المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كندة في العربية الجنوبية: - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٦

[جواد علي]

الفصل: ‌كندة في العربية الجنوبية:

فقال: "وهي قصيدة طويلة، وأظنها منحولة؛ لأنها لا تشاكل كلام امرئ القيس، والتوليد فيها بين، وما دونها في ديوانه أحد من الثقات، وأحسبها مما صنعه دارم؛ لأنه من ولد السموءل، ومما صنعه من روى عنه من ذلك فلم تكتب هنا

"1 ولا أستبعد أن تكون هذه القصة، قصة الوفاء من صنع هؤلاء الصناع.

ويرى "ونكلر""winckler" أن قصة الوفاء هذه هي أسطورة استمدت مادتها من أسفار "صموئيل الأول" في التوراة، ومن الأساطير العربية القديمة نظمت على هذه الصورة فجعل بطلها شخصان هما: السموءل وامرؤ القيس2.

ولا بد لي وقد انتهت من البحث عن إمارة كندة، من الإشارة إلى "الأكيدر" صاحب "دومة الجندل"، فقد نسبه أهل الأخبار إلى "كندة". وقد ذكروا أنه من السكون، والسكون هم من كندة. ومعنى هذا أن عائلة تنتمي إلى كندة كانت تحكم هذا الموضع المهم في البادية؛ لأنه ملتقى طرق قوافل وسوق معروف من أسواق الجاهليين.

1 الأغاني "8/ 70".

2 H. Winckler، Arabisch-Semitisch-Orientalisch، in Mittei. Der Vorder Asia Gese.، 1901، S. 112. 6 Jahrgang

ص: 68

‌كندة في العربية الجنوبية:

وقفنا على أخبار كندة بنجد وفي العربية الشرقية إلى العراق. ثم رأينا ما حل بتلك الإمارة وكيف تشتت شملها. ونريد الآن أن نتحدث عن دور هذه القبيلة في العربية الجنوبية.

يرى بعض الباحثين أن الخصومات التي وقعت في إمارة كندة، وتعقب ملوك الحيرة ولا سيما "المنذر" لساداتها، وانقضاض القبائل التي كانت تخضع لها عنها ثم سقوط إمارة كندة، دفعت بعشائر كندة إلى الاتجاه نحو الجنوب نحو العربية الجنوبية، ولا سيما حضرموت، وهي موطنها القديم، فنزحت إليها واستوطنت بها. وكونت لها إمارة كندية بحضرموت.

ص: 68

وهذا القول يجب ألا يفسر على أن مجيء كندة إلى العربية الجنوبية إنما كان بعد سقوط حكومتهم وتشتت أمرهم، فقد أشرت فيما سلف في مواضع إلى وجود كندة في العربية الجنوبية قبل هذا العهد بزمن طويل، وأشرت إلى ورود اسمها في نصوص المسند وإلى الأدوار التي لعبتها في أيام ملوك سبأ وذو ريدان، قبل الإسلام بمئات السنين، بل ربما كان ذلك قبل الميلاد.

وقد رأينا فيما سلف ورود اسم "كندة" كدت" في نص أمر بتدوينه الملك "معديكرب يعفر ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في النجاد وفي المنخفضات". وهو من النصوص التي عثر عليها في "وادي مأسل" "وادي ماسل" "مأسل الجمع"1، وقد دون ووضع في موضع "مأسل الجمح"2 لمناسبة إرسال الحملة العسكرية إلى موضع "كتا" لمحاربة "مذر" أي "المنذر" الذي أعلن الحرب على قبائل هذه الجهات. وقد اشتركت في هذه الحرب قبائل سبأ وحمير و"رحبت" "رحبة" وحضرموت و"يمنت" "اليمن" والأعراب و"كدت" أي "كندة" و"مذحج". واشترك مع المنذر "مذر" بنو ثعلبة "بن ثعلبت" و"شبيع؟ ". وقد أرخ النص بشهر "ذ قيضن" "ذو قيض" "ذو القيض" من سنة "631" من التقويم الحميري أي في صيف سنة 516 للميلاد3.

ويظهر من هذا النص أن "المنذر" كان قد بلغ في حروبه مناطق بعيدة عن قاعدة ملكه، وأنه هو الذي غزا القبائل القاطنة في وادي مأسل الجمع "ما سلم جمحن". ولعله كان يتعقب عشائر كندة ومن كان يؤازرها ويعادي ملك الحيرة، حتى بلغ هذا المكان الذي كان خطًّا أماميًّا من خطوط الدفاع لحكومة "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الأطواد والمنخفضات". ولهذا السبب هب الملك "معديكرب" لمساعدة "كندة" على نحو ما ورد في النص.

