المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السمة الرابعة عشرةمعسكر المنافقين، بروزه وخطره وتحجيمه - المنهج الحركي للسيرة النبوية - جـ ٢

[منير الغضبان]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌مواصفات المرحلة الأولى

- ‌السمة الأولىالهدنة مع الأعداء ما عدا قريشا وحلفاءها

- ‌السمة الثانيةبناء القاعدة الصلبة

- ‌السمة الثالثةإعلان إسلامية الدولة

- ‌السمة الرابعةلا خيار من المعركة

- ‌السمة السادسةتفتيت التجمع بالنزعة الوطنية والعشائرية

- ‌السمة السابعةمحاولة تفتيت الصف الإسلامي

- ‌السمة الثامنةالعدو يتنكر لقيمه من أجل مصلحته

- ‌السمة التاسعةالخطر على القيادة

- ‌السمة العاشرةحالة الحرب، وتجمع القوى كلها ضد المسلمين

- ‌السمة الحادية عشرةإعلان الحرب على العدو

- ‌السمة الثانية عشرةالتميز الإسلامي قبيل المواجهة

- ‌السمة الثالثة عشرةالمواجهة الحاسمة في بدر، والفرقان فيها

- ‌السمة الرابعة عشرةمعسكر المنافقين، بروزه وخطره وتحجيمه

- ‌السمة الخامسة عشرةالوجود اليهودي في المدينة وإنهاؤه

- ‌السمة السادسة عشرةليل المحنة الطويل وخطره

- ‌السمة السابعة عشرةتباشير النصر في قلب المحنة

- ‌السمة الثامنة عشرةعمليات الاغتيال وأثرها في بث الرعب في صفوف العدو

- ‌السمة التاسعة عشرةالحرب الإعلامية ودورها في المعركة

- ‌السمة العشرونازدياد العدد والعدة

- ‌السمة الحادية والعشرونالجهد البشري في البذل

- ‌السمة الثانية والعشروندور النساء في المعارك ومشاركتهن فيها

- ‌السمة الثالثة والعشرونعبقرية التخطيط القيادي

- ‌السمة الرابعة والعشرونالنصر الإلهي في قلب المحن

- ‌السمة الخامسة والعشرونالتربية الإلهية للنفوس عقب المعارك

الفصل: ‌السمة الرابعة عشرةمعسكر المنافقين، بروزه وخطره وتحجيمه

بدرا في الفضل من سادة الملائكة. فكما أن المؤمنين في الأرض، على مداد التاريخ يعتبرون من شهد بدرا من المؤمنين أعلى طبقة فيهم، ويعتبرونهم خير هذه الأمة. فكذلك الأمر فيمن شهدها من الملائكة.

فعن رفاعة بن رافع الزرقي قال: (جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها - قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة (1)). وهكذا مضت بدر مثلا في تاريخ الأرض والسماء، وفرقانا في عالم الإنس والجن والملائكة.

‌السمة الرابعة عشرة

معسكر المنافقين، بروزه وخطره وتحجيمه

أ - النفاق في مكة:

لم يكن للمنافقين دور يذكر في العهد المكي لأنه عهد ابتلاء وفتنة وتمحيص. غير أن القرآن الكريم ذكرهم مرة واحدة قبيل بدر في قوله جل وعلا: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هولاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم (2)} .

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله بصدد هذه الآية: (والمنافقون والذين في قلوبهم مرض قيل: إنهم مجموعة من الذين مالوا إلى الإسلام في مكة ولكن لم تصح عقيدتهم ولم تطمئن قلوبهم - خرجوا مع النفير مزعزعين. فلما رأوا قلة المسلمين وكثرة المشركين قالوا هذه المقالة (3)).

ب - بداية التجمع:

وعند دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وإلى غزوة بدر لم يكن النفاق قد نجم بعد. فلقد كان معسكر الشرك واضحا بزعامة عبد الله بن أبي نفسه،

(1) انفرد بإخراجه البخاري.

(2)

الأنفال 49.

(3)

الظلال ص 1532. ط دار الشروق.

ص: 247

والذي كانت الجرأة تصل به أن يطالب محمدا صلى الله عليه وسلم بالكف عن الدعوة إلى الله. وكان معسكر اليهود واضحا كذلك. اللهم إلا أفرادا من اليهود قاموا بمهمة الجاسوسية في الصف المسلم يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر، وقد ذكر القرآن هذا النموذج بقوله:{وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون (1)} .

ونستطيع أن نقول إذن: إن معسكر المنافقين لم يبرز حتى بدر. ووجود أفراد محددين لا يصل خطره إلى أن يطلق عليه اسم معسكر أو تجمع. إنما برز بعد الانتصار الحاسم في بدر، وكما نقل على لسان هؤلاء المشركين: إن هذا أمر قد توجه، واستطاعت الموجة الطاغية من الانتصارات والتي ظهرت على صورة معجزة من السماء ان تكتسح معسكر المشركين وتحوله إلى معسكر منافقين. ولا ننفي أن يكون بعض أفراده قد أسلم حقيقة ودخل الإيمان قلبه. أما أكثر هؤلاء فقد تحولوا إلى منافقين يأتمرون بأمر عبد الله بن أبي الذي كان الخزرج يعقدون له الخرز ليتوجوه. وكانت عقدة الزعامة والمنصب تأكل قلبه. فلم يعد قادرا على أن يواجه الرسول صلى الله عليه وسلم بعداوة واضحة. لأن من حوله سوف ينفضون عنه لضعفهم أمام قوة المسلمين، ولم تطاوعه نفسه أن يسلم نفسه لله. فأمسك بالعصا من الوسط وضمن بقاء جنوده وأتباعه معه فظاهر الأمر هم مسلمون، وضمن بقاء قيادته وزعامته لهم طالما أنهم غير مكلفين بالمواجهة السافرة. وكانت آيات القرآن تندد بهؤلاء تلميحا لا تصريحا بأسمائهم.

ج - دورهم في غزوة بني قينقاع

يقول ابن هشام: وكان بنو قينقاع أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم رسول الله حتي نزلوا على حكمه. فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في موالي! فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أرسلني. وغضب رسول الله حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: ويحك أرسلني.

(1) آل عمران الآية 72.

ص: 248

قال: لا، والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي: أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة! إني والله امرؤ أخشى الدوائر. ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي. فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله عز وجل وإلى رسول الله من حلفهم، وقال: يا رسول الله: أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت هذه القصة من المائدة: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلويهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم} ثم القصة إلى قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} . وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا {.. فإن حزب الله هم الغالبون (1)} .

لقد كان موقفا غريبا تماما على الحس الإسلامي، فلم يعهد الصف الإسلامي أبدا فيه مثل هذه الظاهرة منذ أن قامت الدعوة. فلقد كان المسلم في تعامله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدب والانضباط والتفاني في الطاعة، ما يجعله يحتاج دائما لتوجيهات النبي أن يبدي رأيه ويقول كلمته، وينافش في حقه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسح المجال دائما لهذا البناء عن طريق الشورى.

أما أن يقف مسلم بهذه الوقاحة، يضع يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلب منه رسول الله أن يدعه فلا يدعه، فيغضب منه ويلح عليه بقوله: ويحك أرسلني، فلا يستجيب ويسترسل في وقاحته. فهذا أمر غريب تماما على الحس الإسلامي بين جندي وقائده بله بين مسلم ورسول رب العالمين. ورسول رب العالمين بما أعطاه الله تعالى من الخلق الأقوم لم يعهد

(1) تهذيب سيرة ابن هشام ص 155 و 156.

ص: 249

عنه أنه رد رجاء مسلم. وفي فقهه السياسي صلى الله عليه وسلم أنه إن لبى رجاء ابن أبي، فلعل هذا الموقف يغسل قلبه، ويزيل الغشاوة عنه فتتم هدايته. فقال له: هم لك. ولعل الذين يسيرون وراء زعامة ابن أبي يصلحون بصلاحه فيتماسك الصف المسلم، ويلتحم، فلا يضيره كيد العدو أبدا.

وإن كان لنا أن نستفيد من هذه الحادثة فهو الحكم على الجنود أو القيادات الدنيا أو الوسطى الذين يريدون أن يفرضوا رأيهم على القيادة العليا للجماعة، ويمارسون ضغوطا مادية أو معنوية بما لديهم من رصيد شعبي أو سمعة طيبة، فيكرهون القيادة على تبني مواقف لا تقتنع بها أو يحرجونها في تصرفات قد لا تقتضيها مصلحة الجماعة. فهذا الموقف الذي يقفه هؤلاء هو شبيه بموقف ابن أبي الذي استغل ثقة بعض الجماهير به واتخذ هذا الموقف لحماية حلفائه من بني قينقاع. ومن توفيق الله تعالى أن وجدنا النموذج الأمثل للجندية الخالصة في هذه الحالة وهو نموذج عبادة بن الصامت رضي الله عنه مع حلفائه الذي أعلن فيه براءته من اليهود وتولى الله ورسوله وجماعة المؤمنين.

فليس من حق زعيم أو قائد في صف الحركة الإسلامية أن يتخذ موقفا يناقض موقف قيادة الجماعة وبخاصة أمام أعداء الله.

إن جنود الحركة الإسلامية ورجالاتها تبع لقيادتهم يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، ولو كانت القناعة عندهم بالمصلحة عكس موقف الجماعة العام، طالما أنهم جزء منها. فلا بد من تبني مواقفها.

