المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومعروف أيضا أنه لم يقف يوما بمواجهة الدعوة، أو يلحق - المستشرقون والسيرة النبوية

[عماد الدين خليل]

الفصل: ومعروف أيضا أنه لم يقف يوما بمواجهة الدعوة، أو يلحق

ومعروف أيضا أنه لم يقف يوما بمواجهة الدعوة، أو يلحق بها المتاعب، على الرغم من وثنيّته، خلافا لما صدر عن أخيه أبي لهب، حتى ليمكن اعتبار العباس أحد مستشاري الرسول صلى الله عليه وسلم وحماته أسوة بعمّه المتوفى أبي طالب، ولا ندري مدى صحة الرواية التي تقول: إنه أسلم في فترة مبكرة، وأنه اختار أن يظلّ في مكة لتأدية مهامّه في خدمة الدعوة من هناك مستندا إلى مكانته العائلية.

ومهما يكن من أمر فإن (وات) يرى أن ينفي وجوده في بيعة العقبة بالصيغة القاطعة التالية: «يجب رفض الحادث الذي وقع للعباس على أنه اختراع لا حق لإخفاء المعاملة المشينة التي لحقت بمحمد على يد بني هاشم في ذلك الوقت، كان محمد عند عودته من الطائف في حماية سيد قبيلة نوفل، أما القول بصحة الحادث لأن العباس يتكلم فيه ككافر فلا أساس له» «1» . ويمضي (وات) إلى الاستنتاج التالي: «كان الشرك في نظر المعارضين (في نهاية القرن الأول الإسلاميّ) أقلّ من العار، أما الرواية المنسوية لوهب بن منبّه والتي حفظت على ورق البردي فهي تميل إلى تأكيد الرأي الذي تقدّمنا به سابقا.

يمدح العباس محمدا في هذه الرواية، ثم يأذن محمد لأحد المدنيين بالرد على العباس ومؤاخذته مظهرا له أنهم يحسنون الظن بمحمد أكثر منه، ونشعر أنّنا أمام ردّ على دعاية العباسيّين، والافتراض الذي يبعث على الرضا هو أن زيارة العبّاس للعقبة اختراع محض استخدمته الدعاية العباسية» «2» .

‌3

ومسألة اضطهاد الزعامة الوثنية للمسلمين معروفة تماما.. ومتواترة إلى الحدّ الذي تغدو معه محاولة إثباتها عملا لا مسوّغ له.

(1) المصدر السابق نفسه، ص 232.

(2)

المصدر السابق نفسه، ص 232- 233.

ص: 59

لكن وات يشكّ في أنها كانت بالعنف الذي تشير إليه المصادر، وينفي أن تكون (بالشدة) التي يعرفها الناس جيلا بعد جيل.. ويثير الشكّ حول ما يعدّه مبالغة في تصوير الموقف.. ويسعى لوضع لمساته على الوقائع كي تميل أكثر إلى الاعتدال، فهو يقول: «لا شك أن المصادر حين تتحدث عن فتنة المسلمين إنما تشير لمثل أعمال أبي جهل، وهي ليست مع ذلك فتنة قاسية، يتأكد ذلك إذا ما فحصنا بدقة سير ابن هشام والطبري وابن سعد، لأن ما يذكر فيها يتحدّث بلا شك عن أفظع الشواهد. وكل شيء يدعو إلى إقناعنا بأن الاضطهاد كان خفيفا. ومن الممكن أن المبالغة في الاضطهاد نشأت من محاولة نفي تهمة الارتداد عن الدين عن شخص من الأشخاص.

وتشهد الوثائق التي لدينا على مختلف مظاهر المعارضة المذكورة عن ابن إسحاق؛ فقد شتم محمد وتعرض لإهانات بسيطة كان تجمع أوساخ جيرانه أمام منزله، وربما زاد الإزعاج بعد وفاة أبي طالب. ومن الممكن أن يكون انخفاض رأسمال أبي بكر من 40000 درهم إلى 5000 بين اعتناق الإسلام والهجرة سببه الضغط الاقتصادي الذي كان يلوح به أبو جهل، وليس شراء العبيد كما يقول ابن سعد؛ لأن ثمن العبد لم يكن يتجاوز ال 400 درهم تقريبا، وأشهر الأمثلة على التعذيب الجسدي ما نزل بالعبيد؛ كبلال وعامر بن فهيرة، كذلك رفض العاص بن وائل أن يسدد دينا للخباب بن الأرتّ، ويمكن أن نذكر نوعا رابعا من الاضطهاد؛ وهو الضغط الذي يقوم به الآباء والأعمام والإخوة على أفراد عائلاتهم أو قبائلهم» «1» .

