المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: كتب مشكلات القرآن - أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم

[مساعد الطيار]

الفصل: ‌خامسا: كتب مشكلات القرآن

‌خامسًا: كتب مُشكلاتِ القُرآن

قد يرادُ بالمشكلِ: المُشَاكِلُ للشَّيءِ؛ أي: المُشَابِه له، وقد يرادُ به: ما غَمَضَ ودَقَّ عن الفَهْمِ، وقد وضَّحَ ابن قتيبة (ت: 276) ذلك، فقال:«ومثل المتشابهِ «المشكلُ» . وسُمِّيَ مُشْكِلاً؛ لأنه أَشْكَلَ؛ أي: دخل في شَكْلِ غيره، فأشبهَهُ وشاكَلَه.

ثُمَّ يُقالُ لما غَمَضَ ـ وإن لم يكن غموضُه من هذه الجِهةِ ـ: مُشكلاً» (1).

والمرادُ به هنا النَّوع الثاني؛ أي: ما غَمَضَ في الفَهْمِ وخَفِيَ على المرءِ، أيًّا كانَ سببُ غُمُوضِه وخَفَائه.

وقد يُطلقُ على هذا النَّوع مصطلحُ المتشابهِ، وقد فسَّرَ ذلك ابن قتيبةَ (ت: 276)، فقال: «أصل التَّشابهِ: أن يُشبه اللفظُ اللَّفظَ في الظَّاهرِ، والمعنيانِ مختلفانِ، قال جَلَّ وعَزَّ ـ في وَصْفِ ثَمَرِ الجنَّةِ ـ: {وأُتُوا بِهِ

(1) تأويل مشكل القرآن (ص:102).

ص: 68

مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25]؛ أي: مُتَّفِقَ المناظرِ، مُختلفَ الطُّعومِ. وقال:{تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118]؛ أي: يُشبهُ بعضُها بعضًا في الكفرِ والقسوةِ.

ومنه يُقالُ: اشتبهَ الأمرُ: إذا أشبَه غيرَه، فلم تكد تُفرِّقُ بينهما.

وشبَّهتَ عليَّ: إذا لبَّستَ الحقَّ بالباطلِ.

ومنه قيلَ لأصحابِ المخاريق (1): أصحابُ الشُّبَهِ؛ لأنهم يُشبِّهونَ الباطلَ بالحقِّ.

ثُمَّ يُقالُ لكلِّ ما غمَضَ ودقَّ: متشابهٌ، وإن لم تقعِ الحَيرَةُ فيه من جهةِ الشَّبَهِ بغيرِه، ألا ترى أنه قد قيل للحروفِ المقطَّعةِ في أوائل السورِ: متشابهٌ، وليس الشَّكُّ فيها والوقوفُ عندها لمُشاكلتِها غيرَها، والتباسِها بها» (2).

ومن ثَمَّ، فالمشكلُ والمتشابِه الذي يغمضُ معناهما لأيِّ سببٍ مصطلحان، مترادفانِ، كلٌّ منهما يؤدي معنى الآخرِ.

والمرادُ بالمتشابه: المتشابهُ النِّسبيُّ الذي يقابل المحكمَ، وهو ما يخفى على بعضٍ دونَ بعضٍ، فمن خَفِيَ عليه المعنى المرادُ، فهو متشابهُ ومشكلٌ عنده، ومن عَلِمَ المرادَ منه زالَ عنه المشكلُ وانتفى التَّشابُه، وصارَ مُحكَمًا عنده.

وإنَّما يَرِدُ المشكلُ على العقولِ بسببِ قصورٍ في إدراكِ المعنى

(1) المخاريق: من مادة (خرق)، ومنها: الكذبُ، ولعلَّه يريدُ هذا؛ أي: أصحاب الأكاذيب، ومن هذه المادة قول اللهِ تعالى:{وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ} [الأنعام: 100]؛ أي: كذبوا واختلقوا له بنين وبنات، واللهُ أعلمُ.

(2)

تأويل مشكل القرآنِ (ص:101 - 102).

ص: 69

المرادِ، وقد كانَ السؤالُ عن المشكلِ قديمًا، إذ كلُّ ما لا يُفهَمُ مشكلٌ.

