الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الشعراء. وقد رووا له شعرًا قاله لقيس1. في جملته قوله:
وَجُلُنداءَ في عُمانَ مُقيمًا
…
ثُمَّ قَيسًا في حَضرَمَوتَ المُنيفِ2
وقد ذكر "ابن حبيب" أن "خالد بن جعفر بن كلاب"، أسر "قيس بن سلمة الكندي" يوم الحرمان3.
وذكر أهل الأخبار أن ملوك كندة جعلوا ردافتهم في "بني سدوس"4.
وجاء أن "الأشعث بن قيس"، كان قد غلب على أهل نجران وملك رقابهم وجعلهم "عبيدًا مملكة". وذكر أن خاصمهم عند "عمر" في أيام خلافته، فاحتجوا عليه أن ذلك كان في الجاهلية، فلما أسلموا سقطت تلك العبودية عنهم5.
1 الأغاني "2/ 78"، الأمالي "1/ 92"، الجمحي، طبقات الشعراء "ص123".
2 ديوان الأعشى "القصيدة 63، البيت 15".
3 المحبر "ص252".
4 الاشتقاق "ص211".
5 اللسان "10/ 439".
امرؤ القيس الشاعر:
ويذكر الأخباريون أن "حجرًا" لم يكن راضيًا عن ابنه "امرئ القيس" فطرده من عنده وآلى ألا يقيم أنفة من قوله الشعر، وكانت الملوك تأنف من ذلك. فكان يسير في إحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيء وكلب وبكر بن وائل. فإذا صادف غديرًا أو روضة أو موضع صيد، أقام فذبح لمن معه في كل يوم، وخرج إلى الصيد فتصيد، ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الحمر وسقاهم وغنته قيانه، ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير، ثم ينتقل عنه إلى غيره. فأتاه خبر أبيه ومقتله وهو بـ"دمون" من أرض اليمن، أتاه به رجل من بني عجل يقال له عامر الأعور أخو الوصاف. فلما أتاه بذلك، قال:
تطاول الليل علي دمون
…
دمون، إنا معشر يمانون
وإننا لأهلها محبون
ثم قال: ضيعني صغيرًا وحملني دمه كبيرًا، لا صحو اليوم، ولا سكر غدًا، اليوم خمر، وغدًا أمر. فذهبت مثلًا ثم قال:
خليلي، لا في اليوم مصحى لشارب
…
ولا في غد إذ ذاك ما كان يشرب
ثم شرب سبعًا فلما صحا آلى ألا يأكل لحمًا ولا يشرب خمرًا ولا يدهن بدهن ولا يصيب امرأة ولا يغسل رأسه من جنابة حتى يدرك بثأره1.
وفي رواية أخرى أنه طرد لما صنع في الشعر بفاطمة ما صنع، وكان لها عاشقًا فطلبها زمانًا، فلم يصل إليها، وكان يطلب غرة حتى كان منها يوم الغدير بدارة جلجل ما كان، فقال قصيدته المشهورة:"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل". فلما بلغ ذلك والده غضب عليه، وأوصى بقتله ثم طرده2. وهناك من يزعم أنه إنما طرد؛ لأنه تغزل بامرأة من نساء أبيه3.
هذا وصف موجز لأصغر أبناء "حجر": "امرئ القيس بن حجر الكندي" الشاعر الشهير و"الملك الضليل" و"ذي القروح"4.
وللرواة أقوال في اسم "امرئ القيس"، فقد سماه بعضهم "حندجًا"، ودعاه آخرون "عديًّا"، ودعاه قوم "مليكًا" ودعاه نفر "سليمان" وهو معروف عندهم بالإجماع بـ"امرئ القيس"، وهو لقبه5. ويكنى بأبي وهب وأبي زيد وأبي الحارث وذي القروح6.
ولا نعرف سنة ولادة هذا الأمير الشاعر. ويظن "أوليندر" أنه ولد حوالي
1 الأغاني "8/ 65"، ابن قتيبة، الشعر والشعراء "1/ 50 وما بعدها""دار الثقافة بيروت 1964" خزانة الأدب "1/ 159 وما بعدها" شرح القصائد العشر، للتبريزي "ص6 وما بعدها"، معجم الشعراء، للمرزباني "ص9"، المحبر "ص352"، نزهة الجليس "2/ 148 وما بعدها".
2 الشعر والشعراء "ص31""طبعة مصطفى السقا"، القاهرة 1932، "32".
3 OLINDER، P. 96.
4 الأغاني "8/ 61"، الشعر والشعراء "ص31"، الخزانة، للبغدادي "3/ 432"، سرح العيون، لابن نباتة "181"، العمدة، لابن رشيق "1/ 41، 42، 97"، تقريب الأغاني، لابن واصل "ص1001".
5 المزهر "2/ 214"، الآمدي: المؤتلف والمختلف، "ص9"، جمهرة أشعار العرب "ص49"، القاهرة 1926"، طبقات فحول الشعراء، "دار المعارف" شرح المعلقات السبع، للزوزني "ص1 وما بعدها" المحبر "ص233، 349" الاشتقاق "2/ 222"، القاموس المحيط "1/ 546".
