ لأن الموت لما كان علة حقيقة لثبوت حق الغريم والوارث، والمرض سبب الموت كان المرض سبب علة ثبوت التعلق للغريم والوارث به، وبالسبب يثبت نوع الحكم قبل العلة. ألا ترى أن الجارح خطأ لو كفر قبل موت المجروح يجوز.
(ولما كان عجزًا) أي سبب العجز (شرعت العبادات عليه بقدر المكنة) أي قائمًا وقاعدًا ومستلقيًا
(بقدر ما يقع به صيانة الحق)، ففي حلق الورثة في الثلثين وفي حق الغرماء في الكل، (حتى لا يؤثر المرض فيما لا يتعلق به حق غريم) مثل النكاح بمهر المثل والاستيلاء والنفقة على نفسه وعلى من تجب نفقته عليه.
(ولا وارث) مثل تصرف المريض في ثلث تركته وفي هذه الأشياء التي ذكرنا.
(مستندًا إلى أوله) ذكر لفظ الاستناد للفرق بينه وبين التبين، فالتبين هو ما يمكن الاطلاع عليه للعباد، والاستناد ما لا يمكن الاطلاع عليه لهم قبل ثبوته.
(وكل تصرف لا يحتمل النقض جعل كالمتعلق بالموت كالإعتاق) هذا التشبيه في حق السعاية.
أما في حق نفوذ العتق في الحال فليس كالمتعلق فإن المتعلق بالشيء لا يثبت قبل وجود ذلك الشيء، وهاهنا العتق ثابت في الحال، وقال في
«المبسوط» في كتاب العتق في المرض عن إبراهيم رحمه الله في الرجل يعتق عبده عند الموت وعليه دين قال: يستسعى في قيمته، وبه نأخذ؛ لأن العتق في مرض الموت وصية والدين مقدم على الوصية، فإذا كان الدين مثل قيمته أو أكثر ولا مال له سواه فقد بطلت الوصية ووجبت على العبد رد رقبته، ولكن العتق بعد نفوذه لا يحتمل النقض والرد فيكون رده بإيجاب السعاية عليه، ولا تلزمه السعاية في أكثر من قيمته؛ لأنه لا يسلم له أكثر من مالية رقبته.
وإن كان الدين على المولى أقل من قيمته سعى في مقدار قيمته للغرماء وفي ثلثي ما بقى للورثة؛ لأن مال الميت ما بقي بعد قضاء الدين قائمًا يسلم له بالوصيية ثلث ما بقي وعليه السعاية في ثلثي قيمته للورثة، وإذا أعتق الرجل في مرضه عبدًا قيمته ثلاثمائة ولا مال للمولى سواه ولا دين عليه فعلى العبد السعاية في مائتي درهم للورثة؛ لأن يسلم له الثلث بطريقة الوصية.
(وكان القياس أن لا يملك المريض الإيصاء لما قلنا) أي من أن المرض من أسباب الحجر، (لكن الشرع جوز ذلك نظرًا له) فإن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله ومحتاج إلى تدارك ما فرط منه من التقصير لما أن الرجوع
إلى جزاء الله تعالى والمصير إليه، وفي الوصية أيضًا إيصال المنافع للإخوان واستذكار بخير بعد حينه من الخلان على وجه فيه طلب رضى الرحمن إذ بها يقوةى رجاؤه من الله تعالى ثواب رفده عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده.
(الاستخلاص): جيزي را براي خود خاص كردن، والإخلاص: جيزي رابه هر كسي خاص كردن، والإخلاص مع الاستخلاص كالإيثار مع الاستيثار، أي الموصي بوصيته يستأثر ثواب الله تعالى لنفسه على الورثة بالقيل وهو الثلث.
(ليعلم) وهو متعلق بقوله: «بقدر الثلث» أي ليعلم (أن التهمة فيه أصل) وهي أن يتهم أنه إنما أوصى بالكثير لضغينة له بورثته، يعني فلذلك قدر الشارع جواز وصيته بالقليل وهو الثلث؛ لأنه لو أباح في الكل من غير تقدير بشيء لاحتمل أن يوصي بالكل فحينئذ صار متهمًا ببغض ورثته ووقع في قالة الناس بأنه كان يعادي ورثته والاحتراز عما يورث التهمة واجب.
(التولي): بكار كسي قيام كردن وكار كسي رابخود كرفتن، أي إن الشرع أي الشارع وهو الله تعالى لما بين بنسه (الإيصار للورثة أبطل إيصاء الموصي لهم) يعني أن إيصاء الموصي للورثة كان مفوضًا إلى الموصي في ابتداء الإسلام بدليل قوله تعالى:(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة:180] ثم تولى بيان ذلك بنفسه بقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)[النساء:11] الآية، وانتسخت تلك الآية بهذه الآية، فإذا بطل إيصاء العباد للورثة بطل من كل وجه.
(فبطل صورة) بأن يبيع عينًا من ماله من بعض الورثة بمثل قيمته فإن ذلك لا يجوز؛ لأن فيه إيثار العين لبعض الورثة لا إيثار معناه، وبطل (معنى) أيضًا، وهو أن يقر لأحد الورثة بالمال؛ لأنه وصية معنى، وبطل (حقيقة) الوصية بأن أوصى لأحد أقاربه بشيء من ماله، وبطل أيضًا (شبهة) الوصية بأن باع جيدًا بردي من الأموال الربوية من أحد الورثة لما فيه من شبهة الوصية بسبب إيثار الجيد لبعض الورثة، وإن كانت الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية إذا بيعت بجنسها.
