الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن ليهود ....
4 -
وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
5 -
وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تحتاج هذه الفقرات إلى تعليق، فهي واضحة تماما من حيث تحديدها لقيام دولة الإسلام وإعلان هوية هذه الدولة. بعد التمكين الذي هيأه الله تعالى لرسوله وللمؤمنين.
السمة الرابعة
لا خيار من المعركة
الصورة الواضحة في أذهان معظم شباب المسلمين من خلال قراءتهم لكتب السيرة هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي افتتح المعركة مع قريش حين راح يهاجم قوافلها المارة بالمدينة، وخاصة قافلة أبي سفيان، ويضطر كتاب السيرة للاعتذار عن هذا الهجوم أن قريشا قد سلبت أموال المسلمين وأخرجتهم من أرضهم وديارهم. فلذلك هم يطلبون ما لهم وهم أصحاب الحق فيه. ومرد الخطأ في هذه الصورة هو اعتماد سيرة ابن هشام وحدها مصدرا للسيرة ة بينما يمكن للصورة أن تتكامل لو ربطت هذه السيرة مع ما ورد عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث المعتمدة من الصحاح الستة وغيرها التي تعتبر من حيث التوثيق أقوى من سيرة ابن إسحاق.
والذي دفع إلى كتابة هذه الخاطرة هو ما رواه أبو داود في سننه عن قريش أنهم كتبوا إلى عبد الله بن أبي بن سلول - بصفته زعيم المدينة - يهددونه ويتوعدونه بقولهم: (إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو
لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم). كان هذا بالنسبة لأهل يثرب وزعيمها، أما بالنسبة للمهاجرين فقد كتبت إليهم تقول:(لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم (1)).
ولم يكن هذا غريبا على منهج قريش، فهي التي قررت اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملأ منها، وخفتت الأصوات التي كانت تدعو لحمايته، ولم يكن لديها الجرأة لمواجهة التيار العنيف ضده وضد أصحابه، كما أن قريشا منعث بالقوة هجرة من استطاعت منعهم عندما رأت تسرب المسلمين إلى يثرب، ولم تكتف بذلك، بل بعثث وراء بعض المهاجرين فاستعادتهم مثل عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وغيرهم. فمنطق الحرب لدى قريش يعطينا تصورا عن منطق الجاهلية في حربها ضد الإسلام والمسلمين. إنها لن تدع المسلمين يستقرون في الأرض، ولن تترك لهم أمانا في أي موقع، أو تدع لهم أن يحتلوا أي موقع. لأنها تعرف أن قوة الإسلام لا بد أن تكتسحهم.
والحركة الإسلامية بحاجة أن يستقر في ذهنها هذا المعنى، فلا تركن إلى الدعة إن ابتعدت عن موطن الصراع، أو تحسب أن المعركة قد انتهت مع الجاهلية إن أفلتت من أيديها. وواقع الحركة الإسلامية اليوم يؤكد هذا المعنى، فعندما تجمع الدعاة في قطر مجاور للطاغوت لم يتورع أن يتجاوز الحدود، ويغتال من يستطيع اغتيالهم أو يحاول ذلك، بل لجأ في بعض الظروف إلى حشد فرق كاملة على حدود هذا القطر ليحاربه، والعالم كله يحارب الأقطار التي تؤي شباب الحركة الإسلامية أو تهيء لهم التدريب والتحرك.
إنه لا خيار لنا في المعركة، وهذا ما أكدته قريش لابن أبي أولا ثم للمسلمين المهاجرين ثانيا. تطالب فيه قيادة المدينة أن تطرد المؤمنين منها، أو تقتلهم فيها، كما تؤكد أن الاستئصال التام هو الحل الوحيد لديها في مواجهة المسلمين.
(1) أبو داود، باب خبر بني النضير.
وتؤكد هذه الصورة في عصرنا الحديث يوم أصرت السلطة الطاغية في بعض الأقطار على تسليم بعض قيادات الحركة الإسلامية لها مقابل حضورها مؤتمرا معقودا في الدولة المضيفة. إننا مع الجاهلية في معركة لا خيار فيها، وفي هذه المعركة لا نلتقي مع العدو في منتصف الطريق بل تحدد هدفها في اجتثاث جذور الدعاة واستئصالهم، وحين نفهم عدونا على ضوء هذا المعنى نتعامل معه على بصيرة منه ومن مخططاته.
