المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عاشرا: كتب المناسبات - أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم

[مساعد الطيار]

الفصل: ‌عاشرا: كتب المناسبات

‌عاشرًا: كتبُ المناسبات

كتب العلماءُ في علمِ المناسباتِ، وكانت كتابتُهم ـ غالبًا ـ في المناسباتِ بين السُّورِ والمناسبات بين الآيات.

والمرادُ بهذا العلمِ: بيان وجهِ ارتباطِ اللفظةِ أو الآية أو السورةِ، أو غيرِها مما يحكيه العلماء من أنواع المناسباتِ.

وأول من ذُكِرَ عنه الاعتناءُ بهذا العلمِ أبو بكر عبد اللهِ بن محمد بن زياد النيسابوريُّ (ت: 324) من علماءِ بغداد (1).

وكان لابن العربيِّ المالكيِّ (ت: 543) اعتناءٌ به، وقد قال في ذلك: «ارتباطُ آي القرآنِ بعضِها ببعضٍ، حتى تكونَ كالكلمة الواحدة، متَّسقة المعاني، منتظمة المباني = علمٌ عظيمٌ، لم يتعرَّض له إلَاّ عالمٌ واحدٌ، عَمِلَ فيه سورةَ البقرةِ، ثُمَّ فتحَ الله عز وجل لنا فيه، فلمَّا لم نجد له حَمَلَةً، ورأينا الخلقَ بأوصافِ البَطَلَةِ، ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله،

(1) ينظر: البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1:36).

ص: 110

ورددناه إليه» (1).

ومن الكتبِ المؤلَّفةِ في ذلك:

1 -

رِيُّ الظَّمآنِ في تفسيرِ القرآنِ، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله المُرسيِّ السُّلميِّ (ت: 655)، قال معاصرُه ياقوت الحمويُّ (ت: 626) عن تفسيره: «كبيرٌ جدًّا، قصد فيه ارتباط الآيِ بعضها ببعضٍ» (2).

2 -

البرهانُ في تناسبِ سورِ القرآنِ، لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزُّبيرِ الغرناطيِّ (ت: 708) (3).

3 -

نظم الدُّررِ في تناسبِ الآياتِ والسُّورِ، لبرهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر البِقاعيِّ (ت: 885) (4).

4 -

تناسق الدُّررِ في تناسبِ السُّورِ، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيِّ (ت: 911) (5).

5 -

جواهر البيان في تناسب سور القرآن، لأبي الفضلِ عبد الله الصِّدِّيق الغماريِّ.

6 -

الإعجازُ البيانيُّ في ترتيبِ آياتِ القرآنِ الكريمِ وسورِه، للدكتور أحمد يوسف القاسم، وهو دراسة متميِّزَة في علمِ المناسبات.

(1) البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1:36).

(2)

معجم الأدباء (18:211).

(3)

طُبِعَ بتحقيق: الأستاذ محمد شعباني.

(4)

طُبِعَ كاملاً بمطابع المطبعة العثمانية بحيدر اباد الدكن.

(5)

طُبِعَ بتحقيق: عبد الله محمد الدرويش، وقد طبعه عبد القادر أحمد عطا، وتصرَّف في عنوانه، فغيَّره إلى «أسرار ترتيب القرآن» ، وهذا المنهج الذي سلكه غيرُ صحيحٍ في منهج التَّحقيقِ.

ص: 111

وممن كان له عناية به: الفخرُ الرَّازيًّ (ت: 606) في كابه التفسير الكبير، وأبو حيَّان (ت: 745) في البحرِ المحيطِ، وغيرهم (1).

وهذا العلمُ لطيفُ المأخذِ، وهو يعتمدُ على أنَّ بين آي القرآنِ وسورِه ترابطًا، وإن كان مختلفَ الأوقاتِ في النُّزولِ؛ لأنَّ ترتيبَه من لدنِ اللهِ الحكيمِ.

وهذا المبدأُ صحيحٌ لا مأخذ عليه، وإن كانَ لا يلزمُ منه أن يتوصَّلَ المفسِّرُ الذي يسلكُ البحث عن مناسبات آيات القرآنِ وسورِه = إلى جميعِ المناسباتِ، لذا لا يخلو مَن كتبَ في علمِ المناسباتِ مِن التَّكلُّفِ.

