المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} 1. ولهذا فقد كان - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٦

[جواد علي]

الفصل: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} 1. ولهذا فقد كان

{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} 1. ولهذا فقد كان من سياستهم مدارة حكام اليمن وإرضاؤهم، ومنع من قد يعتدي منهم على أحد من أهل اليمن أو الحبش ممن قد يقصد مكة للإتجار أو للاستراحة بها في أثناء سيره إلى بلاد الشأم؛ خوفًا من منع تجارهم من دخول أسواق اليمن، فلما وثب أحدهم على تجار من اليمن كانوا قد دخلوا مكة، وانتهبوا ما كان معهم، مضت عدة من وجوه قريش إلى "أبي يكسوم"، أي أبرهة وصالحوه أن لا يقطع تجار أهل مكة عنهم. وضمانًا لوفائهم بما اتفقوا عليه وضعوا "الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار" وغيره رهينة، فكان "أبرهة" يكرمهم ويصلهم، وكانوا يبضعون البضائع إلى مكة لأنفسهم2.

وقد وضع أهل الطائف رهائن عند أبي يكسوم كذلك، ضمانًا لحن معاملتهم للحبش ولمن يقصد الطائف للإتجار من الحبش أو من أهل اليمن3.

1 الآية الأولى وما بعدها.

2 Le museon، 1965m 3-4، p.432

3 Le museon، 1965m 3-4، p.431

ص: 211

‌طرد الحبشة:

لقد عجل الحبش في نهايتهم في اليمن، وعملوا بأيديهم في هدم ما أقاموه بأنفسهم من حكومة، باعتدائهم على أعراض الناس وأموالهم، وأخذهم عنوة كل ما كانوا يجدونه أمامهم، حتى ضج أهل اليمن وضجروا، فهبوا يريدون تغيير الحال، وطرد الحبشة عن أرضهم، وإن أدى الأمر إلى تبديلهم بأناس أعاجم أيضًا مثل الروم أو الفرس، إذا عجزوا هم عن طردهم، فلعل من الحكام الجدد من قد يكون أهون شرًّا من الحبش، وإن كان كلاهما شرًّا، ولكن إذا كان لا بد من أحد الشرين فإن أهونهما هو الخيار ولا شك.

وهب اليمانون على الحبش، وثار عليهم ساداتهم في مواضع متعددة غير أن ثوراتهم لم تفدهم شيئًا؛ إذ أخمدت، وقتل القائمون بها. ومن أهم أسباب إخفاقها أنها لم تكن ثورة عارمة عامة مادتها كل الجماهير والسادات، بل كانت ثورات سادات، مادة كل ثورة مؤججها ومن وراءه من تبع. هنا ثورة وهناك

ص: 211

ثورة، ولم تكن بقيادة واحدة، أو بإمرة قائد خبير أو قادة متكاتفين خبراء بأمور الحرب والقتال، فصار من السهل على الحبش، الانقضاض عليها وإخمادها، أضف إلى ذلك أنها لم تؤقت بصورة تجعلها ثورات جماعية، وكأنها نيران تلتهب في وقت واحد، يعسر على مخمدي النيران إخمادها، أو إخمادها على الأقل بسهولة.

ولتحاسد الأقيال وتنافسهم على السيادة والزعامة نصيب كبير في هذا الإخفاق، لذلك وجه بعض السادة أنظارهم نحو الخارج في أمل الحصول على معونة عسكرية أجنبية خارجية، تأتيهم من وراء الحدود، لتكره الحبش على ترك اليمن. وكان صاحب هذا الرأي والمفكر فيه "سيف بن ذي يزن"، من أبناء الأذواء ومن أسرة شهيرة. وقد نجح في مشروعه، فاكتسب صفة البطولة وانتشر اسمه بين اليمانيين، حتى صير أسطورة من الأساطير، وصارت حياته قصة من القصص أمثال قصة أبي زيد الهلالي وعنترة وغيرهما ممن تحولوا إلى أبطال تقص حياتهم على الناس في المجالس وفي المقاهي وحفلات السمر والترفيه، أو تقرأ للتسلية واللهو.

و"سيف بن ذي يزن"، هو "معديكرب بن أبي مرة"، وقد عرف أبوه أيضًا بـ"أبي مرة القياض"، وكان من أشراف حمير، ومن الأذواء1.