6 السندوبي "ص6 وما بعدها" OLINDER، P. 95
سنة "500" للميلاد1. أما أمه فهي "فاطمة" بنت ربيعة بن الحارث بن زهير، أخت "كليب" و"مهلهل" التغلبيين2. وورد في بيت شعر ينسب إلى هذا الشاعر: "امرئ القيس بن تملك"3. وقد استنتج بعض العلماء منه أن أمه هي "تملك" ورجعوا نسبها إلى "عمرو بن زبيد بن مذحج رهط عمرو بن معديكرب"، ويرى بعض المستشرقين أنه أدخل في ديوان هذا الشاعر، وأنه يعود إلى شاعر آخر اسمه "امرئ القيس"، وقد عد "آلوارت" "ahlwardt"، ستة عشر شاعرًا أسماؤهم "امرؤ القيس"4. ويلاحظ أن من زعم من الرواة أن أم امرئ القيس هي "تملك" جعل نسبه "امرأ القيس بن السمط بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن ثور"، وهو: كندة"، وهم يخالفون بذلك سلسلة النسب المألوفة عند غالبية الرواة.
وذكر أنه ولد ببلاد بني أسد، وأنه كان ينزل بالمشقر وهو موضع ذكر في شعره5. وروى "ابن قتيبة" أن "امرأ القيس" من أهل نجد، وأن الديار التي وصفها في شعره كلها ديار بني أسد6. وقد تنقل هذا الشاعر في مواضع متعددة من الجزيرة، ووصل إلى القسطنطينية عاصمة الروم.
وكان امرؤ القيس بـ"دمون" حينما جاء إليه نبأ مقتل والده على رواية7. ودمون من قرى حضرموت للصدف في رواية8. وفي رواية أخرى مرجعها "الهيثم بن عدي" أن امرأ القيس لما قتل أبوه كان غلامًا قد ترعرع. وكان في بني
1 OLINDER، P. 95
2 ابن الأثير "1/ 211"، الأغاني "8/ 60" ency، ii، p. 477
3
ألا هل أتاها والحوادث جمة
…
بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
ديوان امرئ القيس "20: 37"، الأغاني "8/ 61"، OLINDER، P. 95
4 Ahlwardt، Bemerkungen uber die echtheit der alten Arbischen Gedichte S. 73
راجع أخبار المراقسة وأشعارهم في الجاهلية وصدر الإسلام: تأليف حسن السندوبي، القاهرة 6939، وقد جمع فيه أشعار من كان شاعرًا ويسمى بـ"امرئ القيس".
5 الأغاني "8/ 61"، البلدان "8/ 65"، معجم ما استعجم "561".
6 الشعر والشعراء "ص31""طبعة السقا"، القاهرة 1932،
OLINDER، P. 95
Maritm، arabien، s. 53
7 الأغاني "8/ 95".
8 الصفة "85"، البكري، معجم "1/ 348"، "وساكن دمون هو الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار"، البلدان "4/ 85".
حنظلة مقيمًا؛ لأن ظئره كانت امرأة منهم، وقد روت شعرًا زعمت أنه قاله حينما بلغه النبأ، وهو:
أتاني وأصحابي على رأس صليع
…
حديث أطار النوم عني فأنعما
قلت لعجلي بعيد مآبة
…
ابن لي وبين لي الحديث المجمجما
فقال: أبيت اللعن عمرو وكاهل
…
أباحا حمى حجر فأصبح مسلما1
ويفهم من هذا أن شاعرنا كان في صيلع حينما أبلغ خبر وفاة والده، أتاه به رجل اسمه "عجل" ويعرف بعامر الأعور2.
أما صيلع، فموضع من شق اليمن، كثير الوحش والظباء. ورد اسمه في خبر مجيء وفد همدان إلى الرسول3. وقد صرح "ياقوت الحموي" أن به ورد الخبر على امرئ القيس بمقتل أبيه حجر4.
وهناك خبر يفيد أنه نزل في "بني دارم" وبقي عندهم حتى قتل عمه "شرحبيل"، وفي رواية تنسب إلى "الهيثم بن عدي" أنه كان مع والده "حجر" حين هاجمته بنو أسد، وأنه هرب على فرس له وتمكن من النجاة5.
ويقول "ابن الكلبي" و"يعقوب بن السكيت" أن امرأ القيس ارتحل بعد أن بلغه نبأ مقتل والده حتى نزل بكرًا وتغلب، فسألهم النصر على بني أسد، فبعث العيون على بني أسد، فنذروا بالعيون ولجئوا إلى بني كنانة، ثم أدركوا أن امرأ القيس يتعقبهم، ونصحهم "علباء بن الحارث" بالرحيل بليل، وألا يعلموا بني كنانة، ففعلوا وتركوا "بني كنانة" وارتحلوا عنهم ليلًا دون أن يشعروا.
فلما وصل امرؤ القيس إلى بني كناية ظانًّا بني أسد بينهم، نادى: يا لثارات الملك. يا لثارات الملك: فأخبروه أنهم تركوهم وارتحلوا عنهم. فتعقبهم مع بكر وتغلب حتى لحق بهم، فقاتلهم، فكثرت فيهم الجرحى والقتلى حتى جاء الليل فحجز بينهم، وهربت بنو أسد فلما أصبحت بكر وتغلب، أبوا أن يتبعوهم وقالوا له: قد أصبت ثأرك. قال: والله، ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل
1 "أباحوا حمى حجر فأصبح مسلما"، السندوبي "181"، الأغاني "8/ 66".