وقد ذكرت "كدت" كندة مع مراد ومذحج والقبائل الأخرى في الهجوم الذي قام به الملك "يوسف إسار""يوسف أسأر" على الأحباش في مدينة "ظفار"، وعلى المدن التي كانت تناصرهم. وقد ورد تأريخ هذا الهجوم في

1-

كدأبك من أم الحويرث قبلها

وجارتها أم الرباب بمأيل

2 "بما سلم جمحن"

3 Le Museon، LXVI، 1953، P. 307، 310، Ryckmans 510-446

ص: 69

نص سجله القيل "شرح إيل يقبل بن شرحب إيل يكمل" من "أل يزن""آل يزن""آل يزأن" بالاشتراك مع "جدن""جدنم" و"حيم""حب" و"نسأ""نسان""نسن" و"جبا""جبأ" لهذه المناسبة.

ويتبين من هذا النص أن الملك "يوسف إسار""يوسف أسأر" هاجم "ظفار" مقر الأحباش، واستولى على الكنيسة "قلسن""القليس"، ثم سار بعد ذلك على "أشعرن""الأشعر"، وعين القيل على رأس جيش، ثم سار إلى "مخون""مخا" فقتل سكانها واستولى على كنيستها، وهدم جميع حصون "شمر" ومعاقلها والسهل. وعندئذ قام بهجوم ماحق على "أشعرن".

وقد قُتل في هذه المعارك عدد كبير من الناس، قُتل ثلاثة عشر ألف قتيل، وأخذ تسعة آلاف وخمسمائة أسير، واستولى على "280" ألف من الإبل والبقر والماعز. وأخذت غنائم عديدة أخرى.

وأمر الملك بعد هذه المعارك القيل "شرح إيل يقبل" شرح آل يقبل" بالالتحاق بالجيش الذي أرسل إلى نجران. وفي صعيد هذه المدينة اجتمع رؤساء "بني أزأن" "آل يزأن" "بن يزن" وقبائل همدان وكندة ومراد ومذحج وأعرابها. فتغلبت جيوش الملك على هذه المدينة، وأنزلت بسكانها خسائر كبيرة في الأموال والأرواح، ووضعت الأغلال في أيدي الأسرى، وقتل من وجد هناك من الأحابيش. وكان مع الملك في جيشه من الرؤساء: "لحيعت برخم" و"سميفع أشوع" و"شرحب إيل أسعد". وقد دون هذا النص في شهر "ذ قبضن" "ذو القيض" من شهور صيف سنة "633" من التقويم الحميري الموافقة لسنة "518" للميلاد1.

وقد لعبت "كندة""كدت" دورًا خطيرًا في الأوضاع السياسية والعسكرية في أيام استيلاء الجيش على العربية الجنوبية، كما يتبين ذلك من الفصل الخاص المتعلق بهذا الموضوع. وقد دخل رؤساؤها في الإسلام، فتبعهم أتباعهم، كما يرد ذلك في كتب التواريخ والسير.

ويذكر أهل السير والتواريخ، أن وفدًا من وفود "كندة"، كان في جملة

1 Ryckmans 508، Le Museon، LXVI، PP. 295، Bulletin، P. 458

ص: 70

الوفود التي قدمت المدينة لمبايعة الرسول في السنة العاشرة من الهجرة. وكان قد رأسه "الأشعث بن قيس الكندي". "دخلوا على رسول الله مسجده، وقد رجلوا أجممهم، وتكحلوا، عليهم جبب الحيرة، قد كففوها بالحرير"، ثم قال الأشعث:"يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار. وأنت ابن آكل المرار"، يفتخر بجده "آكل المرار"، وبـ "أن كندة كانت ملوكًا"1.

وقد عرف جد "الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية"، بمعاوية الأكرمين، وإنما سمي معاوية الأكرمين لأنه ليس في آبائه إلا ملك أو رئيس. وكان كريم الطرفين، وقد ذكره "الأعشى" في شعر له. وكان أحد ملوك كندة بحضرموت2.