وأمه "ريحانة بنة علقمة"، وهي من نسل "ذي جدن" على نحو ما ذكرت يقال إن أبرهة لما انتزع ريحانة من بعلها "أبي مرة"، فر زوجها إلى العراق فالتجأ إلى ملك الحيرة "عمرو بن هند" على ما يظن، وبقي "معديكرب" مع أمه في بيت "أبرهة" على ذلك مدة، حتى وقع شجار بينه وبين شقيقه من أمه "مسروق" الذي ولي الملك بعد موت أخيه "يكسوب" فأثر ذلك في نفسه وحقد على "مسروق" فلما مات يكسوم، خرج من اليمن، حتى قدم على قيصر ملك الروم، فشكا ما هم فيه، وطلب إليه أن يخرجهم عنه، ويليهم هو ويبعث إليهم من يشاء من الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يشكه ولم يجد عنده شيئًا مما يريد، فخرج حتى قدم الحيرة على النعمان بن المنذر، فأسكنه عنده ثم أوصله بكسرى، وحدثه في شأنه وفي خاطره في قومه، فأمده بثماني مائة محارب، وبـ "وهرز" أمره عليهم، وبثماني سفن جعل في كل سفينة مائة

1 الطبري "2/ 130، 143"، "معديكرب بن سيف"، مروج "2/ 55"، "دار الأندلس".

ص: 212

رجل وما يصلحهم في البحر، فخرجوا، حتى إذا لجوا في البحر غرقت من السفن سفينتان بما فيها، فخلص إلى ساحل اليمن من أرض عدن ست سفائن فيهن ستمائة رجل فيهم وهرز وسيف بن ذي يزن، نزلوا أرض اليمن، فلما سمع بهم مسروق بن أبرهة، جمع إليه جنده من الحبشة، ثم سار إليهم، فلما التقوا رمى "وهرز" مسروقًا بسهم، فقتله، وانهزمت الحبشة، فقتلوا، وهرب شريدهم، ودخل "وهرز" مدينة صنعاء، وملك اليمن ونفى عنها الحبشة، وكتب بذلك إلى كسرى، فكتب إليه كسرى يأمره أن يملك سيف بن ذي يزن على اليمن وأرضها وأن يرجع وهرز إلى بلاده، فرجع إليها. ورضي سيف بدفع جزية وخرج يؤديه في كل عام1.

وذكر "الطبري" في رواية له أخرى عن "سيف بن ذي يزن" وعن مساعدة الفرس له، فقال:"فخرج ابن ذي يزن قاصدًا إلى ملك الروم، وتجنب كسرى لإبطائه عن نصر أبيه، فلم يجد عند ملك الروم ما يحب، ووجده يحامي عن الحبشة لموافقتهم إياه على الدين، فانكفأ راجعًا إلى كسرى"2. فقابله وحياه وقال لكسرى: "أنا ابن الشيخ اليماني ذي يزن، والذي وعدته أن تنصره فما ببابك وحضرتك، فتلك العدة حق لي وميراث يجب عليك الخروج لي منه.

فرقَّ له كسرى، وأمر له بمال. فخرج، فجعل ينشر الدراهم، فانتهبها الناس. فأرسل إليه كسرى: ما الذي حملك على ما صنعت: قال: إني لم آتك للمال، إنما جئتك للرجال، ولتمنعني من الذل، فأعجب ذلك كسرى، فبعث إليه: أن أقم حتى انظر في أمرك. ثم إن كسرى استشار وزراءه في توجيه الجند معه، فقال له الموبذان: إن لهذا الغلام حقًّا بنزوعه وموت أبيه بباب الملك وحضرته، وما تقدم من عدته إياه، وفي سجون الملك رجال ذو نجدة وبأس، فلو أن الملك وجههم معه، فإن أصابوا ظفرًا كان له، وإن هلكوا كان قد استراح وأراح أهل مملكته منهم، ولم يكن ذلك ببعيد الصواب. قال كسرى: هذا الرأي. وعمل به"3.

1 الطبري "2/ 136""دار المعارف" ابن خلدون "2/ 63"، المعارف "278".

