الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: دراسة لأقضية الحسن البصري في باب القضاء
، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: كتاب القاضي
تمهيد:
• تعريف كتاب القاضي:
هو رسالة من قاض في بلد إلى قاض في بلد آخر تحتوي شهادة الشهود على الغائب أو غير ذلك
(1)
.
ويسمى بالكتاب الحكمي وهو عند الفقهاء: ما يكتب فيه شهادةُ الشهود على غائب بلا حكم ليحكم المكتوب إليه من القضاة
(2)
.
• القضاء بكتاب القاضي:
الأصل في القضاء بكتاب القاضي الكتاب و السنة والإجماع والمعقول:
أولا: من الكتاب:
(1)
انظر: معجم لغة الفقهاء لـ قلعجي و قنيبي 1/ 377.
(2)
انظر: التعريفات الفقهية للبركتي ص: 180.
(1)
.
ثانيا: من السنة:
1.
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأمم يدعوهم إلى الإسلام، فكتب إلى اثني عشر ملكا منهم كسرى
(2)
، وقيصر
(3)
، والنجاشي
(4)
، وملوك الأطراف وكان يكتب إلى ولاته ويكتب لعماله وسعاته
(5)
، من هذه الكتب:
أ- كتابه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر:
" بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم.
أما بعد:
(1)
سورة النمل، آية: 29_32.
(2)
كسرى: يَزْدَجرْدُ بن شَهْرِيَارَ بن بَرْوِيْزَ المجوسي الفارسي، آخر الأكاسرة مطلقا، انهزم من جيش عمر، وهرب إلى مرو، وولت أيامه، ثم ثار عليه أمراء دولته، وقتلوه سنة ثلاثين. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 2/ 109.
(3)
قيصر: هرقل ملك الروم وكانت مدة ملكه خمس وعشرون عاما، ثار على فوقاس مع الشعب فقتلوه وملكوا عليهم هرقل. انظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير 1/ 303.
(4)
أصحمة بن أبحر النجاشيّ، ملك الحبشة، أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب حين مات سنة تسع من الهجرة. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/ 347.
(5)
انظر: الحاوي الكبير للماوردي 16/ 212؛ المغني لابن قدامة 10/ 80.
سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت، فعليك إثم الأَرِيسِيِّينَ_ أي الفلاحين _، و {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
(1)
"
(2)
.
ب- بعث صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى حرقه، _فحسبت أن سعيد بن المسيب_ قال: فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أن يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ"
(3)
.
ج- "كتب صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم
(4)
رضي الله عنه."
(5)
(1)
سورة آل عمران، آية:64.
(2)
صحيح البخاري، (ح 2941)، 4/ 46؛ صحيح مسلم، (ح 1773)، 3/ 1393.
(3)
صحيح البخاري، (ح 2939) 4/ 45.
(4)
عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري رضي الله عنه، يكنى بأبي الضحاك، شهد الخندق وما بعدها، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، مات في خلافة عمر، وقيل: في الخمسين. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 4/ 511.
(5)
السنن الكبرى للنسائي، (ح 7029)، 6/ 373؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، (ح 1447)، 1/ 552؛ الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، (ح 6559)، 14/ 501. ورد الحديث بعدة أسانيد، لا يخلو إسناد منها من مقال، فبعض العلماء صحح الحديث لشهرته وبعضهم ضعفه. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 202، نصب الراية للزيلعي 2/ 339؛ البدر المنير لابن الملقن 8/ 377.
2.
قال الضحاك بن سفيان
(1)
رضي الله عنه: " كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ورث امرأة أَشْيم الضِبابي
(2)
رضي الله عنه من دية زوجها"
(3)
.
3.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش
(4)
رضي الله عنه، وبعث لهم كتاباً، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، فمضى لما أمره به، فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب فإذا فيه:"إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلةً بين مكة والطائف، فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم"
(5)
.
وجه الدلالة من السنة:
دلت هذه الأحاديث على قبول الكتب في الأحكام
(6)
.
ثالثا: من الأثر:
1.
كتب الخلفاء الراشدين إلى أمرائهم وقضاتهم بما عملوا عليه في الديانات والسياسات
(7)
.
