المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ١

[القسطلاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كلمة عن مصادر السيرة النبوية

- ‌عملى فى الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌نسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌مشايخه:

- ‌صفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌كلمة عن كتاب المواهب اللدنية

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌المقصد الأول

- ‌[تشريف الله تعالى له صلى الله عليه وسلم]

- ‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌[آيات حمله صلى الله عليه وسلم]

- ‌آيات ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌[ذكر رضاعه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذكر حضانته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دقائق حقائق بعثته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل فى ترتيب الدعوة النبوية]

- ‌[هجرته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[رؤيا الأذان]

- ‌[غزوة قرقرة الكدر]

- ‌ثم غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌[غزوة بنى النضير]

- ‌[غزوة ذات الرقاع]

- ‌[غزوة بدر]

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌غزوة بنى المصطلق

- ‌غزوة الخندق:

- ‌[غزوة بنى قريظة] :

- ‌غزوة بنى لحيان

- ‌غزوة الغابة

- ‌[سرية ابن رواحة إلى ابن رزام]

- ‌صلح الحديبية

- ‌[غزوة خيبر] :

- ‌عمرة القضاء:

- ‌غزوة مؤتة

- ‌غزوة الطائف

- ‌غزوة تبوك

- ‌حجة أبى بكر

- ‌المقصد الثانى

- ‌الفصل الأول فى ذكر أسمائه الشريفة المنبئة عن كمال صفاته المنيفة

- ‌الفصل الثانى فى ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثالث فى ذكر أزواجه الطاهرات وسراريه المطهرات

- ‌الفصل الرابع فى أعمامه وعماته وإخوته من الرضاعة وجداته

- ‌الفصل الخامس فى خدمه وحرسه ومواليه ومن كان على نفقاته وخاتمه ونعله وسواكه ومن يأذن عليه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌أما خدمه:

- ‌[من الرجال]

- ‌ومن النساء:

- ‌وأما حراسه:

- ‌وأما مواليه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل السادس فى أمرائه ورسله وكتّابه وكتبه إلى أهل الإسلام فى الشرائع والأحكام، ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم من الأنام

- ‌أما كتابه

- ‌وأما أمراؤه- عليه الصلاة والسلام

- ‌وأما رسله- صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السابع فى مؤذنيه وخطبائه وحداته وشعرائه

- ‌أما مؤذنوه فأربعة

- ‌وأما شعراؤه- صلى الله عليه وسلم الذين يذبون عن الإسلام:

- ‌الفصل الثامن فى آلات حروبه صلى الله عليه وسلم كدروعه وأقواسه ومنطقته وأتراسه

- ‌أما أسيافه- صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما أدراعه فسبعة:

- ‌وأما أقواسه- صلى الله عليه وسلم فكانت ستة:

- ‌وأما أتراسه

- ‌وأما أرماحه- صلى الله عليه وسلم

- ‌تكميل:

- ‌الفصل التاسع فى ذكر خيله صلى الله عليه وسلم ولقاحه ودوابه

- ‌أما خيله- صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل العاشر فى ذكر من وفد عليه صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم

‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم

ولما خلق الله تعالى حواء لتسكن إلى آدم ويسكن إليها، فحين صار لديها فاضت بركاته عليها، فولدت له فى تلك الأعوام الحسناء أربعين ولدا فى عشرين بطنا، ووضعت شيئا وحده، كرامة لمن أطلع الله تعالى بالنبوة سعده.

ولما توفى آدم، كان شيث- عليه الصلاة والسلام وصيّا على ولده، ثم أوصى شيث ولده بوصية آدم: ألايضع هذا النور إلا فى المطهرات من النساء، ولم تزل هذه الوصية جارية، تنقل من قرن إلى قرن، إلى أن أدى الله النور إلى عبد المطلب وولده عبد الله، وطهر الله سبحانه هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية، كما ورد عنه- صلى الله عليه وسلم فى الأحاديث المرضية.

قال ابن عباس- فيما رواه البيهقى فى سننه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:

«ما ولدنى من سفاح الجاهلية شيء، ما ولدنى إلا نكاح الإسلام» «1» .

والسفاح- بكسر السين المهملة-: الزنا، والمراد به هاهنا: أن المرأة تسافح رجلا مدة، ثم يتزوجها بعد ذلك.

وروى ابن سعد وابن عساكر عن هشام بن محمد بن السائب الكلبى، عن أبيه «2» . قال: كتبت للنبى- صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم، فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان فى أمر الجاهلية.

