المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثامنا: كتب أحكام القرآن - أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم

[مساعد الطيار]

الفصل: ‌ثامنا: كتب أحكام القرآن

‌ثامنًا: كتبُ أحكامِ القرآنِ

ألَّفَ العلماءُ في هذا العلم قديمًا، وكان من أوائلِ من ألَّف فيه الحافظُ الرَّحَّالُ أبو الحسن علي بن حُجْرٍ (ت: 244) (1)، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري (ت: 268) (2)، والقاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضميُّ (ت: 282) (3)، وأبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت: 321) (4)، وغيرهم.

ومن أشهرِ المؤلَّفات فيه: كتاب أحكام القرآن، لأبي بكر الجصَّاص الحنفيِّ (ت: 370)، وكتاب أحكام القرآن، للقاضي ابن العربيِّ المالكيِّ (ت: 543)، وكتاب الجامع لأحكام القرآن، للقرطبيِّ المالكيِّ (ت: 671).

(1) ينظر: معجم مصنفات القرآن، للدكتور علي شواخ إسحاق (1:95).

(2)

ينظر: تاريخ بغداد (6:286).

(3)

صدر ما بقي منه بتحقيق الدكتور سعد الدين أونال.

(4)

ينظر: تذكرة الحفاظ، للذهبي (2:450).

ص: 95

ولا تخلو كتب التَّفسير المطوَّلةُ من تفسير الأحكام القرآنيَّة والاستطراد في مسائل الفقه؛ كتفسيرِ الطَّبريِّ (ت: 310)، وتفسيرِ ابن عطيَّةَ الأندلسيِّ (ت: 542)، وتفسيرِ ابن كثيرٍ الدِّمشقيِّ (ت: 774)، وتفسيرِ أبي حيَّانَ الأندلسيِّ (ت: 745).

وقد كانت طريقةُ ترتيبِ كتبِ الأحكامِ على منهجينِ:

الأوَّلُ: ترتيبُ الكتابِ على سورِ القرآنِ، فيبتدأُ بالفاتحةِ، ويختمُ بالنَّاسِ، وعلى هذا أغلبُ كتبِ أحكامِ القرآنِ.

الثاني: ترتيبُ الكتابِ على أبوابِ الفقه، وعلى هذا سار أبو جعفر الطَّحاويُّ (ت: 321).

ويظهر على كتبِ أحكامِ القرآنِ عمومًا الميلُ إلى المذهبِ الذي يتمذهبُ به صاحبُ الكتابِ، فالطَّحاويُّ (ت: 321) يذهبُ بالمسائل التي ذكرَها إلى إبرازِ المذهبِ الحنفيِّ الذي ينتمي إليه، وابن العربيِّ (ت: 543) يذهبُ بالمسائل التي ذكرَها إلى إبرازِ المذهبِ المالكيِّ الذي ينتمي إليه، وكذا غيرُهم، مهما وُصِفَ باعتدالِه في بيانِ المذهبِ الراجِحِ؛ لأنَّ المذهبَ الذي نشأ عليه غَلَاّبٌ.

ويكفي في التَّمثيلِ لهذه المسألةِ أن ترى المسائلَ التي عقدها الطَّحاويُّ (ت: 321) في كتابِه، فإنَّك ستجدُ ـ في أغلبِ المسائلِ ـ النَّصَّ على مذهبِ أبي حنيفةِ (ت: 150) وأصحابِه (1).

بل قد يتعدَّى الأمرُ إلى غمطِ المخالفين، والاستطالة عليهم بما لا

(1) ينظر مثلاً أحكام القرآن، للطحاوي (1:73، 79، 86، 92، 93)، وهكذا بقيَّةُ مسائل الكتابِ.

