الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سليم يقوم على أسس علميّة موضوعيّة لا يخضع لتحزّب أو ميل أو هوى..
ويمتلك عناصر جماليّته الخاصّة التي تليق بمكانة الرسول المتفرّدة، ودوره الخطير في إعادة صياغة العالم بما يردّ إليه الوفاق المفقود مع نواميس الكون والحياة..
وقد كانت مناهج البحث الغربيّ (الاستشراقيّ) في السيرة تفتقر إلى أحد هذين الشرطين أو كليهما.. وكانت النتيجة أبحاثا تحمل اسم السيرة وتتحدث عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحلّل حقائق الرسالة، ولكنها- يقينا- تحمل وجها وملامح وقسمات مستمدة من عجينة أخرى غير مادّة السيرة، وروح أخرى غير روح النبوّة.. ومواصفات أخرى غير مواصفات الرسالة.
إن نتائجها تنحرف عن العلم لأنها تصدر عن الهوى، وتفقد القدرة على مسامتة عصر الرسالة وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقل تأثيراتهما الجمالية بالمستوى العالي نفسه من التحقق التاريخي.. لأنها تسعى لأن تخضع حقائق السيرة لمقاييس عصر تنسخ كل ما هو جميل، وتزيّف كلّ ما هو أصيل، وتميل بالقيم المشعّة إلى أن تفقد إشعاعها وترتمي في الظلمة، أو تؤول إلى البشاعة!!.
3
يجب أن نلاحظ أن الفهم الجادّ للسيرة يقتضي منهجا يقوم على طبقات أو أدوار أو شروط ثلاثة، وإن افتقاد أو تهديم أيّ واحد منها يلحق ضررا فادحا في مهمة الفهم هذه..
فأمّا الطبقة الأولى الأساسية فهي الإيمان، أو على الأقلّ احترام المصدر الغيبيّ لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وحقيقة (الوحي) الذي تقوم عليه..
وأما الطبقة الثانية فهي اعتماد موقف موضوعيّ بغير حكم مسبق، يتجاوز كل الإسقاطات التي من شأنها أن تعطّل عمليّة الفهم.
وأما الطبقة الثالثة فهي (تقنية) صرفة تقوم على ضرورة الإحاطة الجيّدة بأدوات البحث التاريخيّ: بدا باللغة وجمع المادّة الأوّلية، وانتهاء بطرائق المقارنة والموازنة والنقد والتركيب.. إلى آخره..
وإذا كان الغربيون قد بلغوا حد التمكن والإبداع في هذه الدائرة الأخيرة، فإنهم في نهاية الأمر لم يستطيعوا أن يقدّموا أعمالا علميّة بمعنى الكلمة لواقعة السيرة، ولا قدروا حتى على الاقتراب من حافّة الفهم، بسبب أنهم كان يعوزهم التعامل الأكثر علميّة مع الدائرتين الأوليين: احترام المصدر الغيبيّ، واعتماد الموقف الموضوعيّ.. بصدد النقطة الأولى فإنّه يصعب علينا أن نطلب من الغربيين النصارى والمادّيّين- وبخاصة الأخيرين منهم- التحقّق بإيمان كهذا.. بل إنه أمر يكاد يكون مستحيلا.. ولكن من ناحية علمية، بالمفهوم الشامل للعلم، فإنّه لا بدّ من هذا التحقق إذا أريد إدراك واقعة السيرة ومتابعة حبكة نسيجها ذي الخلفية الغيبية، باعتباره حركة دين سماويّ قادم من (فوق) وليس تجربة بشرية متخلّقة في تراب الأرض.
أما بصدد الدائرة الثانية، فإنّ مما يؤخذ على الباحث الغربيّ تجاوزه (الموضوعية) في مناهج تعامله مع السيرة.. فلو أنه حاول التزامها، وحرر عقله من عوامل الشد الزمنية والمكانيّة والمذهبيّة والنفسيّة، ولو أنه قدر على تجاوز النسبيّات وضغوط الإسقاطات المرحلية، فإنه كان سيتمكن من تقديم أعمال أنضج بكثير، وأقرب إلى روح الواقعة، وتركيبها، وإيقاعها..
إن منهج البحث في السيرة للمؤرخ الغربي أو المستشرق، يمثل بحد ذاته جدارا يصدّه عن الفهم الحقيقيّ لوقائع السيرة ونسيجها العام..