الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب كفارة القتل
باب وجوب الكفارة في أنواع قتل الخطأ
قال اللَّه -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (1) قال الشافعي: قال: {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} يعني في قوم عدو لكم.
12778 -
أنا مروان، عن ابن أبي خالد، عن قيس (2) قال:"لجأ قوم إلى خثعم، فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود، فقتلوا بعضهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم-فقال: أعطوهم نصف العقل لصلاتهم، ثم قال عند ذلك: ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك. قالوا ولم يا رسول اللَّه؟ قال: لا ترايا ناراهما". قال الشافعي: إن كان ثابتًا فأحسب النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم تطوعًا وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك في دار شرك ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود.
12779 -
العطاردي نا أبو معاوية (د)(3) عن إسماعيل (م ت)(4) عن قيس، عن جرير قال:"بعث رسول اللَّه سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بنصف العقل، وقال: أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول اللَّه ولم؟ قال: لا ترايَا ناراهما".
(1) النساء: 92.
(2)
ضبب عليها المصنف للانقطاع.
(3)
أبو داود (3/ 45 رقم 2645).
(4)
الترمذي (4/ 132 - 133 رقم 1604). وليس هو في مسلم انظر التحفة (2/ 430 رقم 3227) وأخرجه النسائي أيضًا (8/ 35 رقم 4779) من طريق إسماعيل به.
يوسف بن عدي، نا حفص بن غياث، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير:"أنه بعثه رسول اللَّه إلى أناس من خثعم فاستعصموا بالسجود فقتلهم فوداهم رسول اللَّه نصف الدية، ثم قال: أنا بريء من كل مسلم مع مشرك". قوله: "فوداهم" أظهر في أنه أعطى متطوعًا.
قلت: أكثر أصحاب إِسماعيل رووه مرسلا ورواه (د) من حديث أبي معاوية وعدد متصلا. قال البخاري: الصحيح مرسل.
12780 -
ابن إسحاق، حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عياش قال: قال لي القاسم بن محمد: "نزلت هذه الآية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} (1) في جدك عياش بن أبي ربيعة وفي الحارث بن زيد أخي بني مغيض كان يؤذيهم بمكة وهو على شركه، فلما هاجر أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم الحارث ولم يعلموا بإسلامه، فأقبل مهاجرًا حتى إذا كان بظاهرة بني عمرو بن عوف لقيه عياش ولا يظنه إلا أنه على شركه فعلاه بالسيف حتى قتله، فأنزل اللَّه فيه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} (1) إلى قوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (1) يقول تحرير رقبة مؤمنة ولا يرد الدية إلى أهل الشرك على قريش {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (1) يقول: من أهل الذمة: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (1) ".
12781 -
أبو الجواب، نا عمار بن رزيق، ثنا عطاء بن السائب، عن أبي يحيى، عن ابن عباس "في قوله:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} (1) قال: كان الرجل يأتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يرجع إلى قومه فيكون فيهم وهم مشركون، فيصيبه المسلمون خطأ في سرية أو غزاة فيعتق الرجل رقبة {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (1) قال: يكون الرجل معاهدًا وقومه أهل عهد فيسلم إليهم ديته ويعتق رقبة".
وعن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس بنحوه، وقال:"وإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن فقتله خطأ فعلى فاتله أن يكفر ولا دية عليه".
إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: " {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ
(1) النساء: 92.
مُؤْمِنٌ} (1) قال: يكون مؤمنًا ويكون قومه كفارًا فلا دية له ولكن عتق رقبة مؤمنة: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (1) قال: عهد {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (1) ".
المسلمون يقتلون أحدهم خطأ في المصاف يظنونه كافرًا
12782 -
هشام بن عروة (خ)(2) عن أبيه، عن عائشة قالت:"هزم الشركون يوم أحد هزيمة تعرف فيهم فصرخ إبليس: أي عباد اللَّه أخراكم. فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فنظر حذيفة بن اليمان فإذا هو بأبيه فقال: أبي أبي. فواللَّه ما انحجزوا عنه حتى قتلوه، فقال حذيفة: غفر اللَّه لكم. قال عروة: فواللَّه ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لقي اللَّه".