فلقد أقدمت الحركة الإسلامية في بعض فصائلها على تحالف مع بعض أعدائها ضد عدوها الأول. فإذا بعض جنودها ينتفض ويملأ الدنيا حربا عليها، ويعلن موقفه هذا أمام العدو والصديق، ويهاجمها في صحف الغرب مشهرا بهذا الموقف. بل ساد صفوف كثير من شبابها نقمة على هذا التحالف. ومثل هذا التصرف يجعل القيادة عاجزة شلاء عن تنفيذ مخططاتها وأهدافها. وبمقدار ما يلتزم الجنود بموقف قيادتهم مع أعدائها حربا أو سلما بمقدار ما تتمكن الحركة الإسلامية من السير بهذه الجماعة نحو غاياتها القريبة والبعيدة. وأي

ص: 250

ضغط يفرض من جندي أو زعيم على القيادة هو تصرف متساوق مع تصرف ابن أبي في ولائه لليهود ودفاعه عنهم وحمايته لهم (1).

د - دورهم في غزوة أحد:

يقول ابن إسحاق: (

فقال عبد الله بن أبي بن سلول يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه. فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فرقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته

فخرج في ألف من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة أحد انخذل عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس وقال: أطاعهم وعصاني. ما ندري علام نقتل أنفسنا أيها الناس. فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق والريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يقول: يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه (2)).

صحيح أن أزمة الشقاق قد تم تفاديها يوم بني فينقاع، واستجيب لرأي ابن أبي غير أن الأيام كانت تترى وموقف ابن أبي لم يتغير. فهو لا يزال معتدا بحزبه، ولا يزال يوغر الصدور في الخفاء ضد المسلمين. وكان الموقف يوم أحد هو القشة التي قصمت ظهر البعير. فلم يؤخذ برأيه في البقاء في المدينة، كما تذكر بعض الروايات (أن كتيبة حسنة التسليح لها رجل منفردة عن سواد الجيش. فقال: ما هذا؟ فأبلغوه أن الكتيبة من اليهود حلفاء عبد الله بن أبي.

(1) من الأمانة أن لا ننسى الفرق في الموقف حين يكون بين جندي وقائده اليوم وبين الموقف الأصلي الذي يكون طرفه الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيفسق من يحرجه أو يكفر من يعصيه. وطرفه الثاني ابن أبي الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر. وشهد القرآن الكريم بنفاقة وغموضه في النفاق.

(2)

تهذيب السيرة ص 157 - 158.

ص: 251

فقال عليه الصلاة والسلام: أأسلموا. قالوا: لا يا رسول الله. فقال: مروهم فليرجعوا فإنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك (1)). وكانت هذه قاصمة ثانية. فهو يرى أن النصر لو تحقق فسيشترك فيه طالما أن حزبه وحلفاءه قد ساهموا فيه. ويكون له المركز الثاني بعد رسول الله، أما وقد فاته تحقيق الزعامة بأخذ رأيه في البقاء في المدينة وفاته المشاركة بالنصر عن طريق حزبه وحلفائه، فليشارك إذن في صنع الهزيمة. عله يتخلص من محمد صلى الله عليه وسلم وزعامته. وليضرب ضربته الذكية. وينفصل بثلث الجيش عائدا إلى المدينة معلنا:(.. سفه رأيي، ورد حلفائي، ما أدري علام نقتل أنفسنا أيها الناس). ولئن كانت خطوته يوم بني قينقاع كبيرة على الحس الإسلامي. فلقد أصبحت تافهة لا تذكر أمام خطوته في أحد.

ولقد كانت ذات أثر خطير جدا من الناحية المعنوية، فأن ينفصل ثلث الجيش معه. فهذا يعني تصدع الصف الداخلي وهو مقدم على حرب عنيفة. وإذا أردنا أن نحدد أبعاد هذه الخطوة أكثر فيمكن القول: إن الأمر أكبر من ثلث الجيش. فلقد أكد القرآن الكريم أن هناك بعض الفئات كادت تستجر معه: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون (2)} . كما يشير القرآن الكريم إلى المنافقين الذين بقوا في الجيش. وعلهم مكثوا بأمره. ليتموا المهمة الخطيرة، مهمة إشاعة الفوضى والرعب في الصفوف. حيث يؤكد القرآن هذا المعنى بقوله عز وجل:{ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور (1)} . فأشارة القرآن الكريم إلى الطائفتين المؤمنتين اللتين كادتا

(1) آل عمران /122.

(2)

آل عمران 154.

ص: 252

تلتحقان بالمنشقين عن الجيش، والإشارة إلى الطائفة التي أهمتها نفسها في المعركة وهي أخت الطائفة المنشقة لتوضح أن المنافقين هم قرابة نصف الجيش وتتحدث السيرة عن هذه النماذج في المعركة. فبعضهم قال: لو كان نبيا ما قتل فارجعوا إلى دينكم الأول. وبعضكم قال: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم ويعتلوكم.

ونلاحظ أن الخط النبوي في أحد قد اختلف عن الخط في قينقاع من حيث التعامل مع زعيم النفاق. فلقد كانت المراعاة في الموقف الأول كافية لتبيان نوعية هذه النماذج، وكفيلة بأن تعيدهم إلى حظيرة الإيمان. لكننا عندما نجد أن مواقفهم لم تتغير. فلقد كان الموقف حاسما وواضحا في أحد، ولقد رد حلفاء عبد الله بن أبي. فلا يمكن أن يقوم في الصف الإسلامي تكتل محاذ لكتلة المسلمين وجماعتهم، ولا يمكن أن يقبل تجمع بجوار الجماعة المسلمة. ورغم حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العدد حيث يواجه ثلاثة آلاف بألف مقاتل. إلا أن المبدأ لا ينقض ..

فطالما أنهم لم يعلنوا انضمامهم للصف الإسلامي، فلا استعانة بأهل الكفر على أهل الشرك، والأخطر من ذلك فهؤلاء ليسوا حلفاء المسلمين، إنما هم حلفاء عبد الله بن أبي. فسلامة الصف ووضوح الولاء أهم بكثير من التجمع العشوائي. وكان انفصال عبد الله بن أبي رحمة بالمؤمنين. وكما قال لهم عبد الله بن عمرو أبعدكم الله، فسيغني الله عنكم نبيه.

وكان بالإمكان بعد العودة من أحد أن يوجد في الصف الإسلامي الخالص من يعذر عبد الله بن أبي ويدافع عنه، ويجد له ولحزبه العذر بالعودة بحجة أنهم مسلمون لهم ظروفهم. لكن كلام الله تعالى جاء كوقع الصاعقة عليهم. فلقد كان القرآن يدمغهم بالنفاق بأوضح بيان. {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلويهم والله أعلم بما

ص: 253

يكتمون (1)}. ثم يربط القرآن الكريم بين الفريقين، الذين استمروا فى الجيش لإشاعة البلبلة والهزيمة، والذين انخذلوا إلى المدينة فيقول:{الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين (2)} .

ولا نبالغ إذا قلنا: إن قمة تجمع المنافقين وخطره برز يوم أحد، لكننا نؤكد في الوقت ذاته أنه قد افتضح أمره، وبرز المنافقون بأشخاصهم وأعيانهم يعلن القرآن عنهم أنهم أقرب للكفر منهم إلى الإيمان. وبذلك تمت المفاصلة بينهم وبين المؤمنين، وغدت الجماعة المؤمنة تنظر إليهم بعين الحذر والكراهية إن استمروا على مواقفهم. وأصبح المسلم يكف عن بث أسراره لأخيه من أبيه وأمه إن كان ممن وصم بالنفاق.

وأدت هذه المواقف الحاسمة منهم بعد ذلك إلى أن يخنسوا ويحاولوا التقرب من الصف المؤمن والاعتذار منه، وأن يتراجعوا عن موقف المواجهة والتحدي، ويغيروا خطتهم للعمل في الخفاء. أما الذين كانوا مغررا بهم فقد بدأوا ينضمون للصف الإسلامي في توبة نصوح خالصة حيث فتح لهم القرآن طريق التوبة بعد التحذير العنيف الرهيب بسوء مصيرهم إن استمروا على موقفهم: حيث يقول جل شأنه: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما (3)} .

وهكذا سار الخط النبوي في التعامل مع المنافقين على أمل تفتيت تجمعهم، والتحذير من كيدهم. وتحذيرهم من مغبة السير في طريق النفاق من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. وحققت هذه الخطة أهدافها بشكل واضح وبدأ خط التصاعد للمنافقين بالانحدار. فلقد كانت سورة النساء وحديثها

(1) آل عمران 167.

(2)

آل عمران 168.

(3)

النساء، الآيات. 145، 146.

ص: 254

عن الجهاد والنفاق، وسورة آل عمران تعري كل المخططات المشبوهة، وتعالج كل الشبهات المبثوثة، وتفسح المجال رحبا أمام التوبة.

هـ - تآمرهم مع بني النضير:

يقول ابن إسحاق: وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك ابن أبي قوقل وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير، أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة (1). ففعل (2)).

ويحدثنا القرآن الكريم عن هذه الحادثة، وذلك في قوله تعالى:{ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون (3)} .

إن الصورة لتختلف تماما اليوم عنها في أحد، فلئن كان التحدي سافرا في أحد، فلقد خنسوا اليوم وراحوا يعملون في الخفاء كخفافيش الظلام، لم يعودوا يملكون القوة على المواجهة، ولا القوة على التحدي، إنما يتآمرون من وراء الأقنعة علهم ينتصرون مع حلفائهم اليهود على المسلمين، فهم يدعون بني النضير إلى الثبات في وجه المسلمين وإلى المقاومة، كما يعلنون لهم أن مددهم قادم ولا ريب في ألف من المنافقين، وقد ربطوا مصيرهم بمصيرهم، لئن أخرجتم لنخرجن معكم، وإن قوتلتم لننصرنكم. والله صلى الله عليه وسلم شهد إهم لكاذبون. ولئن كان عبد الله بن أبي قد استطاع أن يحافظ على حياة حلفائه بني قينقاع. فهو أعجز اليوم من أن يبدي رايا أو يتقدم بطلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) الحلقة: السيوف والسلاح.

