المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حتى الآن. وصارت مدينة "عدن" ومدينة "قنا" من أهم المرافئ - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٦

[جواد علي]

الفصل: حتى الآن. وصارت مدينة "عدن" ومدينة "قنا" من أهم المرافئ

حتى الآن. وصارت مدينة "عدن" ومدينة "قنا" من أهم المرافئ على الساحل الجنوبي1.

هذا ولا بد لي هنا من الإشارة إلى كتابة حبشية ناقصة عثر عليها "أحمد فخري" سنة "1947م" بمأرب، فيها إشارة إلى دخول الحبشة إلى اليمن وإن لم ينص على ذلك نصًّا. ويظن أنها تشير إلى استيلاء "إلا أصبحة" النجاشي على اليمن سنة "525" للميلاد. وانتصاره على "ذي نواس"2.

ويظهر من هذه الكتابة أن حملة الحبش على اليمن نقلت في قافلتين من السفن: تحركت القافلة الأولى بقيادة النجاشي الذي كان قد احتجز سفينة خاصة به، فعبرت به باب المندب ورست عند ساحل اليمن. وكانت سفينة النجاشي أول سفينة بلغته، ثم تلتها بقية السفن. وقد سقط من الكتابة اسم الموضع الذي رست السفن فيه، ولعله "مخا". فوقعت معارك بين الحبش وبين الحميريين، انتصر فيها الأحباش فأخذوا أسرى وغنائم. ولما كان النص ناقصًا وقد طمست من الكتابة الباقية منه كلمات، فقد صار غامضًا مقتضبًا، لا يفهم منه إلا إشارات3.

1 Beitrage، S. 88

2 Die Araber، III، S. 24

3 Die Araber، III، S. 24

ص: 170

‌أبرهة:

و abraham و abramios، هما اسمان لمسمى واحد، أريد به "أبرهة" المشهور عند أهل الأخبار الذي اغتصب الملك باليمن، ونصب نفسه حاكمًا عليها، ولقب نفسه بألقاب الملوك، وإن اعترف اسميًّا بأنه "عزلي ملكن أجعزين"، أي "نائب ملك الأجاعزة" على اليمن1. وحكم اليمن أمدًا. وترك في نفوس اليمانيين أثرًا قويًّا.

ويرى بعض الباحثين أن "كالب أيلا أصبحة"، كان قد أرسل حملة سنة "523" للميلاد على اليمن، حملتها إليها سفن بيزنطية، نزلت في البلاد وتغلبت على "ذي نواس" فهرب "ذو نواس" من "ظفار"، ثم عاد فباغت

1 راجع السطر الخامس من النص.

ص: 170

الحبش وأنزل بهم خسائر كبيرة، واضطهد النصارى وعذبهم. فحمل النجاشي على إرسال حملة جديدة عليه نزلت اليمن سنة "525" للميلاد. وصارت في أيدي الحبش حتى سنة "530" للميلاد. إذ قامت ثورة على الحبشة، وانتهز "أبرهة" الفرصة، فأخذ الأمر بيديه، وبقي حاكمًا على اليمن منذ هذا الوقت تقريبًا حتى سنة "575" للميلاد. وكان قد انتزع الحكم من "السميفع أشوع"، الذي نصبه الحبش ملكًا على اليمن حين دخولهم إليها وعينوا رجلين من الحبش يحكمان معه ويراقبان أعماله لئلا يقوم بعمل يضر مصالحهم1.

ولأهل الأخبار روايات عن كيفية استئثار "أبرهة" بالحكم واغتصابه له.

لهم رواية تقول: إنه جاء إلى اليمن جنديًّا من جنود القائد الحبش "أرياط" الذي كلفه نجاشي الحبشة بفتح اليمن، فلما أقام باليمن سنين، نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي، حتى تفرقت الحبشة، وخرج أبرهة على طاعة قائده، ثم غدر به وأخذ مكانه2. ورواية أخرى، تقول إن النجاشي أرسل جيشًا قوامه سبعون ألفًا، جعل عليه قائدين، أحدهما: أبرهة الأشرم3. فلما ركب ذو نواس فرسه واعترض البحر فاقتحمه وهلك به، نصب أبرهة نفسه ملكًا على اليمن، ولم يرسل له شيئًا، فغضب النجاشي ووجه إليه جيشًا عليه رجل من أصحابه، يقال له أرياط، فلما حل بساحته، بعث إليه أبرهة:"أنه يجمعني وإياك البلاد والدين، والواجب علي وعليك أن ننظر لأهل بلادنا وديننا ممن معي ومعك، فإن شئت فبارزني، فأينا ظفر بصاحبه كان الملك له، ولم يقتل الحبشة فيما بيننا".

فرضي بذلك أرياط، وأجمع أبرهة على المكر به، فاتعدا موضعًا يلتقيان به، وأكمن أبرهة لأرياط عبدًا يقال له:"أرنجده، في وهدة قريب من الموضع الذي التقيا فيه، فلما التقيا سبق أرياط فزرق أبرهة بحربته، فزالت الحربة عن رأسه وشرمت أنفه، فسمي الأشرم، ونهض أرنجده من الحفرة، فزرق أرياط فأنفذه، فقتله"4. وأخذ أبرهة الحكم لنفسه، واستأثر به.

1 J. Ryckmans، L'Inst، P. 320، Grohmann، S. 31

2 الطبري "2/ 125""دار المعارف".

3 الطبري "2/ 127""دار المعارف".

4 ويذكر الطبري في خبر آخر أن اسم العبد الذي قتل أرياط "عتودة" الطبري "2/ 128، 129".

ص: 171

وتذكر رواية أخرى، أن النجاشي كان قد وجه أرياط أباصحم "ضخم" في أربعة آلاف إلى اليمن، فأداخها وغلب عليها. فأعطى الملوك، واستذل الفقراء، فقام رجل من الحبشة يقال له أبرهة الأشرم أبو يكسوم، فدعا إلى طاعته. فأجابوه، فقتل أرياط، وغلب على اليمن1.

وتذكر رواية أن "أرياط" أخرب مع ما أخرب من أرض اليمن سلحين وبينون وغمدان، حصونًا لم يكن في الناس مثلها. ونسبوا في ذلك شعرًا إلى "ذي جدن"، زعموا أنه قاله في هذه المناسبة2. ويظهر من روايات أخرى أن تلك الحصون بقيت إلى ما بعد أيامه، وذكر أن "أرياط" كان فوق أبرهة، أقام باليمن سنتين في سلطانه لا ينازعه أحد، ثم نازعه أبرهة الحبشي الملك3.

وتجمع روايات أهل الأخبار على أن النجاشي غضب على أبرهة لما فعله باليمن ولا أقدم عليه من قتل أرياط، وأنه حلف ألا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده، ويجز ناصيته، ويهرق دمه. فلما بلغ ذلك أبرهة، كتب إلى النجاشي كتابًا فيه تودد واعتذار وتوسل واسترضاء. فرضي النجاشي عنه، وثبته على عمله بأرض اليمن4.

ولما استقام الأمر لأبرهة باليمن، بعث إلى "أبي مرة بن ذي يزن"، فنزع منه امرأته "ريحانة ابنة علقمة بن مالك بن زيد بن كهلان"، و"علقمة" هو ذو جدن. وكانت ولدت لأبي مرة معديكرب بن أبي مرة، وولدت لأبرهة بعد أبي مرة مسروق بن أبرهة، وبسباسة ابنة أبرهة. وهرب منه أبو مرة5.

ولأبرهة ذكر وشهرة في كتب أهل الأخبار والتأريخ. وقد ورد اسمه في الشعر الجاهلي، وضرب به المثل في القوة والصيت والسلطان، حتى لنجد أهل الأخبار يذكرون أسماء جملة أشخاص دعوهم "أبرهة" ذكروا أنهم حكموا اليمن.

1 الطبري "2/ 137""دار المعارف"، أخبار مكة، للأزرقي "1/ 81 وما بعدها"، "1/ 88"، "طبعة خياط".

2 الطبري "2/ 125"، "دار المعارف".

3 أخبار مكة، للأزرقي "1/ 87"، "خياط"، الطبري "2/ 128""سنين"، "دار المعارف".

4 الطبري "2/ 128 وما بعدها""دار المعارف".

5 الطبري "2/ 130""دار المعارف".

ص: 172

والظاهر أن الشهرة التي بلغها في أيامه وغزوه القبائل العربية واستعماله القسوة معها، أحاطته بهالة في أيامه تضخمت فيما بعد، فأحيط بقصص وأساطير وصير من اسمه جملة حكام حكموا باسم "أبرهة".

فقد ذكروا اسم "أبرهة تبع ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ" وكان يقال له "الرائد"1. وجعلوا لأبرهة هذا ولدين، هما: إفريقس، والعبد ذو الأذعار. وأولد إفريقس شمر يرعش2. وذكروا "أبرهة" آخر، قالوا له: "أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة" وسمي "الهمداني" جملة رجال "أبرهة"، وأدخلهم في "الأصابح"3. ويظهر من دراسة اسم "أبرهة" ونعته في الحبشية أن الأخباريين أخذوا فصيروا منها أسماء عربية ربطوا بينها وبين تأريخ اليمن كما فعلوا مع أشخاص آخرين.