(1)
الضحاك بن سفيان بن عوف الكلابي رضي الله عنه، يكنى بأبي سعيد، عقد له النبي صلى الله عليه وسلم له لواء وبعثه على سريه، وكان يعد بمئة فارس. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 3/ 386.
(2)
أشيم الضبابي رضي الله عنه، قتل خطأ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 1/ 251.
(3)
سنن الترمذي، (ح 2110)، 3/ 497. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(4)
عبد الله بن جحش بن رئاب من خزيمة رضي الله عنه، أمه أميمة بنت عبد المطلب، يكنى بأبي محمد، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، هاجر إلى الحبشة ثم رجع إلى مكه، استشهد في أحد، ودفن مع حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 89.
(5)
انظر: مآخذ العلم لابن فارس 1/ 39.
(6)
انظر: الحاوي الكبير للماوردي 16/ 212.
(7)
انظر: المرجع السابق.
2.
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عهده على قضاء البصرة
(1)
.
3.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا بشيء كتب به إلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه كتب إلي:"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: يا أخي، فإنك تسر بما يصير إليك، مما لم يكن ليفوتك، ويسرك ما لم تكن تدركه، فما نلت من الدنيا، يا أخي، فلا تكن به فرحا، وما فاتك منها فلا تكن عليها حزينا، وليكن عملك لما بعد الموت، والسلام "
(2)
وجه الدلالة من الآثار:
دلت هذه الآثار على قبول الكتب في الأحكام
(3)
.
رابعا: الإجماع:
قال ابن قدامة: "أجمعت الأمة على قبول كتاب القاضي إلى القاضي"
(4)
.
(1)
مطلعها: " إن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك ، فإنه لا ينفع تكلم حق لا نفاذ له ، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك
…
إلخ " انظر: السنن الكبرى للبيهقي 10/ 252. وقد حسنها الألباني في إرواء الغليل 8/ 360.
(2)
حديث الزهري، ح 509، 1/ 492.
(3)
انظر: الحاوي الكبير للماوردي 16/ 212.
(4)
انظر: المغني لابن قدامة 10/ 80.
قال ابن حزم
(1)
: " اتَّفَقُوا على أَن للْقَاضِي أَن يكْتب للمحكوم عَلَيْهِ كتابا بِحكم لَهُ يشْهد لَهُ فِيهِ إن أحب الْمَحْكُوم لَهُ ذَلِك أَو دَعَا إليه"
(2)
.
خامسا: من المعقول:
1.
أن الحاجة داعية إلى كتاب القاضي، فمن له حق في بلدٍ غير بلده قد يشق عليه السفر إليها والمطالبة بحقه إلا بكتاب القاضي
(3)
.
2.
أن عدم قبول كتاب القاضي يؤدي إلى تلف الحق المشهود به، لأن البينة التي للمدعي قد تكون في غير البلد الذي يحتاج إلى إقامتها به، وقد لا يكون هناك من يعرفهم بالعدالة، فلا يبقى إلا شهادتهم في الموضع الذي هم به
(4)
.
• محل القضاء بكتاب القاضي:
اختلف العلماء في محل قبول كتاب القاضي إلى ثلاثة أقوال:
مذهب الحنفية
(5)
: يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في غير الحدود والقصاص.
مذهب المالكية
(6)
والشافعية
(7)
: يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل ما هو من حقوق العباد.
(1)
ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد الظاهري، يكنى بأبي محمد، ولد سنة أربع وثمانين وثلاث مائة بقرطبة، ذو فنون متعددة، تميز بالذكاء وقوة الحفظ والفهم، وكان من أجمع أهل الأندلس لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة، له تصانيف منها: الإيصال إلى فهم كتاب الخصال، المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار، توفي سنة ست وخمسين وأربع مائة. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 18/ 148.
(2)
انظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص: 51.
(3)
انظر: المغني لابن قدامة 10/ 80؛ المبسوط للسرخسي 16/ 95. "بتصرف".
(4)
انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة للثعلبي ص 1554."بتصرف"
(5)
انظر: بداية المبتدئ للفرغاني ص: 150؛ المحيط البرهاني في الفقه النعماني لابن مازه 8/ 129؛ شرح مختصر الطحاوي للجصاص 8/ 45.
