الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فألقاه في أحب الألوان إليه، فلما استقر في جوفه، مرض وتوجع، فجاء الأساورة إليه، طالبين منه أن يكتب لهم أنه قد أذن لهم بالرجوع، فكتب لهم، فرجعوا وخف ما به، فخرج إلى "الطائف" إلى "الحارث بن كلدة الثقفي"، ليداويه فداواه وبرئ، ثم ارتحل يريد اليمن، فنكس ومات. وكانت له عمة اسمها "كبشة" فرثته1.
هذه قصة "كندة"، وهذه حكاية شاعرها "امرئ القيس" الذي يعود إليه الفضل في حفظ الأخباريين لتأريخ كندة.
أما شعر امرئ القيس وديوانه وصحيحه وفاسده، فقد تحدث العلماء فيه، ولهم فيه كلام يخرجني التعرض له عن صلب هذا الموضوع. فعلى مقالاتهم المعول في هذه الأمور.
يتبين للقارئ بعد غربلة الأخبار المتقدمة، أن كندة كانت قد تمكنت من الهيمنة على القبائل النازلة في أواسط جزيرة العرب، ومن تكوين مملكة لها، بلغت أوج ملكها في القرن الخامس للميلاد، إلا أن ملكها على عادة حكومات القبائل لم يدم طويلًا، فسرعان ما أخذ بنيانه يتآكل ويتداعى، فأخذت أجزاؤه تتساقط، وعادات القبائل التي اضطرت بقانون القوة المتحكم في البادية إلى الانفصال عنها وإلى استعادة حريتها بذلك القانون أيضًا. فخسرت كندة ملكها الذي شمل نجدًا ووصل العراق، وبقي رؤساء منها يتحكمون في حضرموت، ثم أخذوا يتعاملون مع قبائل عربية جنوبية أخرى لتوسيع ملكهم لا سيما بعد تركهم نجدًا ولجوئهم إلى حضرموت، ويقدر بعض الباحثين عدد من جاء إلى حضرموت من كندة بحوالي ثلاثين ألف رجل، نزل أكثرهم في "دمون"2.
1 نزهة الجليس "1/ 484".
2 beltrage، s. 121
السموءل:
ولا بد من الإشارة باختصار إلى "السموءل" الذي مر اسمه في أثناء كلامنا على "امرئ القيس"، وقصته هي في الواقع جزء من قصة هذا الشاعر،
وذيل لها. وهو على ما يقوله لنا الأخباريون يهودي ثري، شاعر: مقره "الأبلق" بـ"تيماء" يعرف بـ"السموءل بن عاديا" وبـ "السموءل بن غريض بن عاديا""عادياء" اليهودي1. وبـ "السموءل بن حيان "حسان" بن عادياء2" وبـ"السموءل بن عادياء بن حيا"3، وبـ"السموءل بن حيا بن عادياه بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب"4، وبـ"السموءل بن أوفى بن عادياء"5. ويظهر من بيتين من قصيدة للأعشى، هما:
كُن كَالسَمَوءَلِ إِذ سارَ الهُمامُ لَهُ
…
في جَحفَلٍ كَسَوادِ اللَيلِ جَرّارِ
جارُ اِبنِ حَيّا لِمَن نالَتهُ ذِمَّتُهُ
…
أَوفى وَأَمنَعُ مِن جارِ اِبنِ عَمّارِ
أن المراد بـ"ابن حيا" السموءل، أي أن اسم والد السموءل هو "حيا".
واختلفوا في نسب "عاديا""عادياء"، فقالوا:"عادياء بن حباء" وقالوا "عادياء بن رفاعة بن جفنة"، وقالوا: إنه من ولد "الكاهن بن هارون بن عمران"6، وقالوا عن قبيلته إنه كان من "بني غسان"7. ونسبه "دارم بن عقال" إلى "رفاعة بن كعب بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء". وهو نسب أنكره "أبو الفرج الأصبهاني" حيث قال: "وهذا عندي محال؛ لأن الأعشى أدرك شريح بن السموءل، وأدرك الإسلام وعمرو مزيقيا قديم لا يجوز أن يكون بينه وبين السموءل ثلاثة آباء ولا عشرة إلا أكثر
…
وقد قيل إنه أمه كانت من غسان"8. ونسب السموءل إلى الأزد9.
وللأعشى الشاعر الشهير شعر يرويه الرواة في مدح "الشريح بن السموءل".
1 "عادياء"، الأغاني "19/ 98"، ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء "ص235"، "طبعة دار المعارف"، ency، iv، p. 133
2 الميداني، الأمثال "2/ 276"، المشرق، السنة الثانية عشرة 1909م العدد 3 آذار ص162، "حسان" مروج "2/ 176"، "طبعة دار الأندلس".
3 المعرب، للجواليقي "ص188".
4 الاشتقاق "259".
5 المشرق، العدد المذكور "ص162".
6 المشرق، العدد المذكور، معاهد التنصيص "1/ 131".
7 الاشتقاق "259"، المحبر "349"،
8 الأغاني "19/ 98"، المشرق، العدد المذكور.
9 المعرب "ص188".