وقد ضرب "لبيد بن ربيعة العامري" المثل بـ"أبي يكسوم" وهو أبرهة في وجوب الاتعاظ بهذه الدنيا الفانية التي لا تدوم لأحد، فقال:

لو كان حي في الحياة مخلدًا

في الدهر ألقاه أبو يكسوم4.

والتبعان كلاهما ومحرق

وأبو قيس فارس اليحموم5.

وقد ترك أبرهة وثيقة مهمة على جانب خطير من الأهمية، وهي النص الذي وسم بـglaser 618 وبـcih 541 عند الباحثين في العربيات الجنوبية6. وهي ثاني نص طويل يصل إلينا من اليمن، يتألف من "136" سطرًا ومن حوالي "470" كلمة7 وتبحث عن ترميم سد مأرب ذي المكانة الخالدة في القصص

1 الطبري "2/ 566""دار المعارف"، "2/ 111".

2 الإكليل "2/ 53".

3 الإكليل "3/ 143".

4 ديوان لبيد "ص108""الكويت 1962م".

5 الإكليل "2/ 159".

6 Glaser 618، (+ 553 + 555 + 556) ، CIH 541، CIH، IV، II، III، P. 278، Glaser، Zwei Inschriften uber den Dairimbruch von Mareb، in Mlttellungen der Vorderasiatlschen Gesellschaft، ، 1897، S. 390، Seper.، S. 31-126، Ryckmans، 506، Jamme 546، A. J. Drewes، Inscriptions de L'Ethlople Antique، 1962، 71، 1961، 65.

7 Handbuch، S. 106، Die Araber.J، S. 587، Le Museon، 66، 1953، P. 340، Beeston، In BSOAS، 16، 1954

ص: 173

العربي وتجديده مرتين، وذلك في أيام أبرهة. المرة الأولى في شهر "ذو المدرح" من سنة "657" من التأريخ الحميري المقابلة لسنة "542" للميلاد، والثانية في شهر "ذو معان""ذ معن" من سنة "658" من التأريخ الحميري، أي في سنة "543" من الميلاد1.

وقد افتتح النص بالعبارة الآتية: "بخيل وردا ورحمت رحمنن ومسحو ورح قدس سطر ذن مزندن، إن أبره عزلي ملكن أجعزين رمحز زبيمن ملك سبأ وذ ريدن وحضرموت ويمنت وأعربهموا طودم وتهمت"2 أي "بحول وقوة ورحمة الرحمن ومسيحه وروح القدس سطروا هذا الكتابة. إن أبرهة نائب ملك الجعزيين رمحز زبيمان ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت وأعرابها في النجاد وفي تهامة".

ويلاحظ أن أبرهة قد لقب نفسه في هذا النص باللقب الرسمي الذي كان يتلقب به ملوك حمير قبل سقوط دولتهم، مع أنه كان "عزلي ملكن أجعزين"، أي نائب ملك الجعزين. والواقع أنه كان قد استأثر بالحكم في اليمن، وحصر السلطة في يديه، وصار الحاكم المطلق، ولم يترك لنجاشي أكسوم غير الاسم، حتى إنه دعاه في هذا النص بـ"ملك الجعز" حسب3.

وفي النص حديث عن ثورة قام بها "يزد بن كبشت""يزيد بن كبشة" من السادات البارزين في اليمن. وكان أبرهة قد أنابه عنه، وجعله خليفته على قبيلتي "كدت" و"دا"4، غير أنه ثار عليه لسبب لم يذكر في النص، وأعلن العصيان. وانضم إليه أقيال "أقول" سبأ و"أسحرن"، وهم:"ذو سحر" و"مرة" و"ثممت""ثمامة" و"حنش""حنشم" و"مرثد" و"حنف""حنفم""حنيف" و"ذخلل""ذو خليل" و"أزانن" الأزان" والقيل "معديكرب بن سميفع"، و"هعن" "هعان" وإخوته أبناء أسلم. فلما بلغ نبأ هذه الثورة مسامع "أبرهة"، سير إليه جيشًا بقيادة "جرح ذزبنر" "جراح ذو زبنور"، فلم يتمكن أن يفعل شيئًا، وهزمه

1 F. Praetorius، Bemerkungen zur den beiden grossenInschriften vom Dammbruch zu Marib، in ZDMG، 1899، 5، 15

2 السطور الأولى من النص: CIH 541، glaser 618

3 Glaser، Zwei Inschriftten uber den Dammbruch von Marib، II، 1897، S. 421.

4 "خلفتهوذ ستخلفوا على كدت ردا"، السطر الحادي عشر من النص، Glaser، zwei، s. 401، 413، Seper، 42 ، 54

ص: 174

"يزيد"، واستولى على حصن "كدر""كدار"، وجميع من أطاعه من "كدت""كدة" ومن "حريب" حضرموت وهاجم "هجن أذمرين""هجان الذماري" وهزمه واستولى على أملاكه، وحاصر موضع "عبرن""عبران""العبر". عندئذ قرر أبرهة معالجة الموقف بإرسال قوات كبيرة لرتق الحرق قبل اتساعه، فجهز في شهر "ذ قيضن""ذو القيض""ذو قيضان" من سنة "657" من التقويم الحميري أي سنة "542" للميلاد جيشًا لجبًا من الأحباش والحميريين، وجهة نحو أودية "سبأ" و"صرواح" ثم "نبط" على مقربة من "الوادي""عبرن""عبران""العبر". وفي "نبط" جعل أهل "ألو""ألوي" و"لمد" والحميريين في المقدمة. أما القيادة، فكانت بأيدي القائدين:"وطح""وطاح" و"عوده""ذو جدن". وبينما كان الجيش في طريقه لحرب "يزيد بن كبشة" إذا به يظهر مع عدد من أتباعه أمام "أبرهة" يطلب منه العفو والصفح. أما الباقون، قد تحصنوا في مواضعهم، وأبو الخضوع والاستسلام.

وبينما كان أبرهة يفكر في أمر بقية الثائرين إذا به يسمع بخبر سيئ جدًّا، هو تصدع سد "مأرب" وتهدم بعض توابعه، وذلك في شهر "ذ مذرن""ذو مذران""ذو المذري" من سنة "657" من تقوم حمير، أي سنة "542" للميلاد. فأمر مسرعًا بتحضير مواد البناء والحجارة، وحدد أجل ذلك بشهر "ذ صربن""ذو الصرب" من السنة نفسها. وفي أثناء مدة التحضير هذه، افتتح أبرهة كنيسة في مدينة مأرب يظهر أنه هو الذي أمر ببنائها، ورتب لخدمتها جماعة من متنصرة سبأ. ولما انتهى من ذلك عاد إلى موضع السد لوضع أسسه وإقامته مستعينًا بحمير وبجنوده الحبش، ولكنه اضطر بعد مدة إلى السماح لهم بإجازة، ليهيئوا لأنفسهم الطعام وما يحتاجون إليه، وليريحهم مدة من هذا العمل المضني الذي تبرموا منه، وليقضي بذلك على تذمر العشائر التي لم تتعود مثل هذه الأعمال الطويلة الشاقة. ورجع أبرهة في أثنائها إلى مأرب، فعقد معاهدة مع أقيال سبأ وتحسنت الأحوال، وأرسلت إليه الغلات والموارد اللازمة للنباء، ووصلت إليه جموع من الفعلة وأبناء العشائر، فعاد إلى العمل بهمة وجد، فأنجزه على نحو ما أراد، فبلغ طوله خمسة وأربعين "أممًا"، أي ذراعًا، وبلغ ارتفاعه خمسة وثلاثين "أممًا". أما عرضه. فكان أربع عشرة ذراعًا، بني بحجارة حمر من "البلق". وأنجزت أعمال قنواته وأحواضه والمشروعات الفرعية

ص: 175

المتعلقة به في "خبشم""خبش" وفي "مفلم""مفلل""مفلول". وقد دون أبرهة في نهاية النص ما أنفقه على بناء هذا السد من أموال، وما قدمه إلى العمال والجيش الذي اشترك في العمل من طعام وإعاشة من اليوم الذي بدئ فيه بالإنشاء حتى يوم الانتهاء منه في شهر "ذو معن""ذو معان" من سنة "658" الموافقة لسنة "543" للميلاد.

مدينة مأرب، وتقع على أنقاض مأرب القديمة من كتاب:(Gataban and Sheba)

ويظهر من النص أن ثورة "يزيد بن كبشة""يزد بن كبشت" كانت ثورة عنيفة قوية، وأنها شملت حضرموت و"حريب" و"ذو جدن" و"حباب" عند "صرواح". ولكنها فشلت وتغلب أبرهة عليها بمساعدة قبائل يمانية ذكرها في النص1.

