المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الصحيحة المؤكّدة في السيرة) تفسير قول محمد: (ما أقرأ؟) في - المستشرقون والسيرة النبوية

[عماد الدين خليل]

الفصل: الصحيحة المؤكّدة في السيرة) تفسير قول محمد: (ما أقرأ؟) في

الصحيحة المؤكّدة في السيرة) تفسير قول محمد: (ما أقرأ؟) في ردّه على قول الملك: (اقرأ) : (لا أستطيع القراءة) أو (التلاوة)، يتضح لنا ذلك من وجود رواية تقول:(ما أنا بقارئ)، وفي التمييز عند ابن هشام (ما أقرأ) ؛ و (ماذا أقرأ) حيث التعبير الثاني لا يمكن أن يعني إلّا:(ماذا أتلو) ؟ وهذا هو المعنى الطبيعي لقوله (ما أقرأ؟)، ويبدو من المؤكّد تقريبا (لاحظ كلمة:

من المؤكد) أنّ المفسرين التقليديّين اللاحقين تجنبوا المعنى الطبيعي لهذه الكلمات ليجدوا أساسا للعقيدة التي تريد أن محمدا لم يكن يعرف الكتابة، وهذا عنصر رئيسي للتدليل على طبيعة القرآن المعجزة، ومحتوى رواية ابن شداد في تفسير الطبري، يفترض إذا كان النص صحيحا، إن (ما) بمعنى (ماذا) لأنها مسبوقة بالواو» «1» .

‌5

ومن قبيل (الافتراضات) التي يزرعها (وات) في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويلح عليها وكأنها جزء أساسي من حقائق السيرة، أو هكذا يتوهم ويريد أن يجر القارئ المسلم معه إلى دائرة الوهم، تلك المقولة الظنيّة التي رددها الجاهليون أنفسهم من قبل؛ وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتلقى (العلم) عن رجال من أهل الكتاب!! أو أنه- على الأقل- تأثّر بهم وتعلّم منهم.

(لا شكّ) بهذا التعبير المناقض لشكّية (وات) يطرح الرجل واحدة من مقولاته، أو افتراضاته، في الدائرة التي نحن بصددها:«لا شك أن خديجة قد وقعت تحت تأثيره (أي: ورقة بن نوفل الذي اعتنق المسيحية أخيرا) ، ويمكن أن يكون محمد قد أخذ شيئا من حماسه وآرائه» «2» .

(1) المصدر السابق نفسه، ص 85- 86.

(2)

المصدر السابق نفسه، ص 75.

ص: 75

«وتشجيع ورقة مهم، ليس هناك من سبب للشكّ (لاحظ العبارة) في صحة الجملة بصدد الناموس، واستعمال اللفظ الذي لا يرد في القرآن بدلا من لفظ (التوراة) القرآني دليل على صحة القول.. أن النص الذي يجمع بين محمد وورقة أفضل من النص الذي يجعلهما لا يلتقيان

وتعد كلمة (ناموس) عادة مشتقة من كلمة (nomos) اليونانية، وهي تعني إذن: الشريعة أو الكتب المقدّسة، وهذا يتفق تماما مع ذكر موسى. وقد أبدى ورقة ملاحظة بعد أن أخذ محمد يتلقى الوحي؛ وهي تعني أن ما نزل على محمد مماثل لكتب اليهود والمسيحيين المقدسة. كما أن محمدا سمع ما يوهمه بأنه مؤسّس أمّة ومشرع لها، وإذا كان محمد كما يبدو مترددا بطبعه (!!) فإن هذا التشجيع بإقامة بناء ضخم على تجاربه يرتدي أكبر أهمية لتطوّره الداخلي» «1» .