(2)

تهذيب السيرة ص 181.

(3)

سورة الحشر، الآيات 11 و 12.

ص: 255

بعد تلك الخيانة السافرة في أحد. وهو في الوقت نفسه يجلل بالعار من جديد في الخيانة التي فضحها القرآن عن التآمر السري بين الفريقين، المنافقين وكفار أهل الكتاب. وكان خروج اليهود بدون سلاح وهدمهم بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين صفعة عنيفة للمنافقين، وإسقاطا ماديا ومعنويا لهم.

القرآن يتنزل، والمواقف تتوضح، والمنافقون يتعرون، ومع ذلك يبقي الإسلام ورسول الإسلام خيطا خفيا يتسلقون من خلاله إلى التوبة. فلن يوصد الباب أبدا، لكن اللعب على الحبال مكشوف، والتظاهر بالإيمان مفضوح لا يجدي، ولن يفيد إلا التوبة الصادقة الخالصة لله.

وكانت هذه الجولة الجديدة كفيلة بتداعي معسكر المنافقين، فوضح الحق واستبان السبيل لكثير منهم، وبدأوا يمسحون الغشاوة عن عيونهم فيستفيقوا من رقادهم ويؤبوا إلى حظيرة الإسلام.

و- المنانفقون يوم الأحزاب

رغم أن الحديث عن المناففين يوم الأحزاب في القرآن كان طويلا لحد ما إذا قيس بما ذكر عن غزوة الأحزاب، ومواقف المسلمين منها. لكنه يركز على معان محددة وواضحة فيهم تؤكد ضآلة حجمهم وتفاهة تخطيطهم. يقول تعالى عنهم في سورة الأحزاب: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلويهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها الا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخواخهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير

ص: 256

أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله صلى الله عليه وسلم -سيرا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا (1)}.

وهناك آيتان أخريان ذكرتا المنافقين في الخندق في سورة النور وهما قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئث واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (2)} .

ولو وقفنا عند هذه الآيات وفقهها نلحظ ما يلي:

1 -

الفريق الأول: يقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. فهم قد حضروا المعركة وأمام هول الصدمة، وعنف المحنة انهار إيمانهم، وكشفت خبيئة نفوسهم فقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. وكتب السيرة تذكر هذا القول أو قريبا منه عن معتب بن قشير إذ قال في ساعات الخوف والزلزلة بعد أن سمع بشريات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح المبين لهذا الدين في أقطار الأرض: (يعدنا محمد أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن من أن يذهب إلى حاجته ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا).

وطبيعة هذا القول تشي بأنه قول مخنوق يقال في الخفاء بين مجموعة موثوقة تقبل هذا المعنى على الأقل، ويحسب هؤلاء أن أمرهم لن يظهر، وقولهم لن يكشف. لكن القرآن الكريم لاحق مؤامراتهم وكذبهم إلى كل جحر يلتقون فيه. لكنهم على كل حال يمثلون كل طوائف المنافقين. فلقد تزلزل إيمانهم، واعتبروا أنفسهم متورطين في هذا الإيمان.

2 -

الفريق الثاني: وهو وضع طائفة محددة منهم تذكر حوادث السيرة

(1) الأحزاب: الآيات من 13 لـ 20.

(2)

سورة النور الآيتان 62 و 63.

ص: 257

إنهم بنو حارثة. وهي إحدى الطائفتين اللتين همتا أن تفشلا يوم أحد - إذ قالوا: (إن بيوتنا عورة وليس دار من دور الأنصار مثل دارنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا فنمنع ذرارينا ونساءنا، فأذن لهم صلى الله عليه وسلم فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال: يا رسول الله لا تأذن لهم إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا صنعوا هكذا (1)).

ويتحدث القرآن عن جبنهم وهلعهم في أربع آيات تؤكد المعنى الذي ذكره سعد بن معاذ رضي الله عنه فهم يريدون الفرار من المعركة، ولو وطىء العدو أرضهم لأجابوه للفتنة عن دينهم والتخلي عن عقيدتهم، ولا أدل على ذلك من خوفهم من الموت أن يجتاحهم في أرض المعركة وكأنما هم بمنجاة منه في غيرها، وتزعزع عقيدتهم ووهنها هو الذي يدفعهم إلى هذا الموقف. لأن الضر والنفع بيد الله عز وجل وحده، والفرار لن يحول بينهم وبين الموت أو القتل. والمؤمن الصادق يوقن بأن النصر بيد الله، والنفع والضر بيد الله، والموت والحياة بيد الله. وهؤلاء المنافقون ليسوا من هذا الطراز.

3 -

الفريق الثالث: هم المعوقون الذين كانوا يخذلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعون في جحورهم في المدينة. وهم جبناء مثل أسلافهم، لكنهم لخذلانهم وتخاذلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح مهوى قلبهم مع العدو. وكان الوصف دقيقا ولاذعا لهم {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك كالذي بغشى عليه من الموت} . طارت قلوبهم من صدورهم رعبا، وهؤلاء حكم القرآن عليهم أنهم غير مؤمنين {أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله صلى الله عليه وسلم -سيرا} . وهم على استعداد أن يتركوا المدينة ومن فيها إذا حاق الخوف واشتدت المصيبة. وأمام هذه النماذج الثلاثة نلحظ أن مواصفاتهم هي التي تستغرقها الآيات في الوصف، أما حجمهم فهو ضئيل، رغم أن الفرصة مواتية لبروزهم من أوكارهم، خاصة حين اشتدت المحنة، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. إن المشكلة ليست هي الخوف، فالمؤمنون يخافون، إنما المشكلة هي بواعث الخوف ونتائجه. وارتباط ذلك بالإيمان وعدمه.

(1) إمتاع الأسماع للمقريزي ص 229 ج 1.

ص: 258

إن المحنة هي التي تمحص القلوب، وتكشف ما في الصدور من إيمان أو نفاق أو كفر وقد يتزلزل المؤمن لكنه لا يفقد إيمانه، قد يفقد موقفه، وقد يفقد شجاعته وثباته، لكن إيمانه لا يتزلزل أبدا. أما ضعيف الإيمان فينهار إيمانه أمام الحادثات، وأما الكافر المتجلبب بجلباب الإسلام حين يكشف الغطاء، ويرى أن دولة الإيمان على وشك الزوال يكشف خبيثة نفسه، ويظهر نتن قلبه، ويعلن شكه بربه، وهؤلاء لم يؤمنوا، وبالتالي فأحبط الله أعمالهم في الدارين.

ز - المنافقون يوم بني المصطلق

انتصر المسلمون بعد الخندق، وأنهوا وجود بني قريظة. وبالتالي انتهى حلفاء المنافقين في المدينة. فلم يعد أمامهم إلا أن يسارعوا بالولاء للقيادة المسلمة، وأن يوجهوا جهدهم لخلخلة الصف المسلم نفسه، والعمل على تشتيته، وإشغاله بنفسه بدل أن ينشغل بعدوه، وتظاهروا بالانصهار في هذا الصف، وإن كان بعضهم قد دخل فيه عن قناعة بعد أن بهره نصر الله، ورأى من الآيات البينات ما يحرق كل شك أو دخل في قلبه، وكان ابن أبي كالحية الرقطاء يكمن بين الحجارة وخلف الأستار ينتظر الفرصة المواتية للانقضاض، وكان هذا يوم بني المصطلق. ولنر تفصيل ذلك لدى المقريزي: (وبينا المسلمون على ماء المريسيع إذ أقبل سنان بن وبر الجهني - حليف الأنصار - ومعه فتيان من بني سالم يستقون وعلى الماء جمع من المهاجرين والأنصار، فأدلى دلوه، وأدلى جهجاه - الغفاري - أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه دلوه فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه وتنازعا، فضرب جهجاه سنانا فسال الدم فنادى يا للخزرج، وثارت الرجال فهرب جهجاه وجعل ينادي في العسكر: يا لقريش، يا لكنانة، فأقبلت قريش وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح حتى كادت تكون فتنة عظيمة فقام رجل في الصلح فترك سنان حقه.

وكان عبد الله بن أبي جالسا في عشرة من المنافقين فغضب وقال: والله ما رأيت كاليوم مذلة، والله إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكن قومي قد

ص: 259

غلبوني قد فعلوها وقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، وأنكروا منتنا، والله ما صرنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك. والله لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه وأنا حاضر لا يكون لذلك مني غير، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم! أحللتموهم بلادكم، ونزلوا منازلكم، وآسيتموهم في أموالكم حتى استغنوا، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم، ثم لم ترضوا ما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا فقتلتم دونهم فأيتمتكم أولادكم وقللتم وكثروا.

