المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التقديم ولماذا المنيحة - المنيحة بسلسلة الأحاديث الصحيحة - جـ ١

[أبو إسحق الحويني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌التقديم ولماذا المنيحة

- ‌تسهيل الإفادة من (السلسلتين: الصحيحة والضعيفة):

- ‌أسماء واختصارات ومخطوطات وطبعات الكتب المنتقى منها الأحاديث في المنيحة بسلسلتي الأحاديث

- ‌الرموز والاختصارات المستخدمة في تخريج اللأحاديث المنتقاة في المنيحة بسلسلتي اللأحاديث الصحيحة والضعيفة

- ‌1 - أبواب: الإيمان والإسلام والإحسان

- ‌2 - أبواب: الأخلاق والآداب والاستئذان والمعاملات

- ‌3 - أبواب: الأشربة والأطعمة والأضاحي والذبائح والصيد والعقيقة

- ‌4 - أبواب: الاعتصام بالكتاب واالسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة

- ‌5 - أبواب: الإمارة والأمراء وما يجب عليهم من العدل وطاعتهم وتركها إذا أمروا بمعصية

- ‌6 - أبواب: الأنبياء والأمم السابقة وأمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - أبواب: البعث والحشر وأحوال يوم القيامة

- ‌8 - أبواب: البيوع والتجارات والوكالات والعتق

- ‌9 - أبواب: تأويل مُختلف ومُشكل الحديث

- ‌10 - أبواب: التفسير وفضائل القرآن

- ‌11 - أبواب: الجنائز وذكر الموت وعذاب القبر

- ‌12 - الجنة والنار: صفتهما وذكر نعيم أهل الجنة وجحيم أهل النار

- ‌13 - أبواب: الحج والعمرة والمناسك

- ‌14 - أبواب: الحدود والأحكام والأقضية والديات والقسامة والنذور والأيمان والكفارات

- ‌15 - أبواب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

- ‌16 - أبواب: الزكاة والصدقة والهبات والوصايا

- ‌17 - أبواب: الزهد والرقائق والمواعظ مع صحيح القصص النبوي

- ‌18 - أبواب: السير والمغازي والجهاد

- ‌19 - أبواب: الصلاة والمساجد والأذان

- ‌20 - أبواب: الصوم والاعتكاف

الفصل: ‌التقديم ولماذا المنيحة

‌التقديم ولماذا المنيحة

؟

وطريقة العمل فيها

وأسس انتقاء الأحاديث في السلسلتين

الصحيحة والضعيفة

ص: 11

بسم الله الرحمن الرحيم

إنْ الحمدَ لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].

أمَّا بعد:

فلما أصدرتُ بفضل الله تعالى ومنَّته كتابي (المعجم المفهرس للأحاديث النبوية والآثار السلفية التي خرجها الشيخ الحويني في كتبه)، طلب منى جماعةٌ من أهل العلم والفضل وجماعةٌ من الإخوان والأحباب من غير تواطؤ بينهم، طلبوا جمعَ الأحاديث والآثار الصحيحة والحسنة في ذلك المعجم، ثم فصلها عن تلكم الأحاديث والآثار الضعيفة، مع ذكر أحكام الشيخ الحويني عليها كما هي في (المعجم المفهرس)، ومع ذكر أصحاب الكتب التي أخرجت تلك الأحاديث والآثار. فقال الشيخ أبو عمَّار وحيد بنُ عبد السلام بالي: وددتُ لو أكملتَ لنا المتنَ في كل طَرَف من أطراف

ص: 13

(المعجم المفهرس)(1)، وفصلتَ الضعيفَ عن الصحيح، ووضعتَ التخريجَ مع كل حديث، لكانَ أيسرَ وأكملَ في النفع.

ثم التقيتُ بالشيخ أبي عمَّار غير مرة، فرأيته يحثني، ويدفعني لمثل هذا البحث دفعًا. فلمَّا رأيتُ جماعةً كثيرين من الطلاب شرقًا وغربًا، راغبين في الحصول على مثل هذا المصنف، وكلٌّ يسعى وراء ضالته المنشودة، استخرتُ الله تعالى، وشمرتُ عن ساعد الجد، وباشرتُ العمل منذ سنين، وبذلتُ أقصى جهدي في انتقاء الأحاديث والآثار التي حققها شيخنا، فما أشار الشيخُ إلى صحته أو حسنه منها وضعته في الصحيحة، وسميته:(المنيحة بسلسلة الأحاديث الصحيحة التي خرجها أبو إسحاق الحويني في كتبه)، وما أشار إلى ضعفه أو إرساله أو نكارته أو وضعه وما شابه فى ذلك وضعته في الضعيفة، وسمتيه:(المنيحة بسلسلة الأحاديث الضعيفة ..).