ويخلص (وات) إلى النتيجة التالية: «كان اضطهاد المسلمين إذن خفيفا؛ لأن نظام الحماية في مكة- حماية القبائل لأفرادها- كان يمنع من أن يؤذى المسلم على يد فرد من قبيلة أخرى حتى لو كانت قبيلة المسلم لا تميل إلى

(1) المصدر السابق نفسه، ص 190- 191.

ص: 60

الإسلام، لأن الامتناع عن نصرة العشير في نزاعه مع الآخر يعد مساسا بشرف القبيلة، ولهذا اقتصر الاضطهاد على:

1-

حالات لا تمس علاقات القبائل حين يكون المضطهدون في القبيلة نفسها، أو حين تكون الضحية لا تحميها أية قبيلة.

2-

أعمال غير مذكورة في شريعة الشرف التقليدية؛ كالإجراآت الاقتصادية والشتائم اللفظية التي لا تمس إلا الفرد وليس القبيلة.

وقد كان هذا الاضطهاد المحدود كافيا لتنشيط الإسلام الوليد ولكنه لم يستطع ردّ أيّ مؤمن عن دينه» «1» .

والحديث عن عنف الاضطهاد يطول، ولن يتّسع المجال سوى لطرح إشارات فحسب عن بعض ما كان يجري بين المسلمين وخصومهم يتبين من خلالها أن الاضطهاد لم يكن (خفيفا) كما ذهب (وات) .

كانت كل قبيلة تثب على من فيها من المسلمين، أحرارا وعبيدا، فتحبسهم وتعذبهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي ينصب عليه، ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم. وقد روى مجاهد أن المستضعفين من المسلمين ألبسوا دروع الحديد وصبروا في الشمس حتى بلغ الجهد منهم «2» .

وكان بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه، إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم في رمضاء مكة، فيمرّ بهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة!! وقتلت أمه وهي تأبى إلّا الإسلام، ويقال بأنها أغلظت لأبي جهل في القول فطعنها في بطنها.. وكان عمار يعذّب

(1) المصدر السابق نفسه، ص 192.

(2)

البلاذري: أنساب: 1/ 158.

ص: 61

حتى لا يدري ما يقول «1» . وجيء بخباب بن الأرتّ فجعلوا يلصقون ظهره بالأرض على الرضف حتى ذهب ماء متنه، ويقول خباب نفسه: لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري فما أتيت الأرض إلّا بظهري، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«لا يتمنّينّ أحدكم الموت» لتمنّيته!! «2» .

وقد بلغ من شدّة الاضطهاد أن بعض المسلمين قد تضعضعوا أمام المحنة ولم يطيقوا تحمل الأذى والاضطهاد، وأنهم أبدوا شكّهم في نصر الله الموعود للمسلمين، فنزلت الآيات 11- 15 من سورة الحج تحمل على هذا النوع من الناس بأسلوب عام حملة لاذعة:

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)«3» .

عن سعيد بن جبير، قال: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟

قال: نعم! والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه وما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضرب الذي نزل به «4» .

ولعل (وات) كان يمهّد بوجهة نظره تلك (لنفي) آخر لواحدة من وقائع السيرة المكية المعروفة تماما: إن هجرة المسلمين إلى الحبشة كانت بسبب الاضطهاد.. لكي يطرح بدلا من ذلك شكّه في هذا السبب، ويقدّم بديلا عنه: محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم تفادي انشقاق كاد يقسم المسلمين حزبين!!

(1) المصدر السابق نفسه: 1/ 158- 159.

(2)

المصدر السابق نفسه: 1/ 178.

(3)

دروزة: سيرة الرسول: 1/ 283- 284.

(4)

ابن هشام: تهذيب، ص 72، البلاذري: أنساب: 1/ 197.