ويدخلُ فيه ما أشكلَ فهمه على الصحابةِ؛ كسؤالِهم عن معنى قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، وما وقعَ لعديِّ بنِ حاتم الطائيِّ في فهمِهِ قولَه تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، وغيرِها من الآياتِ التي سألَ الصحابةُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم عنها.

وكذا يدخلُ فيها ما أشكلَ على التَّابعينَ، وسألوا الصَّحابةَ عن معناه.

أخرجَ البُخَاريُّ (ت: 256) عن سعيد بن جُبير (ت: 95)، قال: «قال رجلٌ لابن عباس: إني لأجدُ في القرآنِ أشياءَ تختلفُ عليَّ، قال:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، {رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، فقد كتموا في هذه الآيةِ.

وقال: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} ، إلى قوله:{دَحَاهَا} [النازعات: 27 - 30]، فذكر خلق السماء قبل خلقِ الأرضِ، ثمَّ قال:{أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى قوله: {طَائِعِينَ} [فصلت: 9 - 11]، فذكر خلق الأرض قبل السماءِ، وقال تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ، {عَزِيزًا حَكِيمًا} ، {سَمِيعًا بَصِيرًا} ، فكأنَّه كان ثمَّ مضى.

فقال (1): {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101] في النَّفخةِ الأولى، ثمَّ يُنفخُ في الصُّورِ، فصعق من في السَّموات ومن في الأرض إلى من

(1) أي: ابن عباس.

ص: 70

شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون. ثمَّ في النفخةِ الآخرةِ {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصَّافات: 27].

وأما قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، فإن الله يغفرُ لأهلِ الإخلاصِ ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك عُرِفَ أنَّ الله لا يُكتَمُ حديثًا، وعنده {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} الآية (1) [النساء: 42].

وخَلَقَ الأرضَ في يومين، ثمَّ خلقَ السَّماءِ، ثمَّ استوى إلى السَّماء فسواهنَّ في يومين آخرين، ثمَّ دحا الأرضَ، ودَحْوُها: أن أخرجَ منها الماء والمرعى، وخلقَ الجبالَ والجِمالَ والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله:{دَحَاهَا} ، وقوله:{خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ، فجُعلتِ الأرضُ وما فيها من شيءٍ في أربعةِ أيَّامٍ، وخُلِقَتِ السماواتُ في يومينِ.

{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} سمَّى نفسَه ذلك، وذلكَ قولُه؛ أي: لم يزل كذلك، فإنَّ الله لم يُرِدْ شيئًا إلَاّ أصابَ به الذي أرادَ، فلا يختلفْ عليك القرآنُ، فإنَّ كلًّا من عند الله» (2).

وقد يكونُ المشكلُ في فهم المعنى المرادِ، وقد يكونُ في غير المعنى؛ أي أنَّه يكونُ في التَّفسيرِ، وفي المسائلِ المتعلِّقةِ بالتَّفسيرِ، وقد يكونُ الإشكالُ في آيةٍ، أو في جمع آيةٍ مع غيرِها، كما في الأثر الواردِ آنفًا عن حَبْرِ الأُمَّةِ ابن عبَّاسٍ (ت: 68).

* ويظهرُ أنَّ سببَ الكتابةِ في مشكل القرآن مَوجَةٌ من الزَّندقةِ التي

ص: 71

كانت تُشكِّكُ بالقرآنِ الكريمِ في نَظْمِه، أو أسلوبِه، أو أخبارِه. وقد كتب مقاتلُ بن سليمانَ (ت: 150) كتابًا في متشابه القرآنِ. وقد نقلَ منه أبو الحسين محمد بن أحمد الملطيُّ الشَّافعيُّ (ت: 377)، فقال: «قال مقاتل: أمَّا ما شَكَّتْ فيه الزنادقةُ (1) في مثلِ هذه الآيةِ ونحوها من قولِه جلَّ ثناؤه: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ *وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 35، 36]، ثمَّ قال في آية أخرى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31]، فهذا عند من يجهلُ التَّفسيرَ ينقضُ بعضه بعضًا، وليس بمنتقضٍ، ولكنهما في تفسير الخواصِّ في المواطنِ المختلفةِ.