أما "يزيد بن كبشة" فلا نعرف من أمره في الزمن الحاضر إلا شيئًا يسيرًا، وهو ما ذكره أبرهة في نصه عنه، من أنه عينه عاملًا، ووكيلًا عنه على قبيلة "كدت""كدة". وهي كندة على رأي أكثر العلماء2.

1 Beitrage، s. 121

2 Glaser، mitt. S. 434

ص: 176

وأما الأقيال الذين انضموا إليه وساعدوه، وهم:"ذو سحر" و"مرة" وثمامة" و"حنش" و"مرثد" و"حنيف" وآل ذو خليل وذو يزان "ذ يزن" "ذو يزن"، و"معديكرب بن سميفع" و"هعن" "هعان" وإخوته أبناء أسلم. فهم يمثلون على الجملة الطبقات الأرستقراطية القديمة في سبأ. فآل ذو خليل وذو سحر، من الأسر التي ذكرت أسماؤها في النصوص المدونة قبل الميلاد. وقد أرخ بأسره "ذي خليل" في نصوص المسند، وذكروا في كتابات السبئيين العتيقة التي تعود إلى أيام المكربين. وكان لهم في أيامهم شأن يذكر في تأريخ سبأ، إذ كان منهم المكربون1. وذكر "الهمداني" اسم جماعة يقال لهم "البحريون"، قال: إنهم من ولد ذي خليل من حمير2.

وليس من السهل تشخيص "مرة" و"ثمامة"، فهما من الأسماء المتعددة المذكورة في الكتب العربية. وقد أشير إلى "ثمامة بن حجر" ملك "قصر الهدهاد" في "عمران"3. وذكر الهمداني "بني ثمامة" وقال: إن جبأ مدينة المعافر، وهي لآل الكرندي من بني ثمامة آل حمير الأصغر4، فهل يكون لهؤلاء صلة بـ"ثمامة" النص؟

وذكر بعض الأخباريين اسم ملك من ملوك اليمن سموه "مرثدًا زعموا أنه كان آخر الملوك، وزعم قسم منهم أنه حكم مدة قصيرة بعد "ذي نواس"، فهل صاحب هذا الاسم هو "مرثد" المذكور في النص؟ ولا عبرة بالطبع بما ذكر من أنه كان ملكًا، فقد كان من عادة الأقيال والأذواء التلقب بلقب ملك5.

وورد "ذو مراثد بن ذو سحر"، في الموارد العربية6، فجمعت بين "مراثد" و"سحر، وورد اسم "سحر" واسم مرثد في النص، فهل هناك صلة بين هذه الأسماء؟

ويرى "كلاسر" أن "أزان"، هم "يزن"، ومنهم "سيف بن

1 Glaser، mitt. S. 465

2 الصفة"112".

3 Glaser، mitt. S. 458

4 الصفة "54".

5.

Glaser، mitt. S. 100

6.

Glaser، mitt. S. 100

ص: 177

ذي يزن" الذي ثار على الحبش واستعان بالفرس لإنقاذ بلاده من أيدي الأحباش1.

وأما معديكرب بن سميفع، فيرى الباحثون أنه ابن "السميفع أشوع"2. وقد جاء اسمه بين أسماء الأقيال الذين ثاروا على أبرهة، وانضموا إلى ثورة "يزيد بن كبشة". فهم من الأقيال الحاقدين على أبرهة لاغتصاب أبرهة الملك من والده. ولهذا انضم إلى "يزين بن كبشة" سيد "كدت""كندة" وحارب معه الحبش3.

وفي أثناء وجود أبرهة في مأرب قضى على عصيان الأقيال الذين انضموا إلى ثورة "يزيد"، وأبوا الخضوع لحكم أبرهة بعد استسلام يزيد وخضوعه. وكذلك استسلمت قبيلة كدار "كيدار""كدر"4. وتحسن موقفه بذلك كثيرًا، وأصبح سيد اليمن وصاحب الأمر، أما الذين ساعدوه وآزروه وعاونوه والتفوا حوله، فهم: ذو معاهر5 و"بن ملكن" ابن الملك6 ومرجزف وذو ذرنح7 وعدل "عادل" وذو فيش، وذو شولمان "ذو الشولم"8 و"ذو شعبان"9 "ذو الشعب" وذو رعين "ذرعن"، و"ذو همدان"10 و"ذو الكلاع"11، و"ذ مهدم" "ذو مهد" و"ذ ثت" "ذو ثت" "ذو ثات" و"علسم" و"ذو يزان" "ذ يزن" "ذو يزن"، و"ذو ذبين" "ذو ذبيان" و"كبر حضرموت" كبير حضرموت، وذو فرنة "ذ فرنة". وقد ذكر النص أنهم كانوا إلى جانب الملك، وأنهم كانوا عسل ود وصداقة معه. وهم بالطبع من أسر عريقة، ومن كبراء القوم، وقد وردت أسماء بعض أسرهم في النصوص المدونة قبل الميلاد.

1. Glaser، mitt. S. 101

2 Handbuch، S. 106

3.

Beitrage، S. 93

4 "كدر" في النص، السطر 34 من النص.

5 "ذ معهر" في النص السطر 82.

6 "بن ملكن" السطر 83.

7 "ذ ذرنح"، السطر 83 من النص.

8 "ذ شولمن"، السطر 84 من النص.

9 "ذ شعبن"، السطر 84 من النص.

10 "ذ همدن"، السطر 85 من النص.

11 "ذ كلعن"، السطر 85 من النص.

ص: 178

ولم يذكر في النص اسم "كبر حضرموت"، أي كبير حضرموت الذي كان يحكم حضرموت في أيام أبرهة، ويظهر من ذكره مع الرجال الذين حضروا إلى مأرب أنه كان تابعًا لأبرهة، أو أنه كان حليفًا له1.

وتدل جملة "بن ملكن"، على أن المراد بها "ابن الملك"، أي "ابن أبرهة"، ولم يشر النص إلى اسمه، فلعله قصد أكبر أولاده. ويرى البعض أنه كان يحكم "وعلان""ذو ردمان"، وأنه كان يلقب بـ"ذ معهر""ذو معاهر""ذو معهر". وقد أشار "الهمداني" إلى "ذي المعاهر". وذكر أنه قصر "وعلان" بـ"ردمان"2.

وفي أثناء وجود أبرهة في مأرب، وفدت إليه وفود من النجاشي ومن ملك الروم "ملك رمن" ومن ملك الفرس "ملك فرسن"، ورسل من "المنذر""رسل مذرن" ومن "الحارث بن جبلة""رسل حرثم بن جبلت" ومن "أب كرب بن جبلة""أبكرب بن جبلة""رسل أبكرب بن جبلت" ومن رؤساء القبائل3. ويلاحظ أن النص قد قدم النجاشي على ملك الروم، كما قدم ملك الروم على ملك الفرس، ثم ذكر من بعد ملك الفرس اسم المنذر والحارث بن جبلة وأبي كرب بن جبلة "أبكرب من جبلت". أما تقديم النجاشي على غيره فأمر لابد منه، وذلك لسيادة الحبشة ولو بالاسم على اليمن، واعتراف أبرهة بسيادة مملكة أكسوم عليه. وفي إرسال مندوب عن النجاشي إلى أبرهة في مهمة سياسية، ودليل ضمني على انفراد أبرهة بالحكم، واستقلاله في إدارة اليمن حتى صار في حكم ملك مستقل، يستقبل وفود الدول ورسلهم ومن بينهم وفد من ملك قامت حكومته بغزو اليمن والاستيلاء عليها. وأما تقديم ملك الروم على ملك الفرس، فلصلة الدين والسياسة بين الحبشة والروم واليمن، فللروم الأسبقية والأفضلية إذن على الفرس.

ويلاحظ أيضًا أن النص قد استعمل كلمة "محشكت" للوفد أو الرسل الذين جاءوا إلى أبرهة من النجاشي ومن ملك الروم، فكتب "محشكت نجشين"

1. Glaser، mitt. S. 467

2 Beitrage، s. 39

3 السطر 88 من النص، وما بعده إلى السطر 93.

ص: 179

و"محشكت ملك رمن" أي "رسل النجاشي "سفراء النجاشي" "سفير النجاشي" و"رسل ملك الروم". وتعني كلمة "محشكت" في اللغة السبئية "الزوجة"، فعبر في هذا النص بهذه الكلمة عن معنى "سفير" "سفراء" و"رسل حكومة صديقة مقربة"، فلها إذن. هنا معنى دبلوماسي خاص1. أما بالنسبة إلى رسل "ملك الفرس"، فقد أطلق عليهم كلمة "تنبلت"، فكتب "تنبلت ملك فرس"، أي "وفد ملك الفرس" وذلك يشير إلى أن لهذه الكلمة معنى خاصًّا في العرف السياسي يختلف عن معنى "محشكت"، وأن الوفد لم يكن في منزلة وفدي الحبشة والروم ودرجتهما.