ص: 62

يضطرب (وات) في تحليل أسباب الهجرة إلى الحبشة وبقاء المسلمين هناك ردحا طويلا بين خمسة أسباب: أولها: الهروب من الاضطهاد، وثانيها: البعد عن خطر الارتداد، وثالثها: ممارسة النشاط التجاري، ورابعها: السعي للحصول على مساعدة حربية من الأحباش، ثم يشكّك في جدوى الاعتماد على هذه الأسباب ويقول:«من الصعب مقاومة الفكرة القائلة بوجوب الاطمئنان إلى السبب الخامس؛ وهو أنه نشأ انقسام قويّ في الرأي داخل أمّة الإسلام الناشئة» «1» .

وفي مكان سابق كان (وات) قد قال: «يبدو أن إقامة خالد بن سعيد الطويلة في الحبشة تشير إلى أنه كان على خلاف مع محمد في سياسته، وأنه لم يكن يوافق على التوجيه السياسي المتزايد للإسلام، ولا على أهمية الدور السياسي لمحمد بسبب نبوته، ولو أن خالدا اهتم بالنواحي السياسيّة للرسالة لدفن خلافه مع محمد، وعاد إلى مكة قبل السنة السابعة للهجرة» «2» .

يستنتج (وات) من هذه الأخبار القليلة التي ساقها حدوث خلاف في الرأي بين المسلمين، وخاصة مع أبي بكر الذي كانت له مكانة قوية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوعز لمخالفي أبي بكر بالهجرة إلى الحبشة تفاديا للأخطار التي قد تنجم عن هذا الخلاف، غير أن الأدلة التي يسوقها (وات) ليست قوية، فإن بعض من هاجر إلى الحبشة كعثمان وطلحة كانوا من أصحاب أبي بكر.. كما أن اختفاء أسماء بعض المسلمين الأول المهاجرين وعدم لعبهم دورا رئيسيا في السياسة فيما بعد، وخاصة في عهد أبي بكر، لا يمكن أن يعزى إلى خلافهم معه فقط، بل قد يرجع إلى انشغالهم بأمور أخرى في الحياة، والواقع أن أبا بكر استعان بكثير ممن أسلم عند فتح مكة أو بعدها، وبأولاد كثير ممن قاوم الإسلام، فلو أهمل أبوبكر رجلا لماضيه لكان الأجدر به أن يهمل هؤلاء ولا يسلّمهم قيادة

(1) محمد في مكة، ص 182- 189.

(2)

المصدر السابق نفسه، ص 162.

ص: 63

الجيوش الإسلامية التي أحسنوا قيادتها. والواقع أن الآيات القرآنية «1» توحي بأن دافع الهجرة هو الاضطهاد الشديد الذي وقع على المسلمين، والمحاولات التي بذلها المشركون لفتنتهم، وإنها هي التي دفعت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيعاز بالهجرة «2» ، الأمر الذي كاد أن يدفع أبابكر نفسه إلى الهجرة لولا أن أجاره أحد الزعماء «3» .

وحتى في المسائل الحاسمة التي لا تقبل مداورة ولا التواء، يحاول (وات) أن يقتحم (بشكّه) و (نفيه الكيفيّ) جدار الوقائع، لكي يزرع هناك افتراضاته وتحليلاته.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهاجم يوما عبادة الأصنام في الكعبة، وإنما انصبّ هجومه على عبادة الأصنام القابعة في المعابد الكائنة في ضواحي مكة. ولذا فإن معارضة مكة للإسلام لم يكن سببها الأساسي «الخوف من أنه إذا دان أهل مكة بالإسلام وتركوا الإلحاد كفّ البدو عن زيارة الكعبة، وحلّ الخراب بذلك في تجارة مكة، وهذا السبب غير مرض، فسوف نحاول عبثا العثور في القرآن على أي أثر لمهاجمة عبادة الأصنام في الكعبة.. ولقد رأينا أن الهجوم على عبادة الأصنام كان في المعابد الكائنة في ضواحي مكة ولم يكن لهذه المعابد أهمية تجعل التخلّي عنها يهدد بانهيار التجارة المكّية عامة» . ويخلص (وات) إلى القول بأن «فتح مكة لم يغيّر سوى الميزات الثانوية» «4» .

لقد كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ لحظات (إعلانها) الأولى وحتى دخول مكة وتحطيم الأصنام، صيحة متواصلة ضد الوثنية، وصراعا مكشوفا ضد الأصنام أيا كانت في مكة أو خارجها.

