المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويقال فيها أيضا البكور، ثم الشروق، ثم الإشراق ثم الرأد - الكشكول - جـ ١

[البهاء العاملي]

الفصل: ويقال فيها أيضا البكور، ثم الشروق، ثم الإشراق ثم الرأد

ويقال فيها أيضا البكور، ثم الشروق، ثم الإشراق ثم الرأد ثم الضحى ثم المنوع ثم الهاجرة، ثم الأصيل، ثم العصر، ثم الطفل ثم الحدور ثم الغروب.

قال الصفدي: وحكي لي من لفظة المولى جمال الدين بن نباتة بدمشق المحروسة سنة اثنين وثلاثين، قال: أنشدت فلاناً وسماه وهو بعض مشايخ أهل العصر ولم أذكره أنا فإنه من العلم في محل لم يشركه فيه غيره. قولي في مرثية ابن لي توفي، وعمره دون سنة، وهو شعر:

يا راحلاً عني وكانت به

مخايل للفضل مرجوة

لم تكتمل حولاً وأورثتني

ضعفاً فلا حول ولا قوة فأعجباه وكتبهما بخطه، وكتب الثاني فلا حول ولا قوة إلا بالله فقلت: يا مولا إن أردت بقول إلا الله البركة فأتم ذلك بالعلي العظيم، وإن كان غير ذلك فقد أفسدت المعنى.

وحكي أن بعض العرب مر على قوم فقال لأحدهم: ما اسمك؟ فقال: منيع. وسأل آخر؟ فقال: وثيق. وسأل آخر؟ فقال: شديد. وسأل آخر؟ فقال: ثابت، فقال ما أظن الأفعال وضعت إلا من أسمائكم.

‌أحكام حتى

مسألة: تقول أكلت السمك حتى رأسها برفع السين، ونصبها، وجرها أما الرفع فبأن تكون حتى للابتداء، وكأن الخبر محذوفاً بقرينة أكلت وهو مأكول. وأما النصب فبأن تكون حتى للعطف، وهو ظاهر، والثالث أظهر. وكان الفراء يقول أموت وفي قلبي من حتى لأنها ترفع وتنصب وتجر.

قال الشريف أبو الحسن العقيلي

نحن الذين غدت رحى أحسابهم

ولها على قطب الفخار مدار

قوم لعضن نداهم من رفدهم

ورق ومن معروفهم أثمار

من كل وضاح الجبين كأنه

روض خلائقه لها أزهار

لأبي نواس في خزيمة

ص: 265

خزيمة خير بني حازم

وحازم خير بني دارم

ودارم خير تميم وما

كمثلهم في بني آدم

قال الرضي رضي الله عنه يخاطب الطايع

مهلاً أمير المؤمنين فإننا

في دوحة العلياء لا نتفرق

ما بيننا يم الفخار تفاوت

أبداً كلانا في التفاخر معرق

إلا الخلافة ميزتك فإنني

أنا عاطل منها وأنت مطوق

قيل: إن الخليفة لما سمع ذلك قال على رغم أنف الرضي.

وقيل إنه كان يوماً عنده وهو يعبث بلحيته ويرفعها إلى أنفه، فقال له الطائع: أظن أنك تشم رائحة الخلافة فيا، فقال بل رائحة النبوة.

أقبل رجل على عمر بن الخطاب، فقال: ما اسمك؟ فقال: شهاب بن حرقة، قال: ممن؟ قال: من أهل حرة النار، قال: وأين مسكنك؟ قال: بذات لظى، فقال: فأدرك قومك فقد احترقوا.

سئل بعض العرب عن اسمه؟ فقال: بحر، قال: ابن من؟ قال: ابن فياض، فقال: ما كنيتك؟ فقال: أبو الندى، فقال: لا ينبغي لأحد لقائك إلا في زورق. قال ابن الرومي

كأن أباه حين سماه صاعداً

رأى كيف يرقى للمعالي ويصعد

القاضي شهاب الدين

ومن قال إن القوم ذموك كاذباً

وما منك إلا الفضل يوجد والجود

وما أحد إلا لفضلك حامداً

وهل عيب لين الناس أو ذم محمود؟

لغيره في جوابه

علمت بأني لم أذم بمجلس

وفيه كريم القول مثلك موجود

ولست أزكي النفس إذ ليس نافعي

إذا ذم مني الفعل والاسم محمود

وما يكره الإنسان من أكل لحمه

وقد آن أن يبلى ويأكله الدود

ص: 266

قد: وضع بعضهم كتاباً في المفاضلة بين الورد والنرجس، كما صنف الفضلاء مفاخرات السيف والقلم. ومفاخرات البخل والكرم، ومفاخرة مصر والشام، ومفاخرة الشرق والغرب، ومفاخرة العرب والعجم، ومفاخرة النثر والنظم. ومفاخرة الجواري والمردان، وكل ذلك يمكن الإتيان بالحجة من وجه. وأما المفاخرة المسك والزباد فما للعقل فيه مجال، وللجاحظ في ذلك رسالة بديعة.

لأبي تمام في المفاخرة

جرى حاتم في حلبة منه لو جرى

بها القطر قال الناس أيهما القطر؟

فتى أذخر الدنيا أناساً ولم يزل

لها باذلاً فانظر لمن بقي الذخر

فمن شاء فليفخر بما شاء من ندى

فليس لحي غيرنا ذلك الفخر

جمعنا العلى بالجود بعد افتراقها

إلينا كما الأيام يجمعها الشهر

وعند أكثر الناس أن أبا تمام، كان أبوه نصرانياً، يقال: له نندوس العطار، من حاسم جاسم قرية من قرى حوران بالشام فغير اسم أبيه.

قال صاحب الأغاني: إن رجلاً قال لجرير من أشعر الناس؟ قال: قم حتى أعرفك الجواب فأخذ بيده وجاء إلى أبيه عطية، وقد أخذ عنزاً له فاعتقلها وعل يمتص ضرعها فصاح به اخرج يا أبت، فخرج شيخ رميم ذميم رث الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيته، فقال ترى هذا؟ قال: نعم، قال أو تعرفه؟ قال: لا قال: هذا أبي أفتدري لم كان يشرب من ضرع العنز؟ قال: لا، قال: مخافة من أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه، ثم قال: أشعر الناس من فاخر بهذا الأب ثمانين شاعراً: وقارعهم فغلبهم جميعاً.