2 الأغاني "8/ 65".
3 البكري، معجم "2/ 614".
4 البلدان "5/ 406".
5 OLINDER ، P. 96
ولا من غيرهم من بني أسد أحدًا. قالوا. بلى، ولكنك رجل مشئوم، وكرهوا قتالهم بني كنانة، وانصرفوا عنه، ومضى هاربًا لوجهه حتى لحق بحمير1.
ولما أقبل امرؤ القيس من الحرب على فرسه الشقراء، لجأ ابن عمته "عمرو بن المنذر" وأمه "هند بنت عمرو بن حجر آكل المرار"، وذلك بعد قتل أبيه وأعمامه، وتفرق ملك أهل بيته، وكان عمرو يومئذ خليفة لأبيه المنذر بـ"بقة"، فمدحه وذكر صهره ورحمه، وأنه قد تعلق بحباله، ولجأ إليه فأرجاه ومكث عنده زمانًا. ثم بلغ المنذر مكانه عنده، وأنذره عمرو، فهرب حتى أتى حمير2.
وفي رواية يرجعها الرواة إلى "ابن الكلبي" و"الهيثم بن عدي" و"عمر بن شبة" و"ابن قتيبة": أن "امرأ القيس" خرج فورًا بعد امتناع بكر بن وائل وتغلب من أتباع بني أسد إلى اليمن، فاستنصر أزد شنوءة، فأبوا أن ينصروه وقالوا: إخواننا وجيراننا، فنزل بقيل يدعى "مرثد الحير بن ذي جدن الحميري"، وكانت بينهما قرابة، فاستنصره واستمده على بني أسد، فأمده بخمسمائة رجل من حمير، ومات مرثد قبل رحيل امرئ القيس بهم، وقام بالمملكة بعده رجل من حمير يقال له: قرمل بن الحميم، وكانت أمه سوداء، فردد امرؤ القيس، وطول عليه حتى هم بالانصراف
…
فأنفذ له ذلك الجيش، وتبعه شذاذ من العرب، واستأجر من قبائل العرب رجالًا، فسار بهم إلى بني أسد، ومر بـ"تبالة"، وبها صنم للعرب تعظمه يقال له "ذو الخلصة"، فاستقسم عنده بقداحه، وهي ثلاثة: الآمر والناهي والمتربص، فأجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم، وقال: مصصت بظر أمك لو أبوك قتل ما عقتني، ثم خرج فظفر بـ"بني أسد"3.
فلما ظفر بهم، فقال هذه الأبيات:
قولا لِدودانَ عَبيدِ العَصا
…
ما غَرَّكُم بِالأَسَدِ الباسِلِ
قَد قَرَّتِ العَينانِ مِن مالِكٍ
…
وَمِن بَني عَمروٍ وَمِن كاهِلِ
وَمِن بَني غَنمِ بنِ دودانَ إِذ
…
نَقذِفُ أَعلاهُم عَلى السافِلِ
1 الأغاني "8/ 67"، ابن الأثير، الكامل "1/ 306 وما بعدها".
2 الأغاني "8/ 67".
3 الأغاني "8/ 67 وما بعدها"، البداية والنهاية، لابن كثير "2/ 219".
حَلَّت لِيَ الخَمرُ وَكُنتُ اِمرَأً
…
عَن شُربِها في شُغُلٍ شاغِلِ
فَاليَومَ أشْربُ غَيرَ مُستَحقِبٍ
…
إِثمًا مِنَ اللَهِ وَلا واغِلِ
وهي أبيات يفهم منها أنه أوقع في "بني دودان" و"بني مالك" و"بني عمرو" و"بني كاهل" و"بني غنم بن دودان"، وهي بطون من بني أسد، وهي التي قتلت أباه حجرًا، قالها بعد أن أنجده "قرمل بن الحميم الحميري" وأنه ألبسهم الدروع المحماة، وكحلهم بالنار، فبر بيمينه، وحل له شرب الحمر1.
وبنو دودان هم بنو ثعلبة بن دودان بن أسد، وإلى ثعلبة هذا تنسب الثعلبية التي بين الكوفة ومكة. وهم جملة بطون ذكرها أهل الأنساب2.
وإلى "قرمل" أشار "امرؤ القيس" في شعره:
وَكُنّا أُناساً قَبلَ غَزوَةِ قُرمُلٍ
…
وَرَثنا الغِنى وَالمَجدَ أَكبَرَ أَكبَرا
وهو من "السحول" من "ذي الكلاع"3.
وفي رواية تنسب إلى "الخليل بن أحمد الفراهيدي" أن رجالًا من قبائل "بني أسد" فيهم "قبيصة بن نعيم" وكان في بني أسد مقيمًا، قدموا على امرئ القيس بعد مقتل أبيه؛ ليعتذروا إليه وليسووا قضية قتل والده، فرفض إلا الانتقام من "بني أسد" قائلًا:"لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم، وأني لن أعتاض به جملًا أو ناقة، فاكتسب بذلك سبة الأبد وفت العضد. وأما النظرة، فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سببًا وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك تحمل القلوب حنقًا وفوق الأسنة علقًا"4.