ولقد أحدث مجيء مندوب النجاشي "رمحيز زبيمن" ومندوب ملك الروم ومبعوث ملك الفرس، ورسل المنذر ملك الحيرة، والحارث بن جبلة وأبي كرب بن جبلة، أثرًا كبيرًا ولا شك في نفوس العرب الجنوبيين، وفي نفوس الأقيال وقبائلهم، فمجيء هؤلاء إلى اليمن، وقطعهم المسافات الشاسعة، ليس بأمر يسير، وفيه أهمية سياسية كبيرة. وفيه تقدير لأبرهة ولمكانته في هذه البقعة الخطيرة المسيطرة على البحر الأحمر وفمه عند باب المندب، وعلى المحيط الهندي. كما أحدثت الأبهة التي اصطنعها أبرهة لنفسه في اليمن. والقوة التي جمعها في يديه أثرًا كبيرًا ولا شك أيضًا في نفوس المبعوثين الذين قطعوا تلك المسافات للوصول إلى عاصمة سبأ ذات الأثر الخالد في النفوس2.

ولم يكن مجيء هؤلاء المبعوثين إلى أبرهة لمجرد التهنئة أو التسلية أو المجاملة أو ما شاكل ذلك من كلمات مكتوبة في معجمات السياسة. ولكن لأمور أخرى أبعد من هذه وأهم، هي جر أبرهة إلى هذا لمعسكر أو ذلك، وترجيح كفة على أخرى، وخنق التجارة في البحر الأحمر، أو توسيعها، ومن وراء ذلك إما نكبة تحل بمؤسسات الروم وتجاراتهم، وإما ربح وافر يصيبهم بما لا يقدر. لقد كان العالم إذ ذاك كما هو الآن، جبهتين: جبهة غربية، وجبهة أخرى شرقية: الروم والفرس. ولكل طبالون ومزمرون من الممالك الصغيرة وسادات القبائل يطلبون ويزمرون، ويرضون أو يغضبون، ويثيبون أو يعاقبون إرضال

1 Glaser، Mitt، S. 408، Praetorius، in ZDMG، 48، S. 650

2 Glaser، mitt. S. 421

ص: 180

للجبهة التي هم فيها. وزلفى إليها وتقربًا. لقد سخر الروم كل قواهم السياسية للهيمنة على جزيرة العرب. أو إبعادها عن الفرس وعن الميالين إليهم على الأقل.

وعمل الفرس من جهتهم على تحطيم كل جبهة تميل إلى الروم وتؤيد وجهة نظرهم وعلى منع سفنهم من الدخول إلى البحر الهندي، والإتجار مع بلاد العرب. وعمل المعسكران بكل جد وحزم على نشر وسائل الدعاية واكتساب معركة الدعاية والفكر، ومن ذلك التأثير على العقول. فسعى الروم لنشر النصرانية في الجزيرة، فأرسلوا المبشرين وساعدوهم، وحرضوا الحبشة على نصرها ونشرها، وسعى الفرس لنشر المذاهب النصرانية المعارضة لمذهب الروم والحبشة ولتأييد اليهودية أيضًا. وهي معارضة لسياسة الروم أيضًا. ولم يكن دين الفرس كما نعلم نصرانيًّا ولا يهوديًّا، وإنما هو دين بغيض إلى أصحاب الديانتين. ولم يكن غرض الروم من بث النصرانية أيضًا خالصًا لوجه الله بريئًا من كل شائبة.

أما النجاشي الذي أرسل الوفد إلى أبرهة فاسمه "رمحيز زبيمن""رمحيز زبيمان" كما ذكر ذلك أبرهة نفسه. ولا يعرف من أمر هذا النجاشي شيء كثير، ولا يعرف كذلك أكان قد خلف النجاشي "كالب إيلا أصبحة" kaleb ela asbeha الذي بأمره كان الفتح أم كان خلفًا لخليفته1. وقد أشرت من قبل إلى ما ذكره "بروكوبيوس" وأهل الأخبار عن التوتر الذي كان بين نجاشي الحبشة وأبرهة، وعن امتناع أبرهة عن دفع جزية سنوية إليه، ويظهر أن أبرهة رأى أن من الخير له مصالحة النجاشي والاعتراف بسلطانه اسميًّا، وفي ذلك كسب سياسي عظيم، كما هو كسب للنجاشي ولو صوريًّا، فدفع الجزية له، وتحسنت العلاقات.

وأما "ملك رمن" ملك الروم، فلم يذكر "أبرهة" اسمه في نصه. ولكن يجب أن يكون هو القيصر "يوسطنيانوس" justinian الذي حكم من سنة "527" حتى سنة "566" للميلاد، وكان حكمه بعد حكم "يسطين" الذي ولي الحكم من سنة "518" حتى سنة "527" للميلاد. وكان "يوسطنيانوس""يوسطنيان" قد وضع خطة للتحالف مع الحبش ومع حمير للإضرار بالفرس. وراسل "السميفع أشوع" esimiphaeus للاتحاد معه ولمحاربة الفرس، فلما تولى "أبرهة" الحكم عاد القيصر فاتصل به، وتودد إليه لتنفيذ ما عرضه على "السميفع أشوع"

1.Glaser، mitt. S. 427

ص: 181

في مهاجمة الفرس. فوافق أبرهة على ذلك، وأغار عليهم، غير أنه تراجع بسرعة1.

وأما "حرثم بن جبلت"، فهو الحارث بن جبلة ملك الغساسنة، وأما "أبكرب بن جبلت"، فإنه abochorabus المذكور في تأريخ "بروكوبيوس". وقد ذكر هذا المؤرخ أن القيصر "يوسطنيانوس""يوسطنيان" justinian كان عينه عاملًا "فيلارخا" phylarch على عرب السرسين saracens بفلسطين، وأنه كان رجلًا صاحب قابليات وكفاية، تمكن من تأمين الحدود ومن منع الأعراب من التعرض لها، وكان هو نفسه يحكم قسمًا منهم، كما كان شديدًا على المخالفين له. وذكر أيضًا أنه كان يحكم أرض غابات النخيل جنوب فلسطين، ويحاور عربها عرب آخرون يسمون "معديني""معد" maddeni هم أتباع لـ"حمير" homeritae2.

أراد هذا الرئيس أن يتقرب إلى القيصر، وأن يبالغ في تقربه إليه وفي إكرامه له، فنزل له عن أرض ذات نخل كثير عرفت عند الروم بـ phoinikon "واحة النخيل"، أو "غابة النخيل" وهي أرض بعيدة، لا تُبلغ إلا بعد مسيرة عشرة أيام في أرض قفرة. فقبل القبيصر هذه الهدية الرمزية، إذ كان يعلم، كما يقول المؤرخ "بروكوبيوس" عدم فائدتها له، وأضافها إلى أملاكه، وعين هذا الرئيس عاملًا "فيلارخًا" على عرب فلسطين3.

وقد قام ملك هذا الرئيس على ملك رئيس آخر كانت له صلات حسية بالروم كذلك، هو "امرؤ القيس" amorkesos الذي سبق أن تحدثت عنه في كلامي على علاقة العرب بالبيزنطيين.

و"غابة النخيل" التي ذكرناها، تجاور أرض قبيلة "معد" maddenoi، وكانت معد كما يظهر من أقوال المؤرخ "بروكوبيوس" خاضعة في عهده لحكم الحميريين. وقد ذكرت كيف أن القيصر توسط لدى "السميفع أشوع" ليوافق

1 ZDMG، 35، 1881، S. 36

2 Procopius، I، XIX، 8-16، P. 180، Glaser، Mitt، S. 437

3 Procopius، I، XXX، 2-16، Bulletin of the School of Oriental and African Studies، University of lonon، vol، XVI، Part: 3، 1954، P. 428. Musil، Hegay، P. 307

ص: 182

على تعيين "قيس" رئيسًا على معد. وقد تمردت هذه القبيلة على "أبرهة"، فسير إليها قوة لتأديبها، كما يظهر ذلك من كتابة أمر "أبرهة" بكتابتها لهذه المناسبة. أدبها بقوة سيرها إليها في شهر "ذو ثبتن" من شهور فصل الربيع، فانهزمت معد، وأنزلت القوة بها خسائر فادحة. وبعد أن تأدبت وخضعت، اعترف "أبرهة" بحكم "عمرو بن مذر" عليها، وتراجعت القوة عنها1.

و maddenoi، هي قبيلة ma'addaya التي ذكرها "يوحنا الأفسوسي" john of ephesus مع "طياية" taiyaye في كتابه الذي وجهه إلى أسقف "بيت أرشام" beth arsham، ويظهر من هذا الكتاب أن عشائر منها كانت مقيمة في فلسطين.

وفي القرآن الكريم سورة، أشارت إلى سيل العرم، هي سورة سبأ، ورد فيها:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} 2. ولم يحدد المفسرون الوقت الذي تهدم فيه السد3.

