الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: وهو
الخطأ
وقوله: (وشبهة) -بالنصب- معطوف على قوله: (عذرا).
(إن الخاطئ لا يأثم) إثم القتل العمد، وأما هو في نفسه فلا يخلو عن ضرب تقصير حتى احتاج المخطئ فيه إلى التكفير، (ولا يؤاخذ بحد) أي لو وجد ما يوجب الحد من الزنا وغيره بطريق الخطأ لا يجب عليه الحد حتى إنه لو زفت إليه غير امرأته وقال النساء: إنها زوجتك فوطئها لا حد عليه، فإن هذا زنا حقيقة ولكن وجد ذلك منه خطأ فلم يوجب الحد وإنما وقع فيه بسبب إخبار النساء بأنها امرأته في موضع الاشتباه فكان ذلك عذرا له في دفع الحد، وكذلك لو شرب الخمر على ظن أنه ماء، كما لو رمى على إنسان سهماً على
ظن أنه صيد فإنه يسقط القصاص هناك، فكذا الشرب هنا يسقط الحد؛ (لأنه جزاء كامل) أي الحد والقصاص.
(لأنه ضمان مال لا جزاء فعل) يعني أن ضمان استهلاك مال الغير ضمان لجبر نقصان مال الغير، لا أن يكون مجازاة لفعله بخلاف الحد والقصاص فإنهما جزاء الفعل الذي هو حرام وتعد.
ألا ترى أنه لو اجتمع عشرة في إتلاف مال إنسان فأتلفوا عليه يجب عليهم ضمان واحد، فلو كان جزاء فعل لوجب على كل واحد منهم جزاء كامل، كما لو اجتمع المجرمون في قتل صيد واحد أو اجتمعوا في قتل موجب للقصاص.
(صلح سببا للتخفيف بالفعل فيما هو صلة) أي صلح الخطأ سببا للتخفيف فيما هو صلة بسبب الفعل الخطأ، أو معناه صلح سببا للتخفيف في موجب الفعل القاصر إذا كان ذلك الموجب صلة لا يقابل مالا، ومن أثر
تخفيفه أن الدية تجب على العاقلة في ثلاث سنين.
وحاصله أن جزاء قتل الخطأ يشبه بجزاء الفعل من وجه ولضمان المحل من وجه، فلشبهه لجزاء الفعل يجب الكفارة، ولشبهه بضمان المحل تجب الدية، لكن لما كان وجوب الدية في مقابلة ما ليس بمال سوهل فيه بالوجوب على العاقلة في ثلاث سنين فكان جزاء قتل الخطأ من هذا الطريق مشابها بقتل المحرم صيدا مملوكا للغير؛ حيث يجب عليه الجزاء والقيمة مع ذلك، فالجزاء باعتبار جزاء الفعل والقيمة باعتبار ضمان المحل.
(ولقام البلوغ مقام الرضى أيضا فيما يعتمد الرضى) أي فيما يقتضي الرضى وهو البيع، فحينئذ ينبغي أن يصح بيع المكره البالغ بلا فساد وليس كذلك، وكذلك بيع المخطئ والهازل.
(أن الشيء إنما يقوم مقام غيره إذا صلح دليلا وكان في الوقوف على الأصل حرج) كالنوم للحدث والسفر للمشقة فإن النائم لا يمكنه الوقوف على خروج الريح منه.
(وليس في أصل العمل بالعقل حرج في دركه) أي في درك أصل العمل أي ليس لأحد حرج في أن يدرك أن أصل عمله بالعقل، (ولا حرج في
معرفته) أي في معرفة أن النوم ينافي أن يكون أصل العمل بالعقل.
(فلم يقم البلوغ مقامه) أي فلم يقم البلوغ في حق النائم مقام أصل العمل بالعقل.
(والرضى عبارة عن امتلاء الاختيار حتى يفضي إلى الظاهر).
ألا ترى أن من كان راضيا يرى في وجهه وعينيه بشاشة وسرور.
(ولهذا كان الرضى والغضب من المتشابه) أي ولأجل أن الرضا عبارة عن امتلاء الاختيار حتى يفضي إلى الظاهر، والغضب عبارة عن غليان دم القلب على وجه يظهر أثره في حماليق العينين، وهذان الوصفان لا يستقيم إثباتهما في حق الله تعالى على الحقيقة، ثم ورودهما مع ذلك في حق الله تعالى بقوله:(رضي الله عنهم)، وقوله تعالى:((مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ)) من المتشابه.
(فلم يجز إقامة غيره مقامه) أي لم تجز إقامة غير الرضى وهو البلوغ مقام الرضى؛ لأن البلوغ لا يصلح دليلا على الرضا.
وقوله: (لما كان الخطأ لا يخلو) إلى آخره، ابتداء نكتة يفرق بها بين الخاطئ والناسي في حق عدم بقاء الصوم في حق الخاطئ وبقائه في حق الناسي لما أن الخاطئ غير مستحق لكرامة بقاء الصوم لوجود ضرب تقصير منه وهو ترك التأني في سبق الماء إلى حلقه عند المضمضة مع تذكر صومه.
(ألا تراه صالحا للجزاء) هذا إيضاح لقوله: ((الخطأ لا يخلو عن ضرب تقصير)) أي ألا ترى أن الخطأ يصلح أن يكون سببا للجزاء القاصر وهو الكفارة.
(استوجب بقاء الصوم من غير أداء) أي من غير أداء الصوم حقيقة؛ لأنه وجد الأكل حقيقة وبوجود الأكل الحقيقي في النهار لا يتصور أداء الصوم
حقيقة، ومع ذلك جعله الشارع أداء فكان ذلك كرامة للناسي.
(وجعل المناقض) وهو الأكل (عدما في حقه) أي في حق الناسي، وإلى تحقيق الكرامة أشار النبي عليه السلام في قوله:((إنما أطعمك الله وسقاك)) فقطع فعل التقصير منه وأضاف الإطعام إلى الله تعالى وهو إكرام منه.
(لوجود الاختيار وضعا) لأن هذا فعل وجد من الآدمي المختار لا على طريق النسيان فكان جريان لفظ البيع في لسانه ليس كجريان الماء وطول الثبات؛ لأنهما ليسا من ذي اختيار ولكن انعدم به الرضى فكان بمنزلة بيع المكره، وله اختيار في إجراء كلمة البيع على لسانه؛ لأنه علم الشرين فاختار أهونهما عليه وليس له رضى بثبوت موجب البيع بذلك اللفظ.