وهده سبيلي وطريقتي في العمل، أسستُ بُنيانَها بعد تقوى مِنَ الله عز وجل، على خمس ركائز:

1 -

أولًا: أذكر متن الحديث أو الأثر كاملاً. وأجعل خطه مميزًا. أنتقي لفظ البخاري أو مسلم وأقدمه على لفظ غيرهما. وأحرصُ على ذكر زيادات الرواة، وسياقاتهم المختلفة في المتن الواحد، لما لها من فوائد جمة. وأحرصُ على ذكر معاني

(1) طُبِع المعجم كاملاً في ستة مجلدات في دار الصفا والمروة بالإسكندرية، وتلاه صِنوُه كتابي الآخر (نثل النبال بمعجم الرجال الذين ترجم لهم أبو إسحاق الحويني) وطبع الأخير في ثلاثة مجلدات في مؤسسة العلياء بالقاهرة. وبهذين (المعجمين) يكون بين يدي الطالب مجهود الشيخ أبي إسحاق في خدمة حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ وأرجو أن ينفعني الله تعالى بهما جميعًا، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ص: 14

بعض المفردات الغريبة الواردة في المتن، وإن لم ترد هذه المعاني في كتب الشيخ استخرجتها من مظانِّها من المصادر التي تُعنى بالغريب، وأضع المتن وما يتعلق به بين معكوفين هكذا: (

).

2 -

ثانيًا: أتبعه بذكرِ صحابِيِّه فقط، بأن أقول عن فلان من الصحابة رضي الله عنهم، أو أذكرُ شطرًا من الإسناد قُبَيل الصحابي، وبدءً مِنَ الراوي المشترك؛ وبه يظهر للقاريء صحة الحديث أو ضعفه. وأضع ذلك بين معكوفين أيضًا.

3 -

ثالثًا: أذكر درجة الحديث أو الأثر، والكلام على سنده أو رجاله، مع التعليق إن لزم الأمر، وكانت هنالك فائدة ذكرها الشيخ أثناء التحقيق.

4 -

رابعًا: أذكر تخريج الحديث أو الأثر، وأجتهدُ في ذكر كلِّ الكتب والمصادر التي أخرجَت ذلك الحديث أو الأثر، سواء أكانت مخطوطة أو مطبوعة؛ وجعلت التخريج بالرموز، وذكرتُ فصلاً في بيان هذه الرموز، وصدَّرتُ به الأحاديث.

5 -

خامسًا: أُنهي الحديث أو الأثر بذكر موضعه في كتب الشيخ، فأذكر اسمَ الكتاب مختصرًا، ثم الجزء والصفحة ورقم الحديث، أو الجزء والصفحة فقط إن كان الحديث في الحاشية، أو لم يكن الكتاب مرقمًا؛ وذكرت فصلاً في بيان أسماء واختصارات ومخطوطات وطبعات الكتب التي انتقيتُ منها الأحاديث والآثار.

وانتقاءُ الأحاديث ليس بدعًا من التصنيف، والسَّلف الصالح رضوان الله عليهم فعلوا ذلك، فمن أولئك:

الإمام البخاريُّ أبو عبد الله محمد بنُ إسماعيل (ت 256 هـ) لما بلغت محفوظاته مائة ألف حديثٍ صحيحٍ، انتخب منها ما أودعه في الجامع الصحيح، ونقل الحافظ في "هدي الساري" عن البخاريّ، من غير وجه، أنه قال: صنفتُ

ص: 15

الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة وجعلته حُجَّة فيما بيني وبين الله. اهـ. وعلى قول ابن الصلاح في "علوم الحديث"، وكما في "الهدي" أيضا وغيره، عدد أحاديث صحيح البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا، بالأحاديث المكررة، قال: وقيل: إنها بإسقاط المكرر أربعة آلاف حديث. فانتقى البخاريُّ - رحمه الله تعالى - أحاديث الصحيح من مجموع ما كان محفوظًا عنده.

وأبو عبد الرحمن النَّسائيّ أحمد بنُ شعيب بنِ عليّ (303 هـ)، لما صنَّف كتابه (السنن الكبرى) وأودع فيه قريبًا من اثني عشر ألف حديث، اجتبى منه كتابه (السنن الصغرى) وأحاديثُهُ قريبة من ستة آلاف حديث، وسماه (المجتبى)؛ بل إنه - عليه رحمة الله تعالى - أودع كتابه (المجتبى) أحاديث ليست في (الكبرى)، ويحكي ابنُ الأحمر، كما في النكت لابن حجر وغيره، عن النسائي أنه قال:"كتاب السنن كله صحيحٌ وبعضه معلول .. ، والمنتخب منه المسمى بالمجتبى صحيحٌ كلُّه". اهـ.

وانتقى أبو محمد عبد الله بنُ عليّ بنُ الجارود النيسايوريّ (307 هـ)، ثُلَّةً من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تربو على الألف حديث، وجمعها في كتاب سماه (المنتقى).