ولـ"أبرهة" نص آخر، كتبه بعد النص المتقدم، لمناسبة غزوه "غزيو""معدًا"، في شهر "ذ ثبتن""ذي ثبت""ذي الثبت""ذي الثبات" من شهور سنة "662" من التقويم الحميري الموافقة لسنة "547" أو "535" للميلاد. وهذا النص عثرت عليه بعثة "ريكمنس" مدونًا على صخرة بالقرب من بئر "مريغان". فوسم بـryckmans 506. وقد ترجمه "ريكمنس" g. Ryckmans إلى الفرنسية، ثم إلى لغات أخرى4.

1 Le Museon، LXVI، 1953، 3-4، P. 277، Ryckmans، No. 506

2 سورة سبأ، الآية 15 وما بعدها.

3 تفسيرالطبري "22/ 52 وما بعدها"، تفسير النيسابوري "22/ 50 وما بعدها"، "حاشية على تفسير الطبري" تفسير الآلوسي "22/ 115".

4 تأريخ العرب قبل الإسلام "4/ 396 وما بعدها".

Le Museon، 66، 1953، P. 275، Bulletin of the School of Oriental and African Studies، 1954، vol، XVI، Part، 3، P. 435، W. Caskel، Entdeckungen in Arabien S. 27، Sidney Smith، Events in Arabia in the 6th century A. D. BSOAS 1954، P. 435، A. F. L. Beeston، Notes on the Muraighan Inscriptions، In BSOAS، 1954، P. 389.

ص: 183

وفي النص مواضع طمست فيها معالم بعض الحروف، عز بذهابها فهم المعنى وضبط الأعلام. كما أن فيها بعض تعابير معقدة، عقدت على من عالجه فهم المعنى فهمًا واضحًا. ثم هو نص قصير لا يتجاوز عشرة أسطر، واختصر وصف الحوادث حتى صيره وكأنه برقيه من برقيات "التلغراف"، ولكنه مع كل هذا ذو خطر بالغ؛ لأنه يتحدث عن حوادث لم نكن نعرف عنها شيئًا، ويصف الأوضاع السياسية في ذلك العهد، ويشير إلى اتصال ملوك الحيرة بالحبش وإلى سلطان حكام اليمن على القبائل العربية، مثل معد. مع أنها قبائل قوية وكثيرة العدد. وهو ما يؤيد رواية أهل الأخبار في أنه كان لليمن نفوذ على قبائل معد وأن تبايعة اليمن كانوا ينصبون الملوك والحكام على تلك القبائل.

وقد تلقب "أبرهة" في هذا النص كما تلقب في نص سد مأرب بلقب الملك الذي كان يتلقب به ملوك اليمن، وهو:"ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت "اليمن" وأعرابها في النجاد "طودم"، وفي المنخفضات "تهمتم"، "تهامة"، كما افتتحه بجملة: "نخيل رحمنن ومسحهو"، أي "بحول الرحمن ومسيحه"، وقد سبق لـ"أبرهة" أن افتتح نصه الذي دونه على "سد مأرب" بجملة: "بخيل ودا ورحمت رحمن ومسحهو ورح قدس"، ومعناها: "بحول وقوة ورحمة الرحمن ومسيحة روح القدس"، والجملتان من الجمل التي ترد في نصوص اليمن لأول مرة، وذلك بسبب كون أبرهة نصرانيًّا، وقد صارت النصرانية في أيام احتلال الحبش لليمن ديانة رسمية للحكومة، باعتبار أنها ديانة الحاكمين، وعرف "أبرهة" في النصين بـ"أبره زيبمن"، أي "أبرهة زيبمان"، ولفظه "زي ب م ن" "زيبمن" من ألقاب الملك في لغة الأحباش1.

وإليك هذا النص كما دونه "ريكمنس" عن النص الأصيل:

"بخيل رحمنن ومسحهو ملكن أبره زبيمن ملك سبأ وذ ريدن وحضرموت ويمنت وأعربهمو طودم وتهمت سطرو ذن سطرن كغزيو معدم غزوتن ربعتن بورخن ذ ثبتن كقسدو كل بنيعمرم وذكي ملكن أبجبر بعم كدت وعل وبشرم بنحصنم بعم سعدم وم. خ ض. ووضرو قدمي جيشن على بنيعمرم كدت وعلى ود. ع. ز. رن. مردم وسعدم بود بمنهج تربن وهرجو وأزروا ومنمو ذ عسم ومخض ملكن

1 Le museon، 1953، 3-4 p. 279

ص: 184

بحلبن ودنو كظل معدم ورهنو وبعدنهو وزعهمو عموم بن مذرن ورهنهمو بنهو وستخلفهو على معدم معدم وقفلو بن حلبن بخيل رحمنن ورخهو ذ لئي وسثي وست ماتم"1.

ونصه في عربيتنا:

"بحول الرحمن ومسيحه. الملك أبرهة زبيمان ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت "اليمن" وأعرابها في الطود "الهضبة" وفي تهامة "المنخفضات" سطروا هذه الأسطر لما غزت معد: الغزوة الربيعية بشهر ذو الثبات "ذ ثبتن" "ذو الثبت". ولما غلظ "ثار" كل "بنو عامر". أرسل الملك "أبا جبر" بقبيلة "كدت" كندة وقبيلة "عل" و"بشر بن حصن" "بشرم بن حصنم" بقبيلة "سعد" لحرب "بني عامر" فتحركا بسرعة2 وقدما جيشهما نحو العدو: فحاربت "كدت" كندة وقبيلة "عل" بني عامر ومرادًا، وحاربت "سعد" بواد "بمنهج" ينهج" يؤدي" إلى "تربن" "الترب". فقتلوا من بني عامر وأسروا وكسبوا غنائم3. وأما الملك، فحارب بـ"حلبن" حلبان". وهزمت معد، فرهنت رهائن عنده.

وبعدئذ، فاوض "عمرو بن المنذر""عمرو بن مذرن" وقدم رهائن من أبنائه. فاستخلفه "أقره" على معد. وقفل "أبرهة" راجعًا من "حلبن""حلبان" بحول الرحمن. بتأريخ اثنين وستين وست مائة".

وقد درس بعض الباحثين هذا النص، فذهب بعضهم إلى أنه يشير إلى حملة أبرهة على مكة في العام الذي عرف عند أهل الأخبار بـ"عام الفيل" وأشير إليها في القرآن الكريم4. وذهب بعض آخر إلى أنه يشير إلى غزو قام به أبرهة تمهيدًا لحملة كان عزم القيام بها نحو أعالي جزيرة العرب، فتوقفت عند مكة5.

1 Le museon، 1953، 3-4، p. 277

2 "ومخضو"، "وفي الحديث: أنه مر عليه بجنازة تمخض مخضًا، أي تحرك تحريكًا سريعًا"، اللسان "7/ 231"، "صادر"، "م/ خ/ ض".

3 "ذعسم""العسم: الاكتساب، والاعتسام: الاكتساب"، اللسان "12/ 402"، "صادر"، "ع/ س/ م".

4 سورة الفيل، الآية فما بعدها"، F. Altheim- R. Stiehi، Araber und Sasaniden، Beriin، 1954، S. 200-207، Flnanzgeschicht3e der Spatantike، S. 145، 353، Le Museon، 1965، 3-4، P. 426

5 W. Caskel، Entdeckungen in Arabien، S. 30، Le Museon، 1965، 3-4، P. 426

ص: 185

وذهب آخرون إلى أن ما جاء في هذا النص لا علاقة له بحملة الفيل، ذلك لأن هذه الحملة كانت في سنة "547" للميلاد على تقديرهم، على حين كانت حملة الفيل سنة:563" على تقديرهم أيضًا1.

وذهب "بيستن" إلى أن هذا النص يتحدث عن معركتين: معركة قام بها "أبرهة" في "حلبان": ومعركة كندة وسعد - مراد بموضع "تربن""الترب""تربة"، وقد حاربت فيها جماعة من القبائل2.

ويظهر من النص أن "أبرهة" غزا بنفسه معدًا في شهر "ذي ثبتن" من ربيع سنة "662 من التقويم السبئي، والتقى بها في موضع "حلبن" "حلبان"، فهزمها وانتصر عليها، فاضطرت عندئذ إلى الخضوع له ومهادنته، وإلى وضع رهائن عنده تكون ضمانًا لديه بعدم خروجها مرة ثانية عليه. فوافق على ذلك.

وفيما كان في "حلبان" بعد اتفاقه مع معد، جاءه "عمرو بن المنذر""عمرم بن مذرن"، وكان أبوه "المنذر" عينه أميرًا على معد، ليفاوضه في أمر "معد" فقابله بـ"حلبان"، وأظهر له استعداد أبيه "المنذر" على وضع رهائن عنده لئلا يتكرر ما حدث، وبحصول اعترافه على تولي عمرو حكم "معد" فوافق أبرهة على ذلك، وقفل "وقفلو" أبرهة راجعًا إلى اليمن، وسوى بذلك خلافه مع معد. وصار "عمرو بن المنذر" رئيسًا على معد بتعيين أبيه له عليها وبتثبيت "أبرهة" هذا التعيين3.