أنواع المناسبات:

مناسبة اسم السُّورة لموضوعاتِها، ومناسبة اللَّفظة للآية التي وردت فيها، ومناسبة خاتمة الآية لموضوعها، ومناسبة مبدأ الآية لخاتمتها، ومناسبة الآية للآية التي تليها، ومناسبة السُّورة للسورةِ التي تليها، ومناسبة خاتمة السُّورة لفاتحة التي تليها، ومناسبة موضوعات السُّورة لموضوعات التي تليها، وغيرها من أنواع المناسبات.

وقد يوجدُ أكثرُ من مناسبةٍ بين الموضعين الذين تُحكى بينهما المناسبة، كما قد يكونُ سبب المناسبةِ التَّضادَّ بين الشيئين؛ كذكرِ الجنَّةِ بعد النَّارِ، وذكر خبرِ المؤمنين بعد الكفَّارِ، أو وجود التَّلازمِ بينهما كتلازمِ الحمد والتسبيح، أو غير ذلك من المناسبات التي تظهر للمتأمِّلِ فيها.

(1) ينظر: الإعجاز البيانيُّ في ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره، للدكتور محمد أحمد يوسف القاسم (ص:35).

ص: 112

وسأذكر لك بعض أمثلةٍ من المناسبات:

* مناسبةُ سورةِ الرَّحمن لسورة القَمَر، فقد وردَ في آخرِ سورةِ القَمَرِ قوله تعالى:{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55]، وابتدأت سورةُ الرَّحمن بقوله تعالى:{الرَّحْمَانُ} [الرحمن: 1]، وواضحٌ ما بينهما من المناسبةِ، فالمليكُ المقتدرُ هو الرحمنُ (1).

* وفي مناسبة تسمية البقرة بهذا الاسم سِرٌّ لطيفٌ (2)، إذ قد يقول قائلٌ: إنَّ في قصَّةِ البقرةِ إحياءَ ميِّتٍ، فسُمِّيتْ السورةُ بما يُشيرُ إلى ذلك الحدثِ الغريبِ.

والجوابُ: أنها لم تكن هي الأميزَ في موضوعِ إحياءِ الموتى، فقد وردَ في هذه السُّورةِ أكثرُ من قصةٍ فيها إحياءُ الموتى، وهي:

إحياءُ بني إسرائيلَ بعد الصَّعقةِ، وذلك قوله تعالى:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ *ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 55، 56].

(1) ينظر مناسباتٌ أخرى في: البرهان في ترتيب سور القرآن، لابن الزبير الغرناطي (ص:328)، ونظم الدرر، للبقاعي (19:139 - 143)، وتناسق الدرر في تناسب السور، للسيوطي (ص:81)، وجواهر البيان في تناسب سور القرآن، لعبد الله الغماري (ص:110).

(2)

ينظر: التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور (1:201) ـ وهو ممن يُعنى باسم السُّورةِ، ووجه تسميتِها ـ فقد ذكر مناسبةً أخرى، قال:«ووجهُ تسميتِها: أنَّها ذُكرت فيها قصَّةُ البقرةِ التي أمرَ اللهُ بني إسرائيلَ بذبحِها؛ لتكونَ آية ووصف سوء فهمِهم لذلك، وهي مما انفردت به هذه السورة بذكرِه، وعندي أنها أضيفت إلى قصةِ البقرةِ تمييزًا لها عن سورِ آل «الم» من الحروف المقطَّعةِ

».

ص: 113

وقصَّةُ الذين خرجوا من ديارهم، وهم ألوف، خرجوا حذر الموتِ، فأماتهم الله، ثُمَّ أحياهم.

وقصَّة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، فأماته الله مائة عامٍ ثُمَّ بعثه.

وقصَّة إحياء الطيور الميِّتةِ لإبراهيم عليه السلام.

إذًا، فليست هي القصةَ الوحيدةَ في هذا الشأنِ العجيبِ، وهو إحياءُ الموتى.