وكان زيد بن أرقم حاضرا - وهو غلام لم يبلغ أو قد بلغ - فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وعنده نفر من المهاجرين والأنصار، فتغير وجهه ثم قال: يا غلام، لعلك غضبت عليه؟ قال: لا والله لقد سمعت منه. قال: لعله أخطأ سمعك: قال: لا يا نبي الله. قال: فلعله شبه عليك؟ قال: لا والله لقد سمعت منه يا رسول الله. وشاع في المعسكر ما قال ابن أبي، حتى ما كان للناس حديث إلا هو. وأنب جماعة من الأنصار زيد بن أرقم فقال - في جملة كلام -: والله إني أرجو أن ينزل الله على نبيه حتى تعلموا أني كاذب أم غيري. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به عباد بن بشر فليأتك برأسه. فكره ذلك وقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وبلغ الخبر ابن أبي، فحلف بالله ما قال من ذلك شيئا؟ ثم مشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلف بالله ما قال. وأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك السير، ورحل في ساعة لم يكن يرتحل فيها

ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلع على راحلته - وكانوا في حر شديد، وكان لا يروح حتى يبرد إلا أنه لما جاءه ابن أبي رحل في تلك الساعة. فكان أول من لقيه سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال: خرجت يا رسول الله في ساعة ما كنت تروح فيها! قال: أو لم يبلغك ما قال صاحبكم ابن أبي، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل؟

ص: 260

قال: فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت فهو الأذل وأنت الأعز. يا رسول الله! ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز، ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه فما يرى إلا قد سلبته ملكه. وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير من يومه ذلك، وزيد بن أرقم يعارضه براحلته يريد وجهه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستحث راحلته فهو يغذ في المسير - إذ نزل عليه الوحي فسري عنه. فأخذ بأذن زيد بن أرقم حتى ارتفع من مقعده عن راحلته وهو يقول: وفت أذنك يا غلام، وصدق الله حديثك! ونزل في ابن أبي {إذا جاءك المنانقون} السورة كلها.

وكان عبادة بن الصامت قبل ذلك قال لابن أبي: إيت رسول الله يستغفر لك فلوى رأسه معرضا، فقال له عبادة: والله لينزلن في لي رأسك قرآن يصلى به. ومر عبادة بن الصامت بابن أبي - عشية راح رسول الله صلى الله عليه وسلم من المريسيع، وقد نزل فيه القرآن، فلم يسلم عليه، ثم مر أوس بن خولي فلم يسلم عليه، فقال: إن هذا الأمر قد تمالأتما عليه. فرجعا إليه فأنباه وبكتاه بما صنع، وبما نزل من القرآن إكذابا لحديثه، فقال: لا أعود أبدا.

وجاء ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي فقال: يا رسول الله، إن كنت تريد أن تقتل أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فوالله لأحملن إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالده مني، وإني لأخشى يا رسول الله - أن تأمر غيري فيقتله. فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النار، وعفوك أفضل، ومنك أعظم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت قتله، وما أمرت به، ولنحسن صحبته ما كان بين أظهرنا. فقال يا رسول الله! إن أبي كانت هذه البحيرة قد اتسقوا عليه ليتوجوه، فجاء الله بك فوضعه ورفعنا بك. ومعه قوم يطيفون به يذكرونه أمورا قد غلب الله عليها (1)).

1 -

حين تظهر الطبيعة العربية عارية في سرعة غضبها وانفعالها، تظهر بجوارها عظمة هذا الدين في ضبطها وكبح جماحها، وهذا ها نراه من خلال

(1) إمتاع الأسماع للمقريزي ج 1 من ص 199 إلى 203.

ص: 261

أسباب فتنة النفاق هذه. فاختلاف الدلاء البسيط يقود إلى التنازع، ومن التنازع اللفظي إلى التشاجر والتشابك بالأيدي إذ يضرب جهجاه سنانا فيتفجر منه الدم، وجرح سنان يدفع إلى الجاهلية الجهلاء. فينادي سنان قومه الخزرج، ويستصرخ جهجاه المهاجرين، ويثور القوم للسلاح حتى كادت تكون فتنة عظيمة.

هذا هو الخلق العربي عاريا في سرعة انفعاله وغضبه. كان من الممكن لهذه الفتنة بغير الإسلام أن تعيد أمثال يوم بعاث بين الأوس والخزرج، وأن تبيد أيام داحس والغبراء أو يوم حليمة ويوم البسوس. فيفني القبائل بعضها بعضا في شهور أو سنين أو عقود من السنين. كان هذا الشجار كافيا لحرب ضروس تأكل الأنصار والمهاجرين، ونصل من هذه الملاحظة إلى أنه لا غرابة أن تتحرك في المجتمع الإسلامي أو في الحركة الإسلامية نوازع الجاهلية ونزعاتها وتثور بعد كمون طويل. فلقد تحركت هذه العصبية لأول مرة على هذا المستوى نتيجة إثارة طائشة. وذلك في أفضل مجتمعات الأرض، وليس صفنا أفضل من هذا المجتمع وهو خريج مدرسة النبوة، وهو الأمة التي أخرجت للناس خير أمة، وليست قيادتنا تعادل غبارا على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو بين ظهرانيهم، وتتحرك الفتنة إلى درجة أن يحمل الفريقان السلاح للمواجهة. وكم نتمنى أن تستوعب الحركة الإسلامية والصف المسلم هذا المعنى، أن لا تحبط الأخطاء والخلافات أمانينا فنيأس حين نجد مثل هذه الظاهرة. وأن تصل الظاهرة إلى حد حمل السلاح في داخل الصف المسلم ضد بعضه بعضا.

2 -

لكن الفارق الكبير نلحظه باستمرار هذه الظاهرة أو اختفائها. فلقد استطاع الصف الإسلامي الأول أن يتلافى هذه الظاهرة مباشرة وبأقوى ما يكون فيمشي رجل من المسلمين بالصلح بين الفريقين. ويتخلى سنان عن حقه، وتحبط الفتنة في مهدها. وهذا ما نريد أن نؤكده لنقتدي به. فلا غرابة أن نخطىء، ولا غرابة أن نزل، لكن الغرابة كل الغرابة، والجفوة كل الجفوة للمنهج الإسلامي هو أن يستمر الخطأ، ويستفحل. فعندئذ نكون أقرب

ص: 262

للمجتمع الجاهلي منا إلى المجتمع الإسلامي، وأن نعجز عن إيجاد حلول تنهي المعركة في الصف الإسلامي وتجتث جذور الخلاف (1).

3 -

وهنا يبرز دور النفاق الخطير في المجتمع الإسلامي. فعبد الله بن أبي يجد الفرصة سانحة ولن تتكرر له هذه الفرصة الذهبية مرة ثانية في تدمير هذه الجماعة المسلمة ليقوم على أنقاضها، وها هو يهتبل هذه الفرصة فيعبر عما في نفسه، ولكن أين؟ في عشرة من المنافقين، يطمئن إلى نفاقهم، ويطمئن إلى استعدادهم لقبول أفكاره وتنفيذ مخططاته.

لقد وجدناه في أحد يفصل ثلث الجيش ويشكك في البقية الباقية من اتباعه فوق هذا الثلث، وهو قمة مجده ثم بدأ ينحسر هذا المجد. فيعجز عن نصر حلفائه في بني النضير، ولا يتجاوز دوره التشكيك في النصر وإمكانياته في الخندق، أما اليوم فيبث حديثه في عشرة من أتباعه. ويتحدث عن كل ما يعانيه من بغض للإسلام وأهله ولا يتورع أن يشبههم بالكلاب المسمنة على مائدة الخزرج، ويدعو صراحة إلى تمزيق الصف،. والثورة على القيادة: بل يهدد بهذه الثورة التي بدت ملامحها وذرت قرونها عند العودة إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

ولا بد لنا من الوقوف عند هذه المعاني. فظهورها في الصف المسلم الواحد تعني أن سمات النفاق متمثلة في دعاتها. التهديد بتمزيق الصف، والثورة على القيادة والطعن فيها وبصلاحيتها. خاصة وهي منطلقة من أسس شرعية. متينة يعنى أن هذا الخط هو خط النفاق سواء أشعر صاحبه أم لم يشعر. وكما يقول عليه الصلاة والسلام في أدنى من ذلك: يقول في الخلق الشخصي: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن

(1) قد يقع أن يستمر الخلاف والدماء في الصف الإسلامي الواحد سنين طوالا، كما جرى في فتنة عثمان رضي الله عنه وفي معركة الجمل وصفين. لكننا لا بد أن نلاحظ أن مثل هذا الخلاف والقتال قد يقع بهذه الشدة وهذا العنف والمسلمون متمكنون في الأرض، ولم يحدث أن استمر مثل هذا الخلاف في الجيل الإسلامي الأول بهذه الصورة والمسلمون ضعاف يتخطفهم العدو من كل جانب.

ص: 263

كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها (1)). فقد توجد صفات النفاق في مسلم لا يبطن الكفر ويظهر الإسلام فيعامل معاملة المنافق الخالص، وكلما تحلى عن صفة أو سمة من هذه الصفات أو السمات اقترب من الصف الإسلامي الصادق، لقد كان هدف ابن أبي واضحا من كلامه وهو حرب المهاجرين، وإخراجهم من المدينة أذلاء. وعلى أي شيء يعتمد؟! يعتمد على قومه من الخزرج الذين كادوا يبايعونه سابقا على القيادة. وما هو وقود الحرب؟! هو بناء الأمة على حزبين هما: المهاجرون من قريش وهم أشبه ما يكونون بالمستعمرين اليوم - على حد زعمه وفهمه - (نافرونا وكاثرونا في بلادنا، وأنكروا منتنا، والله ما صرنا وجلابيب قريش إلا كما يقول القائل سمن كلبك يأكلك). والذين قبلوا هذا الاستعمار هم قومه (هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم، ونزلوا منازلكم، وآسيتموهم في أموالكم حتى استغنوا). أما هو فقد كان كارها لهذا، والقيادات الأخرى غيره هي المسؤولة عن هذه النتيجة (والله إن كنت لكارها لوجهي هذا ولكن قومي قد غلبوني .. والله ما رأيت كاليوم مذلة). وهل لهذا الأمر من تلاف؟

نعم والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

إنها الثورة على هذه القيادة وإخراجها من المدينة.

وعلى حد زعمه، لأي مرحلة وصل الخضوع والذلة والجهالة لدى قومه؟! (ما هو المطلوب منهم الآن). (أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم ثم لم ترضوا ما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا فقتلتم دونهم فأيتمتكم أولادكم. وقللتم وكثروا).

