الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنَّ الله تعالى يأمرهم بيوم السبت لكي يكون لهم راحة واستجمامًا، وأن يبتعدوا فيه عن المادَّة ويعكفوا على أنفسهم يهذّبونها ويفطمونها عن دواعي المادة، فيذهب شرّهم المادي ورغبتهم في طلب المادة إلى أن يعملوا فيه شرهًا وطعمًا، فيمسخ الله تعالى نفوسهم قردة تنزو مثلها، وخنازير تطلب الخسائس طلبها.
"إنَّ الله تعالى يختبرهم في إيمانهم بأن يذبحوا بقرة، ولكنَّهم تأثرًا بالمصريين وما كانوا عليه من عبادة العجل، يتردَّدون في ذبح البقرة، فيجادلون في ذبحها متجاهلين أمرها،، ولو أتوا إلى أيّ بقرة فذبحوها لكان في ذلك الاستجابة الكاملة، ولكنهم يثيرون الريب حول الطلب، سألوا عن حقيقتها، وعن كونها صغيرة أو كبيرة، فأجيبوا، ثم سألوا عن لونها فأجيبوا، ثم سألوا عن كونها متخذة معلوفة للنماء والتوالد، أم هي ذلول عاملة، فذبحوها وما كادوا يفعلون تقليدًا للمصريين وتأثرًا فأفكارهم، وأوهامهم في دينهم".
هذه قصة بني إسرائيل في تلقيهم لأوامر الله تعالى، وما جاء القرآن خاصًّا بهم في عهد موسى عليه الصلاة والسلام فهو لمقاصد أخرى من أجزاء القصة كما ذكرنا في قصة موسى ذاته.
بنو إسرائيل والأرض المقدسة:
82-
لم يكن بنو إسرائيل في عهد موسى إلّا قومًا أذلَّهم الخضوع وضربت عليهم الذلة، وأمرضتهم الطاعة الذليلة التي كانت رقًّا أو ما يشبهه، وقد بدا ضعف نفوسهم في عهد موسى، فقد أراد أن يدخل بهم الأرض المقدسة، فضعفوا ووهنوا وتلمَّسوا لأنفهسم المعاذير، وما هي إلَّا معاذير المستكين المؤثر للاستكانة، والرضا من الحياة بأدناها.
طلب منهم موسى أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم أن يدخلوها، ولنسمع إلى كتاب الله تعالى يحكي حالهم من الجبن والخنوع والذل.
قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، يَا قَوْم ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ، قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي
وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 20-26] .
هذا نص القرآن الكريم في قصة جُبن اليهود وتخاذلهم على أن يدخلوا الأرض المقدَّسة التي كتب الله سبحانه وتعالى عليهم أن يدخلوها، ويجب أن ننبه هنا أن المراد أنَّ الله تعالى كتب عليهم أن يدخلوها، لا أنه كتبها لهم ملكًا دائمًا مستمرًّا باقيًا يطلبون بحقه، وأنَّ ذلك هو مفهوم الكتابة، ويستفاد من النص الكريم ذلك أنَّ النص الكريم ليس فيه أنه كتبها لهم، بل كتب فقط عليهم أن يدخلوها؛ إذ يقول سبحانه عن طلب موسى منهم الدخول:{يَا قَوْم ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ، فالكتابة التي فرضها الله تعالى هي الدخول وهو واجب وليس بحق، فلم يكتب لهم أرضًا، بل فرض عليهم أمرًا، بدليل عودة الضمير على الدخول المكتوب لا على الأرض.
وإن منطق الحوادث يوجب عليهم أن يدخلوها؛ ليقيموا فيها شعائر الموسوية؛ إذ إنهم خرجوا من مصر لعدم صلاحيتها لِأَنْ تقوم فيها شرائع موسى، كما لم تصلح مكة لِأَنْ تكون موطن الشرع الإسلامي إلّا عبد تحطيم الأوثان، وأن يمنع المشركون من دخولها؛ لأنهم نجس لا يدخلون المسجد الحرام بعد عامهم.
وإن دخولهم فيها كان لأجل إقامة التوراة فيها، وجعلها الحكم الذي لا ترد حكومته، وما كانت لذواتهم، فلم تكن لأنهم بنو إسرائيل، بحيث يكون الاستحقاق ذاتيًّا، أو ميراثًا يرثه الأخلاف عن الأسلاف، وقد انتهى عهد موسى، وانتهى شرعه، وحالت أحوالهم وتغيَّرت أمورهم، وليست الأرض ميراثًا يؤخذ، إنما الأمر هو الدخول لإقامة الشريعة الموسوية، وقد نُسِخَت بشريعة محمد، فصارت الخلافة النبوية إلى محمد خاتم النبيين، فقومه الذين يقيمون شرع الله هم أهلها، والذين يجب عليهم أن يدخلوها آمنين مطمئنين، فليست أرض الله ميراثًا يورَث للذوات، إنَّمَا هي مقام الشرع الناسخ لا المنسوخ.
ويلاحظ من بعد ذلك أمور ثلاثة قد أشارت إليها الآيات الكريمات:
أولها: إنَّ الاسترخاء والضعف النفسي قد أصابهم بسبب ترفهم أولًا، واستضعافهم ثانيًا، وطغيان فرعون في حكمهم ثالثًا، وبأنَّهم حرموا حب الفداء، وإذا حرم قوم حب الفداء هانت عليهم أنفسهم ورزقوا الوهن، وكذلك بنو إسرائيل، فقد خافوا من غير مخوف، وماتت فيهم النخوة، كما تدل الآيات الكريمات.