أمَّا تفسيرُ {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ *وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 35، 36]، فأوَّلُ ما يجتمعُ الخلائقُ بعد البعثِ، فهم لا ينطقونَ في ذلك الموطن.

{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} ، قال: مقدار ستين سنة، ثمَّ يؤذنُ لهم في الكلام، فيكلِّمُ بعضُهم بعضًا. {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31] عند الحسابِ، ثُمَّ يُقالُ لهم:{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [ق: 28]، بعد الحسابِ» (2).

ويظهرُ من نقلِ الملطيِّ (ت: 377) عن كتابِ مقاتلٍ (ت: 150) أنَّ هؤلاء الزَّنادقةَ الذين ذكر اعتراضَهم، كانوا يقعون في ما يُوهِمُ

(1) لاحظ ورود مصطلح الزَّندقة في عصر أتباع التابعين، وهو من المصطلحات التي تحتاجُ إلى دراسةٍ، وهل بينه وبين المصطلح الشرعيِّ «النفاق» فرقٌ؟

(2)

التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي، تحقيق: يمان المياديني (ص:70)، وهذا في بابٍ أفرده في ذكر متشابه القرآنِ، نقله عن مقاتل.

ص: 72

الاختلافَ، وكانوا يعارضون الآيةَ بالآيةِ، ثمَّ يحكمونَ على القرآنِ بالتَّناقض، بزعمهم.

* وكتبَ فيه محمدُ بنُ المُستنيرِ، المعروفُ بقُطْرُب (ت: 206) كتابًا أسماه: «الرد على الملحدين في متشابه القرآن» (1).

ثمَّ تلاه ابن قتيبة (ت: 276)، وكتبَ كتابه «تأويل مشكل القرآن» .

ويظهرُ من كتابه هذا أنَّ قومًا من المُلحدينَ تكلَّموا في نظمِ القرآنِ ومقاصدِ معانيه، فألَّفَ هذا الكتابَ للرَّدِّ عليهم.

قال ابن قتيبةَ (ت: 276): «وقد اعترضَ كتابَ اللهِ بالطَّعنِ مُلحدونَ، ولَغَوا فيه وهَجَروا (2)، واتَّبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، بأفهامٍ كليلةٍ، وأبصارٍ عليلةٍ، ونَظَرٍ مَدْخُولٍ، فحرَّفوا الكلامَ عن مواضعِه، وعدلوه عن سُبُلِهِ ثمَّ قَضَوا عليه بالتناقضِ، والاستحالةِ، واللَّحنِ، وفسادِ النَّظمِ، والاختلافِ.

وأدْلَوا في ذلك بِعِلَلٍ، ربَّما أمالتِ الضَّعيفَ الغُمْرَ (3)، والحَدَثَ الغِرَّ (4)، واعترضت بالشُّبهةِ القلوبَ، وقَدَحَتْ بالشُّكوكِ الصُّدورَ

» (5).

وبتتبُّعِ المسائلِ التي ذكرها ابن قتيبةَ (ت: 276) عن الطَّاعنينَ، تلحظُ أنَّ عدمَ التَّأصيلِ العلميِّ، واتِّباعَ العقلِ المجرَّدِ = أصلٌ في نشوءِ هذه المسائلِ، كما لا يخلو أمرُهم من هوى أرادوا به الطَّعنَ على الإسلامِ.

كما ستجدُ أنَّ كثيرًا من هذه المسائلِ التي افتعلتها عقولُ

(1) ينظرُ فيمن ذكر هذا الكتاب: الخصائص، لابن جني (3:258)، وإنباه الرواة (3:220)، ومعجم الأدباء (19:54).

(2)

أي قالوا فيه بالسَّبِّ والقولِ والباطلِ.

(3)

الغمر: الذي لم يجرب الأمور.

(4)

الغِرُّ: المخدوع.

(5)

تأويل مشكل القرآن (ص:22).

