الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معجزات عيسى عليه السلام:
170-
في هذا العصر الأيوني كان مبعث عيسى عليه السلام، ووجوده، ولم يكن علم الطب رائجًا عند بني إسرائيل كما توهم عبارات بعض الكتاب في العقائد من المسلمين، بل كان بنو إسرائيل أجهل الناس بالطبِّ كما يقرّر علماء تاريخ الفلسفة، ومنهم رينان الفيلسوف المسيحي.
إنما كانت معجزات عيسى لإبطال النظرية الأيونية التي تعتقد أنَّ المخلوقات نشأت عن الموجد نشوء العلة عن معلوله.
وكانت ولادة عيسى إبطالًا صارخًا لهذه النظرية، فإنَّ المعتاد في الحياة الحيوانية ومنها الحياة الإنسانية أن الولد يولد من أبوين، أب ملقح ببذرة الوجود، وأم تتلقى في رحمها تلك البذرة، أو الجرثومة كما يعبّر العلماء، أو المني الذي يُمْنََى كما عبَّر القرآن.
فجاء عيسى من غير أب، وكان ذلك خرقًا للأسباب الطبيعية الجارية، وكان غريبًا على مريم البتول.
هذه كلها خوارق تنبئ عن أن الله خلق الكون بإرادة سرمدية، وولادة عيسى نفسها أول خارق للعادة، ولذا قال الشهرستاني: إنَّ وجود عيسى ذاته معجزة. وأكدت
معجزة الإيجاد من غير أب بمعجزات أخرى، أو بخوارق عادات أخرى، أولها: الرطب الجني من النخل بهزه، ومناداته لها وهو في المهد، وحديثه في المهد حديث الحكماء، فكل هذه خوارق للأسباب والمسببات تدل على أنّ الإيجاد والتصوير والتربية كلها بإرادة الله العليم الحكيم خالق كل شيء، ومنها الأسباب والمسببات. تعالى الله علوًا كبيرًا.
ومعجزاته عليه السلام من هذا القبيل الذي هو تحدٍّ حسيّ للأسباب والمسببات، فقد قال تعالى بعد أن بعثه رسولًا لله رحمه للعالمين:{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، إِنَّ اللَّهَ رَبّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 48-51] .
هذه دعوة عيسى عليه السلام، وفيها البينات الدالة على رسالته، بما هو خرق حسيّ واضح يرى بالعين، وليس خفيًّا يدرك بالمعنى، هو يبرئ الأكمه الذي ولد أعمى، والأبرص الذي عجز الطب إلى الآن عن إبرائه، وهو فوق ذلك يحيى الموتى بإذن الله بالفعل لا بمجرَّد الإمكان كما ادَّعى بعض المفسرين، وهو روحاني ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
وهل يسير كل هذا على قانون الأسباب والمسببات، لكي نقول ما يقوله الفلاسفة يجب أن نلغي حكم العقول، وبدهيات المدارك.
وقد ذكر سبحانه وتعالى معجزات أخرى في آخر سورة المائدة، فقد قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ، وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ، إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا
اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ، قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ، قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 109-115] .
وهكذا نرى أن هذه الآيات الكريمات ذكرت بعض المعجزات السابقة، وأضافت إليها معجزتين أخريين.
إحداهما: أنه ينادي الموتى من القبول فتخرج، وذلك في قوله تعالى:{وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى} .
والثانية: أنَّ الله تعالى أنزل عليهم مائدة من السماء.
164-
ونرى من هذا أنَّ الخوارق للعادات كثرت على يد عيسى عليه السلام، وكان وجوده ذاته خارقًا للعادة؛ إذ ولد من غير أب كما بيَّنَّا، وكلها تدل على أن كل شيء في الوجود هو بإرادة مختار، فعال لما يريد.
وما كان ذلك إلَّا إبطالًا لنظرية وجود الأشياء بالفلسفة التي سادت في العصر الأيوني، ثم انتقلت إلى اليونان، وأخذت تتسع حتى كانت الأفلاطونية الحديثة التي التقت مع النصرانية المحرّفة غير المسيحية الأولى في نظرية العلية، فجعلت العقل الأول هو الأب، والعقل الثاني هو الابن. ثم كانت بعد ذلك الروح القدس المنبثقة من الاثنين أو أحدهما.