إنه منطق تقسيم الأمة إلى رجعيين وتقدميين أو كادحين ومستغلين. والدعوة إلى الثورة التي تطيح بأعداء الشعب. ليستلم العمال والفلاحون والمثقفون الثوريون زمام السلطة. إنه تقسيم الأمة إلى اليمين واليسار .. أو إلى ثوريين ومحترفين سياسيين.

(1) متفق عليه.

ص: 264

هذه المقولات كلها عندما تسود الصف المسلم، ويراد منها أن يتميز الصف على ضوئها يعني أن من يقود هذه الأفكار أنه هبط إلى درك النفاق أيا كان شأنه، وأيا كان لونه، وخط النفاق الدائم المستمر هو خط الدعوة إلى التغيير غير الشرعي في الصف الإسلامي والطعن المستمر في القيادة المختارة لتسقط عن طريق القوة، ويحل محلها الثائرون. إننا نفهم الثورة ضد الجاهلية، ونفهم الثورة ضد المحاربين لشريعة الله والمحادين لرسوله وكتابه. لكننا لا نفهمها في الصف الإسلامي الواحد، والحركة الإسلامية الواحدة إلا دورة جديدة من دورات عبد الله بن أبي.

4 -

ولكن كيف كان وضع الصف المسلم في أثناء هذه الحركة المضادة. لقد كان الصف من القوة والتراص والتماسك بحيث يحرق عبد الله بن أبي وعصبته المنافقة. ولقد استطاع فتى صغير من فتيان هذا الصف أن يحبط فتنة هذا الأخطبوط كله، حين نقل كل تفصيلات المخطط الخائن، لمن؟ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.

وأي وعي في صف جيش النبوة أعمق من هذا الوعي؟! إنه الغلام زيد بن أرقم بلغ به الوعي الحركي أن يصمت وهو يسمع عبد الله بن أبي ليتحدث بكل ما في نفسه، وبلغ به الوعي الحركي أن يمضي مباشرة إلى القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم وحده فيبلغه بما سمع، وبلغ به الوعي الحركي أن لا يحدث بهذا الموضوع أحدا غير رسول الله. وكم نتمنى لا لفتياننا ولا لشبابنا بل للقيادات عندنا أن يكونوا على مستوى هذا الوعي الحركي العظيم.

إنه فتى الإسلام الذي لم يبلغ بعد - أو في سن البلوغ - أدرك هذه المعاني جميعا وحصر الفتنة في مهدها فأبلغ كل تفاصيلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان حارسا أمينا على دعوته وحركته. وهذا يعني أن المطلوب من كل أخ أن يكون حارسا أمينا على دعوته وحركته. فينقل كل ما يسمعه من تجريح وطعن أو رغبة في تخريب الصف وتحطيمه إلى قيادته المسلمة دون أن يمضي عن حسن ظن في النقد والتجريح هو كذلك. فيبلبل الصف وهو يقصد إصلاحه.

ص: 265

إنه درس عظيم في الحركية الواعية لشبابنا المسلم يتلقونه من هذا الغلام. ونقطة ثالثة في هذا المجال كذلك هي أن معسكر النفاق لم يكن ليأبه بمثل هذا الغلام زيد بن أرقم ومن أجل هذا لم يجد حرجا في الحديث أمامه بكل ما في نفسه وبكل مخططاته. وهذا ما يجعلنا نطمئن إلى أن نفثات معسكر النفاق وأحابيله لا بد أن تظهر بشكل ما في الصف، وعلى الشباب المسلم أن يكون يقظا واعيا لمثل هذه الاتجاهات داخل الصف المسلم.

5 -

وماذا تتصرف القيادة أمام هذه المواقف؟ إن الدرس عام للقيادة والقاعدة، وما أحوجنا إلى التأسي بهذا المنهج جنودا ومسؤولين. لقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة احتمالات قبل أن يتبنى هذا القول ويبني عليه.

الاحتمال الأول: أن يكون ناقل الكلام مغرضا. أو صاحب هوى (لعلك غضبت عليه؟ قال: لا والله لقد سمعت منه). ومع أن عبد الله بن أبي هو رأس النفاق وأكبر أعلامه فلم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القالة فيه مباشرة وأحب أن يتأكد من صدق الناقل أنه ليس له غرض أو مصلحة أو هوى ضد المنقول عنه. إن الحكم السريع من القيادة والتصديق المباشر دون تحقيق كامل لأسباب هذه الأقوال قد يوقع الجماعة المسلمة في خطأ أكبر من القول نفسه وقد يصدع نقل مغرض وحقد حاقد وغضب غاضب الصف كله إذا كان التسرع في قبول القول ضد أي إنسان لا يزال داخل الصف، مهما كانت الاتهامات ضده.

الاحتمال الثاني: أن يكون ناقل الكلام غير دقيق في نقله. (لعله أخطأ سمعك) فلا يبعد أن يكون النقل خاطئا، فيؤدي إلى زيادة أو نقصان في الكلام يغير المعنى كله، ولا يصل إلى هذا المدى من الخطر، وبالتالي فيتهم القائل بشيء لا أصل له، أو زيد عليه فغير معناه.

لقد كنا كثيرا ما نسمع بعض التعميات من الشباب المتحمسين ضد بعض إخوانهم أو مسؤوليهم أو يقوم شاب بنقل لحادثة عن القيادة مشوهة أو مغلوطة، وبعد أن ينتهي الأخ من غمرة حماسه يسأل: هل أنت متأكد مما تنقله؟ وهل نقل إليك هذا الخبر بهذه الصورة؟ فيقف مليا ليجيب مصححا

ص: 266

لنفسه مقالته الأولى، ويحدد ما هو متأكد من نقله، مما هو شاك فيه. إن خطأ السمع احتمال أساسي آخر ينبغي التحرز منه ونحن نستمع للأخ الذي ينقل شكاية عن أخيه الآخر مهما كان وضع الأخ الآخر متهما أو مشكوكا فيه.

الاحتمال الثالث: أن يكون الفهم خاطئا للكلام (فلعله شبه عليك؟ قال: لا والله لقد سمعت منه يا رسول الله. وهذا أكثر الاحتمالات وقوعا في الصف المسلم أن يفهم الكلام على غير قصده أو غير معناه، وبالتالي تتأزم الأمور لسوء تفاهم أو سوء فهم من طرف واحد، ثم تبني الأحكام كلها على ضوء هذا الفهم السيء، ويتصدع الصف نتيجة أوهام لا حقائق، ونتيجة تفسيرات وفهوم لكلمات معينة لا نتيجة نقل أمين لمعناها، والأصل حين تقوم الثقة بين أبناء الصف أن يكون الأخ مصدقا عند إخوانه حين يعلن رأيه وفهمه ويقسم عليه، ولكم رأينا خلافات عميقة وشروخا كبيرة في الصفوة من إخواننا نتيجة فهم خاطىء لكلام صادر. أو تفسير سيء لنقد قائم بعيد عن التجريح والإساءة. والمنهج النبوي أمامنا في التحقيق نتمنى أن يكون درسا عمليا لجهاز الأمن وأجهزة التحقيق في الجماعة، ومهما كد ذهننا في التحقيقات، فلن تخرج الاحتمالات عن هذه المجالات الثلاثة: غرض في النقل، أو خطأ في النقل، أو خطأ في الفهم. وليس من حق قيادة الجماعة مهما كان الناقل صادقا والمنقول عنه متهما أن تصدر حكما قبل التحقيق في القول نفسه، ولو فعلت ذلك لجافت منهج النبوة، ولكانت أداة لزلزلة الصف وزعزعة الثقة عوضا عن أن تكون صمام الأمان له ومحور اللقاء والثقة فيه.

والنفاق لا يستطيع أن يتحرك ويتمطى ويثمر الثمرة المرة إلا في الابتعاد عن المنهج النبوي في التحقيق والإدانة.

6 -

ثم ماذا بعد التحقيق؟ يأتي دور الاستماع للخصم ودفاعائه. فلقد جاء ابن أبي وأقسم بالله تعالى ما قال، وحلف على ذلك. وتأزم الموقف من جديد. وانقسم الصفوة من الصحابة بين مصدق ومكذب، بعد حلف ابن أبي، فالذين يعرفون ابن أبي لم يخالجهم الشك في قوله، واندفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليقول: يا رسول الله مر به عباد بن بشر ليقتله، ولا

ص: 267

يمنع أن نقف قليلا عند قول عمر رضي الله عنه، فالمعهود في الفاروق رضي الله عنه في كل مواقفه أمام الانحرافات وتشكيكات المنافقين، أنه يطلب الإذن بقتل هذا المشكك، ومضت عنه هذه الكلمة: يا رسول الله دعني أضرب عنقه فلقد نافق.

أما الآن فنحن أمام صورة جديدة. هذه الصورة أن عمر يطلب أن يقتله غيره، ولو أمعنا البحث وتعمقنا في فهم الأسباب لطالعتنا صورة نيرة خالدة. هذه الصورة هي ترفع عن أهوائه وانفعالاته. فلقد كانت المواجهة بين جهجاه الغفاري مولاه وبين سنان الجهني حليف الخزرج، فلو طلب عمر قتل ابن أبي، لكان الأمر محل شبهة أنه يود الثأر لنفسه ولمولاه من عبد الله بن أبي الخزرجي، وحرصا منه على أن لا يختلط الأمر بين حميته لدينه، وحميته لنفسه، ارتفع فوق رغبته الجامحة في قتل رأس النفاق، وأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم أحد سادات الخزرج بقتله، والنقطة الثانية في هذه الفقرة هي في قسم ابن أبي نفسه أنه ما قال هذا الكلام، فإقدامه على حلف هذه الأيمان - الكاذبة يعني أن رصيده قد انتهى نهائيا من الصف المسلم فلو كان واثقا أن هناك من يحميه ويؤيده غير هؤلاء العشرة. لبقي مصرا على قوله، ولاستطاع أن يحرك الحمية الجاهلية في نفوس قومه وهم أكثر الجيش، وأن يقود انشقاقا جديدا كما فعل في أحد.