وإذا كان (وات) في النصّين السابقين يلمّح، فإنه في النص التالي يصرّح بأبعاد العلاقة بين محمد صلى الله عليه وسلم وورقة بن نوفل:«يبدو ورقة من بين الذين اتصل بهم محمد بسبب معرفته بكتب المسيحية المقدسة. ومن الأفضل الافتراض (لاحظ التعبير) بأن محمدا كان قد عقد صلات مستمرة مع ورقة منذ وقت مبكر، وتعلّم أشياء كثيرة، وقد تأثّرت التعاليم الإسلامية اللاحقة كثيرا بأفكار ورقة. وهذا ما يعود بنا إلى طرح مشكلة العلاقة بين الوحي الذي نزل على محمد والوحي السابق له» «2» .

وليس ثمة من داع لمناقشة هذه الافتراضات التخمينية، فيكفي أنها لم ترد لتأييدها أية رواية تاريخية على الإطلاق.. ويكفي أن تكون إفرازا لظنون جاهلية ما كانت بقادرة على تصوّر نزول وحي مستقل جديد من السماء.. أو ظنون طائفية متعصّبة تتشبّث- لسبب مكشوف- بالتصور الجاهلي ذاته

ويكفي أنه ليس بمقدور أحد على الإطلاق أن يعثر على رواية تاريخية أو

(1) المصدر السابق نفسه، ص 92- 93.

(2)

المصدر السابق نفسه، ص 93.

ص: 76

شاهد واحد ينفي (أمّيّة) الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكفي كذلك أن هذه المقولة لا تعدو أن تكون نتاجا طبيعيا لمنهج افتراضي يحمل استعداده لطرح أي تصوّر قد يدور في ذهن هذا المؤرخ أو ذاك دون أن يكون له سند من التاريخ..

ويكفي، قبل هذا وذاك: أن القرآن الكريم، ذلك المصدر اليقينيّ المتفرّد، قد نفى نفيا قاطعا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد اتصل أو تلقى تعاليمه الدينية من أي رجل على الإطلاق:

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)«1» .

وإذا كان هناك تشابه في علاج بعض المواضيع بين القرآن والكتب الدينية السابقة فلأنها صدرت في الأصل جميعا عن مصدر واحد هو الله سبحانه، ولأن كتاب الله جاء لكي يستكمل بناء كانت التوراة والإنجيل قد بدأته من قبل:

(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)«2» .

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ)«3» .

ولكن يجب أن نتذكّر- أيضا- أن في القرآن حشودا من المقاطع والآيات تصحّح (تحريفات) التوراة والإنجيل، أو تعارضها، أو تفنّدها..

وتطرح حقائق جديدة تغاير بالكلية ما طرحته التوراة والأناجيل!!

(1) النحل: 103.

(2)

يونس: 37.

(3)

الأنعام: 92، وانظر: البقرة: 41، 89، 91، 97، 101، آل عمران: 3، 30، 81، يوسف: 111، الأحقاف: 12، 30، النساء: 47، المائدة: 46، 48، فاطر:31.

ص: 77

إن (وات) من حيث لا يشعر القارئ أحيانا، يمارس تزييفا للسيرة قد لا يكون متعمدا.. إنه يخفّف من ألوانها العميقة المتميّزة، ويجرّد جدلها، أو حوارها، في الداخل والخارج، أي: بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين الخصوم، من أبعاده (الدراميّة) التي تمنحه الفاعليّة والحيويّة والعمق..

مثلا.. إنه يستنتج أنّ اضطهاد الزعامة الوثنيّة للمسلمين لم يكن عنيفا بالشكل الذي تصوّره الروايات، وأن هجرتهم إلى الحبشة لم تكن بسبب العذاب والاضطهاد.. وأن قريشا لم تفكر يوما بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم.. وأن وحدة المسلمين الداخلية كانت تهتز بين الحين والحين بمحاولة الانشقاق تارة، وبالعصيان الديني تارة أخرى.. بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مرة في مساومة مع الوثنية.. وفي أي شيء؟ في أعز ما جاء به، وأشدّه تمنعا على المساومة والتنازل: وحدانية الله المطلقة، ورفض عبادة الأصنام أو الاعتراف بها بالحسم الذي يليق بجدّية هذا الدين.