2 الأخبار الطوال "ص63 وما بعدها"، مروج "2/ 55"، "دار الأندلس".

الطبري "2/ 144"، "دار المعارف".

3 الطبري "2/ 144"، "دار المعارف".

ص: 213

ويظهر من هذه الرواية، أن "أبا مرة"، والد "معديكرب"، كان قد فر من اليمن إلى العراق، وقد حاول عبثًا حث كسرى على تقديم العون العسكري له لطرد أبرهة وقومه الحبش عن اليمن، وبقي يسعى ويحاول حتى مات بالعراق، مات بالمدائن على حد زعم هذه الرواية، ويظهر منها أيضًا، أن سيف بن ذي يزن، أي ولد أبي مرة، كان قد أيس هو من كسرى بعد أن رأى ما رأى من موقفه مع أبيه، فذهب أولًا إلى ملك الروم، على أمل مساعدته ومعاونته في طرد الحبش عن بلاده، حتى وإن أدى الأمر إلى استيلاء الروم على اليمن، فلما خاب ظنه ذهب إلى الفرس، فساعدوه.

وذكر "الطبري" أن وهرز لما انصرف إلى كسرى، ملَّك سيفًا على اليمن، فـ"عدا على الحبشة فجعل يقتلها ويبقر النساء عما في بطونها، حتى إذا أفناها إلا بقايا ذليلة قليلة، فاتخذهم خولًا، واتخذ منهم جمَّازين يسعون بين يديه بحرابهم، حتى إذا كان في وسط منهم وجئوه بالحراب حتى قتلوه، ووثب بهم رجل من الحبشة، فقتل باليمن وأوعث، فأفسد، فلما بلغ ذلك كسرى بعث إليهم "وهرز" في أربعة آلاف من الفرس، وأمره ألا يترك باليمن أسود ولا ولد عربية من أسود إلا قتله، صغيرًا كان أو كبيرًا، فأقبل وهرز، حتى دخل اليمن ففعل ذلك. ثم كتب إلى كسرى بذلك. فأمره كسرى عليها. فكان عليها، وكان يجبيها إلى كسرى حتى هلك"1.

لقد كان استيلاء الحبشة على اليمن بأسرها سنة "525" للميلاد. أما القضاء على حكمهم فكان قريبًا من سنة "575" للميلاد2. ولكن الحبش كانوا في اليمن قبل هذا العهد؛ إذ كانوا احتلوا بعض الأرضين قبل السنة "525" للميلاد، وكانوا يحكمونها باسم ملك الحبشة.

وجاء في تأريخ الطبري وفي موارد أخرى أن حكم الحبشة لليمن دام اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة: أرياط، ثم أبرهة، ثم يكسوم بن أبرهة، ثم مسروق بن أبرهة3. وهو رقم فيه زيادة، إذا اعتبرنا أن نهاية

1 الطبري "2/ 148""دار المعارف"، المعارف "278".

2 W. Phillips، p. 223.

3 الطبري "2/ 139".

ص: 214

حكم الحبش في اليمن، كانت في حوالي السنة "575م" أما أخذنا برواية أهل الأخبار مثل حمزة، الذي ذكر كما سبق أن بينت أن حكم "أرياط" دام عشرين سنة، وأن حكم أبرهة ثلاثًا وعشرين سنة، وأن حكم "يكسوم" سبع عشرة، وأن حكم مسروق اثنتي عشرة سنة، فيكون ما ذكره "الطبري" وحمزة صحيحًا من حيث المجموع؛ لأن مجموعه "72" سنة. ولكني أشك في أن حكم "أرياط" كان "20" سنة؛ إذ يعني هذا أن حكمه استمر إلى سنة "545" للميلاد، والمعروف من نص "أبرهة" المدون على جدار سد مأرب، أن أبرهة رمم السد وقوَّى جدرانه سنة "542" للميلاد. ومعنى هذا أنه كان قد استبد بأمر اليمن قبل هذا الزمن.