إنه لواثق أنه أعجز من أن يؤثر على فرد واحد في هذه الظروف وبهذه الوقاحة السافرة. ومن أجل ذلك رأى أن مصيره الموت لو ثبتت إدانته، ولن يثأر له أحد فلا بد من تلافي الموقف من جديد وتكذيب الخبر حفاظا على عنقه من الإطاحة، وهو والعشرة معه لن يكونوا أكثر من نفخة في رماد.

غير أننا نلاحظ اتجاها آخر غير اتجاه عمر رضي الله عنه، ولقد قوي هذا الاتجاه حين رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرة قتله. قائلا: فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحاب.

هذا الاتجاه يقوم على التماس العذر لابن أبي في مقالته، ويعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرة الرفق به أو تخفيف عقوبة القتل عنه على الأقل. ونلاحظ

ص: 268

هذا الاتجاه لدى زعيمين من زعماء المدينة هما أسيد بن حضير سيد الأوس - إذ كان سعد بن معاذ قد قضى شهيدا في الخندق - وسعد بن عبادة (1) سيد الخزرج إذ عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر عليهما كل على حدة، وكان جوابهما واحدا في هذا الأمر، فقال أسيد بن حضير: (.. فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يرى أنك استلبته ملكا، وكان جواب سعد بن عبادة رضي الله عنه: (

فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت فهو الأذل وأنت الأعز، يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ما بقيث عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه، فما يرى إلا قد سلبته ملكه. ولقد اندفع بعض أفراد هذا الاتجاه إلى تصديق عبد الله بن أبي بعد يمينه، وإلى تكذيب زيد بن أرقم الغلام المؤمن. فيذكر المباركفوري عن البخاري رواية فيها:(أما ابن أبي فلما علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به، وقال من حضر من الأنصار: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل (2)). ونلاحظ هنا أن تمالؤ مجموعة من الأفراد في الصف على موقف قد يؤدي إلى تغيير الواقع. لكننا نلاحظ أن أبعد مدى وصل إليه عبد الله بن أبي في الصف المسلم أن يوجد من يبرر له كلمته بدافع رغبته بالملك، أو يوجد من يصدقه ويكذب غلاما حدثا ليس معه شاهد آخر على كلامه، ومع هذا فنحن نعتبر أن هذا الموقف ليزيد القناعة بقوة هذا الصف وتراصه، فأن تصل الثقة لدى أفراد هذا الصف بغلام فيه، فوق الثقة بزعيم كبير من زعماء النفاق فهو دلالة واضحة على تعري النفاق والمنافقين فيه، وأن يقتصر الأمر على أفراد في هذا

(1) عند المقريزي أن سعد بن عبادة هو الذي لقيه. وعند ابن هشام أن أسيد بن حضير هو الذي لقيه، ومن المحتمل أن تكون المحادثتان معا لخطورة الأمر ولحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على معرفة، رأى جميع قيادات الأنصار في هذا الموقف.

(2)

ابن هشام ج 3/ 184.

ص: 269

الصف على توقع الوهم من الغلام لا الاختلاف. فهو مستوى رفيع ولا شك في تلاحم هذا الصف، وارتفاع الثقة فيه، وفضح المشبوهين فيه.

7 -

ونقف كذلك عند جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وهو أمر أقرب ما نسميه في المصطلح الإسلامي بالسياسة الشرعية. وما أحوج الجنود في الصف إلى فقه هذا الموقف.

فكثيرا ما يندفع الشباب المتحمسون في الصف في النقد العنيف للقيادة حيث تستعمل الحكمة والتؤدة في معالجة الشاذين في الصف والمتمردين عليه، خاصة إذا كانت الأغلبية في مركز أو تجمع تدين بآراء هؤلاء. وتصبح القيادة بين نارين، نار المتحمسين الذين يأخذون على القيادة تهاونها، ونار الأعداء من الداخل الذين يتربصون الدوائر بهذه الجماعة لينزلوا بها كيدهم فلا الشباب في الداخل يعذرونها ولا الأعداء في الخارج يرحمونها. إننا لا نتصور موقفا عدائيا للجماعة المسلمة أخطر من موقف عبد الله بن أبي، وأن مجرد (1) قناعته أن يخرج العزيز منها الذليل ويعني بها نفسه ورسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو خلع لربقة الإسلام من عنقه وصار كافرا خالصا، وحكمه هو القتل. لكن ظاهر الأمر أنه من الصف، فالإقدام على قتله، والمعركة الدعائية على أشدها بين المسلمين والكافرين تجعل للكفار سبيلا كبيرا للتشهير بالمسلمين والنيل منهم وتشويه سمعتهم لدى الآخرين، وظاهر الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخشى تأثير ابن أبي في هذه المرحلة، ومع أن الأمر لم يثبت عليه بعد، ومع أنه حلف أنه لم يقل هذا الكلام، فلم نر في الصف كله واحدا يقبل كلامه أو يقر به. إنما أقصى ما وصل التأثر به هو اعتبار زيد واهما في النقل، أو طلب الرأفة به لفقدانه الملك العضوض الذي فاته. ولا يوجد في ظاهر الأمر إلا هؤلاء العشرة من الصف كله قبلوا كلامه وسكتوا عليه، والمقصود في هذا التأكيد هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفض قتله، لم يكن بسبب خوف من تصدع الصف الداخلي عنده، ولم يكن خوفا من تأثيره في داخل صفه إنما كان

ص: 270

فقط توقفا سياسيا حتى لا يعطي العدو فرصة للتشهير بالصف الإسلامي أمام المحايدين: (فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه).

إنه كثيرا ما يسود الصفوف اتهام صارخ للقيادة بسكوتها على المخربين أو صبرها على بعض الانحرافات داخل الصف، مع أن ظروفا داخلية وخارجية تمر بها الجماعة المسلمة تقتضي منها تأجيل بعض الأحكام أو توقيف بعض التصرفات، ولعل جنود الصف يدركون المدى الأبعد للقيادة في حرية التعامل في صفها الداخلي أو مع عدوها الخارجي من خلال هذه الحادثة. لقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل رجل نزل الوحى فيما بعد بتكذيبه وبصحة ما وجه إليه من كفر بواح وهو يهدد ليخرجن الأعز منها الأذل، وذلك لاعتبارات سياسية بحتة، ولسمعة الجماعة المسلمة أن لا تتفتت عند أعدائها، فيستغل العدو هذه الفرصة.

ما أحوجنا إلى أن ندع الحرية للقيادة في التعامل مع شبابها ومع خصومها! فهي أدرى بالظروف التي تتعرض لها منا، ومن حقنا أن نوضح رأينا. كما فعل عمر رضي الله عنه وهو يطالب برأس ابن أبي، أو كما فعل سعد وأسيد وهما يطالبان بالرفق به. لكن ليس من حقنا أن نفرض رأيا نرتأيه. ولا أن نتهم القيادة في موقف اتخذته هو من حقها، ويحسن أن لا يغيب عن بالنا أن قيادة الحركة المسلمة فيها من العلم والعالمين ما يجعلها على بصيرة من تصرفاتها.

لكن أشير إلى نقطة مهمة كذلك هي صلاحية القيادة للحركة، والقيادة للدولة. فقيادة الدولة قادرة على تنفيذ الحكم الشرعي بالقتل أو السجن أو النفي على أفرادها كما هي قادرة في كثير من الأحيان على مواجهة خصومها، ومع ذلك، فيتم مراعاة بعض الظروف والاعتبارات السياسية المحيطة بها، والتي تجعلها تتوقف في تنفيذ الأحكام، فمن باب أولى أن تكون قيادة الحركة أعجز وهي محكومة بظروف قاهرة من دول أخرى لها قوانينها وأعرافها، ولا تتعدى سلطتها المعنوية على أفرادها فصلا أو تجميدا مهما كانت خطيئة الجندي وذلك حين تتعارض المصلحة العامة للجماعة ومصلحة الفرد.

ص: 271

لقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعرض لمن ارتد أو تزعزع بأذى في مكة لأنه لا سلطان له في هذه الدولة. بينما رأيناه يقيم الحدود وينفذ الأحكام وهو الحاكم الأعلى في المدينة. والذين يفرون من المدينة مرتدين إلى سلطة أخرى لا تطالعهم يده فيها يدعهم وشأنهم إلى أن يكون قادرا على تنفيذ القصاص فيهم.

8 -

ولا بد من الإشارة كذلك لموقف سيدي الأنصار وهما يقولان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الحرز ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه. فما يرى إلا قد سلبته ملكه). فهذا الكلام وإن كان ظاهره يوحي طلب الرحمة بابن أبي. لكن حقيقته فضح للدوافع النفسية لهذا الموقف عنده.

إن حب الزعامة عنده هو الذي قاده إلى هذا الموقع، وإن فقدان الملك هو الذي جعله في موقع الحرب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم برغم ما رأى من الآيات البينات والدلائل الباهرات على صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهذا المرض الرهيب هو من أخطر الأمراض داخل الصف المسلم؟ مرض حب الزعامة والتنافس على السلطة وهذا المرض يقود في كثير من الأحيان إلى تدمير الجماعة المسلمة أو شق صفها على أقل تقدير. إن الفرق بيننا وبين الجاهليين هو أنهم يحتكمون إلى أعراف سياسية أو أعراف ديمقراطية فإذا خرجوا عليها فهو خروج على مبادىء صاغوها وجعلوا لها الحكم عليهم. أما الفئة المسلمة فالتزام الجماعة دين فيها، والسمع والطاعة للأمير فرض من فروضها، وقبول حكم الحاكم الشرعي بيعة من نكث فيها فإنما ينكث على نفسه. ومن أوليات الإسلام السمع والطاعة في المنشط والمكره ومن أوليات الإسلام السمع والطاعة ولو ولي عبد حبشي على المسلمين كان رأسه زبيبة ما أقام كتاب الله.

