الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: كتب غريب القرآن
ليس المرادُ بالغريبِ: ما كانَ غامض المعنى دون غيره، وإنَّما المرادُ به: تفسيرُ مفرداتِ القرآنِ عمومًا (1)، فكتبُ غريبِ القرآنِ تُعْنَى بدلالةِ ألفاظِه، دونَ غيرِها من المباحثِ المتعلقةِ بالتَّفسيرِ أو المعاني.
وهو جزءٌ من علمِ معاني القرآنِ؛ لأنَّ علمَ معاني القرآنِ يقومُ على بيانِ المفرداتِ أوَّلاً، ثُمَّ يُبيِّنُ المعنى المرادَ بالآيةِ، مع الاعتناءِ بأسلوبِ العربِ الذي نزلَ به القرآنُ.
وقد دُوِّنَ في هذا قَديمًا، ومِمَّن ذُكِرَ له فيه تدوينٌ: زيد بن علي (ت: 120)(2)، الذي تُنسبُ له الفرقة الزيديَّة وأبان بن تغلب الجريري الشِّيعي (ت: 141).
(1) يخرج من هذا ما لا يُجهَلُ معناه؛ كالأرض والسماء والماء وغيرها، فإنها مما لا يحتاج إلى بيانٍ.
(2)
طُبِعَ كتابه بتحقيق الدكتور حسن محمد تقي الحكيم. وفي نسبةِ هذا الكتابِ إلى زيد بن علي رحمه الله نظرٌ؛ لأنَّ الراوي عنه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وقد كان متروك الحديث كذابًا. ينظر: الجرح والتعديل (6:230). ولا يبعد =
وقد حرصت على تتبُّعِ أقوالِهما في كتب التَّفسيرِ، فظفرتُ بنقلٍ قليلٍ جدًّا عنهما، وما كان عن أبان بن تغلب الجريريِّ (ت: 141)، فهو أقلُّ (1).
أمَّا ما وجدته منقولاً عن زيد بن عليِّ (ت: 120)، فهو يخالفُ ما وردَ في غريب القرآن المطبوعِ المنسوبِ إليهِ (2).
= أن يكونَ في الكتابِ بعض تفسيراتٍ لزيدٍ، ويكون أبو خالد الواسطيُّ زاد عليها، ونسبها إلى زيد، واللهُ أعلمُ.
(1)
وجدت في تفسير القرطبيِّ تفسيراتٍ لأبان بن تغلب، ولم ينصَّ فيه على كتابه غريب القرآن. وهذه التفسيرات في (1:411)، (7:397)، (8:88)، (10:337)، (13:65).
(2)
ينظر في نقلِ بعض المفسرين لتفسيرات زيد بن علي ما يأتي:
1 -
تفسير قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26]، فقد ورد عنه في تفسيرِها اختلافٌ، فعند ابن أبي حاتم (5:1458): «الإسلام» ، وعند البغوي (2:155): «الآلات التي يتقى بها في الحرب؛ كالدرع والمغفر والساعد والساقين» ، وكذا هو عند القرطبي (7:185). وعند ابن كثيرٍ (3:401): «الإيمان» ، وفي تفسير غريب القرآن المطبوع (ص:139): «الحياء» .
2 -
في تفسيرِ قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} [التوبة: 41]، ورد عند القرطبي (8:150): «مشاغيل وغير مشاغيل» ، وفي تفسير غريب القرآن (ص:151): «فالخفيف: الشَّابُّ، والثِّقال: الشيوخ» .
3 -
وفي تفسير المرض، قال:«المرض مرضان: فمرض زنا، ومرض نفاق» . الدر المنثور (6:599)، وليس في تفسير آية الأحزاب في المطبوع من تفسير غريب القرآن تفسير لهذا (ص:255).
4 -
وفي تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37]، عند القرطبي (14:353)، عن زيد بن علي قال:«الرسول» . وفي تفسير غريب القرآن: «معناه: الشَّيب» .
5 -
وفي تفسير اسم الله المؤمن، قال: «إنما سمَّى نفسه مؤمنًا؛ لأنه آمنهم من =
وهذا العلم مما أكثرَ اللُّغويُّون من التَّصنيفِ فيه، وممن كتبَ منهم فيه: أبو فيد مؤرِّجُ بن عمرو السَّدوسيُّ (ت: 195)(1)، والنَّضرُ بنُ شُميلٍ (ت: 203) (2)، وأبو عبيدةَ معمرُ بنُ المثنَّى البصريُّ (ت: 210)، والأخفشُ (ت: 215) (3)، وابن قُتيبةَ الدينوريُّ (ت: 276)، وغيرهم.