قال: أبو الدر مؤدب سيف الدولة أبياتاًك وزنها هذا شعر:

يا عاذلي كف الملام عن الذي

أضناه طول سقامه وشفائه

إن كنت ناصحه فداو سقامه

وأعنه ملتمساً لأمر شفائه

حتى يقال بأنك الخل الذي

يرجى لشدة دهره ورخائه

أولا فدعه فما به يكفيه من

طول الملام فلست من نصحائه

نفسي الفداء لمن عصيت عواذلا

في حبه لم أخش من رقبائه

فقال أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي إجازة لهذه:

عذل العواذل حول قلبي التائه

وهو الأحبة منه في سودائه

يشكو الملام إلى اللوائم حرة

ويصد حين يلمن عن برحائه

وبمهجتي يا عاذل الملك الذي

أسخطت أعذل منك في إرضائه

إن كان قد ملك القلوب فإنه

ملك الزمان بأرضه وسمائه

الشمس من حساده والبدر من قرنائه

والنصر من رقبائه والسيف من أسمائه

أين الثلاثة من ثلاث خلاله

من حسنه وإبائه ومضائه

مضت الدهور وما أتين بمثله

ولقد أتى فعجزن عن نظرائه

فاستزاده سيف الدولة فقال

القلب أعلم يا عذول بدائه

وأحق منك بجفنه وبمائه

فومن أحب لأعصينك في الهوى

قسماً به وبحسنه وبهائه

أأحبه وأحب فيه ملامة

إن الملامة فيه من أعدائه

عجب الوشاة من اللحاة وقولهم

دع ما نراك ضعفت من إخفائه

ما الخل إلا من أود بقلبه

ورأى بطرف لا يرى بسوائه

إن المعين على الصبابة بالأسى

أولى برحمة ربه ورجائه

مهلاً فإن العذل من إسقامه

وترفقاً فالسمع من أعضائه وهب الملامة كاللذاذة في الكرى

مطرودة بسهاده وبكائه

لا تعذل المشتاق في أشواقه

حتى تكون حشاك في أحشائه

إن المحب مضرجاً بدموعه

مثل القتيل مضرجاً بدمائه

والعشق كالمعشوق يعذب قربه

للمبتلى وينال من حوبائه

لو قلت للدنف الحزين فديته

مما به لأغرته بفدائه

وفي الأمير هوى العيون فإنه

ما لا يزول ببأسه وسخائه

يستأسر البطل الكمي بنظرة

ويحول بين فؤاده وعزائه

إني دعوتك للنوائب دعوة

لم يدع سامعها إلى أكفائه

فأتيت من فوق الزمان وتحته

متصلصلاً وأمامه وورائه

طبع الحديد فكان من أجناسه

وعلي المطبوع من آبائه

من للسيوف بأن تكون سميها

في أصله وفرنده ووفائه

قال الله تعالى: " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس " قال الصفدي: ذهب بعض من الناس إلى أن المراد بهذه الآية أهل البيت وبنو هاشم، وأنهم النحل وأن الشراب القرآن والحكمة، وذكر هذا بعضهم في مجلس المنصور أبي جعفر، فقال بعض الحاضرين: جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم. فأضحك من في المجلس.

قوله تعالى: " فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلاملك كريم " قال وهب: بلغني أن نساء مصر اللاتي فتن به في ذلك المجلس وقلن حاش لله ما هذا بشراً. قال محمد بن علي أردن. ما هذا أهل أن يدعى للمباشرة، بل مثله منزه

ص: 267

عن الشهوة. وقرأ ما هذا بشر بكسر الشين والباء: بمعنى مملوك. وأنكر الزجاج هذه القراءة لأنها تخالف رسم المصحف لأنه بالألف.

حسين بن إبراهيم مستوفي دمشق:

قالوا تخل عن النساء ومل إلى

حب الشباب فذا بلطفك أجمل

فأجبتهم شاورت أيري قال لي

هذي مضائق لست فيها أدخل

لبعضهم

أغار إذا أنست في الحي أنة

حذاراً وخوفاً أن تكون لحبه

وقد ظرف من قال

لعمرك ما شربت الخمر جهلاً

ولكن بالأدلة والفتاوي

فإني قد مرضت بداء همي

فأشربها حلالاً للتداوي

الحسين بن إبراهيم مستوفي دمشق في المجون:

قالوا تخل عن النساء ومل إلى

حب الشباب فذا بلطفك أجمل

فأجبتهم شاورت أيري قال لي

هذي مضايق لست فيها أدخل

قال أ [والدر المؤدب سيف الدولة أبياتا وزنها هذا:

يا عاذلي كف الملام عن الذي

أضناه طول سقامه وشقائه

إن كنت ناصحه فداو سقامه

وأعنه ملتمسا لأمر شفائه

حتى يقال بأنك الخل الذي

يرجى لشدة دهره ورخائه

أولا الفداء لمنت عصيت عواذلي. . في حبه لم أخش من رقيائه

قال أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي إجازة لهذه الأبيات:

ؤ عذل العواذل حول قلبي التائه

وهوى الأحبة منه في سودائه

يشكو الملام إلى اللوائم حره

ويصد حيم يلمن عن برحائه

وبمهجتي يا عاذلي الملك الذي

أسخطت أعذل منك في إرضائه

إن كان قد ملك القلوب فإنه

ملك الزمان بأرضه وسمائه

الشمس من حساده والنصر من

قرنائه والسيف من أسمائه

أين الثلاثة من ثلاث خلاله

من حسنه وإبائه ومضاته

ؤمضت الدهور وما أتين بمثله

ولقد أتى فعجزن عن نظرائه

ص: 268

فاستزاده سيف الدولة فقال:

القلب أعلم يا عذول بدائه

وأحق منك بجفنه وبمائه

فومن أحب لأعصينك في الهوى

قسما به وبحسنه من أعدائه

أأحبه وأحب فيه ملامة

إن الملامة يفيه من أعدائه

عجب الوشاة من اللحاة وقولهم

دع ما نراك ضعفت عن إخفائه

ما الخل إلا من أود بقلبه

وأرى بطرف ولا يرى بسوائه

إن المعين على الصبابة بالأسى

أولى برحمة وبها إخائه

مهلا فإن العذل من أسقامه

وترفقا فالسمع من أعضائه

وهب الملامة في اللذاذة كالكرى

مطرودة بسهاده وبكائه

إني دعوتك للنوائب دعوة

لم يدع سامعها إلى أكفائه

فأتيت من فوق الزمان وتحته

متصلصلا وأمامه وورائه

طبع الحديد فكان من أجناسه

وعلى المطبوع من آبائه

من للسيوف بأن تكون سميها

في أصله وفرنده ووفائه

قيل: كان لبدر بن عمار، وهو ممدوح المتنبي في بعض أشعاره منشي أعور يعرف بابن كروس ويحسد أبا الطيب ويشنأه، لما كان يشاهد من سرعة خاطره، ومبادرة قوله، لأنه لم يجر في المجلس شيء بتة إلا ارتجل فيه شعراً، فقال لبدر بن عمار يوماً أظنه ما أظنه يعمل هذا قبل حضوره وبعد، ومثل هذا لا يجوز أن يكون، وأنا أمتحنه بشيء أحضره للوقت، فلما كمل المجلس ودارت الكؤوس أخرج لعبة قد استعدها ولها شعر في طولها تدور على لولب إحدى رجليها مرفوعة، وفي يدها طاقة ريحان تدار فإذا وقفت حذاء إنسان شرب، فوضعها من يده ونقرها فدارت فقال أبو الطيب:

ص: 269

وجارية شعرها شطرها

محكمة نافذ أمرها

تدور وفي يدها طاقة

تضمنها مكرهاً شبرها

فإن أسكرتنا ففي جهلها

بما فعلته بنا غدرها

فأدبرت فوقفت حذاء أبي الطيب فقال:

جارية ما لجسمها روح

بالقلب من حبها تباريح

في يدها طاقة تشير بها

لكل طيب من طيبها ريح

سأشرب الكأس من إشارتها

ودمع عيني في الخد مسفوح

وأداراها بيده فوقفت حذاء بدر، فقال أبو الطيب عند ذلك شعراً:

يا ذا المعالي ومعدن الأدب

سيدنا وابن سيد العرب

أنت عليم بكل معجزة مفخرة

فلو سألنا سواك لم يجب

أهذه قابلتك راقصة

أم رفعت رجلها من التعب

وقال في تلك الحال

إن الأمير أدام الله دولته

لفاخر كسيت فخراً به مضر

في الشرب جارية من تحتها خشب

ما كان والدها جن ولا بشر

قامت على فرد رجل من مهابته

وليس تعلم ما تأتي وما تذر

وأديرت فسقطت فقال له بديهاً:

ما نقلت في مشية عند مشيها قدماً

إلا اشتكت من دوارها ألما لم أر شخصاً من قبل رؤيتها

يفعل أفعالها وما عزما

فلا تلمها على تواقعها

أطر بها أن رأتك مبتسما

فمدحها بشعر كثير وهجاها بمثله، ولكنه لم يحفظ، فخجل ابن كروس الأعور وأمر بدر برفعها، فرفعها فرفعت، فقال أبو الطيب شعراً:

وذات غدائر لا عيب فيها

سوا أن ليس تصلح للعناق

إذا هجرت فعن غير اختيار

وإن زارت فعن غير اشتياق

ثم قال أبو الطيب: ما حملك على ما فعلت، فقال له بدر: أردت نفي

ص: 270

الظنون عن أدبك، فقال له أبو الطيب شعراً:

زعمت أنك تنفي الظن عن أدبي

وأنت أعظم أهل العصر مقدارا

إني أنا الذهب المعروف مخبره

يزيد في السبك للدينار دينارا

فقال له بدر: بل والله للدينار قنطارا، فقال:

برجاء جودك يطرد الفقر

وبأن تعادى ينفد العمر

فخر الزجاج بأن شربت به

وزرت على من عافها الخمر

وسلمت منها وهي تسكرنا

حتى كأنك هابك السكر

ما يرتجى أحد لمكرمة

إلا الإله وأنت يا بدر

لأبي الفرج البستي في الثعالبي

أخ لي زكي النفس والأصل والفرع

يحل محل العين مني والسمع

تمسكت منه إذ بلوت إخاءه

على حالتي وضع النوائب والرفع

بأوعظ من عقل وآنس من هوى

وأرفع أرفق من طيع وأنفع من شرع

للشهاب

وكنا خمس عشرة في اليتام

على رغم الحسود بغير آفة

فقد أصبحت تنويناً وأضحى

حبيب لا تفارقه الإضافة

لبعضهم

ولما قضينا من منى كل حاجة

ومسح بالأركان من هو ماسح

وشدت على دهم المهاري رحالنا

ولم ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطي الأباطح

ومولع بفخاخ

بصيدها وكراكي

قالت لي العين ماذا

تصيد قلت كراكي

ص: 271

من كتاب المزار في الصبر، وروى البيهقي عن ذي النون المصري قال: كنت في الطواف وإذا أنا بجاريتين قد أقبلتا، وأنشأت إحداهما وهي تقول:

صبرت على ما لو تحمل بعضه

جبال برضوي حنين لم تزل أصبحت تتصدع

ملكت دموع العين ثم رددتها

إلى ناظري فالعين في القلب تدمع

فقلت: فماذا يا جارية؟ فقالت: من مصيبة نلتها لم تصب أحداً قط، قلت: وما هي؟ قالت: كان لي شبلان يلعبان أمامي وكان أبوهما ضحى بكبشين فقال أحدهما لأخيه: يا أخي أريك كيف ضحى أبونا بكبشيه؟ فقام وأخذ الآخر شفرة فنحره فهرب القاتل، ودخل أبوهما فقلت له: إن ابنك قتل أخاه، وهرب فخرج في طلبه فوجده قد افترسه السبع، فرجع الأب فمات في الطريق ظمأً وجوعاً حزناً.

قال الصفدي في سبب ما يرى الأحول الواحد اثنين: أقول: زعموا أنه إذا حدث التاء الحدقة بسبب ارتخاء عضلها، أو تحويل الرطوبة الجليدية عن وضعها في إحدى الجهتين دون الأخرى، يبقى الجهة التي قد تحول وضها بتطبع الصورة المنتقلة من رطبوتها الجليدية لا في الفصل المشترك بل في موضع آخر بسبب الغمز الذي حدث منه التحويل، كما إذا أشرقت الشمس على ماء في البيت فإنه يشرق منه نور في السقف، فلو تغير وضع الماء تغير موضع انطباعه في السقف، كذلك تغير وضع الحدقة يوجب انتقال موضع انطباع ما في الجليدية، فتبقى الصورة الصورتين فيرى الواحد اثنين.

قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري وله كتاب في المناظر والمرايا: قولهم إن الأحول يرى الشيء شيئين ليس على إطلاقه، بل إنما يرى الشيء شيئين، إذا كان حوله إنما هو باختلاف المقلتين يمنة ويسرة، أو بسبب الارتفاع والانخفاض، ودام وألف فلا.

ومما يؤيد ذلك ان الإنسان إذا غمز إحدى حدقتيه حتى يخالف الأخرى يمنة أو يسرة، فإنه يرى الشيء شيئين، ويوجد في الناس غير واحد ممن حوله بالارتفاع والانخفاض قد ألف تلك الحالة، فلا يرى الشيئين، والحق أن الذي يغمز إحدى عينيه حتى يرتفع أو ينخفض عن أختها، إنما يرى الشيء شيئين، لأنه يرى الشيء المرئي بإحدى العينين قبل الأخرى فيصل إلى التقاطع الصليبين شبح هو هذا الشبح، فيرى الواحد اثنين فقط، ولولا ذاك لرأى هذا الرائي الشيء الواحد متكثراً بغير نهاية على نسبة زوج الزوج البتة، كما في تضعيف الرقعة الشطرنج.

ذكر أن الحجاج خرج يوماً متنزهاً فلما فرغ من تنزهه، صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه،

ص: 272

فإذا هو بشيخ من عجل فقال له: من أين أيها الشيخ؟ قال: من هذه القرية، قال: كيف ترون عمالكم؟ قال: شر عمال يظلمون الناس ويستحلون أموالهم؛ قال: فكيف قولك في الحجاج؟ قال: ذلك ما ولي العراق أشر منه قبحه الله وقبح من استعمله، قال: أو تعرف من أنا؟ قال: لا، قال الحجاج، فقال: أتعرف من أنا؟ قال: لا، قال: أنا مجنون بني عجل، أصرع في كل يوم مرتين، فضحك وأمر له بصلة جليلة.

