الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9] .
فالمودة موصولة ما لم يكن الاعتداء؛ إذ عسى أن تعود الصلة حتى يبين الأعداء، كما يقول الله سبحانه وتعالى:{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 7] .
العلاقة في السلم والحرب:
229-
الإسلام هو دين الوحدانية، ودين الوحدة الإنسانية، وقد تلونا من قبل الآيات اللقرآنية التي تقرُّ الوحدة الإنسانية بين الناس أجمعين، ورأينا أنه بمقتضى هذه العلاقة يكون الأصل هو السلم، ولكنَّ الناس مختلفون أجناسًا وقبائل وألسنة وأقاليم:
وتلك آيات الله تعالى في الأرض، فقد قال تعالى:{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22] .
وقد نظَّم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم هذه العلاقة على أساس المساواة، كما صرَّحت الآية الكريمة:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] ، والمساواة أساس التعارف، كما أن التعارف يقتضي المودَّة والتعاون في كل أمور الحياة، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.
والعدالة أساس العلاقات الإنسانية، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135] .
ويقول سبحانه وتعالى في العلاقة الإنسانية العامة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] .
والأمر بالعدالة عام في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] .
وإن العدالة توجب المعاملة بالمثل، إن اعتدوا قاومنا الاعتداء، وقد قال تعالى في ذلك:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] .
ومع أن الله تعالى أمرنا بردِّ الاعتداء بمثله في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ،أمرنا بالتقوى، فقال سبحانه:{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194] ، ولذلك يجب علينا عند المعاملة بالمثل أن نستمسك بالفضيلة، فإنَّ الفضيلة هي القانون العام في كل معاملة إنسانية، فإذا كان العدوّ يقتل الذرية لا نقتلها، وإن كان ينتهك الأعراض لا ننتهكها، وإن كان يخرّب ديار الآمنين لا نخرّبها ما وسعنا ذلك. وهكذا.
وإنَّ الإسلام قرر مبدأ الوفاء بالعهد وشدَّد فيه القرآن، فقال تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34] .
وإن هذا النص الكريم يدل على أربعة أمور:
أولها: إنَّ نقض العهد يؤدي إلى الزلل، ومع الزلل الضياع، فهو ليس حكمة ولا تدبيرًا، ولكنه خطل.
وثانيها: إنَّ العهد الذي يوثق بيمين الله أو بإشهاد الله تعالى عليه هو عهد الله إذا اتخذ الله كفيلًا، فمن ينقضه فإنما ينقض عهد الله تعالى الذي وثقه بكفالته.
وثالثها: إنَّ العهد في ذاته قوة، والتزامه قوة، ولذا شبَّه من ينقضه بحال الحمقاء التي تغزل غزلًا وتفتله، ثم تنقضه أنكاثًا، أي: أجزاء صغيرة، فالعهد يثبت السلم، وفي السلم قوة وقرار، والنقض إزالة له.
ورابعها: إنَّه لا يصح أن تكون سعة الأرض وزيادة السلطان سببًا في الغدر، ولذلك قال سبحانه وتعالى في بواعث الغدر أن تكون أمة هي أربى من أمة، أي: أوسع أرضًا، وأكثر عددًا، وأقوى سلاحًا، فلا يصح أن يكون التوسع باعثًا للغدر؛ لأنه يؤدي لا محالة إلى الضعف.