ويعد كتابُ مجازِ القرآنِ، لأبي عبيدةَ من أشهرِ كتبِ غريبِ القرآنِ، وأكثرِها أثرًا في من جاء بعده، كما يتميَّزُ بكثرةِ الشَّواهدِ الشِّعريَّةِ.
وقد لَقِيَ كتابُه استنكارًا من علماء عصرِه؛ إذ لم يكن هذا النَّوع من التَّأليفِ المتعلِّقِ بالقرآنِ معروفًا لديهم، وفي هذا ما يُشعِرُ بأوَّليَّتِه في التَّأليفِ في هذا البابِ، وإلَاّ لِمَ لَمْ يقع الاستنكارُ على من سبقه في هذا البابِ؟!
وفي جواب ذلك احتمالانِ:
الأول: أن يُقالَ: إنَّ من سبقَه لم يشتهرْ ويظهرْ تأليفُه إلَاّ متأخِّرًا.
= العذاب». الدر المنثور (8:123)، ولم يرد تفسيره في سورة الحشر من كتاب تفسير غريب القرآن (ص:329).
واعلم أنَّ أغلب ما يُنقلُ عن زيد بن علي القراءةُ، وهي محكيَّةٌ في كتب التفسيرِ كثيرًا.
(1)
هذا الكتابُ رواه الثعلبي بسنده إلى المؤلف، وهو أحد الكتب التي اعتمدها في مقدمة تفسيرِه. ينظر: مخطوط الكشف والبيان، نسخة المحمودية بمكتبة المدينة المنورة (لوحة: 11). وينظر: إنباه الرواة (3:327، 330).
(2)
هذا الكتابُ رواه الثَّعلبي بسنده إلى المؤلف، وهو أحد الكتب التي اعتمدها في مقدمة تفسيرِه. ينظر: مخطوط الكشف والبيان، نسخة المحمودية بمكتبة المدينة المنورة (لوحة: 11).
(3)
ينظر: طبقات النحويين واللغويين (ص:73)، وهو من الكتبِ التي رواها الثعلبي بسنده إلى المؤلف. ينظر: مقدمة تفسيرِ الكشف والبيان، مخطوط، نسخة المحمودية، بمكتبة المدينة المنورة (لوحة: 11).
الثاني: أن يُقالَ: إنَّه لم يخرجْ عن أسلوبِ التَّأليفِ السَّائدِ آنذاك، وهو الروايةُ عن مفسِّري السَّلفِ (1).
وتشعرُ الرِّوايةُ الواردةُ عن الجرميِّ (ت: 225)(2) بهذه الأوَّليَّةِ، قال: «أتيتُ أبا عبيدةَ بشيءٍ منه [يعني: مجاز القرآن]، فقلت له: عمَّنْ أخذتَ هذا يا أبا عبيدة؟ فإنَّ هذا خلافُ تفسيرِ الفقهاءِ (3).
فقال لي: هذا تفسيرُ الأعرابِ البوَّالينَ على أعقابهم، فإنْ شِئتَ فخذْهُ، وإنْ شئتَ فَذَرْهُ» (4).
وهذا يعني أنَّ الأسلوب الذي انتهجه أبو عبيدة (ت: 210)، لم يكن هو الأسلوب الموافقَ لأسلوب التَّفسير في عصره، الذي كان التَّفسيرُ فيه يقوم على الرِّوايةِ عن الفقهاء؛ أي: المفسِّرين.
وتكثر الشَّواهدُ الشِّعريَّةُ في كتبِ غريبِ القرآنِ؛ ككتابِ مجازِ القرآنِ لأبي عبيدة (ت: 210)، وغريبِ القرآنِ لابن قتيبة (ت: 276)، ومفرداتِ ألفاظِ القرآنِ للراغب الأصفهاني (ت: بعد 400)، وغيرها.