(6)
انظر: شفاء الغليل في حل مقفل خليل للمكناسي 2/ 1014؛ المعونة على مذهب عالم المدينة للثعلبي ص: 1546.
(7)
انظر: الأم للشافعي 7/ 53؛ الإقناع للماوردي ص: 197.
مذهب الحنابلة
(1)
: يقبل كتاب القاضي إلى القاضي يقبل في المال وما يقصد به المال، ولا يقبل في حد لله.
حكم الشهادة على كتاب القاضي:
• قضاء الحسن البصري:
قضى الحسن البصري رحمه الله بكتاب القاضي ولم يسأل عن بينه
(2)
.
• أقوال العلماء:
القول الأول:
يُقبل كتاب القاضي بشاهدين عدلين وهو اتفاق المذاهب الأربعة.
قال ابن القطان: "وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن القاضي إذا كتب إلى قاض آخر بقضية قضى فيها على ما يجب: بينة عادلة، وقرأ الكتاب على شاهدين، وأشهدهما على ما فيه، فوصل الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه، وشهد الشاهدان عنده بما في الكتاب، أن على القاضي المكتوب إليه قبول كتابه إذا كان ذلك في غير حد".
(3)
وتفصيل ذلك كالآتي:
مذهب الحنفية
(4)
: يُقبل كتاب القاضي بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتان، ويجب أن يقرأ القاضي عليهم الكتاب ليعرفوا ما فيه، أو يُعلِمهم به، ثم يختمه بحضرتهم.
(1)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 7/ 286؛ الهداية على مذهب أحمد للكلوذاني ص: 575؛ المغني لابن قدامة 10/ 81.
(2)
قال وكيع: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْن أَحْمَد؛ قال: حَدَّثَنَا شجاع بْن مخلد؛ قال: حَدَّثَنَا هشيم قال: أَخْبَرَنِي عُمَر بْن أبي زائدة؛ قال: أتيت الْحَسَن، وهو قاض يومئذ، بكتاب من بعض القضاة؛ قال: فقبله، وقضى بما فيه، ولم يذكر أنه سأله على الكتاب ببينة. انظر: أخبار القضاة لوكيع ص: 238.
(3)
انظر: الاجماع لابن المنذر ص: 65؛ الإقناع لابن القطان 2/ 153.
(4)
انظر: المبسوط للسرخسي 16/ 95؛ مختصر القدوري ص 226؛ الهداية في شرح بداية المبتدي للفرغاني 3/ 105؛ شرح مختصر الطحاوي للجصاص 8/ 41؛ حاشية ابن عابدين 5/ 432.
مذهب المالكية
(1)
: يُقبل كتاب القاضي بشهادة عدلين، ولا يُشترط قراءة الكتاب عليهم.
مذهب الشافعية
(2)
والحنابلة
(3)
: يُقبل كتاب القاضي بشهادة رجلين عدلين، قرأ القاضي الكتاب عليهما وشهدا على ما فيه.
القول الثاني:
يُقبل كتاب القاضي إذا كان يعرف خطه وختمه، وقال به الحسن البصري، والعنبري
(4)
، وأبو ثور
(5)
، والاصطخري
(6)
.
(7)
• الراجح:
(1)
انظر: شرح الزرقاني 7/ 277؛ التبصرة للخمي 11/ 5347؛ الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير على مختصر خليل وحاشية الدسوقي 4/ 160.
(2)
انظر: الأم للشافعي 6/ 228؛ مختصر المزني 8/ 409؛ المجموع شرح المهذب للنووي 20/ 164؛ فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي 12/ 516.
(3)
انظر: الفروع لابن مفلح ومعه تصحيح الفروع للمرداوي 11/ 227؛ الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 11/ 325؛ منتهى الإرادات 5/ 308.
(4)
عبيد الله بن الحسن بن الحصين، أبي الحر العنبري، ولد سنة مئة، ولي قضاء البصرة بعد سوار بن عبد الله العنبري، وكان فقيهاً على مذهب الكوفيين، مات في ذي العقدة من سنة 168 ه. انظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 12/ 7؛ مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص:251.
