المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فلسطين الثالثة: لقد ذهب "كوسان دي برسفال" "caussin. de perceval" إلى - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٦

[جواد علي]

الفصل: ‌ ‌فلسطين الثالثة: لقد ذهب "كوسان دي برسفال" "caussin. de perceval" إلى

‌فلسطين الثالثة:

لقد ذهب "كوسان دي برسفال""caussin. de perceval" إلى أن "كيسوس""kaisus،caisus" المذكور عند "بروكوبيوس" و"نونوسوس""nonnosus" هو "امرؤ القيس"1.

ذكر "بروكوبيوس"، أن القيصر "يوسطنيانوس""juslinianus"، أرسل رسولًا هو "يوليانوس""julianus" إلى "esimiphaaeus""السميفع أشوع" ليطلب منه بحكم رابطة الدين والمصالح المشتركة تنصيب أحد أبناء الأشراف ورؤساء القبائل واسمه "kaisus""caisus" على "معد""maddeni"، وأن يرسل قوة كبيرة من رجاله يشتركون مع الـ"سرسين" والـ"massenin" في غزو مملكة الفرس2. وكان "كيسوس" هذا قد قتل أحد أقارب "esimiphaaeus" والتجأ إلى البادية، ولم يقم أي منهما بالغزو، ولم يذكر "بروكوبيوس" شيئًا آخر عن "كيسوس" هذا، أي "قيس"، وقد كانت سفارة "يوليانوس" إلى الحميرين قبل موت "قباذ" أي قبل سنة "531م"3.

وفي الخبر إشارة إلى شجاعة "قيس" وكفاءته وحزمه، لهذه الأسباب ولأسباب سياسية أخرى رغب القيصر في تعيينه رئيسًا على معد.

وذكر "نونوسوس" أن القيصر "يوسطنيانوس" كلفه الذهاب في سفارة إلى "kaisos""قيس" حفيد "الحارث""aretas" ورئيس قبيلتين عظيمتين من أعظم قبائل الـ"سرسينوي""saracynoi" هما "kindyoi" كندة و"معد""maadynoi" لمواجهته ودعوته للذهاب إلى الإمبراطور إذا أمكنه ذلك. فذهب إليه، ونفذ أوامر القيصر، وعاد إلى بلده سالمًا. وكان القيصر "أنسطاسيوس""anastasius" قد كلف جد "نونوسوس" أن يذهب إلى الحارث ليعقد عهدًا معه، كما أن القيصر "يوسطينوس"، كلف أبا "نونوسوس" وهو "إبراهام""إبراهيم" إن يذهب إلى "المنذر""alamoundaros" رئيس الـ"سرسينوي" لمفاوضته في فك أسر قائدين كانا أسيرين لديه هما "تيموستراتوس"

1 Olinder، p. 114، Caussin de Perceval، Essai، II، P. 317

2 Procopius، History of the Wars، P. 193، I، XX، 9-13

3 Olinder، P. 114

ص: 73

و "يوحنا". ثم كلف مرة ثانية في عهد "يوسطنيانوس""justinianus" سفارة أخرى لدى قيس، لعقد معاهدة معه، وقد تمكن من ذلك، وعاد ومعه أحد أبناء "قيس" واسمه "معاوية""mauias" ليكون رهينة في "بوزنطية" عند "يوسطنيانوس"، وكلف "إبراهيم" مرة أخرى أن يذهب إلى "قيس" بمهمة سياسية أخرى، فذهب إليه وأقنعه بالقدوم إلى "بوزنطية"، فقسم ولايته على القبائل بين أخوين "يزيد""jezidos" و"aumros""عمرو"، ونال من الإمبراطور ولاية "فلسطين"، وجاء معه بعدد لا يحصى من مرءوسيه1.

وقد ذكر "ملخوس الفيلادلفي""malchus of philadelphia" اسم عامل عربي سماه "amorkesos" أي "امرؤ القيس". كان كما قال رئيسًا على بطن من بطون الأعراب "sareceni" هو بطن "nokalian""nokhalian".

وذكر أن "بطرس""peter" أسقف أهل الوبر "saraceni" ذهب في عام "473" للميلاد إلى القسطنطينية ليطلب من القيصر "ليون""leo" أن يمنح هذا الرئيس. درجة "عامل""phylarchus""فيلارخ" على العرب المقيمين في العربية الحجرية.

وكان هذا الرئيس يقيم مع قبيلته في الأصل كما ذكر "ملخوس" في الأرضين الخاضعة لنفوذ الفرس، ثم ارتحل عنها ونزل في أرضين قريبة من حدود الفرس وأخذ يغزو منها حدود الساسانيين، والقبائل العربية المقيمة في الأرضين الخاضعة للروم. فتمكن بذلك من بسط نفوذه وسلطانه على القبائل حتى بلغ ساحل البحر الأحمر، واستولى على جزيرة "إيوتابا""iotabe"، وهي جزيرة مهمة كان الروم ينزلون فيها لجمع الضرائب من المراكب الذاهبة إلى المناطق الحارة أو الآيبة منها، فتصيب الحكومة أرباحًا عظيمة جدًّا. فلما استولى على تلك الجزيرة، صار يجيبها لنفسه، حتى صار غنيًّا جدًّا. كذلك حصل على ثروة عظيمة من الغنائم التي حصل عليها من غزوه للمواضع المجاورة لهذه الجزيرة والواقعة في العربية الحجرية وأعالي الحجاز2

1 المشرق، السنة الثامنة، العدد 21، 1 تشرين الثاني - سنة 1905م، "ص1005"، شيخو، النصرانية وآدابها، "القسم الثاني، الجزء الثاني""ص433 وما بعدها".