كما نشير في هذا الموقف كذلك إلى الغلالة الرقيقة التي يتستر وراءها الخارجون على الجماعة. هذه الغلالة هي مصلحة الجماعة نفسها والحرص عليها، ومحاولة التمييز في صفوفها، وفقدان العدل بين شبابها. لتظهر فيما بعد النوازع الدفينة وهي فقدان المركز الحساس لهذا الثائر. على جماعته، وفوت

ص: 272

الفوز في انتخابات معينة. دفعته ليمضي في التشهير والجرح والتحطيم ما وسعه سبيل إلى ذلك. وإذا هو حين يتقلد منصبا أو يتسلم سلطة تذهب هذه الغيرة العظيمة على مصلحة الجماعة، وينقلب مدافعا عنها وعن قيادتها.

إن كثيرا من المواقف المعادية للحركة الإسلامية تنطلق من حب الزعامة والمنصب وبالإمكان أن تعالج أحيانا هذه المواقف، ويصعب أو يستحيل معالجتها في حين آخر. إن طالب الزعامة والمنصب قد يراعي في بداية الأمر، وقد يتساهل معه في بعض الجزئيات. لكن أن يستمرىء هذا الإنسان هذه المراعاة، فلا يرضى إلا أن يكون الجميع تحت إمرته أو أن يكون الجميع بقيادته، وهو لا يستحق هذا المركز، ولا يستأهل هذا المنصب فحيئذ يكون من الخرق مراعاة مثل هذا النوع من الناس أو الاستجابة لطلباتهم، حتى أن كثيرا من الذين يعادون الإسلام إنما يعادونه خوفا على مصالحهم، وخوفا على زعامتهم. وأوضح مثالي على ذلك موقف أبي جهل من الإسلام ورسول الإسلام. أتنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وسقوا فسقينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وصرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء). والحركة الإسلامية الواعية، تتخذ الموقف الوسط والأنسب في هذه الأمور. فلا حرج عليها أن تراعي بعض هذه النوعيات، وإشعارهم بمقامهم المحفوظ في الإسلام: أو أن ترفض أية مراعاة لهم حين ترى خطرهم على الجماعة والدعوة، والموقف واحد مع من هو داخل الصف أو خارجه، في حركة إسلامية أو مستقل الرأي أو في موقف معاد للدعوة والحركة.

9 -

ويطالعنا موقف المسلم العظيم عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان له دور كبير في إنهاء سلطان أبيه من أرض الإسلام. وذلك في تصرفين عظيمين:

التصرف الأول: وبعد أن ثبت له عن طريق الوحي صدق مقالة زيد فيما نقله عن أبيه تبرأ من أبيه، ووقف له على باب المدينة، واستل سيفه. فلما جاء ابن أبي قال له: والله لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 273

فإنه العزيز وأنت الذليل. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أذن له فخلى سبيله (1). ومثل هذا التصرت لا يجدي إلا من عبد الله من جهة، ولا يقدره إلا عبد الله من جهة أخرى فهو لا يجدي إلا منه لأن كل الخزرج بل الأنصار تعرف بر عبد الله بأبيه. فلو أقدم أي واحد من المسلمين على هذا الموقف لكان خوفه من سيف عبد الله الابن قائما في كل لحظة ولن يرضى ذل أبيه، وقد تقع فتنة أعظم تحول دون هذا الاعتراف بالذل من رأس النفاق، ولا يقدره إلا عبد الله من جهة أخرى، لأنه الوحيد الذي لا يخشى سطوة أحد من المنافقين أتباع أبيه، إنهم حين يرون الولد يضع السيف على عنق أبيه، لن يتجرأ أحد على النيل من الولد، لأنه هو حامي ذمار أبيه، ولن يكون أحد أغير وأثأر للأب من ابنه. لقد كان هذا الموقف من الواقف الخالدة في التاريخ، والذي أحرق كيد المنافقين كله حين رأوا عبد الله بن عبد الله بن أبي يذل أباه، بل يمنعه من دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

التصرف الثاني: حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد أن تقتل أبي فيما بلغك عنه فمرني به فوالله لأحملن إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالده مني، وإني لأخشى يا رسول الله أن تأمر غيري بقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النار، وعفوك أفضل ومنك أعظم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت قتله وما أمرت به، ولنحسن صحبته ما كان بين أظهرنا. فقال: يا رسول الله إن أبي كانت هذه البحيرة قد اتسقوا عليه ليتوجوه. فجاء الله بك فوضعه ورفعنا بك، ومعه قوم يطيفون به يذكرونه أمورا قد غلبه الله عليها.

وإذا حق لنا أن نعتبر بعض الحوادث منعطفات في تاريخ النفاق، فلعمري إن هذه الحادثة أولى منها جميعا بذلك، فعبد الله المؤمن على استعداد أن يقطع رأس أبيه عن جسده بحركة من شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إيماءة -

(1) الرحيق المختوم للمباركفوري نقلا عن ابن هشام ومختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب.

ص: 274

ورسول الله لا يقتل إيماء - وبذلك يغدو عبد الله زعيم النفاق كأمس الدابر. وحين نرى مثل هذا القول لا نشك أصلا أنه إنما قال لينفذ، وليس وقوفه دون دخول أبيه المدينة حتى يقر بأنه هو الذليل، وأن محمدا هو العزيز، وحتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخولها، ليس هذا الموقف إلا دليلا على ذلك.

لكن عظمة هذه النفس البشرية، نفس عبد الله الابن لتبدو أعظم وهي تتحدث عن نقاط ضعفها، ونقاط نقصها، إنه ليعلن أن الحمية الجاهلية قد تلعب برأسه، لو قتل أباه أحد غيره. وهو يعرف عتو هذه الجاهلية، وقوتها الكامنة في أعصابه، وفي حالة الحمية هذه، قد يفقد توازنه، ويفقد رشده، ويفقد دينه، فيقدم على قتل مسلم بكافر. فيؤدي ذلك به إلى النار.

فليس المسلم إذن سموا كله، وليس تساميا كله. بل من نجد عنده قمة السمو قد نجده في مكان آخر في زلة ضخمة قد تقوده إلى الضلالة والكفر. ومن الخطورة بمكان ونحن نتناول أحداث السيرة أن يكون التركيز دائما على نقاط التسامي، فأن تعرض هذه الحادثة ليؤخذ قسمها الأول في استعداده لقتل أبيه فقط يجعل بين هذا الصحابي العظيم وبيننا هوة كبيرة سحيقة لن نتمكن تجاوزها فنيأس ونحكم على حركتنا بالفشل. أما عرض الموقف كله من الشخص نفسه فهو دليل من جانب آخر على طبيعة هذه النفس البشرية الواحدة القادرة على الارتفاع إلى الأفق، والقادرة على الهبوط إلى الحضيض. القادرة على التطبيق الحي لأوامر الله عز وجل، ولو أدى ذلك لقتل ألصق الناس بها، والمستعدة للولوغ في الوحل ونتن الجاهلية فتقتل مسلما بكافر ثأرا وحمية وتدخل النار، وجانب العظمة لدى عبد الله رضي الله عنه هو أنه لم يجد حرجا في عرض خشيته من ذلك الإنحدار أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويدع الأمر بعد ذلك لقائده يوجهه لما يشاء. وهو درس لكل جندي يكلف بمهمة، أو يرى حدثا معينا يخشى منه الفتنة أن يعرضه لقيادته حتى تكون على بينة من طبيعة هذا الجندي. فقد تغير الأمر نتيجة التعرف على هذا العرض.

وأخيرا يضعنا هذا الموقف لعبد الله رضي الله عنه على جانب من الوضع النفسي له. فكل خشيته قائمة من دخول النار لو زل وعصى واستجاب لثأره، وليس خوفه على قتل أبيه أو خسارة سمعته أو لوم عشيرته.

ص: 275

لقد أصبح يتحرك في عواطفه من خلال عقيدته. لكن ضغط مقتل أبيه على أعصابه يخشى أن يزعزعه إلى ذلك المستوى الذي تجاوزه. ويصبح من عداد أهل النار.

10 -

ولا يفوتنا أن نستعرض موقف الغلام المؤمن في هذه الحادثة: موقفه وهو يمضي سريعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليخبره بما سمع وهو الواجب على كل جندي أن يكون حارسا أمينا على دعوته، وموقفه وهو ثابت كالطود أمام تكذيبه. ويصر على صدق ما سمعه، وينفي أمام قائده أن يكون له هوى بهذا الأمر أو يكون قد أخطأ في نقله، أو أخطأ في فهمه، وموقفه في مواجهة التيار العام الذي ثار ضده من قادة قبيلته. وهو يتحداهم جميعا بقوله: والله إني لأرجو أن ينزل الله على نبيه حتى تعلموا أني كاذب أم غيري. فلم تزلزله هذه الهجمات كلها بل بقي على موقفه، وثقته برب السموات والأرض أن يظهر الحق لنبيه، وأن يأتي الوحي تصديقا له، ويتعبد به الناس إلى يوم الدين.