ص: 96

داعي له، ومن أمثلةِ ذلكَ ما قاله ابن العربيِّ (ت: 543): «وظنَّ الشَّافعيُّ ـ وهو عند أصحابِه مَعدُّ بن عدنان في الفصاحة، بَلْهَ أبي حنيفة وسواه ـ أنَّ الغَسْلَ صبُّ الماءِ على المغسولِ من غيرِ عركٍ. وقد بيَّنَّا فسادَ ذلك في مسائل الخلافِ» (1).

وقال: «والشَّافعيُّ وسواه لا يَلْحَظونَ الشَّريعةَ بِعَينِ مالكٍ رحمه الله، ولا يلتفتون إلى المصالحِ، ولا يعتبرونَ المقاصدَ، وإنما يلحظونَ الظَّواهرَ ويستنبطونَ منها، وقد بيَّنَّا ذلك في أصولِ الفقه، والقبسِ في شرحِ موطَّأ مالك بن أنس» (2).

وقد ظهرَ في منهجِ من حرصَ على ذكر أحكامِ القرآنِ من المفسِّرينَ أو مَن كتبَ في أحكامِ القرآنِ خاصَّةً الاستطرادُ في ذكرِ المسائلِ المتعلقةِ بحكمِ الآيةِ، وإن لم تُشِرْ إليها.

والمنهجُ الموافقُ لمفهومِ التَّفسيرِ أن لا يتعدَّى المفسِّرُ ما تضمَّنتهُ الآيةُ من حكمٍ، وقد أشارَ إلى ذلكَ بعضُ المفسِّرينَ؛ منهم: الإمامُ ابن جريرٍ الطبريُّ (ت: 310)(3)، وأبو حيَّانَ (ت: 745).

قال أبو حيَّان (ت: 745): «وقد تَعَرَّضَ المفسِّرون في كتبِهم لحكم التَّسميةِ في الصَّلاةِ، وذكروا اختلافَ العلماءِ في ذلك، وأطالوا التَّفاريعَ في ذلك، وكذلك فعَلُوا في غيرِ ما آيةٍ، وموضوعُ هذا كتبُ الفقهِ.

وكذلك تكلَّمَ بعضُهم على التَّعَوُّذِ، وعلى حكمِه، وليس من القرآنِ بإجماعٍ.

(1) أحكام القرآن، لابن العربي (2:562).

(2)

أحكام القرآن، لابن العربي (2:623).

(3)

ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (11:12).

ص: 97

ونحنُ في كتابِنا هذا لا نتعرَّضُ لحكمٍ شرعيٍ إلَاّ إذا كان لفظُ القرآنِ يدلُّ على ذلك الحكمِ، أو يمكنُ استنباطُه منه بوجهٍ من وجوهِ الاستنباطاتِ» (1).

وقد تجدُ تكلُّفًا في ذكرِ بعض الأحكامِ الفقهيَّةِ، ولو كانت الإشارةُ إليه باللَّفظِ فقط، وقد اعترضَ على هذا أبو حيَّانَ (ت: 745)، فقال:«وقد تكلَّمَ بعضُ النَّاسِ (2) على أحكامِ السُّكنى والعُمْرَى والرُّقْبَى (3)، وذكرَ كلامَ الفقهاءِ في ذلك واختلافهم، حين فسَّرَ قول الله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، وليس في الآيةِ ما يدلُّ على شيءٍ مما ذكر» (4).

وهذا المنهجُ الذي انتهجه أصحابُ كتبِ أحكام القرآن جعلَ كتبَهم كتبَ فقهٍ، لا كتب تفسيرٍ، ولذا فإنَّه لا تكتملُ فيها صورةُ التَّفسيرِ.

ولو كانت كتبُ أحكامِ القرآنِ تعمدُ إلى الأحكامِ التي نصَّ عليها القرآنُ، وإلى كيفيَّةِ استنباطِ الحكمِ من القرآنِ، دونَ الاستطرادِ في ذكرِ المسائلِ الفقهيَّةِ، أو تكلُّفِ الحديثِ عن أحكامٍ لم ينصَّ عليها القرآنُ = لما اتسعتْ هذه الكُتبُ، واللهُ أعلمُ.