(5)
إبراهيم بن خالد الكلبي، أبو ثور البغدادي، ولد في سنة سبعين ومائة، يكنى بأبي عبدالله، أحد الفقهاء المعروفين، تفقه على مذهب أهل الرأي ثم على الشافعي، مات سنة أربعين ومائتين. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 12/ 72.
(6)
الحسن بن أحمد بن يزيد الاصطخري، ولد سنة أربع وأربعين ومائتين، يكنى بأبي سعيد، من فقهاء الشافعية، له تصانيف منها: أدب القضاء، ولي قضاء قُمّر_وهي مدينة قرب أصبهان_ وولي حسبة بغداد، توفي سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 15/ 252.
(7)
انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني 13/ 111؛ المغني لابن قدامة 10/ 84.
الراجح _ والله أعلم _ هو ما اتفق عليه المذاهب الأربعة من قبول كتاب القاضي بشاهدين عدليين، وذلك لأن الخط والختم يمكن التزوير فيهما.
تغير حال القاضي المكتوب إليه:
• قضاء الحسن البصري:
قضى الحسن البصري بكتاب من ابن اشوع
(1)
بالكوفة إلى إياس بن معاوية
(2)
_وقد عُزل _ وقام الحسن مكانه بالقضاء فأنفذ ما في الكتاب.
(3)
• أقوال العلماء:
القول الأول:
أن كتاب القاضي باطل، فلا ينبغي للقاضي الثاني أن يجيز الكتاب، وهو مذهب الحنفية
(4)
.
القول الثاني:
(1)
سَعِيد بن أشوع الهمداني، قاضي الكوفة، ثقة، توفي في ولاية خالد القسري. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 327.
(2)
إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ المزني، يكنى بأبي واثلة، قاضي البصرة، يضرب به المثل في الذكاء والعقل والعلم، واشتهر بالفراسة، توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي 3/ 374.
(3)
قال وكيع: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّد بْن حسن؛ قال: حَدَّثَنَا عقبة بْن مكرم، قال: حَدَّثَنَا سلم بْن قتيبة، عَن عُمَر بْن أبي زائدة قال: أخذت كتاباً من ابن أشوع بالكوفة وهو على القضاء، إِلَى إياس بْن معاوية، وهو على قضاء البصرة، بحق لي على رجل، فقدمت البصرة، وقد عزل، وقد قام الْحَسَن بالقضاء، فدفعت كتابي إِلَى الْحَسَن فأنفذ كتابي وأخذ لي بحقي. انظر: أخبار القضاة لوكيع ص: 238.
(4)
انظر شرح مختصر الطحاوي للجصاص 8/ 45؛ حاشية ابن عابدين 5/ 438.
أن كتاب القاضي صحيح، وعلى القاضي الثاني أن يقضي وينفذ ما جاء في الكتاب، وهو قول الحسن البصري
(1)
، ومذهب المالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
• الأدلة:
• استدل القائلون بأن الكتاب باطل، فلا ينبغي للقاضي الثاني أن يجيز الكتاب بالمعقول:
أن الكتاب خوطب به القاضي السابق _ المعزول_ وليس الثاني.
(5)
أدلة القول الثاني:
• استدل القائلون بأن كتاب القاضي صحيح، وعلى القاضي الثاني أن يقضي وينفذ ما جاء في الكتاب بالمعقول:
1.
أن المقصود هو تنفيذ ما ثبت من الحكم والحق، كالرجل الواحد في تنفيذ الحق وإبطال الباطل
(6)
.
2.
أن المعول على ما حفظه شهود الكتاب وتحملوه، ومن تحمل شهادة وجب على كل قاضٍ أن يحكم بشهادته
(7)
.
• مناقشة الأدلة:
اعترض على أدلة القائلين الكتاب باطل، فلا ينبغي للقاضي الثاني أن يجيز الكتاب:
• ما استدللتم به من أن الكتاب خوطب به القاضي السابق _ المعزول_ وليس الثاني مردود:
بأن العبرة ليست على القاضي وإنما بما حفظه شهود الكتاب وتحملوه، ومن تحمل شهادة وجب على كل قاضٍ أن يحكم بشهادته
(8)
.
• الراجح:
الراجح _ والله أعلم _ هو ما ذهب إليه الحسن البصري، ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة، بأن كتاب القاضي صحيح، وعلى القاضي الثاني أن يقضي وينفذ ما جاء في الكتاب، لما يأتي:
1.