وتذكر الرواية أنه خرج إليهم بعد إبطاء دام ثلاثة أيام، وهو في قباء وخف وعمامة سوداء، وكانت العرب لا تعتم السواد إلا بالثارات، فلما نظروا إليه، وبدر إليه قبيصة، يتكلم باسمهم معتذرًا، طالبًا الصفح عنهم، ودفع الدية عن
1 السندوبي "ص151"، الشعر والشعراء "43 وما بعدها" OLINDER، P. 102
2 جمهرة أنساب العرب، لابن حزم "ص182".
3 الاشتقاق "ص307، 309".
4 الأغاني "8/ 72 وما بعدها".
حجر، أخبرهم، أن دم حجر لا يعتاض بجمل أو ناقة، وأنه لا بد من أخذه بالثأر، ثم أمهلهم حتى يجمع طلائع كندة، فيهجم عليهم1.
وهناك روية أخرى تنسب إلى "أبي عبيدة" في هذا المعنى المتقدم مآلها أن "بني أسد" اجتمعت "بعد قتلهم حجر بن عمرو إلى ابنه امرئ القيس على أنه يعطوه ألف بعير دية أبيه، أو يقيدوه من أي رجل شاء من بني أسد، أو يمهلهم حولًا. فقال: أما الدية، فما ظننت أنكم تعوضونها على مثلي. وأما القود، فلو قيد إليَّ ألف من بني أسد ما رضيتهم ولا رأيتهم كفئًا لحجر، وأما النظرة فلكم، ثم ستعرفونني في فرسان قحطان أحكم فيكم ظبا السيوف وشبا الأسنة حتى اشفي نفسي وأنال ثأري"2.
ولم تشر رواية "الخليل" و"أبي عبيدة" إلى ما فعله "امرؤ القيس" بعد ذلك في "بني أسد"، ولكننا إذا ما أردنا ربط هذه الروايات بعضها ببعض وبحسب التسلسل الطبيعي المنطقي، نستطيع أن نجعلها مقدمة لرواية "ابن الكلبي" و"ابن السكيت" و"خالد الكلابي" وملحقها، وهي رواية "محمد بن سلام" عن نزول "امرؤ القيس" بـ"بكر" و"تغلب"، وطلبه النجدة منهم والنصرة على بني أسد، واقتصاصه منهم بعد تركهم لـ"بني كنانة" كما ذكرت ذلك سابقًا. وأن نربطها كذلك برواية "ابن الكلبي" والهيثم بن عدي" و"عمرو بن شيبة" وابن "قتيبة" الملحقة بهذه الرواية، والرواية القائلة بذهاب "امرئ القيس" إلى اليمن واستنصاره بـ"أزد شنونة" و"مرثد الخير بن ذي جدن الحميري" بعد أن امتنعت بكر من وائل وتغلب عن ملاحقة بني أسد.
وقد أشار "ابن قتيبة" أشار مختصرة إلى هجوم "امرئ القيس" على بني أسد حينما كانوا في "بني كنانة"، وذكر أنه أوقع بـ"بني كنانة"، ونجت "بنو كاهل" من بني أسد، فقال:
يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا
…
القاتلين الملك الحلاحلا
تالله لا يذهب شيخي باطلا3
1 الأغاني "8/ 72 وما بعدها".
2 الأغاني "19/ 85".
3 الشعر والشعراء "1/ 50 وما بعدها"، البداية والنهاية "2/ 218"، شرح القصائد السبع الطوال، للأنباري "ص4 وما بعدها "دار المعارف 1963" ديوان امرئ القيس "ص34" "دار المعارف" "تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم"، الحيوان، للجاحظ "5/ 578".
وأما "اليعقوبي" فذكر أن "امرأ القيس" حين بلغه مقتل أبيه جمع جمعًا وقصد "بني أسد"، فلما كان في الليلة التي أراد أن يغير عليهم في صبيحتها، نزل بجمعه ذلك، فذعر القطا، فطار عن مجاثمه فمر ببني أسد، فقالت بنت "علباء بن الحارث" أحد "بني ثعلبة"، وكان القائم بأمر بني أسد: ما رأيت كالليلة قطًا أكثر. فقال علباء: "لو ترك القطا لغفا ونام" فأرسلها مثلًا. وعرف أن جيشًا قد قرب منه، فارتحل، وأصبح امرؤ القيس فأوقع بكنانة، فأصاب فيهم، وجعل يقول: يا لثأرات حجر! فقالوا: والله ما نحن إلا كنانة. فتركهم وهو يقول:
أَلا يا لَهفَ نَفْسِي إِثرَ قَومٍ
…
هُمُ كانوا الشِفاءَ فَلَم يُصابواهم
وَقاهُم جِدُّهُم بِبَني أَبيهِم
…
وَبِالأَشقينَ ما كانَ العِقابُ
وَأَفلَتَهُنَّ عِلباءٌ جَريضاً
…
وَلَو أَدرَكنَهُ صَفِرَ الوِطابُ1
ولم يشر اليعقوبي إلى محاولة "امرئ القيس" تعقيب "بني أسد" وامتناع من كان معه عن الذهاب معه كما رأينا ذلك في الرواية السابقة بل قال: ومضى امرؤ القيس إلى اليمن لما لم يكن به قوة على بني أسد ومن معهم من قيس، فأقام زمانًا، وكان يدمن مع ندامي له، فأشرف يومًا، فإذا براكب مقبل، فسأله: من أين أقبلت؟ قال: من نجد، فسقاه مما كان يشرب، فلما أخذت منه الخمرة، رفع عقيرته وقال:
سَقَينا اِمرَأَ القَيسِ بنَ حُجرِ بنِ حارِثٍ
…
كُئوسَ الشَجا حَتّى تَعَوَّدَ بِالقَهرِ
وَأَلهاهُ شُربٌ ناعِمٌ وَقُراقِرٌ
…
وَأَعياهُ ثَأرٌ كانَ يَطلُبُ في حُجرِ
وَذاكَ لَعَمري كانَ أَسهَلَ مَشرَعاً
…
عَلَيهِ مِنَ البيضِ الصَوارِمِ وَالسُمرِ
ففزع امرؤ القيس لذلك ثم قال: يا أخا أهل الحجاز، من قائل هذا الشعر؟
قال: عبيد بن الأبرص. قال: صدقت. ثم ركب واستنجد قومه، فأمدوه بخمسمائة من مذحج، فخرج إلى أرض "معد"، فأوقع بقبائل معد، وقتل الأشقر بن عمرو، وهو سيد بني أسد وشرب في قحف رأسه، وقال امرؤ القيس في شعر له:
1 اليعقوبي "1/ 178".