وقد تعرض "حمزة" لهذا البحث، ولفت النظر إلى تفاوت الرواة في مدة لبث الحبشة باليمن وفي تأريخ اليمن كله. فقال:"وليس في جميع التواريخ تأريخ أسقم ولا أخل من تأريخ الأقيال ملوك حمير، لما قد ذكر فيه من كثرة عدد سني من ملك منهم، مع قلة عدد ملوكهم"، و"قد اختلف رواة الأخبار في مدة لبث الحبشة باليمن اختلافًا متفاوتًا"1. والواقع أننا نجد اختلافًا كبيرًا بين أهل الأخبار في تأريخ اليمن، حتى في المتأخر منه القريب من الإسلام.

ويذكر "أبو حنيفة الدينوري"، أن "وهرز" كان شيخًا كبيرًا، وقد أناف على المائة، وكان من فرسان العجم وأبطالها، ومن أهل البيوتات والشرف، وكان أخاف السبيل، فحبسه كسرى. ويقال له "وهرز بن الكاسجار"، فسار بأصحابه إلى "الأبلة" فركب منها البحر. وذكر أن "كسرى" لما رده إلى اليمن، بعد وثوب الحبش بـ"سيف بن ذي يزن"، وبقي هناك إلى أن وافاه أجله، قُبر في مكان سمي "مقبرة وهرز"، وراء الكنيسة، ولم يشر إلى اسم الكنيسة2، ولعله قصد موضع "القليس".

أما "المسعودي، فصير "وهرز" موظفًا كبيرًا بدرجة "أصبهبذ"، ودعاه بـ"وهرز أصبهبذ الديلم". أي أنه كان أصبهبذًا على الديلم إذ ذاك.

وذكر أنه ركب ومن كان معه من أهل السجون البحر في السفن في دجلة ومعهم

1 حمزة "ص89".

2 الأخبار الطوال "ص64".

ص: 215

خيولهم وعددهم وأموالهم حتى أتوا "الأبلة"، فركبوا في سفن البحر، وساروا حتى أتوا ساحل حضرموت في موضع يقال له "مثوب"، فخرجوا من السفن فأمرهم "وهرز" أن يحرقوا السفن؛ ليعلموا أنه الموت. ثم ساروا من هناك برًّا حتى التقوا بـ"مسروق"1.

وذكر "المسعودي"، أن "كسرى أنو شروان"، اشترط على "معديكرب" شروطًا: منها أن الفرس تتزوج باليمن ولا تتزوج اليمن منها، وخراج يحمله إليه. فتوج "وهرز" معديكرب بتاج كان معه وبدنه من الفضة ألبسه إياها، ورتبه بالملك على اليمن، وكتب إلى "أنو شروان" بالفتح2.

قال "المسعودي" ولما ثبت "معديكرب" في ملك اليمن، أتته الوفود من العرب تهنِّيه بعود الملك إليه، وفيها وفد مكة وعليهم عبد المطلب، وأمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وخويلد بن أسد بن عبد العُزى، وأبو زمعة جد أمية بن أبي الصلت، فدخلوا إليه، وهو في أعلى قصره بمدينة صنعاء المعروف بغمدان وهنئوه، وارتجل عبد المطلب خطابًا، ذكر المسعودي وغيره نصه، وأنشد "أبو زمعة" شعرًا، فيه ثناء على الملك وحمد للفرس "بنو الأحرار" الذين ساعدوا أهل اليمن، على "سود الكلاب"3.

وإذا أخذنا برواية "المسعودي" عن وفد مكة، وبما يذكره أهل الأخبار عن مدة حكم الحبش على اليمن، وهي اثنتين وسبعين سنة، وجب أن يكون ذهاب الوفد إلى صنعاء بعد سنة "597" للميلاد، وهذا مستحيل. فقد كانت وفاة "عبد المطلب" في السنة الثامنة من عام الفيل، والرسول في الثامنة إذ ذاك فتكون وفاة "عبد المطلب" إذن في حوالي السنة "578" أو "579" للميلاد، أي في أيام وجود الحبش في اليمن، وقبل طردهم من بلاد العرب، أما لو أخذنا برواية الباحثين المحدثين التي تجعل زمن طرد الحبش عن اليمن سنة "575" للميلاد، أو قبلها بقليل، فيكون من الممكن القول باحتمال ذهاب "عبد المطلب" إلى اليمن، على نحو ما يرويه "المسعودي".

1 مروج "2/ 55 وما بعدها".

2 مروج "2/ 56 وما بعدها"، دار الأندلس.