فائدة: الطعوم تسعة: وهي الحلو، والمر. والحامض، والمز. والمالح والحريف، والعفص، والدسم، والتفه، لأن الجسم إما أن يكون كثيفاً أو لطيفاً أو معتدلاً والفاعل فيه إما البرودة أو الحرارة أو المعتدل بينهما، فيفعل الحار في الكثيف مرارة، وفي اللطيف حرافة، وفي المعتدل ملوحة، والبرودة في الكثيف عفوصة، وفي اللطيف حموضة، وفي المعتدل قبضاً، والمعتدل في الكثيف حلاوة، وفي اللطيف دسومة وفي المعتدل تفاهة وقد يجتمع طعمان كالمرة والقبض في الخضض الحصص ويسمى البشاعة والمرارة والملوحة في السبخة ويسمى الزعوقة، وزعم بعضهم أن أصول الطعوم أربعة: الحلاوة والمرارة والملوحة والحموضة، وما عداها مركب منها. قد اختلف الحكماء في وجود المزاج المعتدل وعدمه، قال فخر الدين الرازي: ما ذكره الشيخ في الشفاء يدل على أن المركب المعتدل قد يكون موجوداً إلا أنه لا يستمر ولا يدوم، ثم قال بعد كلام طويل وأما المعتدل المزاج ما امتزج من العناصر على أكمل أحواله فقد قالوا لما كان الاعتدال الحقيقي ممتنعاً وجب أن يكون كلما قرب إليه أولى باسم الاعتدال.

قال الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري احتجوا على تعلل وجود المعتدل بامتناع مكان يستحقه، لأن مكان المركب مكان ما يغلب عليه من البسايط، وهذه بسائط متعادلة، فيجب أن لا يستحق مكاناً فيمتنع وجوده. قال الصفدي: وفي هذه الحجة نظر، وذك أنا عنينا بالمعتدل ما تكافأت فيه الكيفيات، فهذا يجب أن يتكافى فيه الكميات، لأن الجزء اليسير من النار يقاوم بحرارته كثيراً من جوهري الماء والأرض، فعلى هذا يجوز وجود المعتدل باعتبار الكيفيات دون الكميات، ويكون مكانه الذي يستحقه هو مكان ما غلب عليه من العناصر بكميته لا بكيفيته لأن الاعتبار في المزاج

ص: 273

إنما هو بالكيفية فقط، والاعتبار في الحيز إنما هو بالكم والثقل والخفة، فالحجة المذكورة غير موجهة.

قال الشيخ بدر الدين محمد بن جمال الدين محمد بن مالك: الاسم الدال على أكثر من اثنين بشهادة التأمل، إما أن يكون موضوعاً للآحاد المجتمعة دالاً عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف وإما أن يكون موضوعاً لمجموع الآاد، دالاً عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماه، وإما أن يكون موضوعاً للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية، إلا أن الواحد ينتفي بنفيه، فالموضوع للآحاد المجتمعة: سواء كان له واحد من لفظه مستعمل كرجال وأسود، أو لم يكن كأبابيل، والموضوع لمجموع الآحاد، هو اسم الجمع، سواء كان له واحد من لفظه كركب وصحب، أو لم يكن كقوم ورهط والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور هو اسم الجنس، وهو غالباً فيما يفرق بينه وبين واحدة بالتاء كتمرة وتمر وعكسه كمأة وجبائة.

ولكن على ما أنزله من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه لله در قائله:

وما أحد من ألسن الناس سلما

ولو أنه ذاك النبي المطهر

فإن كان مقداماً يقولون أهوج

وإن كان مفضالاً يقولون مبذر

وإن كان سكيتاً يقولون أبكم

وإن كان منطيقاً لون مهدر مهذر

وإن كان صواماً وبالليل قائماً

يقولون زراق يرائي ويمكر

فلا تكترث بالناس في المدح والثناء

ولا تخشى غير الله فالله أكبر دخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميماً، فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله شريك، وإن أباك الأعور، والصحيح خير من الأعور، فكيف سدت قومك؟ فقال له: إنك لمعاوية: فما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة فصغرت فكيف صرت علينا أمير المؤمنين؟ ثم خرج من عنده، وهو يقول شعراً:

أيشتمني معاوية بن حرب؟

وسيفي صارم ومعي لساني

وحولي من بني عمي ليوث

ضراغمة تهش إلى الطعان

قيل: إنه لما سمع بعضهم قول أبي تمام:

لا تسقني ماء الملام لأنني

صبٌّ قد استعذبت ماء بكائي

جهز له كوزاً، وقال: إبعث لي في هذا قليلاً من ماء الملام. فقال أبو تمام: لا أبعثه حتى تبعث لي بريشة من جناح الذل.

لمحيي الدين ابن قرناص

قد أتينا للرياض حين تجلت

وتحلت بحلية الألوان

ورأينا خواتم الزهر لما

سقطت من أنامل الأغصان

لله در قائله

مجرة جدول وسماء آس

وأنجم نرجس وشموس ورد

ورعد مثالث وسحاب كأس

وبرق مدامة وضباب ند

قال في كتاب المستطرف: ذكر نبذة من سرقات الشعراء وسقطاتهم. من ذلك قول قيس بن الحطيم، وهو شاعر الأوس وشجاعها:

وما المال والأخلاق إلا معارة

فما اسطعت من معروفها فتزود

وكيف يخفى؟ ما أخذه من قصيدة طرفة بن العبد، وهي معلقة على الكعبة:

لعمرك ما الأيام إلا معارة

فما اسطعت من معروفها فتزود

وقول عبدوة بن الطيب:

فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدما

أخذه من قول امرىء القيس:

فلو أنها نفس تموت شوية

ولكنها نفس تساقط أنفسا

وجرير على سعة تبحره وقدرته على الشعر قال:

فلو كان الخلود بفضل مال

على قوم لكان لنا الخلود

أخذه من قول زهير وهو شعر مشهود يحفظه الصبيان، وترويه النسوان، وهو:

فلو كان حمد يخلد المرء لم يمت

ولكن حمد المرء غير مخلد

وقد قال السماخ الشماخ:

وأمر ترجي النفس ليس بنافع

وآخر تخشى ضيره لا يضيرها

وهو مأخوذ من قول غيره:

ترجى النفوس الشيء لا تستطيعه

وتخشى من الأشياء ما لا يضيرها

لمحي الدين ابن قرناص

خلقنا بأطراف القنا في ظهورهم

عيوناً ولها وقع السيوف حواجب

لقوا نبلنا مرد العوارض وانثنوا

لأوجههم منا لحىً وشوارب

حكي أن بعضهم دخل بأمرد إلى بيته، وكان بينهما ما كان، فلما خرج الأمرد ادعى أنه الفاعل، فقيل له ذلك، فقال: فسدت الأمانات، وحرمت اللواطة إلا أن يكون بشاهدين قال بعض الشعراء:

إن المهذب في اللوا

طة ليس يعدله شريك

فإذا خلا بغلامه

فالله يعلم من ينيك

قيل: إن معن بن زائدة دخل على المنصور، فقال له: يا معن تعطي مروان بن أبي حفصة مائة ألف على قوله:

معن بن زائدة الذي زادت به

شرفاً على شرف بنو شيبان

فقال: كلا إنما أعطيته على قوله:

ما زلت يوم الهاشمية معلناً

بالسيف دون خليفة الرحمن

فمنعت حوزته وكنت وقى له

من وقع كل مهند وسنان

ص: 274

فقال المنصور: أحسنت يا معن، وأمر له بالجوائز.

قال معاوية يوماً لرجل من أهل اليمن: ما كان أجهل من قومك حين ملكوا عليهم امرأة، فقال: أجهل من قومي قومك الذين قالوا: لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " ولم يقولوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه.