وكان "مخوص""مخوس" ومشرح وجمد وأبضعة بنو معديكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية من سادات كندة عند ظهور الإسلام. وقد لقب كل واحد منهم نفسه بلقب "ملك"، واختص كل واحد منهم بواد ملكه.

وقد نزلوا المحاجر، وهي أحماء حموها، وقد عرف هؤلاء بالملوك الأربعة من "بني عمرو بن معاوية"، وقد لعنهم النبي3. وقتلوا في الردة4.

ويرجع النسابون نسب كندة إلى جد أعلى قالوا له "عفير بن عدي" وهو والد "ثور". و"ثور" هو كندة5. وولد "كندة" معاوية بن كندة وأشرس، وأمهما هي رملة بنت أسد بن ربيعة بن نزار6. ويمثل هذا النسب صلة كندة بقبائل معد، وارتباط تأريخها بها، وتملكها عليها قبل الإسلام بزمن. وهو تملك جعل "كندة" تفتخر به، حتى صارت تدعو نفسها:"كندة الملوك".

ويذكر "الهمداني"، أن الشاعر "امرؤ القيس"، كان يفتخر ويقول:

لا ينكر الناس منَّا يوم نملكهم

كانوا عبيدًا وكنا نحن أربابًا7

1 الطبري "3/ 138 وما بعدها"، "قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة".

2 الأكليل "1/ 90".

3 ابن الأثير "2/ 158 وما بعدها"، البلدان "3/ 294"، "حضرموت"، ابن خلدون "2/ 56"، القسم الثاني: الوفود.

4 الاشتقاق "220".

5 الإكليل "1/ 146".

6 الإكليل "1/ 145".

7 الإكليل "1/ 145".

ص: 71

وأن "تبعًا الآخر"، وهو "عمرو بن حسان"، عين حجرًا آكل المرار على معد كلها، فالملك على "معد" لكندة. وأن "كندة" كانت تقول:"لم تزل لها نزار ومن نزل الحيرة والشأم من العرب طعمة ورعية".

وقد نسب بضع النسابين "كندة" إلى كندة، وهو ثور بن مرتع بن معاوية بن كندي بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان1. ونسبه بعض آخر إلى "كندة بن عفير بن الحارث"، إلى غير ذلك من آراء. وقد زعم بعض النسابين أن "الصدف" واسمه "مالك"، وهو جد "الصدف"، هو شقيق كندة2.

ومن بطون كندة معاوية بن كندة، ومنه الملوك بنو الحارث بن معاوية الأصغر بن ثور بن مرتع بن معاوية، أسلاف الشاعر امرئ القيس، وقد حكموا القبائل الأخرى من غير كندة، ومنها قبائل من عدنان3.

و"الأشرس بن مرتع"، هو أخو "كندة"، وهو أبو السكون والسكاسك4، ونسب السكاسك إلى "خميس السكسك بن أشرس بن ثور. وهو كندة بن عفير"5.

ومن السكون "نجيب". وكان "أكيدر بن عبد الملك" صاحب دومة الجندل من السكون، وأخوه بشر بن عبد الملك. يذكرون أنه ذهب إلى الحيرة، وتعلم بها الخط، ثم رجع إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب أخت أبي سفيان. ومنه تعلم أهل مكة الكتابة6.

ويذكر أهل الأخبار أن كندة لما خرجت من "الغمر": غمر ذي كندة نزلت بحضرموت وتآلفت مع الصدف تذكرت الأواصر والقرابات التي كانت تربطها بـ"الصدف" فصارت تحارب معها7، وجعل "الهمداني" أهل حضرموت من كندة والصدف وحمير.

1 جمهرة أنساب العرب "ص399"، الإكليل "10/ 4"، الإنباه "114"، الاشتقاق "218"، ابن خلدون "2/ 257"، صبح الأعشى "1/ 328"، نهاية الأرب "2/ 303"، الروض الأنف "2/ 345"، تاج العروس "1/ 43"، "2/ 287"، اللسان "4/386".

2 الإكليل "10/ 5".

3 ابن خلدون "2/ 257".

4 الإكليل "1/ 358".

5 الإنباه "115"، الاشتقاق "221"، تاج العروس "7/ 141"، تاريخ العرب قبل الإسلام "4/ 281".

6 جمهرة "403 وما بعدها"، ابن خلدون "2/ 257".

7 الإكليل "2/ 15 وما بعدها". Beitrage ، s. 133

ص: 72