و"حلبان" موضع في اليمن في أرض "حضور"، وذكر أنه موضع في اليمن على مقربة من "نجران"، وأنه موضع ماء في أرض "بني قُشَير". وقد وعت ذاكرة أهل الأخبار على ما يظهر شيئًا عن المعركة التي نشبت في هذا الموضع إذ رووا شعرًا للمخبل السعدي بفخر بنصره قومه "أبرهة بن الصباح" ملك اليمن4. وكانت "خندف" حاشيته. ذكروا أنه قال:

1 A. G. Lundin، Yujnaya Arabia W VI Weke (Palestynski Sbornik، 1961، PP. 73، 852) Le Museon، 1965، 3-4، P. 427

2 Le Museon، 1965، 3-4، P. 426، BSOAS، 1954، P. 391

3 في النص ثغرات وألفاظ تجعل من الصعب على الباحث ضبط الترجمة الحرفية والمعنى للنص.

4 البكري، معجم "2/ 461"، "حلبان""حلبان من أرض الأخروج بين حضور وحدان"، الإكليل "2/ 158"، "حاشية 1".

ص: 186

صَرَموا لِأَبرَهَةَ الأُمورَ مَحَلَّها

حَلبانُ فَاِنطَلَقوا مَعَ الأَقوالِ

وَمُحَرِّقٌ وَالحارِثانِ كِلاهُما

شُرَكاؤُنا في الصِهرِ وَالأَموالِ1

وأورد "الهمداني" أبياتًا فيها اسم موضع "حلبان" واسم "أبي يكسوم"، وهي قوله:

وَيَومَ أَبي يَكسومَ وَالناسُ حُضَّرٌ

عَلى جَلَبانٍ إِذ تَقَضّي مَحاِمله

فَتَحنا لَهُ بابَ الحَصيرِ وَرَبُّهُ

عَزيرٌ تَمشي بِالسِّيوفِ أَراجِلُه

وقد روى هذان البيتان وهما من شعر "المخيل المعدي" في هذا الشكل:

وَيَومَ أَبي يَكسومَ وَالناسُ حُضَّرٌ

عَلى جَلَبانٍ إِذ تَقَضّي مَحاِمله

طَوَينَا لَهُم بَابَ الحصينَ ودونَه

عَزيزٍ يَمشي بالحرابِ مقاولُهُ2.

ويظهر من هذا الشعر أن "أبرهة" لما جاء بجيشه إلى موضع "حلبان"، وجد مقاومة، ووجد أبواب الحصن مقفلة، وقد تحصن فيه المقاومون له ودافعوا عنه، فهجم قوم الشاعر عليه، ففتحوا باب الحصن، ودخلوه.

أما تأديب "بني عامر"، فلم يقم به"أبرهة" بنفسه، بل قام به قائد اسمه "أبجبر""أبو جبر"، قاد قبيلتي "كدت"، أي "كندة" و"عل"، وقائد آخر اسمه "بشرم بن حصنم"، أي "بشر بن حصن"، قاد قبيلة "سعدم"، أي "سعد" بنو سعد". وسار القائدان بجيشهما وتقدما بهما إلى "بني عامر"، وحاربا على هذا النحو: حاربت "كندة" و"عل" قبائل سقطت بعض الحروف من اسم كل واحدة منها، فبقي من إحداهما "ود. ع" وبقي من الأخرى "زرن" "ز. رن" وقبيلة "مردم"، أي "مراد".

وحاربت "سعد" بوادٍ يؤدي إلى "تربن""الترب"3، فقتلوا وأسروا "أزروا" وأصابوا غنائم4. ولم يسم النص الوادي الذي يؤدي إلى "الترب".

1 اللسان "1/ 334"، "سادر، تاج العروس "2/ 314"، "طبعة الكويت"، "ضربوا" بدلًا من "صرموا"، البكري "2/ 461".

2 Le museon، 1965، 3-4، p 430

3 "بود بمنهج تربن" السطران الخامس والسادس من النص.

4 السطر السادس من النص.

ص: 187

ويظهر أن موضع "تربن" الذي يؤدي إليه الوادي الذي جرت فيه المعركة، هو موضع "تربة"، مكان في بلاد بني عامر، ومن مخاليف مكة النجدية، على مسافة ثمانين ميلًا تقريبًا إلى الجنوب الشرقي من الطائف1. وذكر أنه وادٍ بقرب مكة على يومين منها، يصب في بستان ابن عامر، حوله جبال السراة، وقيل إنه وادٍ ضخم، مسيرته عشرون يومًا أسفله بنجد وأعلاه بالسراة، وقيل: يأخذ من السراة ويفرغ في نجران، وقيل: موضع من بلاد بني عامر بن كلاب واسم موضع من بلاد بني عامر بن مالك2.

و"عمرم بن مذرن"، هو "عمرو بن المنذر" ملك الحيرة، وكان أبوه "المنذر" حليفًا للساسانيين. فيكون قد عاصر "أبرهة" إذن، ويكون "عمرو" ابنه من المعاصرين له أيضًا.

وقصد بـ"بنيعمرم"، "بني عامر". وهم "بنو عامر بن صعصعة" من "هوازن"3.

ومراد، هي قبيلة مراد التي بها "غطيف". وفي أيام الرسول وفد عليه "فروة بن مسيك المرادي" مفارقًا لملوك كندة. وقد كانت بين مراد وهمدان قبيل الإسلام وقعة ظفرت فيها همدان، وكثر فيها القتلى في مراد. وعرفت تلك الوقعة بيوم الروم. ورئيس همدان الأجدع بن مالك والد مسروق4.

وأما "سعدم" أي قبيلة "سعد"، التي قادها "بشر بن حصن" في هذه المعركة، فلم يذكر النص هويتها. غير أننا إذا ما أخذنا بشعر "المخبل السعدي" الذي افتخر به بنصرة قومه لأبرهة في يوم "حلبان" وبانضمامهم إليه، ففي استطاعتنا أن نقول حينئذٍ: إن قومه هم "سعدم" أي "سعد" القبيلة المذكورة في النص.

و"أبجبر" اسم قد يقرأ "أبو جبر"، وقد يكون "أبو جابر" وقد

1 البكري "1/ 309"، "مادة تربة"، Bulletin of the School of Wriental and African Studies، University of London، VOL، XVI، Part 3، 1954، P. 430

2 تاج العروس "2/ 68 وما بعدها""طبعة الكويت"، اللسان "1/ 231"، "صادر".

3 الاشتقاق "2/ 177، 178"، Le museon، 3-4، 1953، p. 341

4 ابن الأثير "2/ 123".

ص: 188

يكون "أبجبر" وقد يكون "أبو جبار". وكل هذه الأسماء هي أسماء معروفة عند الجاهلين. وقد ذهب "كستر"m. J. Kister" إلى احتمال كونه "يزيد بن شرحبيل الكندي" أو "أبو الجبر بن عمرو"، وهو من كندة أيضًا1.

وهو من "آل الجون" من بطون كندة2.

وقد أشير في كتب أهل الأخبار إلى أمير من أمراء كندة عرف بـ"أبي الجبر" وقد ذكر في مقصورة "ابن بريد"3. وروي أنه زار "كسرى" ليساعده على قومه، فأعطاه جماعة من "الأساورة" أخذهم معه ليساعدوه، فلما وصل إلى "كاظمة" سئموا منه، وأرادوا التخلص منه فدسوا السم له في طعامه.

ولكنه لم يمت منه، بل شعر بألم منه، فأكرهه الأساورة على أن يكتب كتابًا لهم يحملونه معهم إلى "كسرى" يذكر فيه أنه سمح لهم بالعودة، فكتب لهم كتابًا ثم سافر إلى "الطائف"، فعالجه "الحارث بن كلدة الثقفي"، حتى شفي، فوهبه جارية كانت له اسمها "سمية" أهداها له "كسرى" ثم ذهب إلى اليمن، ولكن عاوده مرضه في طريقة إليها فمات. وقد رأى "كستر" أنه هو "أبو جبر" المذكور في النص4.

وأما "بشرم بن حصنم" أي "بشر بن حصن"، أو "بشر بن حصين" أو "بشار بن حصن" أو "بشار بن حصين" أو "بشير بن حصن"، فقد ذهب "لندن" ludin، إلى أنه أحد سادات "كندة"5.

لقد أشرت إلى رأي بعض الباحثين في هذه الحملة، وإلى ذهاب بعضهم إلى أنها كانت حملة الفيل، أي حملة أبرهة المذكورة في القرآن الكريم على مكة. كما أشرت إلى رأي آخر، ذكر أن هذه الحملة كانت مقدمة لحملة الفيل، أي حملة

1 Le Museon، 1965، 3-4، P. 434

2 Le museon، 1965، 3-4. p. 436

3 Le museon، 1965، 3-4. p. 434

مقصورة ابن دريد. "ص82""طبعة الجوائب"، القاهرة 1300 هـ، نزهة الجليس "1/ 484".