قد يسأل سائل: وما علاقة العمق اللوني لنسيج السيرة، والبعد الدرامي لعلائقها المتنوعة، بالبحث العلمي في التاريخ؟!

والجواب واضح تماما.. إن البحث التاريخيّ العلميّ الجادّ يجب أن يحقّق أكبر قدر من الاقتراب من صورة الواقعة التاريخية وصيغها

أن يسعى لاستعادتها كما تخلّفت وتلوّنت فعلا.. أن يستعيد- مرّة أخرى- معدّلات تشكّلها بالدرجة وبالنوع نفسهما قدر الإمكان.

فإذا عجز البحث، بدرجة أو أخرى عن تحقيق هذه الاستعادة سواء في صيغ الواقعة التاريخية أو طبيعة علاقتها الحوارية مع كافة الأطراف.. إذا عجز عن وضع يده على إيقاعها بالدرجة نفسها التي كانت عليها.. فإن عجزه هذا لا يعدو أن يكون عجزا علميا، أي: عجزا في قدراته على البحث والتحليل والتوصّل إلى كشف النقاب عن الوقائع كما تشكّلت

ص: 78

وتخلّقت فعلا.. اللهم إلّا إذا كان هنالك هدف (مبيّت) يسوق الباحث إلى موقع كهذا.

وقد ناقشنا في مكان آخر مقولات (وات) آنفة الذكر، وبيّنّا أنها لا تقوم على أساس.. ولكننا هنا بإزاء شيء أكبر من التاريخ.. إننا بإزاء حركة عقيدية ونبوّة.. إنّنا بإزاء دين شامل جاء لكي يغير العالم، ويحلّ محلّ الأديان المحرّفة السابقة ويقود البشريّة إلى الصراط..

وإذا كانت الوقائع التاريخية (الاعتيادية) تتحمل عبئا كهذا الذي يجري تحت ستار العلم والنقد، والأكاديمية

إلى آخره؛ فإن واقعة (النبوة) ترفض هذا العبث منذ اللحظة الأولى..

فنحن إزاء دين قادم من السماء، ونحن قبالة رجل مبعوث من الله سبحانه، ونحن إزاء تقابل بين الغيب والحضور التاريخي.. فإما أن نقبل هذه الحقيقة ونستسلم لها، فلا يكون حينئذ انشقاق، ولا عصيان، ولا مساومة، من قبل أناس اختاروا بأنفسهم، في ظروف في غاية القسوة والعناد، التسليم لكلمة الله، وجعل حياتهم ومستقبلهم، مجرد أدوات لتنفيذها وصيرورتها في العالم.. أو أن نرفض هذه الحقيقة فلا تكون أبحاثنا- ابتداء- تعاملا مع سيرة نبيّ وحركة جماعة من المنتمين لدين قادم من السماء، ولكنها افتراض ملفّق يسعى إلى أن يخضع الواقعة للمقولات نفسها التي تعامل بها سائر الوقائع والأحداث.

إن (وات) يأخذ على أقرانه المستشرقين إلحاحهم في النزعة النقدية، ويحاول أن يضع ضوابط منهجية تشكم هذه النزعة من أن تتحول إلى عملية هدم اعتباطي يشبع الأهواء الذاتية، ولا يقوم على أساس موضوعيّ وقد سبق أن مرّت بنا عبارته في هذا الصدد: «لقد أظهر الكتّاب الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ الأمور عن محمد، وكلما ظهر أي تفسير نقدي لواقعة من

ص: 79

الوقائع ممكنا قبلوه، ولا يكفي مع ذلك في ذكر فضائل محمد أن نكتفي بأمانته وعزيمته إذا أردنا أن نفهم كل شيء عنه، وإذا أردنا أن نصحّح الأغلاط المكتسبة من الماضي بصدده فيجب علينا في كل حالة لا يقوم الدليل القاطع على ضدها، أن نتمسك بصلابة بصدقه، وعلينا ألّا ننسى عندئذ أيضا أن الدليل القاطع يتطلّب لقبوله أكثر من كونه ممكنا، وأنه في مثل هذا الموضوع يصعب الحصول عليه، ولا يجب مناقشة نظريات المؤلفين الغربيين الذين افترضوا كذب محمد كنظريات، وإن كان يمكن النظر في الحجج التي يذكرونها للتدليل على كذبه» «1» .

