الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السمة السابعة
محاولة تفتيت الصف الإسلامي
وحين فشلت محاولات تفتيت الصف المدني - على وهن هذا الصف - امتدت المحاولات لتفتيت الصف الإسلامي المدني كما روى ابن إسحاق: (
…
ومر شاس بن قيس وكان شيخا قد عتا، عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه. فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية. فقال: فقد اجتمع ملأ بني قيلة في هذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار. فأمر فتى شابا من يهود كان معه فقال: أعمد إليهم واجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا به من الأشعار، وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج فكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، وكان على الأوس يومئذ مضير بن سماك أبو أسيد بن حضير، وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي فقتلا جميعا.
(قلت: وفي الصحيح عن عائشة قالت: وكان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد افترق ملأهم وقتلت سراتهم في دخولهم في الإسلام). قال ابن إسحاق: ففعل الفتى، فتكلم القوم عند ذلك وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب - أوس بن قيظي .. وجابر بن صخر .. فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها جذعة. فغضب الفريفان جميعا وقالوا: قد فعلنا موعدكم الظاهرة، والظاهرة الحرة السلاح السلاح. فخرجوا إليها. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين الله الله. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم الجاهلية، واستنقذكم بها من
الكفر وألف بين قلوبكم؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، وقد أطفا الله عنهم كيد عدو الله.
فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا (1)} الآية وأنزل الله تعالى في أوس بن قيظي وجابر بن صخر ومن كان معهما من قومهما {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب (2)} الآيات إلى قوله {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم (3)} . لئن كان موقد نار الفتنة في الحالة الأولى هم المشركون، فموقدها الآن اليهود، ولئن كانت من قبل على خطرها بين المسلمين والمشركين. فهي الآن أشد خطرا وأفدح خسارة هي بين المؤمنين أنفسهم ومن أجل ذلك فقد اختلفت المعالجة بين الحالتين:
الحالة الأولى: تذكير المشركين بالقرابة والنسب، والأبوة والنبوة. (لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم. فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا).
الحالة الثانية: تذكير المسلمين برابطة العقيدة، لأنها أقوى محرك للمسلم وتخويفه من الجاهلية:(أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظكركم بعد أن هداكم الله للإسلام واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم) .. فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا فلا غرابة أن تكون هذه المعالجة ضمن هذا المفهوم، وتلك المعالجة ضمن ذلك المفهوم، والرسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب المعالجة في المرتين، فأعطى لكل حالة ما يناسبها دون أن يكون هناك تناقض بين الحالتين.
(1) آل عمران / 98 - 99.
(2)
آل عمران / 100 - 101.
(3)
مختصر السيرة. لابن محمد بن عبد الوهاب ص 168.
ويذكرنا هذا الأمر بحرص العدو - وهو يعرف بعض الثغرات في الصف الإسلامي - على تفتيت الصف من خلال هذه المعرفة. فإثارة الأحقاد والضغائن، والخلافات السابقة هي محور تحرك العدو.
ومما يوضح هذا الطريق اليوم ما لجأت إليه سلطات الطغيان في بلد إسلامي حين أبرزت أحد الإخوة السجناء على تلفازها الرسمي، وفرضت عليه أن يتكلم حول الخلافات القائمة بين قادة الحركة الإسلامية، وأبرزت هذه الخلافات على أنها هي المحرك الوحيد للحركة. وسرعان ما تلقف الشباب هذا الأمر، وراحوا يتناقلونه بين صفوفهم على أنه الحق الوحيد. إن الأصل الذي يجب أن نفيء إليه جميعا هو الشك في العدو، واتهامه، لا تصديقه وتكذيب الإخوة المسؤولين، ونداء الله تعالى لنا واضح في هذا الأمر:{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين (1)} . وإذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - ورسول الله بين - ظهرانيهم - قد تأثروا بنزعات الخلاف السابقة وهي حقيقية، وأمكن أن يستجروا إلى حمل السلاح ضد بعضهم بعضا وهم الجيل الخالد، خير قرون الأرض، فلا عجب أن يستجر المسلمون اليوم وهم في الصف الإسلامي - إلى بعض الخلافات الجانبية، وينزغ الشيطان بينهم، ويسعى جاهدا ليفرق كلمتهم. لكن الأصل هو العودة إلى الكلمة الواحدة، والصف المتراص الواحد. لا أن نعتبر صورة العدو عن الحركة الإسلامية هي الأصل ..
إننا نقع في خيانة يوم نصدق ما يشيعه عدونا عنا - حقا أو باطلا - وننطلق منه في الحكم. لقد وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون (2)). والأولى والأجمل بشباب الحركة أن يسعوا مع إخواخهم على إطفاء نار الفتنة لا على إيقادها، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
(1) آل عمران / 100.
(2)
الأعراف / 200 - 201.