لحفظ حقوق الناس من الضياع.
(1)
انظر: أخبار القضاة لوكيع ص: 238.
(2)
انظر: المدونة للإمام مالك 4/ 521؛ الذخيرة للقرافي 10/ 99؛ الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير وحاشية الدسوقي 4/ 160.
(3)
انظر: المجموع شرح المهذب للنووي 20/ 165؛ الحاوي الكبير للماوردي 16/ 232.
(4)
انظر: المغني لابن قدامة 10/ 87.
(5)
انظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص 8/ 45 "بتصرف".
(6)
انظر: الذخيرة للقرافي 10/ 99.
(7)
انظر: المجموع شرح المهذب للنووي 20/ 165.
(8)
المرجع السابق "بتصرف".
2.
أن العبرة في كتاب القاضي بالشهود.
دراسة تطبيقية على كتاب القاضي في المحاكم السعودية:
• النص القانوني:
• جاء في نظام المرفعات الشرعية الصادر عام 1435 ه
(1)
ما يلي:
في المادة العاشرة:
لا يجوز نقل أي قضية رفعت بطريقة صحيحة لمحكمة مختصة إلى محكمة أو جهة أخرى ولا يحق لأحد سحبها منها قبل الحكم فيها، وتعد القضية مرفوعة من تاريخ قيدها في المحكمة.
وفي شرح هذه المادة ذكرت اللائحة:
إذا لزم الأمر الكتابة بشأن إجراء أو استفسار في موضوع القضية، فيكون ذلك بكتاب من الدائرة، وعليها أن ترفق معه صورة ما يحتاج إليه من ملف القضية ما لم يقتض الأمر إرسال الملف.
• التطبيق القضائي
(2)
:
رَقْمُ الصَّكِّ: 3411279 تاريخُه: 13/ 1/1434 ه.
رَقْمُ الدعوى: 32394902.
رقم قرار التصديق من محكمة الاستئناف: 34238946 تاريخه: 12/ 6/1434 ه.
السند الشرعي أو النظامي:
1.
قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}
(3)
2.
قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم"
(4)
.
3.
ما قرره أهل العلم من كون الصداق بعد العقد يلحق به.
ملخص القضية:
ادعت أرملة ضد ورثة زوجها بمؤخر صداقها وما أضيف عليه من زيادة.
المدعى عليهم _بعض ورثة المتوفي_ أنكروا معرفتهم بما جاء في دعوى المدعية ورفضوا ما تطلبه.
طلبت المحكمة من المدعية البينة على ما ذكرته.
(1)
انظر: المجلس الأعلى للقضاء، الأنظمة واللوائح، الأنظمة واللوائح العدلية، نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية، استرجعت بتاريخ 5/ 11/1437 ه من موقع https://www.scj.gov.sa/
(2)
انظر: مجموعة الأحكام الفقهية 11/ 15.
(3)
سورة النساء، آية 24.
(4)
سبق تخريجه ص 73.
أبرزت المدعية حجة زيادة مهر صادره من دولة الأردن مصدقة من الجهات الرسمية، وذكرت أن لديها شهوداً على صحة دعواها، وطالبت باستخلاف للمحكمة الشرعية في الأردن لسماع البينة.
تم الاستخلاف لسماع شهادة الشهود، ورد الاستخلاف: بإثبات صحة دعوى المدعية بشاهد وأكملت بينة المدعية بيمينها.
حكمت المحكمة بصحة دعوى المدعية، وألزمت الورثة بتسليم المؤخر، وما أضيف عليه من زيادة من التركة للمدعية، قنع به المدعى عليهم ولوجود قاصر من بين المحكوم عليهم قررت المحكمة رفع المعاملة لمحكمة الاستئناف، صدق الحكم.
• التحليل الفقهي لمضمون الحكم وعلاقته بالدراسة البحثية:
أن القاضي السعودي
(1)
حكم بما اقتضى به كتاب القاضي الأردني، واعتبر الإنابة القضائية بالاستماع إلى شهادة الشاهد، فحلّف المدعية اليمين الشرعية على زيادة المهر.
(1)
هذه القضية وقعت في محكمة الأحساء بالمملكة العربية السعودية.