ولأبي عَمرو عثمان بنِ محمد بن أحمد السمرقندي، المتوفي سنة (345 هـ) جزءٌ فيه من الفوائد (2) المنتقاة الحسان العوالي.

(2) وكلمة "الفوائد" معناها كما هو مقرر في موضعه، هي: أحاديث اشتملت على فوائد إما في أسانيدها أو في متونها أو فيهما جميعًا. يُحدِّث بها الشيخُ تلاميذَه، من أصوله المسموعة أو المجموعة لديه، عن شيوخه. وأذكر مثالاً واحدًا أدلُّ به على فائدة واحدة تكونُ في السند: لو كان الحديثُ مشهورًا معروفًا من رواية صحابيّ معين، =

ص: 16

وانتقى ابنُ أبي الفوارس أبو الفتح محمد بنُ أحمد بنِ محمد (412 هـ)، وخرَّجَ أجزاءً من فوائد أحاديث أبي طاهر محمد بنِ عبد الرحمن المخلص (393 هـ).

وانتقى أبو عبد الله ضياء الدين المقدسي محمد بنُ عبد الواحد بن أحمد، المتوفى سنة (643 هـ)، أحاديث مما ليس في البخاري ومسلم، في كتاب سماه (الأحاديث المختارة).

وانتقى شيخُ الإسلام ابنُ تيمية (728 هـ) - عليه رحمة الله - جزءًا، فيه أربعون حديثًا منتقاة مخَرجة من كبار شيوخه.

ولشيخِ الإسلام ابنِ تيمية أيضًا جزءٌ، فيه أحاديث أبدال عوالي، عدَّتُها واحدٌ وثلاثون حديثًا، منها: حديثٌ واحدٌ منتقى من فوائد أبي إسحاق الُمزكِّي إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوريّ (362 هـ)، وثلاثون حديثًا منتقاة من فوائد أحاديث أبي بكر الشافعيّ محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغداديّ (354 هـ)، وهي المسماة بالغيلانيات، يعني نسبةً لأبي طالب ابن غيلان محمد بن محمد بن إبراهيم (404 هـ)، راويها عن أبي بكر الشافعيّ (3).

= فيجيء هذا الشيخ -المُفيد أو صاحبُ الفوائد- فيروي ذاك الحديث بإسناده إلى صحابيٍّ آخر؛ فهذا حديثٌ فائدة، ولا عجب -من ثم- إن جاءت الأحاديث الفوائد غرائب ومناكير.

(3)

روى ابنُ غيلان عن الشافعي أحدَ عشرَ جزءًا، وكان أول سماعه منه في يوم الجمعة لعشر خلون من شهر رمضان سنة (352 هـ) - كما نصَّ عليه ابنُ غيلان في أول حديث له عنه. ونظرتُ في سماعاته في "الغيلانيات" فإذا هو قد سمع منه في يوم الجمعة لثمان بقين من شوال سنة (352 هـ)، وفي يوم الجمعة غرة ذي الحجة من سنة (353 هـ)، وسمع منه قراءة عليه في صفر من سنة (354 هـ)، ولعل هذا كان =

ص: 17

وللحافظ شمس الدين الذهبيِّ محمد بنِ أحمد بنِ عُثمان (748 هـ) كتاب: (أحاديث مختارة من الأباطيل للجورقاني وغيره)، مطبوع سنة 1404 هـ في المدينة النبوية؛ انتقى فهه مجموعة من الأحاديث الموفموعة والباطلة من كتاب (الأباطيل) وأيضًا من كتاب (الموضوعات) لابن الجوزي للتأكيد على تحذير المسلمين منها.

وانتقى شيخُنا أبو إسحاق - حفظه الله تعالى ورضي عنه - خمسين قصةً، من صحيح القصص النبوي، وأودعها جزءًا لطيفا سماه (صحيح القصص النبوي).

هذا، وبمكن أن يُجمع مجلد كبير في انتقاء العلماء وتصنيفهم في ذلك؛ وإنْ تعددت المعاني التي لأجلها كان الأئمة ينتقون الأحاديث، فكأن المعنى الأصيل الذي عناه المحدثون - عليهم رحمةُ الله تعالى - في الانتقاء هو ما أفصح عنه مسلمٌ في "مقدمة صحيحه" مِنْ أنَّ ضبطَ القليلِ مِنْ هذا الشأن، وإتقانَهُ، أيسَرُ على المرءِ مِنْ مُعالَجَةِ الكثير منه. وأنَّ القصدَ إلى الصحيحِ القليلِ من الأحاديث أولى مِنْ الازدياد مِنَ السقيمِ الكثيرِ، والله أعلم.