وفي مغازي ابن عقبة قال: اليمان اسمه حسيل بن جبير حليف لهم من بني عبس أصابه المسلمون في المعركة لا يدرون من أصابه فتصدق حذيفة بدمه على من أصابه قال ابن شهاب: قال عروة: أخطأ به المسلمون يومئذ فتوشقوه بأسيافهم يحسبونه من العدو وإن حذيفة ليقول: أبي أبي. فلم يفقهوا قوله حتى فرغوا منه، قال حذيفة: يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين. قال: ووداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وزادت حذيفة عنده خيرًا.
12783 -
الشافعي، أنا مطرف، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال:"كان والد حذيفة شيخًا كبيرًا فرفع في الآطام مع النساء يوم أحد، فخرج يتعرض للشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول: أبي أبي. فلا يسمعونه من شغل الحرب، فقال: يغفر اللَّه لكم. فقضى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بديته".
قلت: هو مرسل.
12784 -
ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد قال:"وأما أبو حذيفة فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي أبي. فقالوا: واللَّه إن عرفناه. وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين. فأراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدق به حذيفة على الناس، فزاده ذلك عند رسول اللَّه".
(1) النساء: 92.
(2)
البخاري (7/ 418 رقم 4065).
كفارة قتل العمد
قال الشافعي: إذا وجبت الكفارة في قتل المؤمن في دار الحرب وفي الخطأ الذي وضع اللَّه فيه الإثم كان العمد أولى. وقاسه على قتل الصيد.
12785 -
أخبرنا الحاكم، نا الأصم، نا أبو عتبة أحمد ابن الفرج، نا ضمرة، عن إبراهيم ابن أبي عبلة، عن الغريف بن الديلمي قال:"أتينا واثلة فقال: أتينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في صاحب لناقد أوجب النار فقال: أعتقوا عنه يعتق اللَّه بكل عضو منه عضوًا منه من النار"(6). رواه الحكم ابن موسى، عن ضمرة نحوه، وزاد:"قد أوجب النار بالقتل". ورواه ابن المبارك، عن إبراهيم.
إثم قتل الذمي
12786 -
أبو معاوية عن الحسن بن عمرو (خ)(2)، عن مجاهد (3)، عن عبد اللَّه بن عمرو قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"من قتل معاهدًا بغير حق لم يرح رائحة الجنة، وإنه ليوجد ريحها من مسيرة أربعين عامًا".
رواه (خ) عن قيس بن حفص، عن عبد الواحد، عن الحسن.
وقال علي بن مسلم الطوسي: نا مروان بن معاوية، نا الحسن بن عمرو الفقيمي، نا مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبد اللَّه بن عمرو قال رسول اللَّه:"من قتل قتيلا. . . "(4) فذكر نحوه.
12787 -
معمر، عن قتادة، عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن ريح الجنة توجد من مسيرة مائة عام، وما من عبد يقتل نفسًا معاهدة إلا حرم اللَّه عليه الجنة ورائحتها أن يجدها، أصم اللَّه أذني إن لم أكن سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول هذا".
قلت: وأخرجه النسائي (5) من حديث حماد بن سلمة عن يونس، عن الحسن. وإِسناده قوي (6).
(1) أخرجه أبو داود (4/ 28 رقم 3964)، والنسائي في الكبرى (3/ 172 رقم 4891) كلاهما من طريق إبراهيم بن أبي عبلة به، وقد تحرف اسمه عند النسائي إلى إبراهيم بن علية.
(2)
البخاري (6/ 311 رقم 3166).
وأخرجه ابن ماجه أيضًا (2/ 896 رقم 2686) من طريق أبي معاوية عن الحسن به.
(3)
ضبب عليها المصنف للانقطاع.
(4)
أخرجه النسائي (8/ 25 رقم 4750) من طريق الحسن بن عمرو به.
(5)
النسائي في الكبرى (5/ 226 رقم 8744).