ووجود المسيح وحياته، وما أجراه الله تعالى من خوارق للعادات، كانت تحيط بكل تصرفاته وأعماله، كل ذلك كان حججًا قاطعة مثبتة أنَّ العالم كله مخلوق بإرادة حكيم قادر قهار سميع بصير مريد مختار.
172-
وإن قصة أهل الكهف التي أشرنا إليها في بعض ما قلناه، وقد حدثت بعد المسيحية على ما يبدو من وقائعها، كانت فيها إرادة الله ظاهرة في بيان سر هذا الوجود، وأنَّ الفاعل له مريد مختار لا يتقيد في إيجاده لخلقه بأن يكون وجود الأشياء مربوطًا بالعلة والمعلول، بل هو مربوط بإرادة حكيم بفعل ما يشاء ويختار، ولنتلها عليكم، ولا مانع من تكرار تلاوتها، إن كنا قد تلوناها هي من قبل.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا، ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا، نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا، وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا، إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا، سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا، وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا، قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 9-26] .
وإنَّ المفسرين والمؤرِّخين للديانات يقررون أنهم مسيحيون مؤمنون بالمسيحية الحق التي جاء بها عيسى عليه السلام، وأنهم فروا بدينهم من الرومان الذين أرهقوا المسيحيين الصادقين من أمرهم عسرًا، حتى أنّ نيرون اللعين، كان يطليهم بالقار، ويشعل فيهم النيران، ويسيرهم في موكبه، وهو فخور مختار بتلك المشاعل البشرية.
وإذا كان القرآن الكريم ذكر أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا، فإنه يكون ظهورهم في وقت الأفلاطونية التي نسخت النصرانية، والتي دخل فيها قسطنطين بعد أن ابتدأ بالسير بها في طريق التثليث الأفلاطوني، الذي بني على أساس أنَّ الكون ظهر من الأول ظهور المعلول عن علته.
فكانت واقعة أهل الكهف، وظهورهم بعد ثلاثمائة سنة وتسع، وهي وقت الانحراف المسيحي في الاعتقاد دليلًا قويًا على بطلانه، وعلى بطلان الأساس الذي قام عليه، وهو مذهب الأفلاطونية الحديثة، الذي يقوم على أنَّ الموجودات علة لمعلول، وليست من خالق مريد قادر.
173-
أطنبنا بعض الإطناب في ذكر الخوارق التي هي بعض ما جاء في القرآن الكريم، وذلك لأمرين: أولهما: أنَّ التوحيد الذي هو لبّ العقيدة الإسلامية، بل هو اللب في كل الأديان السماوية، يقوم على أوصاف ثلاثة:
الأول هو: وحدة الخالق في إنشاء الكون، ووحدانيته في ذاته، فهو منزه عن المماثلة للحوادث، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ووحدة المعبود، وهو الله سبحانه وتعالى.
الثاني: أنَّ الله تعالى مريد مختار فعَّال لما يريد، وأنَّه أنشأ كل ما في الوجود بإرادته وقدرته، ولم ينشأ عنه نشوء المعلول عن علته.
الثالث: ثبوت الرسالة الإلهية للمصطفين من خلقه، ولا تثبت الرسالة إلَّا بأمره.
الأمر الثاني: الذي من أجله أفضنا في ذكر بعض الخوارق، ولم نضنّ على القرطاس فيه، أنَّ بعض الذين يجعلون أمور الدين خاضعة للتجارب ويحسبون أنهم يخدمون القرآن، يدَّعون أنَّ رسالة محمد قامت على العقل ولم تقم على الخوارق، وأن القرآن الذي هو حجة محمد الكبرى خاطب العقول ولم يخاطب بالخوارق، وجرت عباراتهم بما يفيد أنَّ الإسلام لا يعرف الخوارق، إلى درجة أنَّ بعض علماء اللاهوت المسيحي سألنا: هل القرآن يعارض الخوارق والمعجزات، فأجبنا سؤالهم بأنَّ القرآن سجّل معجزات الأنبياء، وها نحن أولاء نبيِّن بعض ما في هذا السجل الخالد.