وقد ورد فيه اسم ولدين للسموءل، هما:"حوط" و"منذر"1. ولم يذكر الأخباريون اسم الولد الذي زعم أن "الحارث بن أبي شمر" أو "الحارث بن ظالم" قتله لرفض "السموءل" دفع أدرع الكندي إليه، على نحو ما يذكره الرواة في قصة الوفاء. ونجد مضمون هذه القصة في قصيدة الأعشى الرائية الموجودة في ديوانه. وهي قصيدة تتألف من واحد وعشرين بيتًا، يروي الرواة أنه قالها مستجيرًا بـ"شريح بن السموءل" ليفكه من الأسر. وكان الأعشى على ما يقوله الرواة قد هجا رجلًا من "كلب"، فظفر به الكلبي وأسره، وهو لا يعرفه، فنزل بشريح بن السموءل وأحسن ضيافته، ومر بالأسرى، فناداه الأعشى بهذه القصيدة، فجاء شريح إلى "الكلبي"، وتوسل إليه بأنه يهبه، فوهبه إياه، فأطلقه، وقال له: أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك، فقال له "الأعشى":"إن تمام إحسانك إلى أن تعطيني ناقة ناجية، وتخليني الساعة، فأعطاه ناقة ناجية، فركبها ومضى من ساعته. وبلغ "الكلبي" أن الذي وهبه لشريح "الأعشى"، فأرسل إلى شريح ابعث إليَّ الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه، فقال: قد مضى، فأرسل الكلبي في أثره، فلم يلحقه"2.
وروى "ابن قتيبة" القصة المتقدمة على هذا النحو: "قال أبو عبيدة: أسر رجل من كلب الأعشى فكتمه نفسه وحبسه، واجتمع عند "الكلبي" شرب فيهم "شريح بن عمرو والكلبي"، فعرف الأعشى. فقال للكلبي: من هذا؟ فقال خشاش التقطته. قال: ما ترجو به ولا فداء له! خل عنه. فخلى عنه. فأطعمه شريح وسقاه. فلما أخذ منه الشراب سمعه يترنم بهجاء الكلبي، فأراد استرجاعه. فقال الأعشى:
شُرَيحُ لا تَترُكَنّي بَعدَما عَلِقَت
…
حِبالَكَ اليَومَ بَعدَ القِدِّ أَظفاري
كُن كَالسَمَوَءَلِ إِذ طَافَ الهُمامُ بِه
…
في جَحفَلٍ كَهزيع اللَيلِ جَرّارِ
بِالأَبلَقِ الفَردِ مِن تَيماءَ مَنزِلُهُ
…
حِصنٌ حَصينٌ وَجارٌ غَيرُ غَدّارِ3
1 المشرق، السنة الثانية عشرة، 1909م، العدد 3 آذار، "ص163".
2 الأغاني "19/ 99 وما بعدها"، ديوان الأعشى "ص126 وما بعدها"، "تحقيق رودلف كاير"، "لندن 1928م"، ديوان الأعشى الكبير "ص179"، "تحقيق الدكتور م. محمد حسين".
3 الشعر والشعراء "ص139"، "الأعشى ميمون بن قيس".
فجعل الرجل المجير "شريح بن عمرو الكلبي"، أي من العشيرة التي أسر أحد رجالها الأعشى، ولم يجعله ابنًا من أبناء السموءل.
وجاء نسب "شريح" في شرح "أبي العباس ثعلب" على ديوان الأعشى على هذا الشكل: "شريح بن حصن بن عمران بن السموءل بن حيا بن عاديا"1، فصار "السموءل" جدًّا من أجداد "شريح" لا والدًا له.
وقد اختلف الأخباريون في الرجل الذي طالب السموءل بتأدية سلاح "امرئ القيس" إليه، فزعم بعضهم أنه "الحارث بن أبي شمر الغساني"2. وزعم بعض آخر أنه "الحارث بن ظالم" في بعض غاراته بالأبلق، وزعم آخرون أنه "المنذر" ملك الحيرة، وجه بـ"الحارث بن ظالم" في خيل، وأمره بأخذ مال امرئ القيس من السموءل، وزعم أنه "الأبرد" وهو الملك الغساني.
وكان الحارث بن أبي شمس لما قتل المنذر بعين أباغ، وجه ابن عمه الأبرد، فجعله بين العراق والشام. فلما سمع الأبرد بهلاك امرئ القيس، طالب السموءل بدفع الدروع إليه، فامتنع، فذبح ابنه وهو يراه. ولم يصرح بعضهم باسم الملك الذي طالب بتأدية الدروع، إنما ذكروا أنه كان بعض ملوك الشأم3.
وإذا تتبعنا الروايات الواردة في قصة وفاء السموءل، وذبح ابنه، وامتناعه عن تأدية الأمانة المودعة لديه، نجد أنها ترجع إلى موردين: قصة "دارم بن عقال" وشعر الأعشى. ويلاحظ أن في شعر الأعشى كثيرًا من أخبار السموءل، ومن شعره أخذ الأخباريون "تيماء اليهودي"، وهذه ملاحظة تستحق الدرس4. ويفهم منه أن الأعشى كان ممن يرتادون حصن السموءل. أما "دارم بن عقال"، فهو من ولد السموءل. وهو راوي خبر قصة الوفاء، والأشعار المنسوبة إلى امرئ القيس المتعلقة بهذا الموضوع. وقد أشار إلى ذلك مؤلف كتاب "الأغاني" في أثناء كلامه على قصيدة نسبت إلى "امرئ القيس" ابتداؤها:
طرقتك هند بعد طول تجنب
…
وهنا ولم تك قبل ذلك تطرق
1 ديوان الأعشى "125"، "تحقيق كاير".
2 طبقات فحول الشعراء "235"، الأغاني "19/ 99".
3 الأغاني "19/ 99"، ديوان الأعشى "126"، "كاير"، المحبر "349".
4 البلدان "3/442"، الحيوان للجاحظ "6/ 188"، المشرق، الجزء المذكور "ص163".