قولا لِدودانَ عَبيدِ العَصا
…
ما غَرَّكُم بِالأَسَدِ الباسِلِ
يَا أيُّها السَّائِلُ عَنْ شَأنِنَا
…
لَيْسَ الذي يَعْلَمُ كالجَاهِلِ
حَلَّت لِيَ الخَمرُ وَكُنتُ اِمرَأً
…
عَن شُربِها في شُغُلٍ شاغِلِ
وطلبت قبائل معد امرأ القيس، وذهب من كان معه، وبلغه أن المنذر ملك الحيرة قد نذر دمه، فأراد الرجوع إلى اليمن، فخاف حضرموت، وطلبته بنو أسد وقبائل معد، فلما علم أنه لا قوة به على طلب المنذر واجتماع قبائل معد على طلبه ولم يمكنه الرجوع، سار إلى "سعد بن الضباب الإيادي، وكان عاملًا لكسرى على بعض كور العراق فاستتر عنده حينًا حتى مات سعد بن الضباب"، فخرج امرؤ القيس إلى جبل "طيء" ونزل بقوم من طيء، ثم لم يزل في طيء مرة وفي جديلة مرة وفي نبهان مرة حتى صار إلى "تيماء" فنزل بالسموءل بن عادياء فأودعه أدراعه وانصرف عنه إلى قيصر1.
وذكر "ابن خلدون" أن "امرأ القيس" سار صريخًا إلى "بني بكر" و"تغلب" فنصروه، وأقبل بهم، فأجفل "بنو أسد" وساروا إلى "المنذر بن امرئ القيس" ملك الحيرة، وأوقع "امرئ القيس" في "كنانة"، فأثحن فيهم، ثم سار في ملاحقة "بني أسد" إلى أن أعيا ولم يظفر منهم بشيء، ورجعت عنه بكر وتغلب، فسار إلى "مؤثر الخير بن ذي جدن" من ملوك حمير صريحًا بنصره بخمسمائة من حمير، ويجمع من العرب سواهم. وجمع المنذر لامرئ القيس ومن معه، وأمده كسرى أنو شروان بجيش من الأساورة، والتقوا، فانهزم امرؤ القيس، وفرت حمير ومن كان معه، ونجا بدمه، وما زال ينتقل في القبائل والمنذر في طلبه، وسار إلى قيصر صريخًا فأمده، ثم سعى به "الطماح" عند قيصر أنه يشبب ببنته، فبعث إليه بحلة مسمومة كان فيها هلاكه ودفن بأنقرة2.
و"أبو الفداء" من الذين نفوا كذلك خبر إيقاع "امرئ القيس" بـ"بني أسد". فهو يرى أنه لم يظفر بهم، وأن "بني أسد" هربت حينما علمت بمجيء "بكر" و"تغلب". فلما أعجز القبيلتين الطلب، تخاذلتا عن "امرئ
1 اليعقوبي "1/ 180".
2 ابن خلدون "2/ 274 وما بعدها".
القيس"، وتركتاه. ولما عرفت جموع "امرئ القيس" بتطلب "المنذر بن ماء السماء" له، تفرقت خوفًا من المنذر، وخاف "امرؤ القيس"، وصار يدخل على قبائل العرب وينتقل من أناس إلى أناس حتى قصد "السموءل بن عاديا" اليهودي، فأكرمه وأنزله، وأقام عنده ما شاء الله، ثم سار إلى قيصر مستنجدًا به1.
