الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1
بدأ الموقف (الغربيّ) من رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم يتشكّل في إطار دينيّ صرف، مترع بالتعصّب والتشنّج والانفعال، مليء بالحقد والغضب والكراهية، تحيطه جهالة عمياء متعمّدة حينا وغير متعمّدة أحيانا جعلت بين القوم وبين شخصية رسولنا عليه الصلاة والسلام سدّا يصعب اختراقه، والنتيجة ليست أبحاثا تاريخية علمية أو موضوعية بحال.. إنما ذلك السيل المنهمر من الشتائم والسباب مارسها رجال دين من قلب الكنيسة النصرانية باتجاهاتها كافة.. ومارسها رجال علمانيّون لا علاقة لهم بالكنيسة من قريب أو بعيد، وقد استمر هذا التيار حتى العصر الراهن.
ماذا كانوا يقولون عن رسولنا عليه الصلاة والسلام، وعن رسالته؟
يصعب على المرء أن يسرد ما قالوه حتى على سبيل الاستشهاد
…
ولكن ما دام أن ناقل الكفر ليس بكافر، فلا بأس من الإشارة- بإيجاز- إلى بعض الشواهد، نتلقّاها عن أناس حديثي عهد بهذا العصر، بل إن بعضهم لا يزال حيا.
يقول المونيسنيور كولي في كتابه (البحث عن الدين الحق) : برز في الشرق عدو جديد؛ هو الإسلام الذي أسس على القوة وقام على أشد أنواع التعصّب، ولقد وضع محمد السيف في أيدي الذين تبعوه، وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق، ثم سمح لأتباعه بالفجور والسلب. ووعد الذين يهلكون في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذات في الجنة. وبعد قليل أصبحت آسية الصغرى وإفريقية وإسبانية فريسة له. حتى إيطالية هددها الخطر، وتناول الاجتياح نصف فرنسية لقد أصيبت المدنية؛ ولكن انظر!! ها هي النصرانية تضع بسيف شارل مارتل سدّا في وجه سير الإسلام المنتصر عند بواتييه (752 م) ، ثم تعمل الحروب الصليبية في مدى قرنين تقريبا
(1099- 1254 م) في سبيل الدين، فتدجّج أوربة بالسلاح وتنجي النصرانية، وهكذا تقهقرت قوة الهلال أمام راية الصليب، وانتصر الإنجيل على القرآن وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق الساذجة «1» .
ويقول جويليان في كتابه (تاريخ فرنسة) : «إن محمدا، مؤسس دين المسلمين، قد أمر أتباعه أن يخضعوا العالم، وأن يبدّلوا جميع الأديان بدينه هو، ما أعظم الفرق بين هؤلاء الوثنيين والنصارى! إن هؤلاء العرب قد فرضوا دينهم بالقوة وقالوا للناس: أسلموا أو موتوا، بينما أتباع المسيح أراحوا النفوس ببرهم وإحسانهم. ماذا كانت حال العالم لو أن العرب انتصروا علينا؟ إذن لكنا مسلمين كالجزائريين والمراكشيين» «3» .
(1) عن النصوص السابقة ولمزيد من التفاصيل انظر: د. محمد البهي: الفكر الاسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، ص 507- 521، ليوبولد فايس (محمد أسد) : الإسلام على مفترق الطرق، ص 60 فما بعد، عمر فروخ ومصطفى الخالدي: التبشير والاستعمار في البلاد العربية، توفيق الحكيم: تحت شمس الفكر ص 18 فما بعد، مجلة البلاغ الكويتية، عدد 58 ص 12. مجلة البعث الإسلامي الهندية، عدد 9 السنة الثامنة.
(2)
ينظر الهامش السابق.
(3)
الهامش السابق.
وجاء في كتاب (تقدّم التبشير العالمي) الذي ألفه الدكتور غلوور ونشره في نيويورك سنة (1960 م)، في نهاية الباب الرابع:«إن سيف محمد والقرآن أشد عدو وأكبر معاند للحضارة والحريّة والحق، ومن بين العوامل الهدّامة التي اطلع عليها العالم إلى الآن» «1» ، وقال:«القرآن خليط عجيب من الحقائق والخرافات، ومن الشرائع والأساطير، كما هو مزيج غريب للأغلاط التاريخيّة والأوهام الفاسدة، وفوق ذلك هو غامض جدا لا يمكن أن يفهمه أحد إلّا بتفكير خاص له.. والذي يعتقده المسلم أن المعبود هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، فالله ملك جبّار متسلّط، ليست له علاقة مع خلقه ورعاياه، برغم أن الإسلام يذكر الرابطة الموجودة بينهما» «2» .