وإني بإذن الله تعالى أقتدي بهدي أولئكم، وأنحو نحوهم، وأسير على دربهم في التصنيف، وأنتقي من الأحاديث والآثار التي حققها شيخنا أبو إسحاق الحويني، ما رجوتُ أن يكون فيه الخير والنفع لعامة المسلمين، فهذا حقهم وفرْضُهم علينا وأمثالنا من طلاب العلم.

= آخر سماع له منه إذ قد مات الشافعي في ذي الحجة سنة (354 هـ) وله خمس وتسعون سنة. فانفرد ابن غيلان بالعلو عنه لذا قال الذهبيُّ في ترجمة ابن غيلان من "السير": تفرد في الدنيا بعلوها. اهـ. وقال في ترجمة الشافعي من "العبر في خبر من غبر": وهو -يعني: ابن غيلان- آخر من روى عنه تلك الأجزاء، التي هي في السماء علوًا. اهـ.

ص: 18

وهاك الأسس والقواعد الرئيسة، التي انتقيتُ بها وعليها الأحاديث في (السلسلتين)، مع ذكر أمثله، ومع التنبيه على بعض الأمور في ثنايا هذه الأسس:

1 -

الأحاديث المراسيل، وإن صحَّ الإسناد إلى المُرسل، أو لم يصح، أخرجتها في (السلسلة الضعيفة). لا أُبالي إن فعلتُ، فالمرسل من أقسام الحديث الضعيف، وقد قال مسلمٌ - عليه رحمة الله تعالى - في "مقدمة صحيحه": والمُرسَل من الرِّوَاياتِ في أصلِ قولِنا، وقولِ أهلِ العلمِ بالأخبارِ، ليس بِحُجَّةٍ. اهـ.

والترمذيُّ - عليه رحمة الله - يقول في كتاب "العلل - المطبوع في نهاية الجامع": الحديثُ إذا كان مرسلاً فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث، قد ضعَّفهُ غيرُ واحد منهم. اهـ.

وأبو محمد عبد الرحمن ابنُ أبي حاتم - عليه رحمة الله - قال في أول "كتاب المراسيل" له: سمعتُ أبي وأبا زرعة، يقولان: لا يحتج بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة، وكذا أقول أنا. اهـ.

ومثاله ما أخرجته في الضعيفة (4): (تزوج النبيّ صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو مُحْرِمٌ)(رواه: عبد الرحمن بنُ مهدي، عن أبي عوانة، عن المغيرة، عن شباك الضبي الكوفي الأعمى، عن أبي الضحى مسلم ابن صبيح، عن مسروق به هكذا مرسلاً). (وقال معلي بنُ أسد وإبراهيم ابنُ الحجاج: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها بنحوه. وهو في السلسلة الصحيحة. معلى

(4) تنبيهٌ: عدلتُ عن هذا المنهج، طالما صح المتنُ وضعته وطرقه في (الصحيحة)؛ وانظر فيما يأتي الفقرة رقم 15، والتي تليها.

ص: 19

ابنُ أسد وهو ثقةٌ ثبتٌ. وإبراهيم بنُ الحجاج النيليّ وقد وثقه ابنُ حبان والدارقطنيُّ والذهبيُّ، رواه كلاهما عن أبي عوانة مسندًا. وخالفهما عبد الرحمن بنُ مهدي، وهو مَنْ هو، فرواه عن أبي عوانة مرسلاً، كما مر. والذي يظهر لي هو صحةُ الروايتين جميعا، لثقة من روى الوجهين عن أبي عوانة، ولا أرى أنْ يُعلَّ أحدهما الآخر) (س كبرى)(تنبيه 4 / رقم 1140؛ تنبيه 4 / رقم 1249؛ تنبيه 12/ رقم 2483).

2 -

أمَّا الآثار الموقوفة على الصحابة أو حتى المقطوعة على التابعين، لو جاءت بإسناد صحيح، خرَّجتُها انتقاءً في (المنيحة بالسلسلة الصحيحة)؛ ولو جاءت بإسناد ضعيف، خرَّجتُها في (الضعيفة).

3 -

وقد لا أذكر كلمة: (حديث صحيح) أو (ضعيف)، فهو مفهومٌ ومتبادرٌ من كون الحديث مخرَّجًا في (الصحيحة) أو في (الضعيفة).

4 -

إذا قلتُ: (قال شيخُنا) فهو لشيخنا. وإذا لم أقل: (قال شيخنا) فهو لشيخنا أيضًا. وإذا قلتُ: (قلتُ) فهو قولي، إلا ما كان في سياق شيخنا.

5 -

أقتصر في التخريج على تخريج الرواية الصحيحة. أما الرواية المخالفة فمن النادر لو خرَّجتها إلا لو انتقيتها في الضعيفة فلا بد من ذكر تخريجها.

6 -

ولا أذكر في التخريج اسم صاحب الكتاب إن كان الحديث المنتقى من كتابه.

