الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأي وحي سابق هذا؟ وأية صلات مبكّرة ومستمرّة مع (ورقة) ؟ إن (وات) إذ يهدم جوانب من واقعة الوحي الأولى، مما أجمع عليه المؤرخون والمحدّثون؛ يعود فيفترض جوانب أخرى مما لم يشر إليه مؤرّخ أو محدّث، ثم هو يكشف عن انسياقه وراء منهجه النقدي المتشكّك بعبارة:
«من المغري أن نفكّر» .. كما أنه يمارس نوعا من المبالغة، أو التعميم، بعبارة:«وقد تأثرت التعاليم الإسلامية اللاحقة كثيرا بأفكار (ورقة) ..» دون أن يبين هذا التأثير أو أدلته على وجه التحديد.
2
وقد يتمخّض الشكّ في الرواية لدى (وات) من خلال المعطيات الزمنية التالية التي تحدث نوعا من الاتفاق العرضي بين تفاصيل الرواية وبين ما حدث فيما بعد، وقد يطاح بالرواية نتيجة هذا الاتفاق الذي يرى فيه (وات) قصدا متعمدا لتحقيق مصلحة، أو تمجيد شخصية، أو تنفيذ دعاية لهذه الشخصية أو تلك.
ومثلا قول الطبري: «إنه بعد هؤلاء الثلاثة الذين كانوا أول من انتمى للإسلام، يأتي عدد مهم من المسلمين الذين جاء بهم أبو بكر، موضع شكّ، لأن هؤلاء الرجال المذكورين هم في الحقيقة الخمسة الذين أصبحوا
(1) محمد في مكة، ص 144.
القادة مع علي حين وفاة عمر، فقد عيّنهم لتأمين انتخاب الخليفة في مسألة الستة (الشورى المعروفة) . وأن من الصعب القول بأن الخمسة أنفسهم قد جاؤوا معا إلى محمد قبل عشرين سنة عند بدء الإسلام. وأسماؤهم هي:
عثمان بن عفان، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبيد الله» «1» .
ألا يجوز أن يكون اختيار عمر رضي الله عنه لهؤلاء الرجال الستة، كي ينتخبوا من بينهم الخليفة التالي، كونهم أول من أسلم بعد أبي بكر نفسه، فاكتسبوا بذلك ليس مكانة في قلوب المسلمين وشرفا في الإسلام فحسب، ولكن خبرة وإدراكا تمكنانهم من قيادة دولة أصبحت تمدّ ظلّها على مساحات واسعة من العالم القديم.. أيكفي هذا التطابق الذي ربما يكون متعمدا، لكي نضع الرواية وشبيهاتها موضع الشك، ونضحّي بها؟
عبر هذا السياق من الشكّ أو النفي، يمكن أن نجد افتراضات أخرى يطرحها (وات) يشكّك من خلالها، أو ينفي، روايات ووقائع (قبلية) اعتقد أن ذكرها أو تدوينها فيما بعد يحقق مصلحة أو دعاية لهذه الفئة أو تلك أو لهذه الأسرة أو تلك.
فمثلا يمكن «أن نفرض أن حماية مطعم بن عدي، زعيم بني نوفل، لمحمد، إثر عودته من الطائف، كان ببعض الشروط، وأن نجد حديثا عن ذلك في المصادر، وليس ذلك مدهشا لأن القصة تروى لتمجيد نوفل، ثم أهملت فيما بعد لأنها تسيء لبني هاشم، ولهذا لا يذكرها ابن إسحاق (بينما يدخلها ابن هشام» «2» ، ومثلا «إن عروة كان ينتمي لبيئة سياسية في الدولة الإسلامية؛ وهي الحزب الحاكم أيام محمد المؤلّف من الثلاثي أبي
(1) المصدر السابق نفسه، ص 145- 146.
(2)
المصدر السابق نفسه، ص 222.
بكر، عمر، وأبي عبيدة (!!) ، ثم حزب عائشة، طلحة والزبير، الذي عارض عليا سنة 36 هـ ومعاوية معا، ثم الحزب المسؤول عن الثورة ضد الأمويين من سنة 62- 72 هـ، (وليست هذه الجماعات متماثلة، بل يوجد بينها نوع من الاستمرار) وليس من المستغرب إذن أن نجد بين المواد التي رواها عروة عناصر تجعل قبائل أمية هي المسؤولة عن معارضة محمد وأبي بكر، وتظهرها بمظهر سيّئ، ومن ذلك شكاوى محمد من مسلك بني عبد مناف نحوه، وقوائم المعارضين وفظاظة أبي جهل ولجاجته للقتال» «1» .
وسنتكلم عن موقف (وات) من مسألة الاضطهاد القرشي بعد قليل، والمهم أنه ليس عروة وحده الذي تحدث عن وقائع الاضطهاد لكي نشكك في كونها مبالغا فيها نكاية ببني أمية، وإنما غيره من الأخباريّين والمؤرّخين الذين لم تكن لهم صلة مباشرة بهذه العائلة أو تلك!!
ودور العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الكبرى معروف، كما أن دوره في فتح مكة أيضا معروف.
(1) المصدر السابق نفسه، ص 267.
(2)
المصدر السابق نفسه، ص 171.
(3)
المصدر السابق نفسه، ص 231.