ثم ينتقد غلوور شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: «كان محمد حاكما مطلقا، وكان يعتقد أن من حق الملك على الشعب أن يتبع هواه ويعمل ما يشاء، وكان مجبولا على هذه الفكرة، فقد كان عازما على أن يقطع عنق كل من لا يوافقه في هواه. أما جيشه العربي فكان يتعطّش للتهديد والتغلّب، وقد أرشدهم رسولهم أن يقتلوا كل من يرفض اتباعهم ويبعد عن طريقهم» «3» .
ويعتقد سفاري الذي ترجم القرآن سنة (1752 م) «أن محمدا قد لجأ إلى السلطة الإلهية لكي يدفع الناس إلى قبول هذه العقيدة، ومن هنا طالب بالإيمان به كرسول لله، وقد كان هذا اعتقادا مزيّفا أملته الحاجة العقليّة
…
» «4» .
(1) الهامش السابق.
(2)
عن النصوص السابقة، ولمزيد من التفاصيل انظر: د. محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ص 507- 521، ليبولد فايس (محمد أسد) : الإسلام على مفترق الطرق ص 60 فما بعد، عمر فروخ ومصطفى الخالدي: التبشير والاستعمار في البلاد العربية، توفيق الحكيم تحت شمس الفكر ص 18 فما بعد، مجلّة البلاغ الكويتية، عدد 58 ص 12، مجلة البعث الإسلامي الهندية، عدد 9 السنة الثامنة.
(3)
انظر الهامش السابق.
(4)
انظر الهامش رقم 2.
وهذا يكفي. لقد جاءت هذه الأقوال إفرازا طبيعيا للصراع المحتدم بين الإسلام والصليبيّة. وقد كان للنتائج التي تمخّضت عنها الحروب الصليبيّة طعم مر في حلوق الغربيّين ما ذاقوه أبدا.. إن ليوبولد فايس «محمد أسد» يتحدث عن التجربة التي استحالت معضلة في مناهجهم يصعب تجاوزها فيقول: «فيما يتعلق بالإسلام، فإن الاحتقار التقليديّ أخذ يتسلّل في شكل تحزّب غير معقول إلى بحوثهم العلمية، وبقي هذا الخليج الذي حفره التاريخ بين أوربة والعالم الإسلامي (منذ الحروب الصليبيّة) غير معقود فوقه بجسر، ثم أصبح احتقار الإسلام جزآ أساسيا من التفكير الأوربي. والواقع أن المستشرقين الأوّلين في الأعصر الحديثة كانوا مبشّرين نصارى يعملون في البلاد الإسلامية، وكانت الصورة المشوّهة التي اصطنعوها من تعاليم الإسلام وتاريخه مدبّرة على أساس يضمن التأثير في موقف الأوربيّين من الوثنيّين. غير أن هذا الالتواء العقلي قد استمر مع أن علوم الاستشراق قد تحررت من نفوذ التبشير.. ولم يبق لعلوم الاستشراق هذه عذر من حميّة دينيّة جاهليّة تسيء توجيهها. أمّا تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزة موروثة، وخاصة طبيعية تقوم على المؤثرات التي خلفتها الحروب الصليبية، بكل ما لها من ذيول، في عقول الأوربيّين «1» .
ليست الحروب الصليبيّة وحدها، لكنه الإسلام نفسه. إن الخطر الحقيقيّ، كما يقول لورنس براون في كتاب أصدره عام (1944 م) :«كامن في نظامه، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويّته.. إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي» «2» .
ونقرأ في مجلة العالم الإسلامي (عدد حزيران سنة 1930 م) : «إن شيئا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربيّ. ولهذا الخوف أسباب؛
(1) انظر الهامش رقم (2) في الصفحة السابقة.
(2)
انظر الهامش رقم (2) في الصفحة السابقة.