ص: 73

الملحدين، هي في مسائلَ قد تكونُ خارجةً عن بيان المعاني إلى مسائلَ أخرى متعلِّقة بها، أو غير متعلِّقةٍ؛ كالحديثِ عن اختلافِ القراءات التي بدأ بها ابنُ قتيبةَ (ت: 276) حكايةَ أقوالِ الطاعنينَ، وكان أغلبُ اعتراضِهم الذي ذكره: عن نظمِ القرآنِ وأسلوبِه في الخطابِ، وفصاحتِه، ومقاصِدِه في التعبيرِ، ومن ذلك:

قال ابن قتيبة (ت: 276): «وقد قال قومٌ بقصورِ العلمِ، وسوءِ النَّظرِ في قوله تعالى:{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 17]: ما معنى هذا الكلامِ وما فائدتُه؟ وما في الشَّمسِ إذا مالتْ بالغداةِ والعَشِيِّ عن الكهفِ منَ الخبرِ؟

ونحنُ نقولُ: وأيُّ شيءٍ أولى بأن يكونَ فائدةً من هذا الخبرِ؟ وأيُّ معنًى ألطفُ مما أودَعَ اللهُ في هذا الكلامِ؟

وإنما أراد اللهُ عز وجل أن يُعرِّفنا لُطفَهُ للفتيةِ، وحِفْظَهُ إيَّاهم في المهجعِ، واختيارَه لهم أصلحَ المواضعِ للرُّقودِ.

فأعلمَنا أنَّه بوَّأهم كهفًا في مَقْنَأةِ الجبلِ (1)، مستقبلاً بنات نَعْشٍ (2)، فالشَّمسُ تَزْوَرُّ عنه وتستدبرُه طالعةً، وجاريةً، وغاربةً، ولا تدخلُ عليهم فتؤذيهم بِحَرِّها، وتلفحُهم بسمومها، وتغيِّرُ ألوانَهم، وتُبلِي ثيابَهم، وأنهم كانوا في فجوةٍ من الكهفِ ـ أي: متَّسعٍ منه ـ ينالُهم فيه نسيمُ الرِّيحِ

(1) المَقْنَأةُ والمَقْمأةُ: المكانُ الذي لا تطلعُ عليه الشَّمس. ينظر: مادة (قمأ)، ومادة (قنأ) في القاموس المحيط.

(2)

بنات نعش: أربعة كواكب، وثلاثة تتبعها، يقال: أربعة منها نعش، وثلاثة بنات، وقيل شُبِّهت بحملة النَّعش في تربيعها. يُنظر: المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، لابن سيده (1:230 - 231).

ص: 74

وبردُها، وينفي عنهم غُمَّةَ الغارِ وكربَه» (1).

ولئن كانت هذه بدايةَ التَّأليفِ في هذا الموضوعِ، فإنَّ الأمرَ بعدَ ذلك صارَ أعمَّ في البحثِ، ولم يكنِ المقصودُ بالتَّأليفِ فيه ردَّ الطاعنينَ وإلحاداتِهم، بل كانَ المرادُ بيانَ ما يُشكِلُ فهمُه على القارئينَ، أيًّا كان هذا المشكلُ: في معنى، أو مناسبةٍ، أو نظمٍ، أو غيرِها.

كما أدخلَ المصنِّفون في تصنيفاتِهم كثيرًا من اللَّطائفِ والمُلحِ التي تتعلَّقُ بالتفسيرِ.

ومن المؤلفاتِ في مشكلاتِ القرآنِ ـ غير ما ذكرتُه من تأليفِ مقاتل بن سليمان (ت: 150)، وقطرب (ت: 206)، وابن قتيبةَ (ت: 276) ـ ما يأتي:

1 -

وضح البرهان في مشكلات القرآن، لبيان الحقِّ محمود بن أبي الحسن النيسابوريِّ (ت: 555 تقريبًا) (2).

2 -

فوائد في مشكل القرآن، لعزِّ الدين عبد العزيز بن عبد السَّلام (ت: 660) (3).

(1) تأويل مشكل القرآن (ص:9).

(2)

حقَّقه صفوان داوودي في مجلدين، ثمَّ وقفت بعد كتابةِ هذا البحثِ على تحقيق للباحثة: سعاد بنت صالح بن سعيد بابقي، وعنوان الكتاب عندها: باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن. ينظر: مقدمة تحقيق كتاب باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن (ص:301 - 305) عن تحقيق هذا العنوان للكتاب.

وهذا الكتابُ يغلبُ عليه ذكرُ المعاني. وفيه كثيرٌ من المشكلِ، ولو كان عنوانه مخصوصًا بالمعاني لكان أصدق على هذا المؤلَّفِ، لأنَّ من كتب في المعاني يتعرَّضُ للمشكلِ، أمَّا المشكلُ فيتعلَّقُ بما يقعُ فيه الإشكالُ لا غير، والله أعلمُ.

