الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة البحث
الحمدُ للهِ العليِّ الكبيرِ، أنزلَ خيرَ كتبِه على خَيرِ رسلِه، وأصلِّي وأسلِّمُ على البشيرِ النَّذيرِ محمَّدِ بنِ عبد اللهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ ومن والاه إلى يومِ الدين، وبعد:
لقد تنافسَ العلماءُ في التَّصنيفِ فيما يتعلَّقُ بكتابِ اللهِ، فخرجَ بذلك كتبٌ كثيرةٌ تخدمُ من يريدُ تفسيرَ كتابِ اللهِ، ويستعينُ بها على فهمه.
وهذه الكتبُ لا حصرَ لأفرادِها لكثرتها. لكن كان من الممكنِ حصرُ موضوعاتِها التي تطرَّقت إليها، من غريبٍ ومُشكلٍ ومبهَمٍ وحُكْمٍ، وغيرِها.
وهذا الكتاب يتعلَّقُ بأنواعِ الكتبِ التي صُنِّفت من أجلِ خدمةِ تفسيرِ كتابِ اللهِ.
وقد كانت فكرةُ تدوينِ هذا البحثِ إثرَ محاضراتٍ ألقيتُها تحت عنوان «مقدِّماتٌ في علم التفسير» ، وكان هذا الموضوعُ أحد الموضوعات التي طرحتُها، فلاقى استحسانًا من الحضورِ، فبدا لي أن أزيد فيه، وأضعه في مؤلَّفٍ يحويه، فكانَ هذا الكتابُ.
ولقد حَرَصتُ فيه على بيانِ أنواعِ الكتبِ التي يُستفادُ منها في تفسيرِ كلامِ اللهِ، كما أشرتُ ـ في الغالبِ ـ إلى المعلوماتِ التي أُدخِلتْ على التَّفسيرِ في هذه الكتبِ.
وقد ذكرتُ في كلِّ نوعٍ من أنواعِ التَّصنيفِ عنوانَ الكتبِ الذي
اشتهرت به، وحرَّرتُ معناه، وبيَّنتُ ما وقع فيه من تطوُّرٍ إن وُجدَ، وذكرتُ بدايات هذا العلم، وبداياتِ التَّأليفِ فيه، وطريقةَ ترتيبِ هذه الكتبِ المصنَّفةِ، وقد أذكرُ نماذجَ منها، كما قد أُشِيرُ إلى مدى إفادتِها للمفسِّرِ وما يحتاجهُ منها، كلُّ ذلك قدر الجهدِ والطَّاقةِ.
ولمْ أَسِرْ على نظامٍ مُجَدْوَلٍ في كلِّ تصنيفٍ، بل كنت أكتبُ ما يمليه الخاطرُ ساعتَها؛ لذا لم يكن للمعلوماتِ ترتيبٌ معيَّنٌ.
كما لم ألتزم قراءة كلِّ كتبِ هذه العلومِ، بل دوَّنتُ ما كنتُ جمعتُه من فوائدَ في هذه الكتبِ في أثناء قراءاتٍ سابقةٍ.
وقد ذكرتُ في مبدإ هذا البحثِ مدخلاً يتعلَّقُ بتصنيفِ العلومِ التي يشملُها علمُ «علومِ القرآنِ» وقد ذكرتُها لأجل أن يُعرفَ الفرقُ بين «علومِ التَّفسيرِ» و «علومِ القرآن» ، واستطردتُ في ذكرِ قضيَّةِ تداخلِ موضوعاتِ «علوم القرآنِ» ، وهي قضيَّةٌ مهمَّةٌ تحتاجُ إلى نظرٍ ودراسةٍ؛ لأنَّه قد يمكنُ أن تُدرسَ جملةٌ من علومِه تحتَ مسمًّى واحدٍ تترابطُ فيه مسائلُ هذا العلمِ؛ ويبنى عليها ما بعدها من المسائلِ.
ولقد كانَ يكفي أن يعرفَ الدَّارسُ ترابُطَ بعضِ العلومِ وتداخُلَها التي تُذكرُ مفرَّقةً في كتبِ القرآنِ، غير أنه في بعضِ الموضوعاتِ يكونُ ما هو أكثرُ من ذلكَ، وهو تأخيرُ دراسةِ موضوعٍ يمرُّ ذِكرهُ في موضوعاتٍ متقدِّمةٍ، ولا يمكنُ فهمُ ما يطرحُ فيها بدونِ شرحِه وتفصيلِه.
ومن الأمثلةِ على ذلك: أنَّك تجدُ أنَّ في موضوعِ «جمعِ القرآنِ» إشارةً إلى «الأحرفِ السَّبعةِ» في جمعِ أبي بكرٍ وجمعِ عُثمانَ، والدَّارسُ لا يعرفُ المرادَ بالأحرفِ السَّبعةِ، فتَراكَ مضطرًّا لشرحِ موضوعِ «الأحرفِ السَّبعةِ» بإيجازٍ شديدٍ جدًّا يتناسبُ مع وقتِ إلقاءِ معلوماتِ «جمعِ القرآنِ» .