3 مروج "2/ 58 وما بعدها".

ص: 216

لم يذكر أهل الأخبار السنة التي تولى فيها "سيف بن ذي يزن" الحكم على اليمن بعد طرد الحبش عنها، ويرى بعض الباحثين أنها كانت في حوالي السنة "575" للميلاد. وأن حكمه لم يكن قد شمل كل اليمن، بل جزءًا منها. ويظهر أن الفرس استأثروا بحكم اليمن لأنفسهم؛ إذ نجد أن رجالًا منها تحكمها منذ حوالي السنة "598" للميلاد تقريبًا، وكان أحدهم بدرجة "ستراب""سطراب"1 Satrapie.

وذكر "ابن دريد" أن من ذرية "سيف بن ذي يزن"، "عُفير بن زرعة بن عفير بن الحارث بن النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف". وكان سيد حمير بالشأم في أيام عبد الملك بن مروان2.

ورووا أن "وهرز" كان يبعث العير إلى كسرى بالطيوب والأموال فتمر على طريق البحرين تارة وعلى طريق الحجاز أخرى. فعدا بنو تميم في بعض الأيام على عيرة بطريق البحرين، فكتب إلى عامله بالانتقام منهم، فسار عليهم وقتل منهم خلقًا، وذلك يوم "الصفقة"3. وعدا بنو كنانة على عيره بطريق الحجاز حين مرت بهم، وكانت في جوار رجل من أشراف العرب من قيس، فكانت حرب الفجار بين قيس وكنانة4.

وأمر كسرى بتولي ابن وهرز، وهو "المزربان بن وهرز" منصب أبيه، لما توفي والده. فكان عليها إلى أن هلك5.

ثم أمر كسرى "البينجان بن المرزبان" أي حفيد "وهرز" بتولي منصب أبيه حين داهمته منيته. فأمر كسرى بعده "خُرخرة بن البينجان"، فكان عليها، ثم غضب كسرى عليه. واستدعاه إلى عاصمته، فذهب إليها، فخلعه كسرى وعين باذان "باذام" في مكانه، فلم يزل على اليمن حتى بعث الرسول6، وذكر بعض أهل الأخبار أن "خذ خسرو بن السيحان بن المرزبان" هو الذي

1 BEITRAGE، S. 121، W. PHILLIPS، P.223.

2 الاشتقاق "2/ 360".

3 ابن خلدون "2/ 65"، الأغاني "11/ 131".

4 ابن خلدون "2/ 65"، اللسان "6/ 354"، القاموس "2/ 108".

5 الطبري "2/ 148"، صبح الأعشى "5/ 25".

6 الطبري "2/ 148".

ص: 217

حكم بعد "المرزبان بن وهرز"، وهو الذي عزله كسرى، وولى "باذان" باذام" بعده على اليمن1.

لقد كانت السنة السادسة من الهجرة، سنة مهمة جدًّا من تاريخ اليمن. فيها دخل "باذان""باذام" في الإسلام، وفيها قضى الإسلام على الوثنية واليهودية والنصرانية وعلى الحكم الأجنبي في البلاد، فلم يبق حكم حبشي ولا فارسي2.

ويرى بعض المستشرقين أن دخول باذان في الإسلام كان بين سنة "628 و"630" للميلاد3. ويذكر "الطبري"، أن إسلام "باذان"، كان بعد قتل "شيرويه" لأبيه "كسرى أبرويز"، وتوليه الحكم في موضع والده. فلما جاء كتاب شيرويه إليه يبلغه بالخبر، ويطلب من الطاعة، أعلن إسلامه، وأسلم من كان معه من الفرس والأبناء4. وقد ولي "شيرويه" الحكم في سنة "628" للميلاد، ولم يدم حكمه أكثر من ثمانية أشهر. وقد عرف بـ"قباذ"5.

وقد ذكر أن "باذان" باذام" كان من "الأبناء"، أي من الفرس الذين ولدوا في اليمن، وأن الرسول استعمل ابنه "شهر بن باذان" مكانه، أي بعد وفاة والده6.

ويذكر أهل الأخبار أن الفرس الذين عاشوا في اليمن وولدوا بها واختلطوا بأهلها، عرفوا بـ"الأبناء"، وبـ"بني الأحرار"7.