وفد ابن أبي محجن على معاوية فقال له: أنت الذي أوصاك أبوك بقوله:

إذا مت فادفني إلى جنب كرمة

يروي عظامي الباليات في الممات عروقها

ولا تدفنني في الفلاة فإنني

أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها فقال ابن أبي محجن: بل أنا الذي يقول أبي:

لا تسأل الناس ما مالي وكثرته

وسائل الناس ما جودي وما خلقي

أعطى الحسام غداة البين حصته

وعامل الرمح أرويه من العلق

وأطعن الطعنة النجلاء عن غرض عرض

وأكتم السر فيه ضربة العنق

ويعلم الناس أني من سراتهم

إذا أمس بضر عدة الفرق

قال معاوية له: أحسنت يا ابن أبي محجن، وأمر له بصلة.

لابن قلاقس

سرى وحنين الجو بالطل يرشح

وثوب الغوادي بالبروق موشح

ص: 275

وفي طي أبراد النسيم جميلة

بأعطافها نور المنى يتفتح

تضاحك في مسرى مثنى المعاطف عارض

مدامعه في وجنة الروض تسفح

ويورى به كف الصبا زند بارق

شرارته في فحمة الليل تقدح

يحكى أن بعض الأكابر مر بامرأة من بعض أحياء العرب، فقال لها: ممن المرأة قالت: من بني تميم، وهم يكسرون أول الفعل، فأراد العبث بها، فقال لها: أكتنون قالت: نعم نكتني، فقال لها: معاذ الله ولو فعلته لوجب علي الغسل، فأجابته على الفور، وقالت له: دع إذاً أتعرف العروض؟ قال: نعم، قالت: قطع قول الشاعر:

حولوا عنا كنيستكم

يا بني حمالت الحطب

لماذا أخذ بقطعه، قال: حولوا عن فاعلاتن ناكني فاعل، فقالت: من الفاعل فقال الله أكبر إن للباغي مصرعا

دخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميما فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله شريك وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور فكيف سدت القوم؟ فقال له: إنك لمعاوية، وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب وإنك لابن صخر، والسهل خير من الصخر وإنك لابن حرب، والسلم خير من الحرب، وإنك لابن أمية، وما أمية إلا أمة فصغرت، فكيف صرت علينا أمير المؤمنين، ثم خرج من عنده وهو يقول:

أيشتمني معاوية بن حرب

وسيفي صارم ومعي لسانء

وحولي من بني عمي ليوث

ضراغمة تهش إلى الطعان

قيل إنه لما سمع بعضهم قول أبي تمام:

لا تسقني ما الملام لأنني

صب قد استعذبت ماء بكائي

هز له كوزا وقال له: ابعث لي في هذا قليلا من ماء الملام، فقال له أبو تمام: لا أبعثه حتى تبعث لي بريشة من جناح الذل، قال الصفدي وما ظلم من جهز إليه الكوز، فإنه استعار قبيحا، وأسوأ منه أن مثله بجناح الذل، واستعارة الخفض لجناح الذل في غاية الحسن

ص: 276

محي الدين بن قرناص الحموي:

قد أتينا الرياض حين تجلت

وتحلت من الندى بجمان

وراينا خوانم الزهر لما

سقطت من أنامل الأغصان

لله در من قال:

مجرة جدول وسماه آس

وأنجم نرجس وشموس ورد

ورعد مثالث وسحاب كأس

وبرق مدامة وضباب ند

قال في كتاب المستظرف: ذكر نبذة من سرقات الشعراء وسقطاتهم، فمن ذلك قول قيس بن الحطيم وهو شاعر الأوس وشجتعها

وما المال والاخلاف إلا معارة

فما أسطعت من معروفها فتزود

وكيف يخفى ما أخذه من قصيدة طرفة بن العبد وهي معلقة على الكعبة يقول فيها:

لعمرك وما الأيام إلا معارة

فما أسطعت من معروفها فتزود

ومن ذلك قول عبدة بن الطيب

فما كان قيس هلكة هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدما

أخذه من قول امئ القيس:

فلو أنها نفس تموت شريتها

ولكنها نفس تساقط أنفسا

وجرير على سعة تبحره وقدرته على غرر الشعر قال:

فلو كان الخلود بفضل مال

على قوم لكان لنا الخلود

أخذه من قول زهير وهو شعر مشهور يحفظه الصبيان وترويه النسوان وهو:

فلو كان حمد يخلد لم يمت

ولكن حمد المرء غير مخلد

وقد قال الشماخ:

وأمر ترجى النفس ليس بنافع

وأخر تحشى ضيره لا يضيرها

وهو مأخوذ من قول الآخر:

ترجى النفوس الشئ لا تستطيعه

وتخشى من الأشياء ما لا يضرها

ص: 277

ومن سقطات الشعراء ما قيل: إن أبا العتاهية كان من نقده للشعر كثير السقط روي أنه لقي محمد بن مناذر، فمازحه وضاكه، ثم إنه دخل على الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين هذا شاعر البصرة يقول: قصيدة في كل سنة، وأنا أقول في السنة مأتي قصيدة فأدخله الرشيد إليه فقال: ما هذا الذي يقول أبو العتاهية؟ فقال: محمد بن مناذر يا أمير المؤمنين لو كنت أقول كما يقول:

ألا يا عتبة الساعة

أموت الساعة الساعة

كنت أقول كثيراً لكني أقول:

إن عبد الحميد يوم تولى

هد ركناً ما كان بالمهدود

ما درى نعشه ولا حاملوه

ما على النعش من عفاف وجود

فأعدب الرشيد قوله، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فكاد أبو العتاهية يموت غيظاً وأسفاً.

وكان بشار بن برد يسمونه إمام المحدثين، ويسلموا إليه في الفضلية، وبعض أهل اللغة يستشهدون بشعره، لزوال الطعن عليها فيها، فمع ذلك قال في شعره:

إنما عظم معلمي جستي حبني

قصب السكر لا عظم الحمل

وإذا أوتيت أدنيت منها بصلاً

غلب المسك على ريح البصل

وأين هذا من قول الآخر؟ !

إذا قامت لمشيتها تثنت

كأن عظامها من خيزران

قال أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي، في قوم هربوا وتفرقوا عن قتل ممدوحه:

وضاقت الأرض حتى صار هاربهم

إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

ومما خرج عليه قوله:

فقلقت بالهم الذي قلق الحشا

قلاقل عيس كلهن قلاقل

وأقبح من ذلك قوله:

ونهب نفوس أهل النهب أولى

بأهل المجد من نهب القماش

أخذه من قول أبي تمام:

إن الأسود أسود الغاب همتها

يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

ص: 278

قال أبو عبد الله الزبيري: اجتمع راوية جرير، وراوية كثير، وراوية جميل وراوية الأحوص، وراوية نصيب. وافتخر كل منهم، وقال صاحبي أشعر فحكموا السيدة سكينة بنت الحسين رضي الله عنها بينهم لعقلها وبصرها، فخرجوا حتى استأذنوا عليها وقد ذكروا لها أمرهم، فقالت لراوية جرير أليس صاحبك الذي يقول:

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

وقت الزيارة فارجعي بسلام

وأي ساعة أحلى من الزيارة بالطروق، قبح الله صاحبك، وقبح شعره فهلا قال: فادخلي بسلام؟ {ثم قالت لراوية كثير: أليس صاحبك يقول:

يقر بعيني ما تقر بعينها

وأحسن شيء ما به العين قرت وليس شيء أقر لعينها من النكاح، أفيحب صاحبك أن ينكح قبح الله صاحبك، وقبح شعره، ثم قالت راوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول:

فلو تركت عقلي معي ما طلبتها

وإن طلابيها لما فات من عقلي

فما أرادها، ولكن طلب عقله، قبح صاحبك، وقبح شعره، ثم قالت لراوية نصيب: أليس صاحبك الذي يقول:

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت

فواحزني من ذا يهيم بها بعدي

فما له همة إلا من يتعشقها بعده. قبحه الله، وقبح شعره هلا قال:

أهيم بدعد ما حييت وإن أمت

فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي

ثم قالت لراوية الأحوص: أليس صاحبك الذي يقول:

من عاشقين تواعدا وتراسلا

ليلاً إذا نجم الثريا حلقا

باتا بأنعم ليلة وألذها

حتى إذا وضح الصباح تفرقا

قبح الله صاحبك، وقبح شعره، هلا قال: تعانقا؟} فلم تثن على واحد منهم. وأحجم رواتهم عن جوابها.

قيل: أمسك على النابغة الجعدي الشعر أربعين يوماً، فلم ينطق. ثم إن بني جعدة غزوا قوماً فظفروا، فلما سمع فرح وطرب فاستحثه الشعر، فذل له ما استصعب عليه، فقال له قومه: والله لنحن بإطلاق لسان شاعرنا أسر من الظفر بعدونا.

وقال الخليل ره: الشعراء أمراء الكلام يتصرفون فيه، أنى شآؤا، جايز لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم: من إطلاق المعنى وتقييده، وتسهيل اللفظ وتعقيده.

ص: 279

وقال بعضهم: لم نر قط أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر، كان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء، فلا يتميز عن مقولهم، ثم نسك وكان يختم القرآن كل يوم ويلية ختمة، وبذلك له بعض الملوك مالاً جزيلاً على أن يتكلم له في بيت شعر فأبى.

وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يعطي الشعراء، فقيل له في ذلك، فقال رضي الله عنه: خير مالك ما وقيت به عرضك.

وقال أبو الزياد الزناد: ما رأيت أروى للشعر من عروة، فقلت له: ما أرواك يا أبا عبد الله؟ وقال ما روايتي من رواية عايشة، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت شعراً.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بهذا: " كفى الإسلام والشيب للمرء ناهياً ".

مما نقله من مقالات الصوفية.

خليلي إني كلما لاح بارق

من الأفق الغربي جدد حدد لي وجدا

وإن قابلتني نفحة بابلية

وجدت لمسراها على كبدي بردا

وليس ارتياحي للرياح وإنما ار

تياحي لقوم أعقبوا وصلهم صدا

ومنها

ولو قيل لي ماذا تريد من المنى

لقلت منائي من أحبتي القرب

فكل بلائي في رضاهم غنيمة

وكل عذاب في محبتهم عذب

ومنها

يا مظهر الشوق باللسان

ليس لدعواك من بيان

لو كان ما تدعيه حقاً

لم تذق الغمض أو تراني

ومنها

ومن يك من بحر اللقا ذاق

جرعة فإني من ليلي لها غير ذائق

وأعظم شيء نلته من وصالها

أماني لم تصدق كلمعة بارق

ومنها

آه من البارق الذي لمعا

ماذا بقلبي ومهجتي صنعا

ص: 280

ومنها

ليلي بوجهك مشرق

وظلامه في الناس ساري

فالناس في سدف الظلا

م ونحن في ضوء النهار

ومنها

قلت للنفس إن أردت رجوعا

فارجعي قبل أن تسد الطريق

ومنها

وكان الصديق يزور الصديق

لطيب الحديث وطيب التداني

فصار الصديق يزور الصديق

لبث الهموم وشكوى الزمان

ومنها

إن العيون لتبدي في تقلبها

ما في الضماير من ود ومن حنق

ومنها

تلوح في هذه الأيام دولتكم

كأنها ملة الإسلام في الملل

لله در من قال

إذا المرء لم يرض ما أمكنه

ولم يأت من أمره أحسنه

فدعه وقد ساء تدبيره

سيضحك يوماً ويبكي سنه

غيره

وإن حياة المرء بعد عدوه

وإن كان يوماً واحداً لكثير

وما أحسن ما قال المتنبي

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

مضر كوضع السيف في موضع الندا

لما شكى أبو العيناء تأخر أرزاقه إلى عبيد الله بن سليمان قال: ألم تكن كتبنا لك إلى ابن المدبر؟ فما فعل في أمرك؟ قال: جرني على شوك المطل، وحرمني ثمرة الوعد؛ فقال: أنت اخترته، فقال وما علي واختار موسى سبعين رجلاً فما كان منهم رشيد فأخذتهم الرجفة واختار النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي السرح كاتباً فلحق بالمشركين مرتداً واختار علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري حاكماً حكماً فحكم عليه.

ص: 281

في وصف الغلمان

شادن يضحك عن الأقحوان، ويتنفس عن الريحان، كأن قده خوط بان سكران من خمر طرفه، وبغداد مشرقة من حسنة وظرفه، الشكل كله في حركاته، وجميع الحسن بعض صفاته، كأنما وسمه الجمال بنهايته، ولحظة الفلك بعنايته، فصاغه من ليله ونهار، حلاه جدوده بنجومه وأقماره، ونقشه ببديع آثاره، ورمقه بنواظر سعوده وجعله بالكمال أجد جدوده بروده له طرة كالغسق على غرة، جاء في غلالة تنم على ما يستره وتحفو مع رقتها ما يظهره، إن كانت عقرب صدغه تلسع، فترياق ريقته ينفع، إذا تكلم يكشف حجاب الزمرد والعقيق، عن سمطى الدر الأنيق، لعب ربيع الحسن في خده فأنبت البنفسج في ورده.

للأمير أبي الفتح الحاتمي

أما ترى الخمر مثل الشمس في قدح

كالبدر فوق يد كالغيث إذ صابت

فالكأس كافورة لكنها انحجرت

والخمر ياقوتة لكنها ذابت

كتب علي بن صلاح الدين يوسف ملك الشام، إلى الإمام الناصر لدين الله، يشكو أخويه أبا بكر وعثمان، وقد خالفا وصية أبيهم له شعر:

مولاي إن أبا بكر وصاحبه

عثمان قد غصبا بالسيف حق علي

وكان بالأمس قد الاه والده

في عهده فأضاعا الأمر حين ولي

فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي

من الأواخر ما لاقى من الأول

إذ خالفاه وحلا عقد بيعته

والأمر بينهما والنص فيه جلي

فوقع الخليفة الناصر على ظهر كتابته بهذه الأبيات:

وافي كتابك يا ابن يوسف منطقا

بالحق يخبر أن أصلك طاهر

منعوا علياً إرثه إذ لم يكن

بعد النبي له بيثرب ناصر

فاصبر فإن غداً على حسابهم

وأبشر فناصرك الإمام الناصر

للصاحب إسماعيل بن عباد

أبا حسن لو كان حبك مدخلي

جحيماً فإن الفوز عندي جحيمها

فكيف يخاف النار من هو مؤمن؟ !