وكذا الحالُ عند الحديث عن القراءات، وكيفَ اختلفتْ هذه القراءاتُ؟ وما عَلاقتُها بالأحرفِ السَّبعةِ؟
فإنَّك إن لم تكن قد درَّستَ الأحرفَ السَّبعةَ، ستضطرُّ إلى بيانِها هنا على أنَّها جُزئيَّةٌ استطراديَّةٌ. وقد كان يُغني عن ذلك ما لو رُتِّبت علومُ القرآنِ، وجُعِلَ مثلُ هذا الموضوعِ من أوَّلِ ما يدرسُه الدارسُ، ثمَّ يُحالُ عليه عندما يأتي موضوعٌ له علاقةٌ به.
وسيكونُ في ترتيبِ العلومِ في كتبِ علومِ القرآنِ ابتعادٌ عن هذه المشكلةِ وغيرِها مما يلاحظهُ الذي يُدرِّسُ هذا العلمَ.
وقد كنتُ أودُّ أن أطرحَ جانبًا أراهُ مُغْفَلاً في علومِ القرآنِ، مما جعلَ هذا العِلْمَ علمًا لا يطربُ له دارسُه، ولا يُحسُّ بثرائه وكثرة مادَّتِهِ، ولذا يندرُ أن تجدَ هذا العلمَ يُدرَّسُ خارجَ قاعاتِ الدِّراسةِ النِّظاميَّةِ، كما هو الحالُ في علمِ العقيدة أو علم الفقه أو علمِ الحديثِ.
وبعضُ الباحثينَ يحسبُ أنَّ هذا العلمَ قوالبُ مصبوبةٌ قد انتهى البحثُ فيه، واحترقتْ مادَّتُه، فلا جِدَّةَ في مسائله، ولا ثَمرة بعد ما ذكره الأقدمونَ ممن كتبوا في هذا العلمِ؛ وهذا ظنٌّ زائفٌ.
وفي ظنِّي أن الذي أنشأ هذا التَّفكيرَ عن علومِ القرآنِ هو إغفالُ الجانبِ التَّطبيقيِّ لهذا العلمِ، لذا قد يمرُّ بالباحثِ وهو يقرأ في التَّفسيرِ أمثلةٌ تخالفُ ما نُظِّرَ له في دراستِه لعلومِ القرآنِ، لكنَّها لا تسترعي انتباهَه، ولا يَطلبُ لها حلًّا، وكأنَّه قد حكمَ بزَيْفِها؛ لأنَّها خالفت ما قُرِّرَ له، فلا يُتعبُ نفسَه بتثويرِ الموضوعِ مرَّةً أخرى، عَلَّهُ يجدُ ما يصحِّحُ ما درسَه أو يؤيِّدُه.
إنَّ كتبَ تفسير القرآنِ ميدانٌ رحبٌ لتطبيقاتِ مسائلِ علومِ القرآنِ،
فلو اتَّجه مدرِّسو علومِ القرآنِ إلى هذه الكتبِ وطبَّقوا عليها ما درسوه في كتبِ علومِ القرآنِ، فإن الأمرَ لا يخلو من ثلاثةِ أحوالٍ نافعةٍ في تنشيط هذا العلمِ، وفي إشباعهِ بالتَّطبيقاتِ والأمثلةِ:
الحالُ الأولى: تعزيزُ الأفكارِ العلميَّةِ المطروحةِ في كتبِ علومِ القرآنِ، وذلك بتكثيرِ الأمثلةِ التي توافقُ الفكرةَ العلميَّةَ المطروحةَ.
الحالُ الثَّانيةُ: أن يوجدَ أمثلةٌ تخالفُ ما تقرَّرَ في الفكرةِ العلميَّةِ المطروحةِ، فتدرسُ هذه الأمثلةُ، وقد تكونُ نتيجةُ هذه الدِّراسةِ ضَعْفَ هذه الأمثلةِ وعدَم صحَّتِها، أو أنَّها تدلُّ على أنَّ تلكَ الفكرةَ العلميَّةَ المطروحةَ في كتبِ علومِ القرآنِ = مدخولةٌ وغيرُ صحيحةٍ، فتحتاجُ إلى إعادةِ تنظيرٍ.
الحالُ الثَّالثةُ: أن يوجدَ في الأمثلةِ أفكارٌ جديدةٌ تضافُ إلى مسائلِ العلمِ الذي يُطبَّقُ عليه من خلالِ التَّفسيرِ.
وفي هذه الطَّريقة إثارةٌ وتحفيزٌ للدَّارسِ، وتحريكٌ وتنشيطٌ له في متابعةِ الدَّرسِ، وفي تثبيتِ المعلوماتِ.
وليس المقصودُ هنا الحديثَ عن هذه القضيَّةِ، وإنما أردتُ أن أُذكِّرَ به لمَّا مرَّ ما يتعلَّق به في هذا المدخلِ، وأسألُ الله أن ييسِّرَ بسطَ هذه الموضوعِ في مكانٍ آخرَ.
وبعد، أرجو أن يكونَ هذا المؤلَّفُ نافعًا، وأن يكونَ خالصًا لله الكريمِ، وأن ييسِّرَ لي غيرَه من التَّآليفِ، إنه سميعٌ مجيبٌ.
مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار المملكة العربيَّة السُّعودية/ الرياض www.attyyar.net