Migne، Patrol. Gree، Phot، Bibl. CIII، 46-47، Olinder، P. 114

2 Musil، Hegaz، P. 308

ص: 74

وأراد "امرؤ القيس""amorkesos"، بعد أن بلغ من النفوذ مبلغه، الاتصال بالروم، والتحالف معهم، والاعتراف به عاملًا رسميًّا على العرب الذين خضعوا له وعلى العرب المعترفين بسلطان الروم عليهم. ولذلك أرسل الأسقف "بطرس" أسقف قبيلته، ليكون رسوله إلى القيصر. وقد نجح هذا الأسقف في مهمته، وتوسط في دعوة "امرئ القيس" لزيارة القسطنطينية" فلما وصل إليها استقبل بها استقبالًا لائقًا ورحب به ترحيبًا حارًّا، ولا سيما بعد أن أعلن دخوله في النصرانية، فأنعم عليه القيصر بالهدايا والألطاف وعينه "عاملًا" "phylaechus" على تلك الجزيرة وعلى مواضع أخرى وعلى أعراب العربية الحجرية.

ثم عاد مكرمًا، بالرغم من أن معاهدة الصلح التي كانت بين الروم والفرس كانت قد حرمت دخول رؤساء الأعراب وقبائلهم النازحين من مناطق أحد الطرفين في أرضين الطرف الثاني1.

ويحتمل على رأي "إلويس موسل" أن يكون هذا الشيخ قد هاجر من "الوديان" و"الحجيرة" إلى "دومة الجندل" ومنها صار يغزو أعراب "العربية الحجرية"، والمناطق المجاورة لها من "فلسطين الثالثة""palestina tertia" ويتوسع فيها حتى بلغ ساحل البحر، فتحكم في جزيرة "iotabe" المهمة التي كانت محطة تجارية خطيرة للاتجار مع الهند، وفي الطريق البري المهم الذي يربط ديار الشأم بالعربية الجنوبية، فحصل على سلطان واسع ونفوذ عظيم2.

ولعل هذه الجزيرة هي جزيرة "ainu" التي ذكرها "بطلميوس"، أخذ تسميته هذه من "حينو""حاينو""hainu" الاسم الذي كانت تعرف به عند الأنباط3. ويظن أنها جزيرة "تاران" "تيران". وذكر "ياقوت" أن سكانها قوم يعرفون بـ"بني جدان"4.

ويحدثنا "ثيوفانس" أن هذه الجزيرة كانت في عام "490" للميلاد في أيدي

1 Musil، Hegaz، P. 306

2 Musil، Hegaz، P. 306

3 Musil، Hegaz، P. 307، Ptolemy، VI، 7، 43

4 البلدان "2/ 352" Musil، hegaz. P. 306

ص: 75

الروم، استولى عليها حاكمهم "dux" على فلسطين بعد قتال شديد1. ويدل خبر هذا المؤرخ على أن الروم انتزعوا هذه الجزيرة من "امرئ القيس" أو من خلفائه بعد مدة ليست طويلة من استيلاء امرئ القيس عليها. ولعلهم استولوا عليها بعد وفاة هذا العامل على أثر نزاع وقع بين أولاده وورثته أضعف مركز الإمارة، فانتهز الروم هذه الفرصة وانتزعوا ما تمكنوا من انتزاعه من أملاك هذا الرئيس.

ويظن أن "nokalian" هو "النخيلة". و"النخيلة" موضع معروف قرب الكوفة على سمت الشام2، وهو موضع ينطبق عليه ما ذكره "ملخوس" من أنه كان في أرض كانت تحت نفوذ الفرس.

وكان يحكم هذه المنطقة في أيام "يوسطنيانوس""justinianus""joustinianus" رئيس يدعى "أبو كرب""abochorabus"، وكانت له واحة خصبة مزروعة بالنخيل، وهبها إلى القيصر. فقبلها منه، وعينه رئيسًا "phylarchus" على أعراب "saracens" فلسطين. فحمى له الحدود من غزو الأعراب، ومنع اعتداء القبائل في الداخل. وذكر "بروكوبيوس" أن هناك أعرابًا آخرين كانوا يجاورون أعراب هذا الرئيس، يدعون بـ"maddeni" أي "معد"، يحكمهم "homeritae" أي الحميريون3. ويظهر من كلام هذا المؤرخ أن قبائل معد كانت في أيامه تابعة لحمير. ومعنى هذا أن نفوذهم كان قد أمتد في هذا العهد حتى بلغ أعالي الحجاز، وفي كلامه هذا تأييد لروايات الأخباريين الذين يتحدثون عن بلوغ التبايعة هذه الأماكن، وعن حروب وقعت بين العدنانيين والقحطانين.

وليس في الذي أورده "بروكوبيوس" أو "نونوسوس"، ما يثبت أن "قيسًا" هو "امرؤ القيس". ومجرد تشابه الاسمين لا يمكن أن يكون حجة على أنهما لمسمى واحد. ثم إن ما ذكره "نونوسوس" من أن "قيسًا" كان رئيسًا على قبيلتي "كندة" و"معد" لا يكون دليلًا على أنه كان حتمًا من "كندة" أو أنه كان حتمًا "امرأ القيس" الشاعر الذي يعرفه الأخباريون.

لذا فنحن لا نستطيع الجزم في الوقت الحاضر بتعيين هوية هذا الرئيس

1 Theophanes، chronographiq، P. 121، Musil، Husil، Hegaz، P. 307

2 البلدان "8/ 276 وما بعدها". Blau.، in zdmg ، 22، 1868، s. 578

3 Procopius، De Bello Persico، I، 19، Musil، Hegaz، P. 307

ص: 76