(1) البحر المحيط، لأبي حيان (1:32).

(2)

لعلَّه يقصِدُ القرطبيَّ، فقد ذكر في تفسيره الجامع لأحكام القرآن (1:299) أحكام السُّكنى والعُمْرَى والرُّقْبَى.

(3)

يقول القرطبي في تفسيرِه (1:299): «والعُمْرَى: هو إسكان الرجلِ في دارٍ لك مدَّةَ عُمرك أو عمره. ومثلُه الرُّقْبَى: وهو أن يقول: إن مُتَّ قبلي رَجَعَتْ إليَّ، وإن مُتُّ قبلكَ، فهيَ لك، وهي من المراقبةِ. والمراقبةُ: أن يرقُبَ كلٍّ منهما موتَ صاحبِه» .

(4)

البحر المحيط، لأبي حيان (1:253).

ص: 98

وإنما ستتباينُ هذه الكُتبُ في نتيجةِ الحُكمِ المستنبطِ، كما ستتباينُ طرقُ الاستنباطِ، ومصادر الأخذ؛ كإجماعِ أهل المدينة عند المالكيةِ.

وسبب ذلكَ كلِّه اختلافُ المذهبِ الفقهيِّ الذي ينتمي إليه المؤلِّفُ، إذ لكلِّ مذهبٍ أصولُه التي يَصدُر عنها، ويَستنبطِ الأحكامَ بها.

وقد أشارَ إلى هذا مكيُّ بن أبي طالب (ت: 437) في حديثِه عن الأخذِ بشرعِ من قبلنا، فقال: «

وهذه المعاني من الأصولِ لها مواضعُ يُتَقَصَّى الكلامُ فيها ويُبيَّنُ في غير هذا الكتابِ ـ إن شاء الله ـ فهي أصل الفقه والدين وعليها بنى الفقهاءُ مسائلهم وفُتياهم، وإنما اختلفوا في الفتيا على نحو اختلافِهم في معاني الأصولِ، فمعرفةُ الأصولِ عليها العمدةُ عند أهل الفهمِ والنَّظرِ، ومعرفةُ المسائلِ بغيرِ معرفةِ الأصولِ إنما هو سبيل المقلدين الضعفاء في الأفهام» (1).

* ومن الملحوظِ أنَّ دراسة آيات الأحكامِ مفردةً تذهبُ بالآياتِ التي تدرسُها إلى علمِ الفقهِ، ولا تعتني بمسائلِ التَّفسيرِ، حتَّى صارتِ الكتبُ المؤلَّفةُ في أحكامِ القرآنِ فقط = كتبَ فقهٍ لا تفسير.

وكذا الحالُ في كتبِ أحاديثِ الأحكامِ، تجد الدارس لهذه الكتب يدرسُ مسائلَ الفقهِ.

والدارسُ يدرسُ علمَ الفقهِ أصلاً، ثمَّ تراه تتكرَّرُ له المسائلُ الفقهيَّةُ، ويدرسُها على أنَّها على أسلوبِ علماءِ التَّفسيرِ أو علماءِ الحديثِ، والأمرُ ليس كذلك، إذ هو يدرسُ الفقهَ بصورةٍ أخرى، ليس إلَاّ.

(1) الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، لمكيٍّ، تحقيق: الدكتور أحمد حسن فرحات (ص:175).

ص: 99

ونشأ عن هذا أنَّك لا تأخذُ من كتبِ آيات الأحكام منهجَ تفسيرٍ؛ لأنَّها لا تُعنى به.

ولو دُرست السُّوَرُ التي تحوي أحكامًا كاملةً، لتمكَّنَ المعلِّمُ أن يفيدَ في جانبِ التَّفسيرِ وفي جانب الأحكامِ، وهذا أوْلى، وبهذا يُعطى كلُّ علمٍ حظَّه من التَّدريسِ، ويستفيدُ الدارسُ من جملةِ هذه العلومِ، واللهُ أعلمُ.

ص: 100