(6)
لكن خطأ النسائي هذا الطريق فقال: هذا خطأ والصواب حديث ابن علية -يعني عن يونس عن الحكم ابن الأعرج عن الأشعث بن ثُرْملة عن أبي بكرة- وابن علية أثبت من حماد بن سلمة واللَّه أعلم، وحماد ابن زيد أثبت من حماد بن سلمة.
القاتل لا يرث من قتله
12788 -
ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن ابن المسيب (1) أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يرث قاتل من دية من قتل"(2).
قلت: مرسل.
12789 -
يونس، عن ابن شهاب (1) قال:"بلغنا أن رجلا من بني مدلج قتل ابنًا له فأمره عمر فأخرج ديته فأعطاه أخا القتيل لأبويه".
12790 -
يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرو بن شعيب (1):"أن رجلا من كنانة يقال له: قتادة، أمر ابنًا بعض الأمر فأبطأ عليه فحذفه بالسيف فقطع رجله فمات، فبلغ عمر بن الخطاب فقال: لأقتلن قتادة. فأتاه سراقة بن مالك فقال: لم يرد قتله. فلم يزل به حتى ذهب ما كان في نفسه عليه، ثم قال مرة: فليلقني بقديد بعشرين ومائة من الإبل ففعل فأخذ عمر منها ثلاثين حقه، وثلاثين جذعة، وأربعين ثنية خلفة إلى بازل عامها، ثم قال: لولا أني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ليس لقاتل شيء لورثتك منه. ثم دعا أخا المقتول فأعطاها إياه"(3). هذه مراسيل يؤكد بعضها بعضًا.
ميراث الدية
12791 -
ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب أن عمر كان يقول:"الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئًا. حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث (4) امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر"(5).
12792 -
مالك، عن ابن شهاب (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كتب إلى الضحاك أن يورث امرأة
(1) ضبب عليها المصنف للانقطاع.
(2)
أخرجه أبو داود في المراسيل (125 رقم 385).
(3)
أخرجه النسائي في الكبرى (4/ 79 رقم 6368) من طريق يحيى بن سعيد به مختصرًا.
(4)
كتب في حاشية "الأصل": ورث.
(5)
أخرجه أبو داود (3/ 129 رقم 2927)، والترمذي (4/ 371 رقم 2110)، والنسائي في الكبرى (4/ 78 - 79 رقم 6363، 6364، 6365)، وابن ماجه (2/ 883 رقم 2642) من طريق سفيان به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
أشيم من ديته، قال ابن شهاب: قتل خطأ".
قلت: إِسناده منقطع.
12793 -
فضيل بن سليمان، حدثني عائذ بن ربيعة بن قيس، حدثني قرة بن دعموص النميري قال:"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وعمي فقلت: يا رسول اللَّه، دية أبي عند هذا فمره فليعطني. قال: أعطه دية أبيه -وكان قتل في الجاهلية- قلت: يا رسول اللَّه، لأمي فيها شيء؟ قال: نعم. وكان دية أبيه مائة بعير".
قلت: رواه أحمد فى المسند.
12794 -
يزيد بن زريع، نا حجاج الصواف قال:"قرأت في كتاب معاوية ابن عم أبي قلابة أنه من كتب أبي قلابة فوجدت فيه: هذا ما استذكر محمد بن ثابت المغيرة بن شعبة من قضاء قضاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن الدية بين الورثة ميراث على كتاب اللَّه".
الشهادة على الجناية
12795 -
هشيم (د)(1)، عن أبي حيان التيمي، عن عباية بن رفاعة، عن رافع بن خديج قال:"أصبح رجل من الأنصار مقتولا بخيبر، فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: ألكم شاهدان على قتل صاحبكم؟ قالوا: يا رسول اللَّه، لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود وقد يجترئون على أعظم من هذا".
12796 -
الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن شريح:"شهد عنده رجلال فقالا نشهد أن هذا لهذه بمرفقة في حلقه فمات، فقال: أتشهدون أنه قتله؟ قال الأعمش: فلم يجزه" قال أبو الوليد الفقيه: قال أصحابنا: قد يكون الضرب ولا يموت منه فلما لم يقولا قتله لم يحكم به".
* * *
(1) أبو داود (4/ 179 رقم 4524).