المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السمة الثانيةبناء القاعدة الصلبة - المنهج الحركي للسيرة النبوية - جـ ٢

[منير الغضبان]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌مواصفات المرحلة الأولى

- ‌السمة الأولىالهدنة مع الأعداء ما عدا قريشا وحلفاءها

- ‌السمة الثانيةبناء القاعدة الصلبة

- ‌السمة الثالثةإعلان إسلامية الدولة

- ‌السمة الرابعةلا خيار من المعركة

- ‌السمة السادسةتفتيت التجمع بالنزعة الوطنية والعشائرية

- ‌السمة السابعةمحاولة تفتيت الصف الإسلامي

- ‌السمة الثامنةالعدو يتنكر لقيمه من أجل مصلحته

- ‌السمة التاسعةالخطر على القيادة

- ‌السمة العاشرةحالة الحرب، وتجمع القوى كلها ضد المسلمين

- ‌السمة الحادية عشرةإعلان الحرب على العدو

- ‌السمة الثانية عشرةالتميز الإسلامي قبيل المواجهة

- ‌السمة الثالثة عشرةالمواجهة الحاسمة في بدر، والفرقان فيها

- ‌السمة الرابعة عشرةمعسكر المنافقين، بروزه وخطره وتحجيمه

- ‌السمة الخامسة عشرةالوجود اليهودي في المدينة وإنهاؤه

- ‌السمة السادسة عشرةليل المحنة الطويل وخطره

- ‌السمة السابعة عشرةتباشير النصر في قلب المحنة

- ‌السمة الثامنة عشرةعمليات الاغتيال وأثرها في بث الرعب في صفوف العدو

- ‌السمة التاسعة عشرةالحرب الإعلامية ودورها في المعركة

- ‌السمة العشرونازدياد العدد والعدة

- ‌السمة الحادية والعشرونالجهد البشري في البذل

- ‌السمة الثانية والعشروندور النساء في المعارك ومشاركتهن فيها

- ‌السمة الثالثة والعشرونعبقرية التخطيط القيادي

- ‌السمة الرابعة والعشرونالنصر الإلهي في قلب المحن

- ‌السمة الخامسة والعشرونالتربية الإلهية للنفوس عقب المعارك

الفصل: ‌السمة الثانيةبناء القاعدة الصلبة

هـ - موادعة أهل دومة الجندل:

وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة بعد أن بدأت القبائل تتجرأ على المسلمين عقب أحد حيث بلغه أن هذه القبائل على مشارف الشام تعد العدة لغزو المدينة. وأما أهل دومة الجندل ففروا في كل وجه، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحدا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما وبث السرايا، وفرق الجيوش، فلم يصب منهم أحدا، ثم رجع إلى المدينة، ووادع في تلك الغزوة عيينة بن حصن.

فلقد كانت هذه الأحلاف والمعاهدات مع القبائل البعيدة والقبائل المجاورة بهدف تخذيل العدو وفتح جبهة واحدة مع قريش فقط، بينما يطمئن إلى بقية الجبهات أنها لن تغزوه، وبهدف التخذيل عن العدو، فلا يبقى مع قريش مناصر في المدينة وما حولها. فلا تجد الحركة الإسلامية على ضوء هذه السمة حرجا في أن تحالف من شاءت وتحارب من شاءت إلى أن تصبح قادرة على تطبيق الإسلام كاملا بالنسبة للمشركين، إما الإسلام وإما القتل. وعليها أن تفي بعهودها مع هذا الحليف.

‌السمة الثانية

بناء القاعدة الصلبة

وقد أخذت عملية بناء المجتمع الإسلامي الأولى ثلاثة خطوط:

الخط الأول: العهد بين تجمع المهاجرين وتجمع الأنصار.

الخط الثاني: المؤاخاة بين أفراد المهاجرين والأنصار.

الخط الثالث: المؤاخاة بين المهاجرين وحدهم.

أما نص الوثيقة التي أقامت هذا البناء بين المهاجرين والأنصار فتقول: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من

ص: 212

قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون (1) بينهم، وهم يفدون عانيهم (2) بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتهم (3) يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النجار .. وبنو الحارث .. وبنو ساعدة .. وبنو الجشم .. وبنو عمرو بن عوف .. وبنو النبيت .. وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا (4) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل. وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة (5) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين. وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم. وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم لأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا، وإن المؤمنين يبىء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، لأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه. وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن، وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه، وإنه من نصره أو آواه فإن

(1) يتعاقلون: أي يعقل بعضهم عن بعض، والعقل: الدية.

(2)

العاني: الأسير.

(3)

الربعة: الحال التي وجدهم عليها الإسلام.

(4)

مفرحا: مقلا بالدين كثير العيال.

(5)

الدسيعة: العظيمة.

ص: 213

عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم (1)).

فلقد أصبح المهاجرون والأنصار أمة واحدة من دون الناس، أما كتلة المهاجرين فكلها تجمع واحد، أما كتلة الأنصار فموزعة على تجمعات قبائلها وعشائرها، ولقد تحددت مسؤولية كل فريق على حدة أمام الله تعالى وأمام رسوله وأمام إخوانه المؤمنين. وحيث إن المهاجرين جميعا كتلة واحدة ليس تجمعهم على أساس الانتماء القبلي، فكان لا بد من الخط الثاني، خط المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم ليحمل قويهم ضعيفهم، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ذاته الشريفة وبين علي بن أبي طالب ابن عمه الذي جاءه حافي القدمين بعد تأدية أماناته إلى الكفار في مكة. كما آخى عليه الصلاة والسلام بين حمزة بن عبد المطلب عمه، وبين زيد بن حارثة مولاه، دون تمييز لنسبهما بل كان الدافع هو التقوى. وكان الخط الثالث هو المؤاخاة بين أفراد المهاجرين والأنصار على حد التعبير النبوي: تآخوا في الله أخوين أخوين.

وذلك ليتم التكافل المباشر بينهما، فالأنصار أهل ضرع وزرع، والمهاجرون أهل تجارة. فكان الأنصاري يعرض على أخيه المهاجر أن يقاسمه ماله وبيته وزرعه. فقد روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن (بن عوف) وسعد بن الربيع، فقال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع.

ويقول ابن القيم: ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك وكانوا تسعين رجلا نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام،

(1) تهذيب سيرة ابن هشام ص 124.

ص: 214