يعني أحاديث من كتاب (الزهد لأسد بن موسى). لا أكتب رمز (أسد بن موسى) في التخريج. إنما اكتفيت بذكر الكتاب في مكان موضع الحديث في كتب الشيخ.

ص: 20

7 -

وقد توسعت في التخريج، ظنًا مني أنه في مصلحة طالب العلم، حتى يصير لديه كل الكتب، ولا سيما المخطوط منها، التي أخرجت الحديث والتي ذكرها الشيخ الحويني في أثناء تحقيقه للحديث وهو عادة يتوسع في ذلك.

8 -

وجعلت هذا التخريج بالرموز منعا من زيادة حجم الكتاب، وجعلت بابًا مستقلا لمعرفة الرموز والاختصارات المستخدمة في التخريج، كما أشرت سابقًا.

9 -

وفي هذا الباب رتبت الرموز والاختصارات على حروف الهجاء لتكون أيسر إذا ما أراد النَّاظرُ معرفة مَنْ صاحب هذا الاختصار؛ وقمت بتحديث هذا الباب في كل جزء جديد من أجزاء (المنيحة).

10 -

قد أنتقي من الأحاديث في (الصحيحة) على أساس الإسناد الصحيح المشهور عند أهل العلم بذلك، مثل:(أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة)، وإن لم يذكر شيخُنا أنها صحيحة اكتفاء منه بشهرتها وخاصة في كتابه (تنبيه الهاجد)، على ألا يكون لأهل الصناعة الحديثية كلام في ردِّ الرواية، أو هي بالفعل مُخرّجة في أحد الكتب التي يشترط أصحابها الصحة.

11 -

وأيضًا قد انتقي من الأحاديث التي أراها مخرجة في صحيحي: البخاري ومسلم، أو أحدهما، وأذكرها في (الصحيحة).

12 -

أترضى على الصحابي واجعل هذا دأبي، وإن لم يكن بالأصل.

13 -

قد أُعَقِّب بعد متن الحديث، بكلام يُبَيِّنُ المعنى، ليسهُل الإفادة من الحديث،

مثاله في الصحيحة: (أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. يعنى: لأنه خرج من المسجد وقد أذَّنَ المؤُذِّنُ) (أبو الأحوص، وسفيان الثوري، وشعبة بنُ الحجاج، وعُمر بنُ عُبَيد الطنافسيُّ، كلُّهُم رووه

ص: 21

عن إبراهيم بن المهاجر، عن أبي الشعثاء، قال: كنا قعودًا في المسجد، مع أبي هريرة رضي الله عنه، فأذَّنَ المُؤذِنُ، فقام رجلٌ من المسجد، فأتبعه أبو هريرة بصره حتي خرج من المسجد، فقال أبو هريرة .. فذكره. وقد توبع إبراهيم بنُ المهاجر: تابعه أشعث بنُ أبي الشعثاء، فرواه عن أبيه بهذا. وتابعه أبو صخرة جامع بنُ شداد، فرواه عن أبي الشعثاء بسنده سواء. ورواه حبيب بنُ أبي ثابت عن سُلَيم كذلك. وسُلَيم هو أبو الشعثاء. وقد توبع أبو الشعثاء على هذا السياق: تابعه أبو صالح، قال: رأى أبو هريرة رضي الله عنه رجلاً قد خرج من المسجد، وقد أذَّنَ المُؤذّنُ، فقال: .. وذكر مثله). (أصحُّ حديثٍ في هذا الباب)(م، نعيم، عو، د، ت، س، س كبرى، ق، حم، مي، إسحاق، حمي، خز، حب، طب أوسط، قط علل، وأفراد، هق)(تنبيه 12 رقم 2380).

14 -

أخطاء الرواة لا أبالي إن انتقيتها في (السلسلة الضعيفة):

ومثاله ما أخرجته في الضعيفة (5): (من يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يفقهه في الدين)(رواه عبد الواحد بنُ زياد، وعبد الأعلي بنُ عبد الأعلى البصريان، كلاهما عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا). (قال شيخنا: كذا رواه معمر بنُ راشد، ووهم فيه، وقد تكلَّم العلماء في رواية أهل البصرة عن معمر، فقد وقعت منه أوهامٌ في البصرة حملها عنه أهلها، وعبد الواحد وعبد الأعلى بصريان.

(5) تنبيهٌ: عدلتُ عن هذا، طالما صح المتنُ وضعته وطرقه في (الصحيحة)؛ وانظر الفقرة رقم 15] والتي تليها.

ص: 22

وقد اختلف أصحابُ الزهريّ عليه في إسناده. فرواه شعيب بنُ أبي حمزة، عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. ورواه يونس بنُ يزيد، وعبد الوهاب بنُ أبي بكر، عنه، عن حميد بن عبد الرحمن، عن معاوية مرفوعًا. وهذا الوجه هو المحفوظ كما جزم به الدارقطنيُّ وغيرُهُ. قال أبو عمرو: وهو اختيار البخاري ومسلم وغيرهما، وانظر سياقه وتخريجه في "المنيحة بسلسلة الأحاديث الصحيحة"، والحمد لله رب العالمين) (ق، حم، يع، الآجري أخلاق العلماء، طح مشكل، قط علل، خط الفقيه، ابن عبد البر الجامع)(تنبيه 1 / رقم 100).