4 Le Museon، 1965، 3-4، P. 434

5 Le Museon، 1965، 3-4، P. 435، A. G. Lundin، Yujnaya Arabia W VI Weke Palestyniski Sbornik 1961، PP. 73-84

ص: 189

تجريبية سبقت تلك الحملة. وحجة الفريق الأول ما ورد في بعض الروايات من أن مولد الرسول كان بعد عام الفيل بثلاث وعشرين سنة1. أي في حوالي السنة "547" للميلاد. وهو تأريخ ينطبق مع السنة المذكورة في النص، إذا أخذنا برأي من يجعل مبدأ التقويم الحميري سنة "115" قبل الميلاد2. ومن ورود رواية أخرى في حساب السنين عند قريش، تظهر بنتيجة حسابها وتحويلها أن عام الفيل كان في سنة "552" بعد الميلاد، وهو تأريخ ينطبق مع تأريخ النص أيضًا إذا أخذنا برأي "ريكمنس" في مبدإ التقويم الحميري من أنه كان سنة "109" لا "115" قبل الميلاد3.

وأبرهة هذا هو "صاحب الفيل" الذي قصد بفيلته وجنده هدم الكعبة وإكراه الناس على الحج إلى "القُليس" الكنيسة التي بناها بمدينة "صنعاء" في روايات الأخباريين. وهي كنيسة قال عنها أهل الأخبار، إنها كانت عجيبة في عظمتها وضخامتها وتزويقها من الداخل والخارج، حتى إن "أبرهة" لما انتهى من بنائها كتب إلى النجاشي:"إني قد بنيت لك بصنعاء بيتًا لم تبن العرب ولا العجم مثله"4. أو "إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك. كان قبلك"5.

ويبالغ أهل الأخبار في وصفها فيذكر "الأزرق"، أنه بناها بجانب قصر غمدان، وأنه أقامها بحجارة قصر بلقيس بمأرب، نقلها العمال والفعلة والمسخرون من مأرب إلى صنعاء. فهدموا ذلك القصر وأخذوا حجره يصلح للبناء من مادة، ثم نقلوه إلى صنعاء لاستعماله في بناء تلك الكنيسة التي بنوها بناءً ضخمًا عاليًا، وجعلوا جدرانها من طبقات من حجر ذي ألوان مختلفة.

لون كل طبقة يختلف عن الطبقة التي تحتها أو التي فوقها. وزينوا الجدران بأفاريز من الرخام والخشب المنقوش. وجعلوا الرخام ناتئًا عن البناء، وجعلوا فوق الرخام

1 البدء والتأريخ "4/ 131 وما بعدها"، تأريخ العرب في الإسلام "1/ 91".

2 Le museon، 1965، 3-4، pp. 426، 427

3 Le museon، 1965، 3-4، pp. 427، 428.

4 الأزرقي "1/ 82 وما بعدها"، تفسير الطبري "30/ 193"، تفسير القرطبي "20/ 187".

5 ابن هشام "1/ 43"، ابن كثير، البداية "2/ 169"، "2/ 170 وما بعدها، "مطبعة السعادة، سنة 1932م"، "القاهرة، تفسير ابن كثير "4/ 548 وما بعدها"، "عيسى البابي الحلبي".

191

ص: 190

حجارة سودًا لها بريق، وفوقها حجارة بيضًا لها بريق، فكان هذا ظاهر حائط القليس. وكان عرضه ستة أذرع. وكان للقليس باب من نحاس عشرة أذرع طولًا في أربع أذرع عرضًا. وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه، طوله ثمانون ذراعًا في أربعين ذراعًا معلق العمد بالسياج المنقوش ومسامير الذهب والفضة، ثم يدخل من البيت إلى إيوان طوله أربعون ذراعًا، عن يمينه وعن يساره، وعقوده مضروبة بالفسيفساء مشجرة، بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة، ثم يدخل من الإيوان إلى قبة ثلاثون ذراعًا في ثلاثين ذراعًا، جدرها بالفسيفساء، فيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة، وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة عشر أذرع في عشر أذرع، تغشي عينَ من ينظر إليها من بطن القبة تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة، وكان تحت القبة منبر من خشب اللبخ، وهو عندهم الآبنوس، مفصد بالعاج الأبيض. ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهبًا وفضة. وكان في القبة سلاسل فضة1. وفي القبة أو في البيت خشبة ساج منقوشة طولها ستون ذراعًا يقال لها كعيب، وخشبة من ساج نحوها في الطول يقال لها: امرأة كعيب كانوا يتبركون بهما في الجاهلية. وكان يقال لكعيب الأحوزي، والأحوزي بلسانهم الحر2.

وكان أبرهة قد أخذ العمال بالعمل أخذًا شديدًا، وأمر بالعمل في بناء الكنيسة ليل نهار. وإذا تراخى عامل أو تباطأ عن عمله أنزل وكلاؤه به عقابًا شديدًا، يصل إلى قطع اليد. وبقي هذا شأنه ودأبه حتى أكمل بناؤها وسر من رؤيتها، فأصبحت بهجة للناظرين.

ونجد في وصف "الأزرقي" ومن تقدم عليه من أهل الأخبار للقليس شيئًا من المبالغة، ولكنه على الإجمال وصف يظهر أنه أخذ من موارده وعته وشاهدته وأدركته. لذلك جاء وصفًا حيًّا نابضًا بالحياة، ينطبق على الكنائس الضخمة التي أنشئت في تلك الأيام في القسطنطينية أو في القدس أو في دمشق، أو في المدن الأخرى. والظاهر من هذا الوصف، أن فن العمارة اليماني القديم قد أثر في شكل بناء هذه الكنيسة، التي تأثرت بالفن البيزنطي النصراني في بناء الكنائس.

1 نهاية الأرب "1/ 382".

2 الأزرقي "1/ 84 وما بعدها"، "1/ 90"، "خياط".

ص: 191

ويذكر "الأزرقي" أن القليس بقي في صنعاء ما كان عليه حتى ولي أبو جعفر المنصور الخلافة، فولى "العباس بن الربيع بن عبيد الله الحارثي""العباس بن الربيع بن عبد الله العامري" اليمن، فذكر له ما في القليس من ذخائر، وقيل له إنك تصيب فيه مالًا كثيرًا وكنزًا فتاقت نفسه إلى هدمه. ثم استشار أحد أبناء وهب بن منبه وأحد يهود صنعاء فألحا عليه بهدمه وبيَّن اليهودي له أنه إذا هدمه فإنه سيلي اليمن أربعين سنة، فأمر بهدمه، واستخرج ما فيه من أموال وذهب وفضة وخاف الناس من لمس الخشبة المنقوشة التي كانوا يتبركون بها، ثم اشتراها رجل من أهل العراق كان تاجرًا بصنعاء وقطعها لدار له1. وخرب القليس حتى عفي رسمه وانقطع خبره2.

وإذا كان ما يقوله الأزرقي نقلًا عن رواة أدركوا تلك الكنيسة من أن أبرهة أقامها بأحجار قصر بلقيس باليمن، فإنه يكون بذلك قد قوض أثرًا مهمًّا من آثار مدينة مأرب، وأزال عملًا من الأعمال البنائية التي أقامها السبئيون في عاصمتهم قبله. وهو عمل مؤسف.

وفي صنعاء اليوم موضع يعرف بـ"غرفة القليس"، يظن أنه موضع تلك الكنيسة، وهو موضع حفير صغير ترمى فيه القمامات وعليه حائط ويقع أعلى صنعاء في حارة القطيع بقرب مسجد نصير3.

وذكر "الهمداني" اسم قصر دعاه "القليس" نسب بناءه إلى "القليس بن عمرو"، وهو في زعمه من أبناء "شرحبيل بن عمرو بن ذي غمدان بن إلى شرح يحضب". وقال: إنه بناه بصنعاء، وهو بناء قديم، وذكر أيضًا أن "عمرو ينأر ذو غمدان ابن آلي شرح يحضب بن الصوار" هو أول من شرع في تشييد "غمدان" بعد بنائه القديم4.

1 الأزرقي "1/ 86"، نهاية الأرب "1/ 383"، وفي رواية أخرى، أن السفاح أول خلفاء بني العباس، هو الذي أمر بهدمها، البداية، لابن كثير "2/ 170 وما بعدها". "السعادة".

2 البلدان "7/ 156""القليس".

3 الإكليل "2/ 87"، حاشية لـ"لمحمد بن علي الأكوع الحوالي"، رحلة في بلاد العرب.

4 الإكليل "2/ 86 وما بعدها".

السعيدة، لنزيه مؤيد العظم، "1/ 165"، مصطفى مراد الدباغ، الجزيرة العربية "1/ 285".

ص: 192

وقد أمر "أبرهة" ببناء كنيسة في "مأرب" أشار إلى بنائها في نصه الشهير، أقامها في سنة "542م"، ورتب لخدمتها جماعة من منتصرة سبأ، واحتفل هو نفسه بافتتاحها، ولعله استعان ببنائها بحجارة قصور مأرب ومعبدها الكبير، وذلك لأن حجارتها منحوتة نحتًا جيدًا، يجعل من السهل استعمالها في البناء على حين يتطلب الحجر الجديد وقتًا طويلًا وأموالًا باهظة. ولهذا السبب ذهب أهل الأخبار إلى أنه أمر بنقل حجارة قصر مأرب إلى صنعاء.