(1) لا يُعارض هذا الاحتمال بكتاب زيد بن علي؛ لأنه لو ثبتَ له، فإنه مسندٌ إليه، وهو من علماءِ أتباع التابعين، ويكونُ كتابهُ كالرواية التي تروى عن ابن زيد وابن جريج وغيرهما، فيكونُ الإسناد فيها متحقِّقًا. وكذا هو يختلفُ عن منهجِ أبي عبيدة اللُّغويِّ الذي اعتمدَ الشَّاهدَ العربيَّ في كتابِه، واللهُ أعلمُ.
(2)
صالح بن إسحاق البجلي، أبو عمر الجرمي، أخذ عن الأخفش وأبي عبيدة والأصمعي وطبقتهم، كان ذا دين وورع، وله كتبٌ في النحو ككتاب الأبنية، توفي سنة (225). ينظر: طبقات النحويين واللغويين (ص:74 - 75)، وإنباه الرواة (2:80 - 83).
(3)
يقصد المفسرين.
(4)
طبقات النحويين واللغويين (ص:167).
واستفادتها من الشَّواهد الشِّعريَّةِ في بيانِ ألفاظِ القرآنِ أغزرُ من كتبِ معاني القرآنِ التي يكثرُ فيها الشَّاهدُ النَّحويُّ.
وقد سارت المؤلفاتُ في غريبِ القرآنِ في ترتيبِها على طريقتين:
الأولى: السَّيرُ على ترتيب الألفاظِ في السورِ، مبتدأةً بسورة الفاتحة، ومختتمةً بسورةِ النَّاس، وعلى هذا التَّرتيبِ سارَ أبو عبيدة (ت: 210) وابن قتيبةَ (ت: 276)، وابن التركماني (ت: 750) في بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب.
الثانية: ترتيبُ الألفاظِ القرآنيَّة على الحروفِ الهجائيَّةِ، وغالبُها سارَ على الترتيبِ الألفبائي؛ ككتابِ مفرداتِ ألفاظِ القرآنِ، للرَّاغبِ الأصفهانيِّ (ت: بعد 400) (1)، وكتابِ تحفةِ الأريبِ بما في القرآنِ من الغريبِ، لأبي حيان الأندلسيِّ (ت: 745) (2)، وكتابِ عمدة الحفاظِ في تفسيرِ أشرفِ الألفاظِ، للسَّمينِ الحلبيِّ (ت: 756) (3)، وغيرها.
وكتب أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الرَّازيُّ (ت: 666)، صاحب كتابِ مختار الصِّحاحِ، كتابًا في غريبِ القرآن (4)، ومشى فيه على طريقة الباب والفصلِ، أو ما يُسمَّى بنظامِ التَّقفيةِ، وهو ترتيبُه على أواخرِ الكلمةِ، ثمَّ ترتيبُ ما ورد فيها على الألف ثم الباء وهكذا:(بدأ، برأ، بطأ، بوأ)، وهكذا إلى آخر الكتابِ.
(1) له عدَّةُ طبعاتٍ، من أجودها ما حقَّقه صفوان داوودي.
(2)
طبع بتحقيق: سمير المجذوب.
(3)
خرَّجه محمود السيد الدغيم مخطوطًا، وله عليه بعض التَّعاليق، وقد حقَّقَه الدكتور محمد التونجي في أربعة مجلداتٍ.
(4)
طبع بتحقيق: الدكتور حسين المالي.
وانفرد ابنُ عُزَيزٍ السِّجستانيُّ (ت: 330) بترتيب موادِّ كتابِه ترتيبًا لم يُسبق إليه، حيث رتَّب كتابه على الحروفِ غير معتدٍّ بأصل الكلمةِ، وبدأ بالمفتوحِ، فالمضمومِ، فالمكسورِ، ورتَّبَ الألفاظَ في كلٍّ حسبَ ورودها في السُّورِ، وهذه الطَّريقةُ يصعبُ فيها الوصولُ إلى اللَّفظِ، كصعوبةِ هذا التَّرتيب الذي سارَ عليه، ولم يتبعْهُ أحدٌ في التَّأليفِ على هذه الطَّريقةِ.
ومن الأمثلة في ذلك: باب الشين المكسورة، فقد أوردَ فيها الألفاظَ الآتيةَ:
{لَا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة: 71].
{شِقَاقٍ} [البقرة: 137].
{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].
{شِيَعًا} [الأنعام: 65].
{شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18].
{بِشِقِّ الأَنْفُسِ} [النحل: 7].
{لَشِرْذِمَةٌ} [الشعراء: 54].
{شِرْبٌ} [الشعراء: 155].