والذي يُمكنُ أن يُقال في مناسبةِ تسميتها بهذا الاسم ـ واللهُ أعلمُ ـ: أنَّ هذه السُّورةَ من أوائلِ السُّورِ المدنيَّةِ، والعهد المدنيُّ كان فيه إقرار كثيرٍ من الأحكامِ الشرعيَّة، وكان الأمرُ في أحكامِ اللهِ أن تُنفَّذَ، ولا يُتأخَّرَ فيها أو يُعترضَ عليها، فأخبرَ اللهُ بقصَّةِ البقرةِ التي فيها التَّنبيه والإعلامُ بشأنِ من تلكَّأ في الاستجابةِ لأحكامِ الله، فإنَّ بني إسرائيلَ لمَّا شدَّدُوا وتعنَّتوا في تنفيذِ أمرِ اللهِ، شدَّدّ اللهُ عليهم، إذ لو ذبحوا في أولِ أمرِ اللهِ لهم أيَّ بقرةٍ، لأجزأهم ذلك، ولكانوا بذلك مستجيبين لأمرِ اللهِ، وفي هذه القصَّةِ عِظةٌ، أيُّما عِظةٍ للصَّحابةِ رضي الله عنهم، كي لا يتردَّدُوا في تنفيذِ أحكامِ اللهِ، فيشدِّدَ اللهُ عليهم، كما شدَّد على بني إسرائيلَ في شأنِ البقرةِ. وحياتُهم رضي الله عنهم مع نبيِّهم صلى الله عليه وسلم تدلُّ على أنهم وَعَوا هذا الدَّرسَ وتلقَّنوه جيِّدًا، فلم يكونوا يتأخَّرون عن تنفيذِ أوامرِ الشَّرعِ، واللهُ أعلمُ.

* ومن مناسبة اختيار الألفاظِ، ما ورد في قوله تعالى:{كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، فإنَّ اللهَ حجَبَهم عن كرامتِه التي أكرمَ الله بها المؤمنين من رؤيته. وهذا يناسبُ ما حجبوا به أنفسهم من الرَّانِ الذي غطَّى على قلوبِهم، وذلك قوله تعالى: {كَلَاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا

ص: 114

كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، فالجزاءُ من جنسِ العملِ، واللهُ أعلمُ.

ولو تتبَّعتَ مناسباتِ الألفاظِ، وحسنَ اختيارِها في مواقِعها، لوجدت شيئًا كثيرًا، وعِلمًا غزيرًا. فتدبَّرْ ـ مثلاً ـ في سورةِ مريمَ تكرار اسم اللهِ الدَّالِّ على الرحمةِ:«الرحمن» ، فقد وردَ في أحد عشر موضِعًا، ومجملُ وروده في القرآن في سبعة وخمسين موضعًا.

وورودُه في بعض المواطنِ مثيرٌ للسُّؤالِ؛ لأنه يتبادرُ إلى الذِّهنِ أنَّ غيرَه من الأسماءِ الحسنى أليقُ بهذا الموطنِ، لكن عندَ تأمُّلِ مناسبةِ ورودِه، ومعرفةِ ارتباطِ موضوعِ الآيةِ به، تُبْعِدُ باديَ الرأي الذي طَرَأَ لكَ، وتقتنعُ بأنه جاء في مكانه الأنسبِ له، وتقولُ: تباركَ من تكلَّمَ بهذا الكلام.

ففي قول إبراهيمَ لأبيه آزرَ: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: 45]، قد يبدو لك أنَّ التَّهديدَ بالعذابِ لا يتناسبُ معه ذكر الاسم الدَّالِ على الرَّحمةِ، بل يناسبه من الأسماءِ ما دلَّ على القوَّةِ والانتقام؛ كالقهَّارِ والقويِّ والعزيزِ.

ولكنَّك عند التأمُّل يظهرُ لكَ أنَّ المقامَ مقامُ دعوةٍ وتلطُّفٍ، فناسبَ في مقامِ ذكرِ الوعيدِ أن يورِدَ الاسمَ الدَّالَّ على الرَّحمةِ، ترغيبًا لأبيه وتلطُّفًا معه.

كما يمكنُ أن يكونَ ذكرُ اسم الرَّحمنِ هنا من أشدِّ أنواعِ التَّهديدِ، نظرًا لأنَّ الرَّحمنَ لا يُعذِّبُ إلَاّ من بلغَ حدًّا جعلَه يخرجُ عن رحمتِه، من بابِ قولِهم: اتقِ غضبةَ الحليمِ إذا غضبَ، فغضبه يدلُّ على أنَّ ما اقتُرِفَ في حقِّه خرجَ عن حدِّ التَّحلُّمِ، وأنَّ صاحبَه يستحقُّ العقوبةَ، واللهُ أعلمُ.

ص: 115