فكان قوله: (حتى لا يصح منه البيع أصلًا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، بيانًا لتلك الصور على طريق اللف والنشر أي لا يصح بيع المريض بعض ماله من ورثته بمثل قيمته أو بأكثر من قيمته عند أبي حنيفة رضي الله عنه.
وذكر في باب الصرف في المرض من صرف «المبسوط» مريض باع من ابنه دينارًال بألف درهم وتقابضًا، فذلك لا يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأن نفس البيع من وارثه وصية له عنده ولا وصية للوارث، وعندهما معنى الوصية في الحط لا في نفس البيع كما في حق الأجنبى، فإذا كان البيع بمثل القيمة أو أكثر فلا وصية فيه ولا تهمة.
(لأن شبهة الحرام حرام)؛ لأنه عليه السلام (نهى عن الرب والريبة).
(وإن لزمه في صحته) يعني أن ثبوت الدين نفي حال عدم التهمة له لا
يصح، فكذا إذا ثبت في حال التهمة لتهمة العدول عن خلاف الجنس إلى الجنس، يعني يتهم بأنه إنما لم يبع منه شيئًال بخلاف الجنس لظهور قيمة الجودة على ذلك التقدير فباع بجنسه لئلا تظهر قيمة الجودة.
يعني يتهم المريض بأن من قصده أن يؤثر بعض الورثة على غيره بإيصال عين جيد إليه لينتفع هو به دون غيره فلا يملك هو ذلك القصد في غير الأموال الربوية؛ لأنه لا يملك إسقاط الجودة في غيرها لاعتبارها عرفًا وشرعًا، فعدل عنه وباع الجيد من الأموال الربوية بالردي من الواررث لينتفع ذلك الوارث بجودة ما باعه؛ لأن الجودة في الأموال الربوية إذا بيعت بجنسها ساقطة فرد ذلك عليه للتهمة.
وفي قوله: (وتقومت الجودة في حقهم) إشارة إلى جواز بيع المريض من وارثه الأموال الربوية بجنسها من غير خلاف إذا تساوت في الجودة والرداءة، غير أن الجودة متقومة فيها؛ لأنه ذكر ذلك مطلقًا من غير خلاف أحد. إلى هذا أشار في «المبسوط» ، والمعنى فيه أن الدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود فلا يلزم فيه ما قلنا من إيثار العين لبعض الورثة؛ لأنه لما كان للوارث من ذلك الجنس بمثل عينه وصفته صار كأنه لم يبع منه شيئًا، فلذلك قيل معنى قوله:(كما تقومت في حق الصغار) أنه لو باع الولي مال الصبي
من نفسه تقومت الجودة حتى لا يجوز إلا باعتبار القيمة.
(وحجر المريض عن الصلة) ولهذا لم تجب عليه نفقة المحارم ولا أدء الزكاة عليه (إلا من الثلث)، ومقوله:(لما قلنا) إشارة إلى قوله: «فكان من أسباب الحجر» أي فكان المرض.
(وكذلك إذا أوصى بذلك) أي بأداء حق الله تعالى، وقيد بقوله: عندنا؛ لأن أداء حق الله تعالى عند الشافعي يعتبر من جميع المال واعتبره بحقوق العباد.
(ولما تعلق حق الغرماء والورثة بالمال صورة ومعنى في حق أنفسهم ومعنى في حق غيرهم
…
) إلى آخره، يعني أن حق الغرماء والورثة يتعلق بالمال في مرض الموت من حيث الصورة في حق أنفسهم حتى لا يجوز إيثار بعضهم بصورة المال كما لا يجوز الإيثار بالمعنى.
أما في حق الورثة فظاهر حتى لا يكون لأحدهم أن يأخذ التركة ويعطي قيمتها لبقية الورثة، وكذلك الغريم على هذا فإنه لو أدى المريض حق بعض الغرماء بمال عنده كان لبقية الغرماء أن يستردوه منه، وكذلك لو باغ المريض بعض ماله منهم بمثل القيمة كان لبقية الغرماء أن ينقضوا البيع.
وأما في حق الورثة والغرماء من الأجانب فحقهم متعلق بمعنى المال وهو القيمة لا بصورة المال حتى يصح بيع المريض من الأجانب بمثل القيمة بخلاف بيعه من الورثة والغرماء. (صار إعتاقه) أي إعتاق المريض.
(نفذ هذا) أي إعتاق الراهن، (ولم ينفذ ذلك) أي إعتاق المريض أي من حيث المعنى حتى تجب عليه السعاية، وقد بينا أن إعتاق المريض عنده فيما إذا لم يكن له مال غيره هو نافذ من حيث الصورة لا من حيث المعنى حيث يعتق وتجب عليه السعاية.
(وهذا أصل لا تحصى فروعه) أي أصل مسائل المريض أصل لا تحصى فروعه، ومن تلك الفروع التي تناسب هذا الموضع ما إذا أعتق المريض عبدًا في مرضه لا مال له غيره وقيمته ثلاثمائة ثم مات المولى ثم مات العبد وترك ثلاثمائة فمن ذلك مئتان لورثة المولى والباقي لورثة العبد؛ لأن ثلث رقبة العبد يسلم للعبد عند موت المولى بالوصية وتلزمه السعاية في ثلثي رقبتته، فلما مات عن ورثة أحرار إنما يبدأ بقضاء الدين من تركته وذلك مئتان والباقي لورثته.
ومنها أن المريض إذا أعتق أمته فولدت بعد العتق قبل أن يموت الرجل أو بعد ما مات لم يدخل ولدها في الوصية؛ لأنها ولدت وهي حرة، وهذا