بأن أمير المؤمنين قسيمها

قيل: إن البليغ من يحرك الكلام على حسب الأماني، ويخيط الألفاظ على قدر المعاني، والكلام البليغ كل ما كان لفظه فحلاً، ومعناه بكراً.

ص: 282

وقيل لأعرابي: من أبلغ الناس: قال: أقلهم لفظاً، وأحسنهم بديهة.

قال الإمام فخر الدين الرازي في حد البلاغة: إنها بلوغ الرجل بعبارته. كنه ما يقول في قلبه، مع الاحتراز عن الإيجاز المخل والتطويل الممل.

قال فيلسوف: كما أن الآنية تمتحن بأطنانها فيعرف صحيحها ومكسورها فكذلك الإنسان يعرف حاله بمنطقه.

مر رجل على أبي بكر ومعه ثوب فقال له أبو بكر: أتبيعه؟ فقال: لا يرحمك الله، فقال أبو بكر: لو تستقيمون لقومت ألسنتكم، هلا قلت لا ويرحمك الله؟ ! .

قال كاتب الأحرف: إعتراض أبي بكر غير وارد على ذلك الرجل لاحتمال أن يكون قصده من قوله: لا يرحمك الله معنى غير محتاج إلى الواو فتأمل.

وحكي أن المأمون سأل يحيى بن أكثم عن شيء. فقال: لا وأيد الله أيد الأمير فقال المأمون: ما أظرف هذا الواو وما أحسنها في موضعها.

وكان الصاحب يقول هذا الواو أحسن من واوات الأصداغ. قالت الأشاعرة: شكر المنعم ليس بواجب أصلاً، ومثلوها بتمثيل، فقالوا: وما مثله إلا كمثل الفقير حضر مائدة ملك عظيم يملك البلاد شرقاً وغرباً يعم البلاد وهباً ونهباً فتصدق عليه بقلمة خبز، فطفق يذكره في المجامع، ويشكره عليها بتحريك أنملته دائماً لأجله، فإنه يعد استهزاء بالملك، فكذا هنا، بل اللقمة بالنسبة إلى الملك وما يملكه أكثر مما أنعم الله به على العبد بالنسبة إلى الله وشكر العبد في قلتها أقل قدراً في جنب الله من شكر الفقير بتحريك أصبعه. وأتت المعتزلة بتمثيل آخر أحسن منه، فقالوا التمثيل المناسب للحال أن يقال: إذا كان في زاوية الخمول وهاوية الذهول رجل أخرس اللسان، مشلول اليدين والرجلين، فاقد السمع والبصر، بل لجميع الحواس الظاهرة والمشاعر الباطنة، فأخرجه الملك من تلك الهاوية، وتلطف عليه بإطلاق لسانه وإزالة شلل أعضائه، ووهب له الحواس لجلب المنافع ودفع المضار ورفع رتبته وكرمه على كثير من أتباعه وخدمه، ثم إن ذلك الرجل بعد وصول تلك النعم الجليلة إليه، وفيضان تلك التكريمات عليه، طوى عن شكر ذلك الملك كشحاً وضرب عنه صفحاً ولم يظهر منه ما ينبىء عن الإشعار بشيء من تلك النعم أصلاً، بل كان حاله قبلها كحاله بعدها من غير فرق بين وجودها وعدمها فلا ريب أنه مذموم بكل لسان ومستحق للإهانة والخذلان.

وحكي أن بعضهم دخل على عدوه من النصارى فقال له: أطال الله بقائك، وأقر عينك، وجعل يومي قبل يومك، والله إنه يسرني ما يسرك، فأحسن إليه وأجازه على دعائه وأمر له بصلة ولم يعرف لحن كلامه، فإنه كان دعا عليه؛ لأن معنى أطال الله بقائك لوقوع المنفعة للمسلمين به لأداء الجزية، وأقر عينك: معناه سكن الله حركتها فإذا سكنت،

ص: 283

عن الحركة عميت، وجعل يومي قبل يومك فيه أي جعل يومي الذي أدخل الجنة: قبل يومك الذي تدخل فيه النار، وأما قوله: يسرني ما يسرك، فإن العافية تسره كما تسر الكافر.

وحكي أن رجلاً كان شاعراً وكان له عدو، فبينما هو سائر ذات يوم من الأيام، وإذا بعدوه إلى جانبه، فعلم الشاعر أن عدوه قاتله لا محالة، فقال له: يا هذا أنا أعلم أن المنية قد حضرت ولكن سألتك الله إذا أنت قتلتني امض إذاً إلى داري وقف بالباب وقل: إلا أيها البنتان إن أباكما وكانت للشاعر ابنتان، فلما سمعتا قول الرجل:

ألا أيها البنتان إن أباكما قالتا

قتيل خذا بالثأر ممن أتاكما

ثم تعلقتا بالرجل. وحملتاه إلى الحاكم، ثم طلبتا أباهما، فاستقره فاقر فأمر بقتله وقتل بأبيهما.

وقال معاوية لجارية بن قدامة: ما كان أهونك على قومك، إذ سموك جارية؟ فقال: وما أهونك على قومك إذ سموك معاوية، وهي الأنثى من الكلاب قال: اسكت، لا أم لك، قال: أم ولدتني، أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا وإنك لا تملكنا قهراً ولا تهلكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهداً وميثاقاً وأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن فرغت إلى غير ذلك فإنا قد تركنا ورائنا لك رجالاً شداداً وأسنة حداداً فقال معاوية: لا كثر الله مثلك في الناس يا جارية، قال: قل معروفاً فإن شر الدعاء محيط بأهله.

ومن حكايات الفصحاء ما حكي أن عبد الملك بن مروان جلس يوماً وعنده جماعة من خواصه وأهل مسامرته فقال: أيكم يأتيني بحروف المعجم في بدنه؟ وله علي ما يتمناه، فقام إليه سويد بن غفلة فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين، قال هات، قال: أولها: أنف، بطن، ترقوة، ثغر، جمجمة، حلق، خد، دماغ، ذكر، رقبة، زند، ساق، شفة، صدر، ضلع، طحال، ظهر، عين، غبغبة، فم، قفا، كف، لسان، منخر، نغنوغ وجه، هامة، يد وهذه آخر حروف المعجم والسلام على أمير المؤمنين.

فقال: بعض أصحاب عبد الملك وقال يا أمير المؤمنين أنا أقول في جسد الإنسان مرتين فضحك عبد الملك وقال لسويد: أما سمعت ما قال، قال: نعم أنا أقولها ثلاثاً: فقال له: لك ما تتمنى، فقال: أنف أسنان أذن، بطن بصر بز، ترقوة تمرة تينة، ثغر ثنايا ثدي، جمجمة جنب جبهة، حلق حنك حاجب، خد خنصر خاصرة، دبر دماغ دردر، ذكر ذقن ذراع، رقبة رأس ركبة، زند زردمة زب، فضحك عبد الملك من قوله. ثم قال سويد: ساق سرة سبابة، شفة شعر شارب، صدر صدغ صلعة، ضلع ضفير ضرس، طحال طرة طرف، ظهر ظفر ظنبوب، عين عنق عاتق، غبغب غلصمة غنة، فم فك فؤاد، قلب قدم قفا، كف كتف كعب، لسان لحية لوح، مرفق منكب منخر، نغنوغ ناب نن، هامة هيف هيئة، وجه وجنة ورك، يمين يسار يافوخ.