15 -

انتقاء الأحاديث في (الصحيحة) أو في (الضعيفة) يكون الاعتماد فيه على الإسناد (6). وإن كان المتنُ واحدًا أو كادَ. وهكذا العلماء يفعلون، قال السيوطيُّ في ألفيته: ((واحملْ مقالَ عُشْرِ ألفِ ألفِ

أحْوِي عَلَى مُكَرَّرٍ وَوَقْفِ)).

فإن قال البخاري: ((أحفظُ مائةَ ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح)). فهذا باعتبار الإسناد لا باعتبار المتن، ومعناه: مائة ألف إسناد صحيح، ومائتا ألف إسناد غير صحيح.

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في شرحه على الألفية: هو يريد بهذا العدد اختلاف طرق الحديث باختلاف رواته، ويدخل فيه أيضًا الأحاديث الموقوفة، فإنَّ الحديثَ الواحدَ قد يرويه عن الصحابي عددٌ من التابعين، ثم يرويه عن كل واحد منهم عددٌ من أتباع التابعين، ثم يرويه عن كل واحد منهم عددٌ من أتباع التابعين، وهكذا، فيكونُ الحديثُ الواحد أحاديثَ كثيرة متعددة بهذا الاعتبار. اهـ.

(6) تنبيهٌ: عدلتُ عن هذا؛ وانظر الفقرة التي تليها.

ص: 23

مثاله، حديث:((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). رواه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم جمعٌ من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، منهم: عثمان بنُ عفان رضي الله عنه، وعليّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الله بن عَمرو رضي الله عنهما، وابن مسعود رضي الله عنه، وأبو أمامة رضي الله عنه، وسعد بنُ أبي وقاص رضي الله عنه.

إسناد الأول: صحيحٌ. والثاني: منكرٌ فيه عبد الرحمن بنُ إسحاق قال البخاريُّ فيه: فيه نظر. والثالث: فيه ابنُ لهيعة وهو سيء الحفظ. والرابع: لا يصح لاضطرابه. والخامس: فيه موسى بنُ عُمَير القرشيّ وكذَّبه أبو حاتم. والسادس: ضعيفٌ جدًا. فأخرجتُ الأول في الصحيحة، وأخرجتُ الباقين في الضعيفة؛ ونبهتُ في كل موضع علي أن الحديثَ صحيحٌ عن عثمان رضي الله عنه. وراجع (المعجم المفهرس) أرقام: 6592، 6593، 6594، 6595، 6596، 6585، 6586.

16 -

ثم عَدَلتُ عن هذا المنهج بناء على رغبة الشيخين -أبي إسحاق وأبي عمار، بارك الله فيهما- ليكون الاعتماد على المتن لا على الإسناد، بحيث أنْ يُوضع المتن الصحيح في (السلسلة الصحيحة) بكامل أسانيده المتاحة على ما فيها من كلام، أبدأ أولاً بالأسانيد الصحيحة مع سياقاتها، ثم أُثني بذكر الطرق التي فيها ضعف مع سياقاتها مبتدأة بكلمة (فصلٌ)، من غير ترقيم جديد.

17 -

ويوضع المتن الضعيف في (السلسلة الضعيفة)، وسيراعى ذلك فيما يطبع من أجزاء بإذن الله تعالى.

18 -

ذكرتُ اختلافَ الروايات في السياقات كما تناولها شيخُنا في نقده للحديث، وفرَّقتُ هذه السياقات في الأبواب المختلفة، فلا يتوهم أنه تكرار. فإن كان حديثًا

ص: 24

يصلح أن يترجم به في أبواب (الحج والعمرة والمناسك) وأيضًا في أبواب (النكاح) وضعته برواية في (الحج) وبرواية أخرى في (النكاح) وهكذا.

19 -

وأوليتُ الألفاظ عناية كبيرة، وضبطها بالشكل وبالحروف، وذكرت معانيها وما يمكن أن يستفاد منها وكل هذا في الغالب لم يتيسر من الأصل يعنى في كتاب الشيخ المنتقى منه الحديث فذهبت إلى المصادر الأصلية لاستكمال ما قصدتُ:

مثاله ما أخرجته في الصحيحة: (إِنَّ عفريتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عليَّ البارحةَ ليقطع عليَّ الصلاة، فَأَمْكَنَنِي الله منه، فَذَعَتُّهُ، وأردتُ أنْ أربِطَهُ إلى سَارية مِنْ سَواري المسجد حتي تُصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سُلَيمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]. فَرَدَّهُ الله خاسئًا. قوله: (فَذَعَتُّهُ) بالذال المعجمة بعدها عين مهملة ومخففة ومثناة مشددة، يعني: فخنقته. ووردت في روايةٍ هكذا (فدعَّتُّه) بالدال الهملة وتشديد العين والتاء، ومعناها: دفعته. وفي رواية أخرى: (فأخذته). وكلُّها في الصحيح. ويستفاد من الحديث جواز العمل الخفيف في الصلاة) (رواه محمد بنُ زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا به). (هذا حديثٌ صحيحٌ، متفقٌ عليه. وفي الباب عن أبي الدرداء رضي الله عنه)(صحيح القصص/ 38).