(1) انظر: العنكبوت: 1- 23، البروج: 10، القصص: 57، الزمر: 10، النحل: 41، 110.

(2)

د. صالح أحمد العلي: محاضرات في تاريخ العرب: 1/ 368.

(3)

البلاذري: أنساب: 1/ 205- 206.

(4)

محمد في مكة، ص 213- 214.

ص: 64

إن هذا التجزيء الذي يمارسه (وات) أسوة بكثير من المستشرقين مرفوض تاريخيا وعقيديا؛ فالحركة الإسلامية حركة توحيد مطلق ينفي منذ اللحظة الأولى أي توجه وثني، وقد أدركت الزعامة القرشية هذا جيدا، ولذا فإنها كانت مستعدة للتنازل عن أي شيء، لمنح الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما يريده إلّا هذه: شهادة ألاإله إلّا الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في المقابل مستعدا أن يدخل في حوار مع الزعامة الوثنية في كل شيء إلّا في هذه: شهادة ألاإله إلّا الله، وما تعنيه بالضرورة من رفض مطلق للوثنية أو عبادة الأصنام.

ولا يدري المرء، إذا أخذ بوجهة نظر (وات) أين يذهب برواية البلاذري التي يشير فيها إلى اشتداد معارضة قريش للدعوة بعد تصاعد الحملات الشديدة التي راح الرسول صلى الله عليه وسلم يشنها ضد آلهتهم وأصنامهم «1» ، ولا أين يذهب برواية ابن هشام «2» والطبري «3» التي تذكر أن المشركين أخذوا- يوما- بمجامع رداء الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: أنت الذي تقول كذا وكذا في عيب آلهتنا وديننا؟ فما كان جوابه إلّا أن قال لهم: «نعم أنا الذي أقول ذلك» !! ولا برواية ابن هشام التي تتحدث عن ذلك الاجتماع الذي عقده زعماء قريش وبعثوا إلى الرسول ليكلموه.. وقالوا له: إنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام وفرّقت الجماعة.. فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا..

فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا.. فإن تقبلوا مني ما

(1) أنساب: 1/ 115- 116.

(2)

تهذيب، ص 57- 60.

(3)

تاريخ: 2/ 332- 333.

ص: 65

جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم..» «1» .

ولا يدري المرء كذلك أين يذهب برواية ابن سعد التي تقول: إن وفدا من زعماء قريش قدموا إلى أبي طالب ليلتمسوا إليه أن يكفّ ابن أخيه، فاستدعاه، وقال له: يا بن أخي هؤلاء عمومتك وأشراف قومك، وقد أرادوا أن ينصفوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قولوا أسمع» !! قالوا: تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك، قال أبو طالب: قد أنصفك القوم فاقبل منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أرأيتم إن أعطيتكم هذه، هل أنتم معطي كلمة إن أنتم تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم؟» ، فقال أبو جهل: إن هذه كلمة مربحة، نعم وأبيك لنقولنها وعشر أمثالها!! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:«قولوا (لا إله إلّا الله) » فاشمأزّوا ونفروا منها، وغضبوا وقاموا وهم يقولون:

اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد «2» .

ومن عجب أن (وات) يضع يده في أكثر من موضع من كتابه على إحدى الحقائق الأساسية للحركة الإسلامية؛ أن التغيير الديني يتمخّض بالضرورة عن تغييرات اجتماعية واقتصادية وسياسية (وسنتناول هذه المسألة فيما بعد) وكان يجب عليه من أجل أن يكون منطقيا مع هذه القناعة أن يؤكد حقيقة التغيير الشامل الذي ينتظر مكة على يد الدعوة الجديدة، لكنه يتّجه وجهة معاكسة تماما، فيطرح مقولته تلك: أن فتح مكة لم يغيّر سوى الميزات الثانوية.

وثمّة فرق بطبيعة الحال بين الاعتماد على نظرية الأسباب الاقتصادية التي يرفضها (وات) في تفسير تخوف المكيّين من الإسلام «3» . وبين أن

(1) تهذيب، ص 64- 67.

(2)

طبقات: 1/ 1/ 135.

(3)

محمد في مكة، ص 214.

ص: 66