ثم نهض مسرعاً وقبل الأرض بين يدي عبد الملك، فقالوا: والله ما نزيد عليها أعطوه ما تمناه ثم أجازه وأنعم عليه وبالغ بالإحسان إليه.

قال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يقرقع، قال: لا تخف فإنه يسبح قال: أخاف أن تدركه رقة قلب فيسجد.

ص: 284

قالت عجوز لزوجها: أما تستحي أن تزني؟ وعندك حلال طيب، قال: أما حلال فنعم وأما طيف فلا.

وقال ملك لوزيره: ما خير ما يرزق الله العبد، قال: عقل يعيش به، قال: فإن عدمه، قال مال يستره، قال: فإن عدمه، قال: فصاعقة تحرقه وتريح منه العباد والبلاد.

وحكي عن الشريف المرتضى رضي الله عنه أنه كان جالساً في علية له تشرف على الطريق فمر به ابن المطرز الشاعر يجر نعلاً له بالية، وهي تثير الغبار، فأمر بإحضاره وقال: له أنشد أبياتك التي تقول فيها:

إذا لم تبلغني إليكم ركائبي

فلا وردت ماء ولا رعت العشبا

فأنشده إياها، فلما انتهى إلى هذا البيت أشار الشريف إلى نعله البالية، وقال: أهذه كانت من ركائبك؟ فأطرق ابن المطرز ساعة، ثم قال: لما عادت هبات سيدنا الشريف إلى مثل قوله:

وخذ النوم من جفوني فإني

قد خلعت الكرى على العشاق

عادت ركائبي إلى مثل ما ترى، لأنك خلعت ما لا تملكه على من لا يقبل، فاستحى الشريف منه، وأمر له بجائزة، فأعطوه.

ورد على أبي الطيب كتاب جدته لأمه من الكوفة، تستجفيه وتشكو إليه شوقها وطول غيبته عنها، فتوجه نحو العراق ولم يمكنه دخول الكوفة على تلك الحالة، فانحدر إلى بغداد، وقد كانت جدته يئست منه، فكتب إليها كتاباً يسألها المسير إليه، فقبلت كتابه وحمت لوقتها سروراً به، وغلب الفرح على قلبها فقتلها، فقال يرثيها شعراً:

ألا لا أرى الأحداث حمداً ولا ذما

فما بطها جهلاً ولا كفها حلما

إلى مثل ما كان الفتى يرجع الفتى

يعود كما أبدى ويكري كما أرى

أحن إلى الكأس التي شربت بها

وأهوى لمثواها التراب وما ضما

بكيت عليها خيفة في حياتها

وذاق كلانا ثكل صاحبه قدما

ولو قتل الهجر المحبين كلهم

مضى بلد باق أجدت له صرما

منافعها ما ضر في نفع غيرها

تغذي وتروي إن تجوع وإن تظما

ص: 285

عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا

فلما دهتني لم تزدني بها علما

أتاها كتابي بعد يأس وترحة نزحة

فماتت سروراً بي فمت بها هما

حرام على قلبي السرور فإنني

أعد الذي ماتت به بعدها سما

تعجب من خطي ولفظي كأنها

ترى بحروف السطر أغربة عصما

وتلثمه حتى أصار مداده

محاجر عينيها وأنيابها سحما

رقى دمعها الجاري وجفت جفونها

وفارق حبي قلبها بعدما أدمى

ولم يسلها إلا المنايا وإنما

أشد من السقم الذي أذهب السقما

طلبت لها حظاً ففاتت وفاتني

وقد رضيت بي لو رضيت لها قسما

فأصبحت أستسقي الغمام لقبرها

وقد كنت أستسقي الوغا والقنا الصما

وكنت قبيل الموت أستعظم النوى

فقد صارت الصغرى التي كانت العظما

هبيني أخذت الثار فيك من العدى

فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمى

وما انسدت الدنيا علي لضيقها

ولكن طرفاً لا أراك به أعمى

فيا أسفي أن لا أكب مقبلاً

لرأسك والصدر الذي ملئا حزما

وأن لا ألاقي روحك الطيب الذي

كأن ذكي المسك كان له جسما ولو لم تكوني بنت أكرم والد

لكان أباك الضخم كونك لي أما

لئن لذ يوم الشامتين بيومها

فقد ولدت مني لآنافهم رغما

تغرب لا مستعظماً غير نفسه

ولا قابلاً إلا لخالقه حكما

ولا سالكاً إلا فؤاد عجاجة

ولا واجداً إلا لمكرمة طعما

يقولون لي ما أنت في كل بلدة

ما تبتغي ما أبتغي جل أن يسمى

كان بينهم عالمون بأنني

جلوب إليهم من معادنه اليتما

وما الجمع بين الماء والنار في يدي

بأصعب من أن أجمع الجد والفهما

ولكنني مستنصر بذبابه

ومرتكب في كل حال به القشما

وعاجلة جاعلة يوم اللقاء تحيتي

وإلا فلست السيد البطل القرما

وإني من قوم كأن نفوسهم

بها أنف أن تسكن اللحم والعظما

كذا أنا يا دنيا إذا شئت فاذهبي

ويا نفس زيدي في كرائمها قدما

ص: 286

فلا عبرت بي ساعة لا تعزني

ولا صحبتني مهجة تقبل الظلما

قال أبو القاسم أسعد بن إبراهيم:

تتنفس الصهباء في لهواته

كتنفس الريحان في الآصال

وكأنما الخيلان في وجناته

ساعات هجر في زمان وصال

ركن الدين ابن أبي أصبع

وساق إذا ما ضاحك الكأس قابلت

فواقعها من ثغره اللؤلؤ الرطبا

وخشيت وقد أمسى نديمي على الدجى

فأسدلت دون الصبح من شعره الحجبا

وقسمت شمس لطاس بالكأس أنجماً

ويا طول ليل قسمت شمسه شهبا

لأبي الطيب

أرق على أرق ومثلي يأرق

وجوى يزيد وعبرة تترقرق

جهد الصبابة أن يكون كما أرى

عين مسهدة وقلب يخفق

ما لاح برق أو ترنم طائر

إلا انثنيت ولي فؤاد شيق

جربت من نار الهوى ما تنطفي

نار الغضا وتكل عما تحرق

وعذلت أهل العشق حتى ذقته

فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟ !

وعذرتهم وعرفت ذنبي أنني

عيرتهم فلقيت فيه ما لقوا

ابني أبينا نحن أهل منازل

أبداً غراب البين فينا ينعق

نبكي على الدنيا فما من معشر

جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا

أين الأكاسرة الجبابرة الأولى

كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا

من كل من ضاق الفضاء بجيشه

حتى ثوى فحواه للحد ضيق

خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا

أن الكلام لهم حلال مطلق

فالموت آت والنفوس نفائس

والمستغر بما لديه الأحمق

والمرء يأمل والحياة شهية

والشيب أوقر والشبيبة أنزق

ولقد بكيت على الشباب ولمتي

مسودة ولماء وجهي رونق

حذاراً عليه قبل يوم فراقه

حتى لكدت بماء جفني أشرق

أما بنو أوس بن معن بن الرضا

فأعز من تهدي إليه الأينق

ص: 287