(3)

مطبوع بتحقيق: الدكتور سيد رضوان علي الندوي.

ص: 75

3 -

فتح الرحمن بكشف ما يلتبسُ في القرآن، لأبي يحيى زكريا الأنصاري (ت: 926) (1).

4 -

تيجان البيان في مشكلات القرآن، لمحمد أمين بن خير الله الخطيب العمريِّ (ت: 1203) (2).

5 -

مشكلات القرآن، لمحمد أنور شاه الكشميري (ت: 1352) (3).

6 -

دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، لمحمد الأمين الشنقيطي (ت: 1393) وهو من أنفس الكتب في هذا الباب.

وهذه الكتبُ قَصَدَت البحثَ عن مشكلِ القرآنِ، كما هو ظاهرٌ من عناوينِها.

وقد تجدُ في كتبٍ أخرى بحوثًا مقصودةً في المشكلِ، وإن لم يقع لها هذا الاسمُ؛ ككتابِ الروضِ الرَّيَّانِ في أسئلةِ القرآنِ، لشرف الدِّينِ الحسينِ بنِ سليمانَ الرَّيَّان (ت: 770)، الذي قال عن كتابِه: «

جَمَعْتُ كِتَابًا فِيهِ أسْئِلَةٌ حَوتْ

جَوَاهِرَ مِنْ لَفْظِ الكِتَابِ المنَزَّل

وأتْبَعْتُهَا مِنْ بَعْدِ تَقْرِيرِ حُكْمِهَا

بِأجْوِبَةٍ قَدْ أوضَحَتْ كُلَّ مُشْكِل

» (4).

ومن الأمثلة الواردة في هذا الكتاب، ما ورد في تفسير قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ

(1) مطبوع بتحقيق: محمد علي الصابوني.

(2)

مطبوع بتحقيق: حسن مظفر الرزو.

(3)

مطبوع مع مقدمة مفيدة وتعليقات عليه، لمحمد بن يوسف البنوري.

(4)

الروض الريان في أسئلة القرآن، للحسن بن سليمان الريان، تحقيق: عبد الحليم بن محمد نصار السلفي (ص:2).

ص: 76

لَيْلَةً} [الأعراف: 142]، قال: «سؤالٌ: فما الفائدةُ في {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ، فهو كلامٌ عارٍ من الفائدة؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ يعلمُ أنَّ الثلاثينَ مع العشرة تكونُ لأربعين؟

جوابٌ: فيه إزالةُ التَّوهُّمِ أن تكونَ العشرة من نفسِ الثلاثين، فلما ذكر الأربعينَ زالَ الإيهامُ» (1).

ومثلُه: كتابُ أنموذج جليل في أسئلةٍ وأجوبةٍ من غرائب التَّنزيل، لمحمد بن أبي بكر الرازيِّ (ت: 666) (2)، فهو يحوي شيئًا من مشكلِ القرآنِ مع كثيرٍ من لطائفَ ومُلَحٍ تتعلَّقُ بالتَّفسيرِ.

وقد قال في مقدِّمةِ كتابه: «هذا مختصرٌ جمعتُ فيه أُنموذجًا يسيرًا من أسئلةِ القرآنِ المجيدِ وأجوبتِها» (3).

ومن الأمثلةِ في هذا الكتابِ: «فإن قيلَ: ما فائدة قوله تعالى: {الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]؟

قلنا: هو تأكيدٌ، كما في قوله تعالى:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}

(1) الروض الريان في أسئلة القرآن، للحسين بن سليمان الريان، تحقيق: عبد الحليم بن محمد نصار السلفي (1:67).

(2)

أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الرازي، صاحب كتاب «مختار الصحاح» ، توفي سنة (666).

(3)

أنموذج جليل في أسئلةٍ وأجوبةٍ من غرائب التنزيل، لمحمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق: الدكتور محمد رضوان الداية (ص:17).