ينفي خبر "ابن خلدون" المتقدم، خبر انتقام امرئ القيس من بني أسد، وهو يتفق بذلك مع رواية مؤيدة لبني أسد تنكر أخذ امرئ القيس بثأره من بني أسد، وتروي في ذلك أبياتًا تنسبها أسد إلى "عبيد بن الأبرص" شاعر بني أسد. قال ابن قتيبة:"وقد ذكر امرؤ القيس في شعره أنه ظفر بهم، فتأبى عليه ذلك الشعراء". قال عبيد:
ياذا المخوفنا بقتل أبيه
…
إذلالًا وحينا
أزعمت أنك قد قتلت
…
سراتنا كذبًا ومينا2
وعبيد هذا هو الذي زعم "ابن الكلبي" وأضرابه أنه قال أبياتًا يتوسل فيها إلى "حجر" أن يترفق بقبائل بني أسد، وأن يعفو عنها، ويقبل ندامتها، فيسمح لها بالعودة إلى مواطنها. وكان قد أمر بإجلائها إلى تهامة؛ لأنها أبت دفع الإتاوة إلى جابي "حجر"، وضربته، وضرجته ضرجًا شديدًا. ومطلعها:
يا عَينِ فَاِبكي ما بَني
…
أَسَدٍ فَهُم أَهلُ النَدامَة
ويقول ويقولون: إنه لما سماعها رق على "بني أسد"، فبعث في إثرهم وسمح لهم بالعودة من تهامة3. وهو قول فيه تحيز على بني أسد.
ويفهم من هذه الأبيات:
كَأَنّي إِذ نَزَلتُ عَلى المُعَلّى
…
نَزَلتُ عَلى البَواذِخِ مِن شَمامِ
فَما مُلكُ العِراقِ عَلى المُعَلّى
…
بِمُقتَدِرٍ وَلا مُلكُ الشَآمِي
1 أبو الفداء "1/ 57"، خزانة الأدب، "3/ 532"، الكامل لابن الأثير "1/ 308 وما بعدها".
2 ابن قتيبة "ص33"، الشعر والشعراء "1/ 50 وما بعدها""دار الثقافة، بيروت، 1964"، خزانة الأدب "1/ 158 وما بعدها" تاريخ اليعقوبي "2/ 189""طبعة النجف"، الشعر والشعراء "ص39"، "طبعة ليدن".
3 الأغاني "8/ 63".
أَصَدَّ نِشاصِ ذي القَرنَينِ حَتّى
…
تَوَلّى عارِضُ المَلِكِ الهمَامِ
أَقَرَّ حَشا اِمرِئِ القَيسِ بنِ حُجرٍ
…
بَنو تَيمٍ مَصابيحُ الظَلامِ
أن امرأ القيس نزل على "المعلى" أحد "بني تيم بن ثعلبة" فأجاره ومنعه. ولم يكن للملكين: ملك العراق وهو المنذر ولا ملك الشآم أي ملك الغساسنة، اقتدار عليه. وقد بقي لديه زمانًا، ثم اضطر إلى الارتحال عنه1. فذهب ونزل عند "بني نبهان" من طيء. ثم خرج، فنزل بـ"عامر بن جوين الطائي" وهو أحد الخلعاء والفتاك. فبقى عنده زمانًا. ثم أحس منه مارًّا به. فتغفله، وانتقل إلى رجل من "بني ثعل" فاستجار به. فوقعت الحرب بين "عامر" وبين "الثعلي"، فخرج ونزل برجل من "بني فزارة" اسمه "عمرو بن جابر بن مازن" فأشار هذا عليه بالذهاب إلى "السموءل بن عادياء" بتماء فوافق فأرسله في صحبة رجل من "فزارة" اسمه "الربيع بن ضبع الفزاري" كان يأتي السموءل، فيحمله ويعطيه. فنزل عنده وأكرمه، ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى "الحارث بن أبي شمر" الغساني، ليوصله إلى قيصر. ثم أودعه امرؤ القيس ابنته وأدراعه وأمواله، وأقام ابنته مع "يزيد بن الحارث بن معاوية" ابن عمه وخرج2. وكان المذي أشار على "امرئ القيس" بالتوجه إلى قيصر هو ذلك الرجل الفزاري3.
ويظهر من غربلة كل هذه الروايات، أن مطاردة "المنذر بن ماء السماء" لامرئ القيس كانت أعنف شيء أصاب هذا الشاعر بعد مقتل والده. لقد أخافته وجعلته يتنقل من قوم إلى قوم. فر عنه من انضم إليه من عصبة حمير، ونجا في جماعة من بني آكل المرار. حتى نزل بالحارث بن شهاب في بني يربوع من حنظلة ومعه أدراعه الخمسة: الفضفاضة، والضافية، والمحصنة، والخريق، وأم الذبول، كن لبني مرار يتوارثونها ملكًا عن ملك، فقلما لبثوا عند الحارث بن شهاب حتى بعث إليه المنذر مائة من أصحابه يوعده بالحرب أن يسلم بني آكل المرار فأسلمهم، ونجا امرؤ القيس ومعه ابن عمه يزيد بن معاوية بن الحارث وبنته هند، والأدرع والسلاح، ومال كان بقي عنده، ومضى إلى أرض طيء
1 الأغاني "8/ 68"، السندوبي "ص179"، OLINDER ، P.108
2 الأغاني "8/ 70".
3 الأغاني "8/ 68 وما بعدها".
ونزل عند المعلي بن تيم الذي مدحه شاعرنا، فأقام عنده، واتخذ إبلًا، ثم خرج فنزل بعامر بن جوين على نحو ما ذكرت1.