{شِيعَتِهِ} [القصص: 15].
{الشِّعْرَى} [النجم: 49](1).
ومن الأمثلةِ، تفسيرُ مدرار، وقد ورد في ثلاثة مواضع:
(1) ينظر: غريب القرآن، لابن عُزيز، تحقيق: أحمد صلاحية (ص:236 - 237).
في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} [الأنعام: 6].
وقوله تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: 52].
وقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11].
قال أبو عبيدة (ت: 210): «مدرارًا؛ أي: غزيرةً دائمةً، قال الشاعر:
وَسَقَاكَ مِنْ نَوءِ الثُّرَيَّا مُزْنَةٌ
…
غَرَّاءُ تَحْلِبُ وَابِلاً مِدْرَارًا
أي: غزيرًا دائمًا» (1).
وقال ابن قتيبة (ت: 276): «مدرارًا بالمطر؛ أي: غزيرًا، من درَّ يَدِرُّ» (2).
وقال الرَّاغبُ الأصفهانيُّ (ت: بعد 400): «وأصله من الدَّرِّ والدِّرَّةِ؛ أي: اللَّبنِ، ويستعارُ ذلك للمطرِ
…
» (3).
وقال أبو بكر الرَّازيُّ (ت: 666): «مدرارًا: كثير المطرِ؛ أي: عند الحاجةِ، وهو مفعالٌ، من درَّ الماء واللَّبنُ: إذا سال بكثرةٍ، وهو من أوزانِ المبالغةِ، ومن أوزانِ التي يستوي فيها المذكَّرُ والمؤنَّثُ فلهذا لم يقلْ: مِدْرَارة» (4).
(1) مجاز القرآن (1:186). وينظر: الموضح في تفسير القرآن، لأبي النصر السمرقندي (ص:47). والبيت لجرير، وهو في ديوانه (ص:162).
(2)
تفسير غريب القرآن (ص:150).
(3)
مفردات ألفاظ القرآن، للراغب، تحقيق: صفوان داوودي (ص:310).
(4)
تفسير غريب القرآن العظيم، لأبي بكر الرازي، تحقيق: الدكتور حسين المالي (ص:207).
ومما يحسنُ لفتُ النَّظرِ إليه: أنَّ مفسِّري السَّلفِ قد سبقوا اللُّغويِّينَ في بيان غريبِ القرآنِ الكريمِ، وهم العُمْدَةُ في هذا البابِ.
وأنَّ ابن قُتَيبَةَ (ت: 276) كانَ من أكثرِ اللُّغويِّين الذين اهتموا بنقلِ مأثورِ السَّلفِ، وإن لم يكنْ يصرِّح بالمنقول عنه.
وأنَّ علم غريبِ القرآنِ من أوَّلِ علومِ التَّفسيرِ التي يجبُ أن يتعلَّمه طالبُ علمِ التَّفسيرِ.
كما أنَّه يجبُ عليه مراعاةُ الاختلافِ الكائنِ بسببِ تعدُّدِ دلالةِ المفردةِ في اللُّغةِ، والنَّظر في احتمالِ النَّصِّ لها من عدمِه على حسبِ المقامِ في ترجيحِ أحدِ المحتملاتِ اللُّغويَّةِ.
وأيضًا يجبُ عليه مراعاةُ اختلافِ القراءات في المفردات، ومن ذلك الاختلافُ في قوله تعالى:{لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} [النحل: 62]، فقد وردَ في لفظِ «مفرطون» قراءات:
الأولى: مُفْرَطُونَ، بفتح الرَّاء على المفعوليَّة، والمعنى: أنَّهم منسيون متروكونَ مهملون، أو معجَّلونَ إلى النَّارِ.
الثانية: مُفْرِطُون، بكسر الرَّاء على الفاعليَّةِ، والمعنى: أنَّهم متجاوزون الحدَّ ومسرفون على أنفسِهم بارتكابِ المعاصي.
الثالثةُ: مُفرِّطونَ، بكسرِ الرَّاءِ وتشديدِها على الفاعليَّةِ، والمعنى: أنَّهم مقصِّرونَ فيما يجبُ عليهم من الطَّاعةِ (1).
(1) ينظر: تفسير الطبري، طـ: الحلبي (14:127 - 129)، والقراءات وعلل النحويين فيها (1:306 - 307)، وإعراب القراءات، لابن خالويه (1:356).