ويجدر أن نشير كذلك إلى هجومه المرير على لامنس بسبب انسياقه وراء نزعته الهدمية وتسمية منهجه: «بالطريقة العابثة في معالجة المصادر» ..

بل إنه يقول عنه في مكان آخر بالحرف: «إن افتراضه الشرير بأن قوة مكة كانت تعتمد على جيش من العبيد السود لا أساس له» «2» .

ويشير إلى أن ملاحظات (تيودور نولدكه) في دراسته» die tradtion uber das leben muhammeds: يمكن أن تصحح في أكثر من مسألة آراء لامنس المغالية» «3» .

وهو يأخذ على كيتاني في دراسته الواسعة (حوليات الإسلام) نزعته الشكوكية المبالغة ويقول: «ليس من الصعب تصحيح مبالغاته في الشك» «4» .

ثم هو يطرح هذا المبدأ المنهجي (البنائي) في مجابهة النقد الهدمي الذي مارسه المستشرقون إزاء السيرة إلى الحد الذي أوصل لامنس «إلى استبعاد أخبار الفترة المكّية» بكاملها!! على الرغم من أن كثيرا من العلماء اتفقوا

(1) محمد في مكة، ص 94- 95.

(2)

المصدر السابق نفسه، ص 248.

(3)

المصدر السابق نفسه، المقدمة، ص 9- 10.

(4)

المصدر السابق نفسه، المقدمة، ص 9.

ص: 80

على القول بأنه مبالغ في ذلك كثيرا «1» فهو يقول: «يجب على الباحث اليوم بعد اطلاعه على نزعات المؤرخين الأوائل ومصادرهم: أن يكون باستطاعته أن يحسب حساب التحريفات، وأن يقدّم الوقائع بصورة أمينة، ويجب أن يقابل الاهتمام (بالتسوية المغرضة) في الرواية القديمة الاعتراف بصحة المادة عامة، ولما كان عدد كبير من الأسئلة التي يهتم بها المؤرخ أواسط القرن العشرين لا يتأثر بتدخل (التلفيق المغرض) ؛ فليس هناك صعوبة في استخراج أجوبة على هذه الأسئلة من المصادر» «2» .

وهو يطرح هذا الافتراض: «من الصعب مثلا القول بأنّ روايات ابن سعد في الأنساب اختلاق محض، فمن ذا الذي تجشم مشقة اختلاق هذا الإطار المعقد؟ وما هي الأسباب؟ يضاف إلى ذلك أنه إذا كنا نحن الذين لا نهتم بالأنساب نعرف من أجدادنا أجدادهم حتى جيلين أو ثلاثة، فما هو المدهش في أن يعرف حتى العرب الشغوفون بالأنساب عن أجدادهم ستة أو ثمانية أو عشرة أجيال؟ لقد لقي جون فان أس طفلا يعرف خمسة عشر من أجداده» «3» ، وهو يصل عبر تحليله لقوائم المعارضين الوثنيين في مكة إلى هذا الاستنتاج المهم:«يتأكد إذن أن المؤلفين الذين وصلتنا مؤلفاتهم كانوا يملكون مادة تاريخية صحيحة، وقد استخدموها بذكاء» «4» .

ومع ذلك كله فإنّ (وات) مارس هو الآخر، وكما رأينا، نوعا من المبالغة في شكوكه، ونفيه الكيفيّ، وافتراضاته، ولا تكاد رواية من الروايات التي تتحدث عن العصر المكي تخرج من (مختبره) إلى ميدان القبول إلّا بصعوبة.. ونجد عبارات نقدية كهذه تتصادى في كتابه: «يبدو

(1) المصدر السابق نفسه.