ويذكر الأخباريون أن "عمرو بن قميئة" كان قد رافق "امرأ القيس" في سفره إلى "القسطنطينية" وقد أشير إليه في شعر "امرئ القيس" كذلك.
ويذكرون أنه كان من قدماء الشعراء في الجاهلية "وأنه أول من قال الشعر من نزار، وهو أقدم من امرئ القيس، ولقبه امرؤ القيس في آخر عمره، فأخرجه معه إلى قيصر لما توجه إليه، فمات معه في طريقه، وسمته العرب: عمرًا الضائع لموته في غربة وفي غير أرب ولا مطلب"2 بل روي أنه كان من أشعر الناس3. وأنه كان من خدم والد امرئ القيس، وأنه بكى وقال لامرئ القيس غررت بنا، فأنشأ امرؤ القيس شعرًا فيه4.
أما خبر "امرئ القيس" مع الغساسنة في طريقه إلى قيصر، فلا نعلم منه شيئًا، وليس في شعره ما يشير إلى أنه ذهب إليهم رجاء التوسط في الوصول إليه.
ويظهر من شعر لامرئ القيس، أنه سلك طريق الشأم في طريقه إلى "قيصر" وأنه مر بـ"حوران"5 وبعلبك وحمص وحماة وشيزر6. أما ما بعد ذلك حتى عاصمة الروم، فلا نعرف من أمره شيئًا.
ويقول الرواة أن قيصر أكرم امرأ القيس، وصارت له منزلة عنده، وأنه دخل معه الحمام، وأن ابنته نظرت إليه فعشقته، فكان يأتيها وتأتيه، وأنه
1 الأغاني "8/ 68".
2 الأغاني "16/ 158 وما بعدها".
3 الأغاني "16/ 159".
4 "ثم سار ومعه عمرو بن قميئة أحد بني قيس بن ثعلبة وكان من خدمة أبيه. فبكى ابن قميئة، وقال: غررت بنا، فأنشأ امرؤ القيس يقول:
بكي صاحبي لما رأى الدرب دونه
…
وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنما
…
نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا
الشعر والشعراء "ص45 وما بعدها"، "طبعة ليدن"، أمالي الشريف المرتضى "1/ 629".
5
فلما بدت حوران والآل دونها
…
نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا
سندوبي "ص70"
6
لقد أنكرتني بعلبك وأهلها
…
ولابن جريج في قرى حمص أنكرا
سندوبي "ص70"
"ابن جريج"، OLINDER، P. 110
نادمه، واستمده فوعده ذلك وفي هذه القصة يقول:
ونادمت قيصر في ملكه
…
فأوجهني وركبت البريدا1
ويذكرون أن "القيصر" أنجد "امرأ القيس" وأمده بجند كثيف فيه جماعة من أبناء الملوك، ولكن رجلًا من بني أسد اسمه "الطماح" كان امرؤ القيس قد قتل أخًا له، لحق بامرئ القيس، وأقام مستخفيًا، فلما ارتحل "امرؤ القيس" اتصل بجماعة من أصحابه، اتصلوا بقيصر، وقالوا له:"إن العرب قوم غدر ولا نأمن أن يظفر بما يريد، ثم يغزوك بمن بعثت معه". وفي رواية لابن الكلبي أنه ذهب إلى قيصر، وقال له: إن امرأ القيس غوي عاهر، وإنه لما انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وهو قائل في ذلك أشعارًا يشهر بها في العرب فيفضحها ويفضحك. فبعث إليه حينئذ بحلة وشي مسمومة منسوجة بالذهب، وقال له: إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إليَّ بخبرك من مزل منزل. فلما وصلت إليه لبسها، واشتد سروره بها، فأسرع فيه السم، وسقط جلده، فلذلك سمي "ذا القروح" ويستشهدون على قولهم هذا بشعر امرئ القيس2.
ويذكر بعضهم أن امرأ القيس كان مصابًا بداء قديم، وقد عاوده في ديار الروم، وهو عائد إلى دياره، فلما وصل إلى "أنقرة"، اشتد عليه المرض، فمات هناك. وأنه رأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك، فدفنت في سفح جبل يقال له "عسيب"، فسأل عنها فأخبر بقصتها، فقال في ذلك شعرًا.
1 الأغاني "8/ 70"، الشعر والشعراء "ص46"، "ليدن"، أمالي المرتضى "1/ 519".
2 ابن قتيبة "ص33"
Olinder، P. III، FR. Ruckert، Amrllkais der Dichter und Konig، Hannover 1924
الأغاني "8/ 70 ما بعدها"، "الطماح بن قيس الأسدي"، الشعر والشعراء "1/ 50 وما بعدها""دار الثقافة، بيروت 1964"، "ص46"، "ليدن".
قوله:
وَبُدِّلتُ قَرحًا دامِيًا بَعدَ صِحَّةٍ
…
فَيا لَكِ مِن نُعمى تَحَوَّل أَبؤُسا
الشعر والشعراء "ص47"، "ليدن".
ثم مات فدفن في جنب المرأة، فقبره هناك1.