وقد ذكر أن من أسباب تأليفه هذا الكتاب مذاكرة أخ من إخوان الصفا في دين الله ومحبة كتابه، مذاكرته له في معاني القرآن، وكان شديد البحث والسؤال عنها، وهذا من أسبابِ إيرادِ المشكل وحلِّه، ولهذا جمع بهذا الأسلوب ألفًا ومائتي سؤالٍ كما قال.

ص: 77

[الأنعام: 38]، وقوله تعالى:{يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} [الفتح: 11]، وما أشبه ذلك

» (1).

وقد سبقَ في أوَّلِ الكلامِ الإشارةُ إلى أنَّ مصطلحَ المُشكلِ يرادفُ مصطلحَ «المتشابه النِّسبيِّ» ، وهو ما قد يخفى على بعضِ النَّاسِ، ويعلمُه غيرُهم، وهذا يدخلُ فيه ما كان غموضُ معناه بجمعه مع آيةٍ أخرى، أو غموضُه بذاتِه؛ أي أنَّ ضابطَ عدِّ الآيةِ من المتشابهِ النِّسبيِّ هو خفاءُ المعنى على طالبِهِ.

والمتشابه هنا يقابلُ المحكمَ، والمحكمُ: ما لا خفاءَ في معناه، فما كان معناه ظاهرًا لك، فهو بالنِّسبةِ لك محكمٌ، وما كان فيه خفاءٌ وغموضٌ، فهو متشابِه عندكَ.

وقد كان للاعتقادِ أثرٌ في مفهومِ المحكمِ والمتشابهِ، وتحديدِ آياتهما، وقد نتجَ عن ذلك أنَّ المحكمَ عند قومٍ قد لا يكونُ محكمًا عند غيرِهم، لتأثُّرِه بالمعتقدِ الذي يعتقدُه المفسِّرُ، فمعاني آيات الصِّفاتِ الإلهيَّةِ يعدُّها بعضهم من المتشابه، وهي ليست كذلك، وسببُ عدِّها من المشابِه الاعتقادُ الذي يقولُ به المفسِّرُ لهذه الصِّفاتِ (2).

ومن أشهرِ الكتبِ التي حملتْ هذا العنوانَ، وكتبت فيه على هذا

(1) أنموذج جليل في أسئلةٍ وأجوبةٍ من غرائب التنزيل، لمحمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق: الدكتور محمد رضوان الداية (ص:347).

(2)

في الصفات جانبانِ: الأول: المعنى، وهذا معلومٌ، فإن جهلَ أحدٌ بعض المعاني، فما يجهلُه منها من المتشابه النِّسبيِّ.

والثاني: الكيفُ، وهذا غير معلومٍ؛ لأنَّ الله لم يُطْلِعْنا عليه، وهذا من المتشابه الكليِّ، بسببِ الجهلِ التَّامِّ به. والذين يجعلونها من المتشابه، يريدونَ هذا، وهم لا يفرِّقون بين المعنى والكيف، بل يجعلونها كلها من المتشابه.

ص: 78

المفهومِ المخالفِ، كتابُ متشابهِ القرآنِ، للقاضي عبدِ الجبَّارِ الهَمَذَانِيَّ المعتزلِيَّ (ت: 415)، وهو على منهجِ المعتزلةِ، وقد اعتمدَ قاعدة الأدلَّةِ العقليَّةِ ـ كما هو الحالُ بزعم المعتزلة ـ وجَعَلَها الحاكمَ في المحكمِ والمتشابهِ فقال: «

ولهذه الجملة يجب أن يُرَتَّبَ المحكمُ والمتشابهُ جميعًا على أدلَّةِ العقولِ، ويُحكم بأن ما لا يحتملُ إلَاّ ما تقتضيه هذه الجملةُ يجبُ أن يكونَ محكمًا، وما احتملَ هذا الوجه وخلافَه، فهو المتشابهُ. فأقوى ما يُعلمُ به الفرقُ بينَ المحكمِ والمتشابهِ أدلَّةُ العقولِ

» (1).

وهذا الموضوعُ يحتاجُ إلى بسطٍ آخرَ، والمرادُ هنا الإشارةُ إلى أنَّ هذا النوعَ من المتشابهِ يرادفُ علمَ المشكلِ، والله الموفق.

(1) متشابه القرآن، للقاضي عبد الجبار، تحقيق: الدكتور عدنان زرزور (1:7 - 8).

ص: 79