(2)

المصدر السابق نفسه، المقدمة، ص 10- 11.

(3)

المصدر السابق نفسه، المقدمة، ص 11- 12.

(4)

المصدر السابق نفسه، ص 213.

ص: 81

ذلك صحيحا وإن سجل فيما بعد ليتّفق مع أفكار لاحقة» «1» ، «وإذا صدّقنا الروايات..» «2» ، «وإذا كانت قصص العروض من قبل زعماء قريش صحيحة» «3» ، «نستطيع- إذن- قبول الخطوط الكبرى للروايات التقليدية» «4» ، «تبدو مظاهر الصحة» «5» . كما أنه يكثر من استخدام تعبير (ربما) الذي يضع الوقائع على حافة اليقين.

هذا في حالات (الإيجاب) ، أما في حالات (السلب) فقد رأينا كيف مارس (وات) تشكيكا ونفيا للعديد من معطيات السيرة عبر عصرها المكي.

ولكن- إذا أردنا الإنصاف- ليس بالمبالغة المفجعة التي دفعت مستشرقا كلامنس إلى استبعاد أخبار الفترة المكية بكاملها!!

ذلك أن النزعة الشكوكيّة والنفي الكيفي قد يقودان- فعلا- إلى إلغاء مساحات بكاملها من التاريخ، والذي يحمل الاستعداد لنفي الجزئيات قد يصل به الأمر إلى نفي الكليات إن لم يكن ثمّة ضوابط منهجية تقول له: أين يجب عليه أن يقف؟ وأين يمكنه أن يمضي؟.

ولن يعني هذا أبدا أن يقف المؤرخ المسلم، في المقابل، وقفة استسلام وخضوع للرواية التاريخية، وأن يرفض أية صيغة من صيغ النقد والشك والافتراض والتصحيح.

ذلك أن منهجا (استسلاميا) كهذا يقود إلى الخطيئة نفسها التي تسوق إليها نزعات التشكيك المغرضة، والنقد المبالغ فيه: تزييف الحقيقة

(1) المصدر السابق نفسه، ص 163.

(2)

المصدر السابق نفسه.

(3)

المصدر السابق نفسه، ص 177.

(4)

المصدر السابق نفسه، ص 232.

(5)

المصدر السابق نفسه، ص 166.

ص: 82

التاريخية، وتقديم دراسات عن التاريخ، لا كما وقع فعلا أو قريبا مما تشكّل فعلا، بل كما يريد له هذا المؤرخ أو ذاك أن يكون «1» .

إن نقد الرواية التاريخية مطلوب، وهو ضرورة من الضرورات، وإننا يجب أن نتعلم هذا المبدأ الخطير من رجال (الحديث) ، كما يجب أن نذهب مع رجل مفكّر كابن خالدون إلى آخر الطريق وهو ينعي على المؤرخين الذين سبقوه استسلامهم للرواية، وتقبّلهم حتى ما لا يمكن قبوله على الإطلاق.

لكن المبالغة في اعتماد (النقد) والافتراض، والنفي للرواية، أمور قد تقود إلى الوجه الآخر للخطأ..

فإذا كنا في الأولى نستسلم لكل ما قيل، فإننا هنا قد نرفض ونشكّك بكل ما قيل.. وفي الحالتين فإن شبكة الوقائع التاريخية سوف تتعرض للتمزق وملامحها الأصلية ستؤول إلى الضياع..

(1) عن الدعوة إلى الضرورة اعتماد منهج نقدي معتدل إزاء الرواية التاريخية، انظر كتاب (فصول في المنهج والتحليل) للمؤلّف، وكتاب آخر بعنوان:(حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي) .

ص: 83

محمد في مكة (2)

ص: 85