السمة الخامسة
التجمع الوثني في المدينة
(
…
فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ..).
لاحظنا أن الميثاق لم يعط التجمع الوثني بصفته كتلة في المجتمع حق الوجود، إنما سمح بوجوده بصفته أفرادا لا يجبرون على دخول الإسلام. وكان على رأس هذا التجمع عبد الله بن أبي الذي أقسم الأيمان المغلظة لقريش في موسم الحج أن قومه لم يعاهدوا محمدا ولم يعاقدوه، ولا يمكن أن يتم هذا دون علمه وأمره، فعندما بلغه أن الخبر صحيح امتلأ قلبه حقدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما زاد الحقد في قلبه اشتعالا هو أن الخزرج والأوس بعد أن هدأت بينهم الثارات اجتمعوا على أن يعقدوا الملك لعبد الله بن أبي وكانوا ينسجون له الخرز ليتوجوه. فأحس عبد الله بن أبي أن عدوه الأول والأكبر هو محمد رسول الله. وتذكر كتب السيرة موقفا له في هذه المرحلة قبل دخوله الإسلام يوم مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ركب من قومه فنزل عن حماره وسلم عليه، (ثم جلس فتلا القرآن، ودعا إلى الله، وذكر بالله .. حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته قال: يا هذا إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقا، فاجلس في بيتك فمن جاءك فحدثه إياه، ومن لم يأتك فلا تغشه به، ولا تأته في مجلسه بما يكره، فقال عبد الله بن رواحة في رجال كانوا عنده من المسلمين: بلى فاغشنا وائتنا في مجالسنا ودورنا، فهو والله مما نحب، ومما أكرمنا
الله به وهدانا له، فقال عبد الله بن أبي حين رأى من خلاف قومه ما قد رأى:
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل
…
تذل ويصرعك الذي لا يصارع
وهل ينهض البازي بغير جناحه
…
وإن جذ يوما ريشه فهو واقع (1)
وفي رواية أنه قال له (2): أبعد عنا نتن حمارك.
فشخصية عبد الله بن أبي إذن هي المؤهلة للمواجهة والحرب في المدينة. أما اليهود فقد كانوا أذكى من ابن أبي وهم يرون الكثرة من أهل يثرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من تخطيطهم أن يتم إنهاء محمد رسول الله على يد هذا التجمع الوثني دون أن يفقدوا مالا أو نفسا.
ووجد ابن أبي الفرصة سانحة ليهيج العواطف ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه من جماعته المتواطئين معه على وثنيته. ولا يتم له ذلك إلا بتجسيم الخطر المحيق بهم من جراء تهديدات قريش، وأكد لهم أن القضية قضية فناء أو بقاء، ولا قرار ولا استقرار لهم إلا بطرد المسلمين وقتالهم. ومن أجل ذلك أعادوا تنظيمهم، وشكلوا القوة المكافئة ومضوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
وهذه هي العناصر الثلاثة التي حدت بهذا التجمع لحرب المسلمين:
1 -
الحقد والضغينة على فوات المنصب والمركز لقيادة يثرب.
2 -
خلاف العقيدة والإصرار على الوثنية.
3 -
الدفع الخارجي والتهديد بالخطر من قريش، والتآمر الداخلي من اليهود.
وهذه العناصر موجودة في كل وقت، ويحتمل أن تواجه بها الحركة الإسلامية وتعد لهذا الموقف عدته.
وفي مثل هذه الظروف تكون الريح مع أعداء المسلمين، تماما كما يفعل اليوم الطواغيت حين يهددون الشعب الآمن بذبحه إن آوى المجاهدين، بل
(1) مختصر السيرة النبوية لابن محمد بن عبد الوهاب ص 170 عن ابن إسحاق عن الزهري.
(2)
لرسول الله صلى الله عليه وسلم.