ولما قتل "الأسود العنسي""شهر بن باذام""شهر بن باذان"، واستبد "العنسي" بأمر اليمن، خرج عمال الرسول عن اليمن. فلما قتل "العنسي" ورجع عمال النبي إلى اليمن، استبد بصنعاء "قيس بن عبد يغوث المرادي"، وتوفي الرسول والأمر على ذلك. ثم كانت خلافة أبي بكر، فولى على اليمن "فيروز الديلمي"8.

1 صبح الأعشى "5/ 25".

2 الطبري "2/ 655 وما بعدها".

3 W. PHILLIPS، P.223.

4 الطبري "2/655، وما بعدها"، "دار المعارف".

5.

ENCY، 4، P. 178

6 الإصابة "1/ 170".

7 الأغاني "16/ 73".

8 صبح الأعشى "5/ 26، 46".

ص: 218

وقد تطرق "ابن قتيبة" إلى "ملوك الحبشة في اليمن"، فذكر اسم "أبرهة الأشرم"، ثم "يكسوم بن أبرهة"، ثم "سيف بن ذي يزن"، فقال عنه: أنه "أتى كسرى أنو شروان بن قباذ" في آخر أيام ملكه -هكذا تقول الأعاجم في سيرها، وأنا أحسبه هرمز بن أنو شروان على ما وجدت في التأريخ"1.

مما يدل على أنه نقل أخباره عن حملة الفرس على اليمن من كتب سير ملوك العجم، المؤلفة بلغتهم، كما نقل من موارد أخرى غير أعجمية. وقد ذكر أيضًا أن المؤرخين اختلفوا اختلافًا متفاوتًا في مكث الحبشة في اليمن2

وكون الأبناء طبقة خاصة في اليمن، ولما قدم "وبر بن يحنس" على الأبناء باليمن، يدعوهم إلى الإسلام، نزل على بنات النعمان بن يزرج فأسلمن، وبعث إلى فيروز الديلمي فأسلم، وإلى "مركبود" وعطاء ابنه، ووهب بن منبه، وكان أول من جمع القرآن بصنعاء ابنه عطاء بن مركبود ووهب بن منبه3.

ونجد عهد استيلاء الحبشة الأخير على اليمن عهدًا كريمًا من ناحيته التأريخية؛ إذ دون جملة نصوص، تحدثت عنها فيما سلف. أما عهد استيلاء الفرس على اليمن إلى دخولها في الإسلام، فلم يترك شيئًا مدونًا ولا أثرًا يمكن أن يفيدنا في الكشف عن اليمن في هذا العهد. لم يترك لنا كتابة ما، لا بالمسند ولا بقلم الساسانيين الرسمي بشرح الأوضاع السياسية أو أي وضع آخر في هذا العهد.

وحالنا في النصوص الكتابية في أول عهد دخول اليمن في الإسلام، مثل حالنا في استيلاء الفرس عليها، فنحن فيه معدمون لا نملك ولا نصًّا واحدًا مدونًا من ذلك العهد. وهو أمر مؤسف كثيرًا، وكيف لا وهو والعهد الذي قبله المتصل به، ومن أهم العهود الخطيرة في تأريخ اليمن وجزيرة العرب، ونص واحد من هذين العهدين ثروة لا تقدر بثمن لمن يريد الوقوف على التطورات التأريخية التي مرت بالعرب قبيل الإسلام وعند ظهوره.

1 المعارف "ص638"، "ثروت عكاشة".

2 المصدر نفسه.

3 الطبري "3/ 158".

ص: 219

بئر من آبار صنعاء

من كتاب: Jemem، das Verbotene Land

لمؤلفه: Gunther Pawelke

هذا ولا بد لي من الإشارة إلى أن حكم الفرس لليمن لم يكن حكمًا فعليًّا واقعيًّا، فلم يكن ولاتهم يحكمون اليمن كلها، وإنما كان حكمهم حكمًا اسميًّا صوريًّا، اقتصر على صنعاء وما والاها، أما المواضع الأخرى، فكان حكمها لأبناء الملوك من بقايا الأسر المالكة القديمة وللأقيال والأذواء. ذلك أن أهل كل

ص: 220