20 -

انتقيتُ طرفًا من الأخبار التي تعنى بأدب التابعين مع الصحابة:

ص: 25

ومثاله في الصحيحة: (لقد كان ابنُ عباس رضي الله عنهما يُحَدِّثُنِي الحديثَ، لو يأذنُ لي فأقومُ، فأُقَبِّلُ رأسه، لفعلتُ)(عن سعيد بن جبير). (إسناده جيدٌ. فرحمةُ الله على سعيد، وعلمٌ بلا أدب، كنارٍ بلا حطب، فنسأل الله أن يرزقنا الأدب مع مشايخنا، وأقراننا، ومن هم دوننا، إن كان دوننا أحدٌ)(سعيد بن منصور، ابن سعد)(حديث الوزير/ 53 ح 19).

21 -

حرصتُ على ذكر ما قد يوجد في تحقيقات الشيخ من فوائد إسنادية، أو فقهية وخلافه، وجعلت ذلك مع درجة الحديث، وفي أوجز عبارة:

ومثاله ما أخرجته في الصحيحة: (تُدْنِي الشمسُ يومَ القيامةِ مِنْ الخلقِ، حتى تكونَ منهم كمقدارِ مِيلٍ. قال سُلَيْمُ بنُ عامرٍ: فواللهِ ما أدرِي ما يعني بالميلِ؟ أَمَسَافَةَ الأَرض، أم المِيلَ الذي تُكْتَحَلُ بهِ العينُ؟ قالَ: فيكونُ الناسُ على قَدْرِ أعمَالهم في العَرَقِ، فمنهم مَنْ يكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومنهم مَنْ يكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومنهم مَنْ يكونُ إلى حَقْوَيْهِ، ومنهم مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلْجَامًا، قالَ: وأشارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إلى فِيهِ) (قال مسلمٌ: ثنا الحكم بنُ موسى أبو صالح: ثنا يحيى بنُ حمزة، عن عبد الرحمن بن جابر: حدثني سُلَيم بنُ عامر: حدثني المقداد ابنُ الأسود رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: .. فذكره. وأخرجه الترمذيُّ وأحمد من طريق ابنِ المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر،

ص: 26

بسنده سواء مسلسلاً بالتحديث). (صحيحٌ. قال أبو عَمرو - غفر الله له -: وفيه إثبات سماع سليم بنِ عامر من المقداد بن الأسود رضي الله عنه. وردٌّ على قول أبي حاتم الرازي، فيما نقله ابنُهُ عبد الرحمن عنه في "المراسيل" (ص 85): "سُلَيم بنُ عامر لم يدرك المقداد بنَ الأسود". اهـ. قال شيخُنا أبو إسحاق رضي الله عنه: والصواب في هذا أنه إذا جاءنا سماعُ راوٍ مِنْ شيخه بإسنادٍ صحيحٍ، لا مطعنَ فيه، فالواجب تقديمه على قول العالم بالنفي فإنَّ مستندهم في إثبات السماع ونفيه = إنما هو الأسانيد، والأمثلة على ذلك يطول ذكرها) (م، ت، حم)(التسلية /ح 31؛ تنبيه 9 / رقم 2124؛ 11 / رقم 2310).

22 -

قد يعرض الشيخ لحديث ما ويذكره إشارة وتلميحًا، فلا يذكر منه إلا طرفًا صغيرًا، ويكون هذا الحديث مما يعم به النفع، ويفاد منه المسلمون فائدةً عظيمةً، فأرى أنَّ مثل هذا الحديث جدير بالانتقاء، فأنتقيه هنا، وأقوم بذكر متنه كاملاً، وأقوم بتخريجه من مصادره الأصلية، من الكتب الستة ومسند الإمام أحمد، وأقوم بالتعليق عليه، وشرح بعض الألفاظ الغريبة إن لزم الأمر.

ومثال على ذلك: فقد ذكر الشيخ-في كتاب التسلية / ح 4 - حديثًا رُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: "ألا لا أعرفنَّ أحدًا منكم أتاه عَنِّي حديثٌ، وهو متكيءٌ على أريكته، فيقول: اتلوا عليَّ به قرآنا، ما جاءكم عَنِّي مِنْ خيرٍ قلتُهُ، أو لم أقلهُ، فأنا قلتُهُ، وما أتاكم عَنِّي مِنْ شرٍّ، فإني لا أقول الشر".