جدار معبد "أوم""أوام" بمأرب، وهو معبد اله سبأ من كتاب (Qataban and Sheba)

لقد أصيب مشروع أبرهة الرامي إلى هدم الكعبة والاستيلاء على مكة بإخفاق ذريع، يذكرنا بذلك الإخفاق الذي مُني به مشروع "أوليوس غالوس". لقد كان في الواقع مشروعًا خطيرًا، لو تم إذن لاتصل ملك الروم بملك حلفائهم وأنصارهم الحبش في اليمن، ولتحقق حلم الإسكندر الأكبر وأغسطس ومن فكر في الاستيلاء على هذا الجزء الخطير من العالم من بعدها، ولتغير الوضع السياسي في الجزيرة من غير شك، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، حدث أن مكة التي أريد هدمها هي التي هدمت ملك الحبشة في اليمن، وملك من جاء بعدهم لنجدة أهل اليمن، وملك البيزنطيين في بلاد الشأم وملك الفرس في العراق وفي

ص: 193

كل مكان1.

ويظهر من الرواية العربية أن نهاية "أبرهة" كانت بعد عودته من مكة بقليل إذ لازمه الوباء الذي نزل برجال حملته أثناء محاصرتهم لها، ولم يتركه حتى بلغ صنعاء وهو مريض متعب، فهلك بها عند وصوله2. ويجب أن يكون ذلك سنة "570" أو "571" للميلاد. أما المصادر اليونانية، فلم تشر إلى سنة وفاته.

ويذكر الأخباريون أن الذي حكم بعد "أبرهة"، هو ابنه "يكسوم". وبه كان أبرهة يكنى. فذلت حمير وقبائل اليمن ووطئتهم الحبشة، وعم أذاهم وقتلوا خلقًا من رجالهم، وأخذوا نساءهم، وأتخذوا أبناءهم تراجمة بينهم وبين العرب3. ويذكر "المسعودي" أن "يكسوم" كان سيئ السيرة في أهل اليمن فعم أذاه سائر الناس، إلى أن هلك بعد عشرين سنة من الحكم4.

وذكر "أبو حنيفة الدينوري"، أن "النجاشي" أقر "أبرهة" على سلطان اليمن، فمكث على ذلك أربعين عامًا5. أما ابنه "يكسوم"، فمكث على اليمن تسع عشرة سنة6. وصير "حمزة" مدة حكم أبرهة ثلاثًا وعشرين سنة، مذ قتل "أرياطًا"، الذي حكم على زعمه عشرين سنة. جعل حكم "يكسوم" سبع عشرة سنة، وملك مسروق اثنتي عشرة سنة، ومدة حكم الحبشة، اثنتين وسبعين سنة7.

ويرى "كلاسر" أن أبرهة كان قد عين ابنه "أكسوم""يكسوم" على أرض "معاهر""معهرن"، وكانت له "ذي معاهر"، فعرف "يكسوم" بـ"ذي معاهر". وفي معاهر "عر وعلن"، أي حصن وعلان8.

1 Noldeke، Geschichte der Perser، S. 188، Paullys – Wissowa Supplementband، VII، 1950، S. 75

2 الطبري "2/ 137""دار المعارف".

3 الطبري "2/ 139"، مروج "2/ 8 وما بعدها""محيي الدين"، المعارف "278".

4 مروج "2/ 8 وما بعدها" محيي الدين".

5 الأخبار الطوال "ص62".

6 المصدر نفسه "ص63".

7 حمزة "ص89".

9 Glaser، mitt، s. 420، 461

ص: 194

وانتقل الحكم من بعد هلاك "يكسوم" إلى شقيقه "مسروق" وهو من أم عربية هي "ريحانة بنة علقمة بن مالك بن زيد بن كهلان" وهو "ذو جدن" وكانت تحت "أبا مرة القياض ذا يزن فانتزعها منه أبرهة، وأولدها مسروقًا.

ففر "ذو يزن" من اليمن، ولحق ببعض ملوك بني المنذر، ويظن "الطبري" بأنه "عمرو بن هند" وأقام هناك1. وقد كان أسوأ سيرة من "يكسوم"، ويذكر "المسعودي" أنه حكم ثلاث سنين2. وقد قتل الفرس مسروقًا، وذلك حين دخولهم اليمن، وأخرجوا الحبشة عن اليمن3.

وقد ذكر المؤرخ "ثيوفانس" ملكًا من ملوك حمير قال إن الفرس أسروه، وذلك في حوالي السنة "570" للميلاد، دعاه باسم "سنطرق" "سنطرقس" sanaturces. وهو فيما يرى "كلاسر" تحريف "شناتر": والأصل "ذو شناتر". و"شناتر" اسم موضع، والمراد به "مسروق بن أبرهة"، وكان والده قد عينه على هذا الموضع فعرف به. وقد ذكر "ابن قتيبة" أن "ذا شناتر"، هو الابن الثاني لأبرهة، ولهذا يرى "كلاسر" أن sanaturces هو "مسروق"4.

وبهلاك "مسروق" هلك حكم الحبش لليمن؛ إذ أخرجوا بعد انتصار الفرس وأهل اليمن عليهم. ويذكر الطبري، أن حكم الحبشة لليمن دام اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة ملوك: أرياط، ثم أبرهة، ثم يكسوم بن أبرهة ثم مسروق بن أبرهة5.

وجاء في شعر للشاعر "لبيد بن ربيعة العامري" أنه دخل على ملك من ملوك الحبش، اسمه "خمير"، أتاه فكلمه في فداء قوم، فأجازه، وأحسن إليه، وحمله على خيل، "وبذوقه"6، أي: أرسل معه من يحرسه، وأجازه، وأعطاه "طرسًا"، أي كتابًا، كتبه له لأن يعطي، وغلامًا أطلس أي حبشيًّا 7. ولم يذكر كيف

1 الطبري "2/ 142".

2 مروج "2/ 8""محيي الدين".

3 الطبري "2/ 139".

4 Glaser، Zwei Inschriften، S. 186

5 الطبري "2/ 139".

6 "بذرته: فارسي معرب"، شرح ديوان لبيد "ص155".

7 "والأطلس: الحبشي"، شرح ديوان لبيد "ص155".

ص: 195

وصل إلى "خمير"، ولا في أي مكان، كان يحكم. وما علاقة ذلك الملك الحبشي بجزيرة العرب إن صح أنه ملك الحبش حقًّا؟ وإذا أخذنا بقول هذا الشاعر وصدقناه، فقد يكون ذهب ليتوسل إلى الحبش لفك أسر جماعة من قومه أو من أصحابه قد يكونون ذهبوا للإتجار أو لشراء الرقيق، فقبض عليهم لسبب من الأسباب واحتجزوا، فذهب لإلماسهم فنجح في وساطته وقد يكون "خمير" هذا أحد الحكام أو الإقطاعيين، لا النجاشي ملك الأحباش.

ويظهر من كتاب "الإشقاق" أنه كان لأبرهة حفيد اسمه "ابن شمر" إذ ذكر مؤلفه "ابن دريد" اسم رجل سماه "ابن شمر بن أبرهة بن الصباح"، قال: إنه قتل مع "علي بن أبي طالب" بصفين1. ومعنى هذا أنه كان لأبرهة ولد اسمه "شمر". ونجد في كتب أهل الأخبار أسماء رجال كانوا من حفدة "أبرهة".

وقد سعى الأحباش، مدة مكثهم في اليمن، في نشر النصرانية بين الناس، وبناء الكنائس. ويحدثنا "قزما الرحالة" cosmas indicopleustes في نحو سنة "535م"، أي بعد اندحار "ذي نواس"، عن كثرة الكنائس في العربية السعيدة، وعن كثرة الأساقفة والمبشرين الذين بشروا بين الحميريين والنبط وبني جرم2. وقد اشتهرت كنيسة "نجران"، وكذلك كنيسة صنعاء، وكنيسة "ظفار" التي بناها الحبش، وقد أشرف عليها الأسقف "جرجنسيوس" صاحب "كتاب شرائع الحميريين"، وكان مقربًا لدى النجاشي ومستشاره ومساعده في تنصير الحميريين3.

وورد أن القيصر "يوسطين""جستين" كان قد أرسل "كريكنتيوس" gregentius of uippana من الإسكندرية إلى "ظفار" ليكون "أسقفًا" على نصاراها. وقد تناظر مع "حبر" من أحبار يهود فيها، فغلبه. وقدم قانون الشرعية إلى "أبرام""abram" ملك حمير4.

1 الاشتقاق "2/ 361"، جمهرة أنساب العرب، "لابن حزم 435".

2 النصرانية "1/ 56"، MIGNE. Patrolo. Gre، vol، LXXX col. 169

3 النصرانية "1/ 64"، الأغاني "2/ 75".

MIGNE. Patrolo. Gre، vol، 86، col. 567-620

4 Bury، ii، p. 327

ص: 196