ومن أجل هذا حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على رفع معنوياته أمام هذا الهجوم الرهيب عليه حين جاء الوحي مصداقا لقوله: فإذا هو يأخذ بأذني زيد ويقول: وفت أذنك يا غلام وصدق الله حديثك. وإذا بكل تمالؤ الحسب والنسب ينهار أمام الوحي، ويرتفع هذا الفتى المؤمن بالله وبرسوله فوق الشبهات، وفوق الزعامات بعد أن صدقه الله تعالى، وكذب رأس النفاق الذي لم يتورع عن الحلف كاذبا في سبيل المحافظة على مركزه وسطوته، فلا يستصغرن أخ نفسه من أجل هذه المهمة. وليعتبر نفسه مقام هذا الغلام المؤمن. فلا يصمت على حديث يسيء للجماعة مهما كانت صعوبة الإبلاغ قائمة. وكم يستشعر الجندي بالثقة وهو يجد قيادته تتصرف مباشرة بعد التأكد من صحة كلامه، وأن لا يكون لدى قيادة الجماعة حرج في أن تستمع لمثل هذه الآراء، وتتعرف على ما يجري داخل الصف.

11 -

وأخيرا نلاحظ معالجة رسول الله صلى الله عليه وسلم للموقف على جبهات عدة، وهو يود أن يستأصل هذه الظاهرة من الجذور. وهو موقف أحوج ما تكون القيادة للتأسي به وهي تعالج هذه الظاهرة.

ص: 276

أ - فالتثبت والتحقق من الحادثة هو الواجب الأول، وهو ما رأيناه من الأسئلة العديدة التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد قبل أن يحكم على صحة مقالته. وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد فعل ذلك، فأحرى بأية قيادة أن تتثبت قبل أن تصدر الحكم. لأنها هي المسؤولة عن أمن جماعتها وأفرادها. وتسرعها بإصدار الحكم يعني بتر بعض قواعدها، أو إثارة فتنة في صفها، أو ظلم جندي من جنودها، والجماعة التي لا تقدر الفرد فيها لن تستطيع أن تستفيد منه ساعة المحنة. وإذا كنا لا نملك وحيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت الواقعة أو يكذبها ففي البيانات التي اشترطها الإسلام من الشهود والعدول، أو من البينات التي قدمها العلم الحديث كالتسجيل لكلام المتهم أو التصوير له جوانب فرعية يمكن أن تساعد في سعة التحقيق وصحته.

ب - ثم في مواجهة انتشار الفتنة. إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل في وقت لم يكن يرحل فيه وكما يقول ابن هشام في السيرة (ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذاك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذاك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل في الناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما، إنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس بالحديث الذي كان بالأمس (1)).

فلا بد إذن من إشغال الناس عن الفتنة، والقاعدون حين تشتعل الفتنة لا يكون لهم حديث إلاها حتى في المجتمع النبوي. والقيادة الحكيمة هي التي تملأ فراغ شبابها بعمل مثمر. أو تدريب مناسب أو جهاد مباشر للعدو بحيث يستفرغ العمل وسعهم ويستنفد طاقتهم. ويصرفهم عن الانشغال بالقيل والقال وكثرة السؤال. وعن تأثرهم سلبا أو إيجابا بهذه الترهات.

ج - ثم كان عرض الرأي على الخلص من أصحاب عبد الله بن أبي

(1) تهذيب السيرة ص 211.

ص: 277

بعد أن ثبت له صدق الغلام دون أن ينقل الحديث إلى أفراد الصف، ومعالجته بالحكمة الممكنة. وهذا الأمر لو أحكم في صف الجماعة المسلمة لجنبها كثيرا من المآزق. أن يكون أمر الأمن أو الخوف ممدودا بمستويات معينة لا يتجاوزهم. أما المنافقون فهم الذين يشيعون قالة السوء، ويسارعون في نشرها وهم يتلذذون بذلك وقد وصفهم الله تعالى بقوله:{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم (1)} . فمنهج التبليغ للخبر، ومنهج التلقي يجب أن يكونا سلميين، وكثيرا ما يحدث أن بعض الأفراد في مستوى معين من المسؤولية أو في القيادة العامة للجماعة، فيتساهل في بعض الأسرار. فإذا بها تنتقل عن طريقه، وتزكم الأنوف كلها، وتكون مادة الحديث ليتسلى الصف أو يتصارع بها.

وكانت حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سمع رأي سعد بن عبادة وأسيد بن حضير وعمر بن الخطاب، واكتفى بذلك إلى أن جاء الوحي بصدق زيد رضي الله عنه وصحة ما نقله عن ابن أبي. فأصبح لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف آخر. فلقد وقف عبادة بن الصامت موقفا حازما من عبد الله بن أبي. وكذلك أوس بن خولي إذ (مرا عليه فلم يكلماه. فورم أنفه وقال: إن هذا الأمر قد تمالأتما عليه فرجعا إليه فأنباه وبكتاه بما صنع وبما نزل من القرآن إكذابا لحديثه فقال: لا أعود أبدا). وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر للخزرج في معالجة عبد الله بن أبي فكان الموقف العظيم لابنه، ولبني عشيرته الأدنين.

ونتساءل: لماذا كان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا التساهل مع عبد الله بن أبي؟ والجواب واضح. فهو أولا: مطمئن إلى أن قومه سوف ينفضون عنه جميعا، فلقد أصبح خطره محدودا وأمره مفضوحا للجميع.

وهو ثانيا: يود أن لا يفتح له مجالا للخروج من الصف والانقضاض عليه بحيث يخرج ويتآمر مع اليهود والمشركين وأسرار الصف عنده. وأي

(1) سورة النساء، من الآية 83.

ص: 278

ضغط عليه قد يقوده إلى هذا الموقف كما فعل أبو عامر الفاسق الذي خرج مع خمسين من قومه وأنضم لأهل مكة. فأن يكون مراقبا في جميع تصرفاته أولى من أن ينقل أسرار الجماعة المسلمة إلى عدوها، ومن أجل ذلك كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحا لابنه حيث قال له: ما أمرت بقتله (1)، ومما أمرت به، ولنحسنن صحبته ما دام معنا.

وهو ثالثا: يعلم أن عبد الله بن أبي قد احترق نهائيا بنزول سورة (المناففون) حيث صارت على كل لسان. وما من مسلم يتلو هذه السورة، ويبقى عنده شك في تقييم ابن أبي أو الثقة به إلا إذا كان يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وحتى يبقى هذا المعنى راسخا في أذهان المسلمين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه السورة في كل يوم جمعة تقريبا مع سورة الجمعة. فلو تاب عبد الله بن أبي توبة نصوحا، وخاف الآخرة لم تعد السورة لتمسه بعد أن حسنت توبته، وإن بقي مصرا على موقفه، فسيبقى المسلمون في مفاصلة تامة معه وهم يتلون كتاب الله ويقرؤون شهادة الله تعالى به وبأمثاله أن هؤلاء المنافقين كاذبون، وأنهم اتخذوا أيمانهم جنة ليصدوا عن سبيل الله. وهكذا. نستطيع القول أن جبهة المنافقين التي كان يقودها عبد الله بن أبي قد تصدعت تصدعا تاما بعد أن كانت قادرة على تصديع الصف الإسلامي كله.

ولم يعد لعبد الله بن أبي ناصر أو معين. وأصبح مكان الإذلال في قومه بعد أن كان في مكان الصدارة. بينما لو قتل لتحركت الحمية من جراء قتله برؤوس بعضهم بعد قتله، وقد يغدو مظلوما شهيدا عند آخرين من ضعاف الإيمان. وكان هذا الأمر هدفا واضحا ومحددا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل كل الناس ينفضون عن ابن أبي بعد أن كان أكثرهم يجتمعون عليه.

يقول ابن إسحاق: (وجعل يعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنفونه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب، حين بلغه ذلك من شأنهم: كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لي

(1) السيرة النبوية لابن هشام ص 305. ج 3. دار إحياء التراث العربي.

ص: 279

أقتله، لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته، قال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري).

ح - المنافقون وحديث الإفك

الذي يتبادر إلى الذهن أن حديث الإفك كله هو من صنع المنافقين، وأنهم هم الذين خاضوا فيه غير أن النص القرآني واضح في أن الذي جاء بالإفك فريق من المؤمنين. {إن الذين جاؤوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم .. (1)} والآيات المتتالية تناقش المؤمنين الذين خاضوا فيه. {.. ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا (2)}. لكن دور المنافقين كان في تأجيج هذا الحدث ونشره. فقد أشارت عائشة رضي الله عنها إلى أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي حيث تقول:(وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج الذي قال مسطح وضمنه). وتصف عائشة رضي الله عنها انتشار الخبر فتقول: (.. فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي. فقال أهل الإفك ما قالوا، فارتعج العسكر والله ما أعلم بشيء من ذلك ..).

وما كان المنافقون ليجرؤوا على بث هذا الحديث والخوض فيه بعد الفضيحة التي نالتهم بعد التعرية التي نزلت بابن أبي. لكن انتشار الحديث واستفاضته في الصف الإسلامي جعل المجال رحبا لهم أن يدسوا أنوفهم فيه، ويشعلوا النار من خلف الستار. ولعل عبد الله بن أبي وحده هو الذي برز من خلال النص أنه تولى كبره. ومعه ثلاثة من الصف الإسلامي الخالص. حسان بن ثابت، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن قال له رسول الله: أهجهم وروح القدس معك ومسطح بن أثاثة، وهو من المهاجرين، وممن شهد بدرا. وابن خالة عائشة رضي الله عنها ومن المقيمين في بيت أبي بكر رضي الله عنه. وحمنة بنت حجش، ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج شهيد الإسلام العظيم مصعب بن عمير.

(1) سورة النور من الآية 11.

(2)

سورة النور من الآية 12.

ص: 280