وحكم عليه بقوله: حديثٌ منكرٌ جدًا. وترى هذا الحديث وأمثاله في

ص: 27

كتابي: "المنيحة بسلسلة الأحاديث الضعيفة". ثم تكلم عليه سندًا ومتنًا، وكان مما قاله، وهو ينقض متن هذا الحديث: ثم اعلم أنَّ معنى هذا الحديث باطلٌ، لأنه يفتح باب التقوُّلِ على النبيّ صلى الله عليه وسلم على مصراعيه .. ثم ذكر كلامًا، ثم قال: وأما قوله: "وما أتاكم عني من شر، فإني لا أقولُ الشر": فإن عقول العباد لا تستقل بمعرفة ما يحبه الله ويبغضه.

والناس يختلفون في الشيء الواحد. فبعضهم يراهُ شرًا، وبعضهم يراهُ خيرًا، ومعرفتُهم بالخير والشر فرعٌ على علمهم بعلل الأحكام. وقد روى مسلمٌ وغيرهُ عن رافع بن خديج، قال، عن بعض عمومته:"نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أمرٍ كان لنا نافعا، وطاعةُ الله ورسوله أنفعُ لنا". والهدى هدى الله. انتهى كلام شيخنا.

فرأيت هذا طرفًا من حديث مُهِمّ، ينهى فيه الشارِعُ عن بعض المعاملات المُحرمة، فَسُقْتُهُ هنا في "السلسلة الصحيحة"، على طريقتي من ذكر المتن كاملاً، مع شرح غريبه. ثم أذكر سند الحديث. ثم درجة الحديث. ثم تخريجه. وأنتهي بذكر موضعه في كتب الشيخ. وكل ذلك أجعله بين معكوفين. فكان كالتالي:

(نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أمرٍ كان لنا نافعا، وطواعيةُ الله ورسوله أنفعُ لنا، نهانا أنْ نُحَاقِلَ بالأرض فنُكرِيها على الثُّلُثِ والرُّبعِ والطَّعَامِ المسمُّى، وأمرَ رَبَّ الأرض أنْ يَزْرَعَهَا أو يُزْرِعَهَا، وكَرِهَ إكْرَاءَهَا، وما سوى ذلك. هذا لفظ مسلم

ص: 28

في "صحيحه ". وفي "لسان العرب"(11/ 160): الحاقِل: أي: الأكَّار. والمحاقِل: المزارِع. والمُحَاقَلة: بيع الزرع قبل بَدْو صلاحه. وقيل: بيع الزرع في سنبله بالحنطة. وقيل: المزارعة على نصيب معلوم بالثلث والربع أو أقل من ذلك أو أكثر، وهو مثلُ المخابرة. وقيل: المحاقلة اكتراء الأرض بالحنطة وهو الذي يسميه الزراعون المجاربة. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، وهو بيع الزرع في سنبله بالبر مأخوذ من الحقل القراح. وروي عن ابن جريج، قال قلت لعطاء: ما المحاقلة؟ قال: المحاقلة بيع الزرع بالقمح. قال الأزهريُّ: فإنْ كان مأخوذًا مِنْ إحقال الزرع إذا تشعب فهو بيعُ الزرع قبلَ صلاحه، وهو غررٌ. وإن كان مأخوذًا مِنْ الحقل وهو القراح وباع زرعا في سُنْبُلِهِ نابِتًا في قراح بالبر فهو بيع بر مجهول ببر معلوم، ويدخله الربا لأنه لا يؤمن التفاضل، ويدخله الغرر لأنه مغيب في أكمامه. وروى أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: الحقل بالحقل أن يبيع زرعًا في قراح بزرع في قراح. قال ابنُ الأثير: وإنما نهى عن المحاقلة لأنها من المكيل ولا يجوز فيه إذا كانا من جنس واحد إلا مثلاً بمثلٍ ويدًا بيدٍ، وهذا مجهول لا يدري أيهما أكثر، وفيه النسيئة. والمحاقلة: مفاعلة مِن الحقل، وهو الزرع الذي يزرع إذا تشعب قبل أن تغلظ سوقه. وقيل: هو مِنَ الحقل، وهي الأرض التي تزرع وتسميه أهل العراق القراح) (رواه: إسماعيل بنُ عُلَية، عن أيوب، عن يعلى بن حَكِيم، عن سُلَيمان بنِ يَسَار، عن رافع بنِ خَديج، قال: كنا نحَاقِلُ الأرضَ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنُكْرِيهَا بالثلث والربع والطعام المسمى، فجاءنا ذاتَ يوم رجلٌ مِنْ عُمُومَتِي، فقال:

ص: 29