ويرى بعض المستشرقين إن ذهاب "امرئ القيس" إلى "القيصر""يوسطنيانوس" كان حوالي سنة "530" للميلاد، وأنه توفي في أثناء عودته بين سنتي "530" و"540" للميلاد2.
وليس في كتب الروم أو السريان الواصلة إلينا إشارة إلى هذه الحوادث التي يرويها الأخباريون عن ذهاب امرئ القيس إلى القسطنطينية، وطلبه النجدة من القيصر وموته في أنقرة، ولا عن الشعر الذي قاله في حق القيصر، وفي حق القبر الذي شاهده، وما إلى ذلك مما يذكره الأخباريون.
وأما "المعلى" الطائي أحد بني تيم، من "جديلة" والذي يعرف قومه بـ"مصابيح الظلام"، فقد ذكره أهل الأخبار في عداد الوافين من العرب. قيل إن "المعلى" شخص في يوم لبعض أمره، وبلغ "المنذر بن ماء السماء" أن امرأ القيس عند المعلى وقد أجاره، فركب حتى أتى "ابن المعلي" فعمد ابن المعلى حتى انتهى إلى القبة هو فيها. فقال له:"إن فيها حرم المعلى ولست واصلًا إليها" ونادى في قومه، فمنعوه، فقال امرؤ القيس شعرًا يمدح "بني تيم" وذكر نعتهم "مصابيح الظلام"، وقال:
فَما مُلكُ العِراقِ عَلى المُعَلّى
…
بِمُقتَدِرٍ وَلا مُلكُ الشَآمِي3
وإما "عامر بن جوين الطائي" الذي نزل امرؤ القيس عنده، فهو من
1 "ولما صار إلى مدينة بالروم تدعى أنقرة ثقل، فأقام بها حتى مات وقبر هناك.
وقال قبل موته:
رب خطبة مسحنفره
…
وطعنة متنجره
وجعبة متحيره
…
تدفن غدًا بأنقره
ورأى قبرًا لامرأة من بنات ملوك الروم هلكت بأنقرة، فسأل عن صاحبه فخبر بخبرها، فقال:
أجارتنا أن المزار قريب
…
وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا أنا غريبان ههنا
…
وكل غريب للغريب نسيب
الشعر والشعراء "ص47"، "ليدن"، الأغاني "8/ 71"،
Ency. ii، p 477
2 Ency. ii، p 477
3 المحبر "ص353 وما بعدها".
"طيء" ثم من "بني جرم". وقد أقام امرؤ القيس عنده، حتى قبل عامر امرأة امرئ القيس، فأعلمته بذلك، فسار امرؤ القيس إلى "جارية بن مر الطائي" ثم "الثعلي" المعروف بـ"أبي حنبل"، فلم يصادفه، وصادف ابنه. فقال له ابنه:"أنا أجيرك من الناس كلهم إلا من أبي حنبل". فرضي بذلك وتحول إليه. فلما قدم أبو حنبل رأى كثرة أموال امرئ القيس وأعلمه ابنه بما شرط له في الجوار. فاستشار في أكله نساءه. فكلهن أشرن عليه بذلك: وقلن له: "إنه لا ذمة له عندك". ولكنه خالفهن بعد أن فكر في نفسه وفي سوء عاقبة الغدر ثم قرر الوفاء، فعقد له جوارًا ثم ركب في أسرته حتى نزل منزل عامر بن جوين ومعه امرؤ القيس، فقال له:"قبل امرأته كما قبل امرأتك. ففعل"1.
وذكر أهل الأخبار أن "المنذر بن النعمان الأكبر"، ضغن على "عامر بن جوين الطائي، لما أجار "امرأ القيس" أيام كان مقيمًا بالجبلين، وقال كلمته التي يقول فيها:
هنالك لا أعطي مليكًا ظلامة
…
ولا سوقة حتى يئوب ابن مندلة
فلما وفد عليه، وذلك بعد انقضاء ملك كندة ورجوع الملك إلى لخم. ودخل عليه، أنَّبَه على فعلته وهدده بغزو قومه، وبإنزاله العقوبة الصارمة بهم، فخرج "عامر" من عنده، بعد أن قال له:"إن البغي أباد عَمْرًا، وصرع حجرًا، وكان أعز منك سلطانًا، وأعظم شأنًا، وإن لقيتنا لم تلق أنكاسًا ولا أغساسًا، فهبش وضائعك وصنائعك، وهلم إذا بدا لك، فنحن الأُلَى قسطوا على الأملاك قبلك"، ثم أتى راحلته، وأنشأ يقول أبياتًا يتوعد فيه الملك2.
ويشير أهل الأخبار إلى ملك من ملوك كندة، عرف بـ"أبي جبر". قالوا عنه، إنه كان ملكًا شديد البأس، خرج إلى "كسرى" يستجيشه على قومه، فأعطاه جيشًا من الأساورة، فلما بلغوا "كاظمة" ونظروا إلى بلاد العرب قالوا: أين يمضي بنا هذا الرجل، وعمدوا إلى سم، دفعوه إلى طباخه،
1 المحبر "ص352 وما بعدها".
2 كتاب ذيل الأمالي "177"، "المجلس الأول: مطلب ما دار من الحديث بين المنذر بن النعمان الأكبر وعامر بن جوين الطائي لما وفد عليه".