وعن على بن أبى طالب أن النبى- صلى الله عليه وسلم قال: «خرجت من نكاح،

(1) حسن: أخرجه البيهقى فى «الكبرى» (7/ 190) ، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (3223) .

(2)

قلت: هو محمد بن السائب الكلبى، الكوفى، مفسر، إلا أنه متهم بالكذب، مطروح الحديث.

ص: 56

ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى، لم يصبنى من نكاح أهل الجاهلية شىء» «1» . رواه الطبرانى فى الأوسط، وأبو نعيم وابن عساكر.

وروى أبو نعيم، عن ابن عباس، مرفوعا:«لم يلتق أبواى قط على سفاح، لم يزل الله ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، مصفى مهذبا، لا تتشعب شعبتان إلا كنت فى خيرهما» «2» .

وعنه فى قوله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ «3» . قال: من نبى إلى نبى حتى أخرجتك نبيّا «4» . رواه البزار.

وعنه أيضا فى الآية قال: ما زال النبى- صلى الله عليه وسلم يتقلب فى أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه. رواه أبو نعيم.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه، فى قوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ «5» قال: لم يصبه شىء من ولادة الجاهلية، قال: وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «خرجت من نكاح غير سفاح» «6» .

وعن أنس قال: قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ- بفتح الفاء- وقال: أنا أنفسكم نسبا وطهرا وحسبا، ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح، كلنا نكاح «7» . رواه ابن مردويه.

(1) حسن: أخرجه العدنى، وابن عدى، والطبرانى فى «الأوسط» ، كما فى «صحيح الجامع» (3225) .

(2)

أخرجه بنحوه البيهقى فى «دلائل النبوة» (1/ 118) عن أنس، وأورده ابن كثير فى «البداية والنهاية» (2/ 255) وقال: هذا حديث غريب جدّا من حديث مالك تفرد به ا. هـ. وقال الشيخ الألبانى فى «ضعيف الجامع» (1320) : ضعيف جدّا.

(3)

سورة الشعراء: 219.

(4)

أخرجه أبو عمر العدنى فى مسنده والبزار وابن أبى حاتم والطبرانى وابن بردويه وأبو نعيم فى «دلائل النبوة» عن ابن عباس، كما فى «فتح القدير» (4/ 122) .

(5)

سورة التوبة: 128.

(6)

حسن: وقد تقدم قريبا.

(7)

أخرجه ابن مردويه، كما فى «فتح القدير» (2/ 420) .

ص: 57

وفى الدلائل لأبى نعيم، عن عائشة عنه- صلى الله عليه وسلم عن جبريل قال:

«قلبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أر رجلا أفضل من محمد، ولم أر بنى أب أفضل من بنى هاشم» «1» كذا أخرجه الطبرانى فى الأوسط. قال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر: لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن.

وفى البخارى عن أبى هريرة عنه- صلى الله عليه وسلم: «بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذى كنت منه» «2» .

وفى مسلم عن واثلة بن الأسقع قال- صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم» «3» . رواه الترمذى.

وعن العباس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق الخلق، فجعلنى فى خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل فجعلنى فى خير القبيلة، ثم تخير البيوت فجعلنى فى خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا» «4» رواه الترمذى هكذا منفردا به وقال: حديث حسن. أى خيرهم روحا وذاتا، وخيرهم بيتا أى أصلا.

وفى حديث رواه الطبرانى عن ابن عمر قال: «إن الله اختار خلقه فاختار منهم بنى آدم، ثم اختار بنى آدم فاختار منهم العرب، ثم اختارنى من العرب، فلم أزل خيارا من خيار، ألا من أحب العرب فبحبى أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضى أبغضهم» «5» .

(1) ضعيف: ذكره الهيثمى فى «المجمع» (8/ 217) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط، وفيه موسى بن عبيدة الربذى، وهو ضعيف.

(2)

صحيح: أخرجه البخارى (3557) فى المناقب، باب: كان النبى- صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه.

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (2276) فى الفضائل، باب: فضل نسب النبى- صلى الله عليه وسلم، والترمذى (3605 و 3606) فى المناقب، باب: فى فضل النبى- صلى الله عليه وسلم.

(4)

ضعيف: أخرجه الترمذى (3607) فى المناقب، باب: فى فضل النبى- صلى الله عليه وسلم، بسند ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» .

(5)

ضعيف: أخرجه البيهقى فى «الكبرى» (7/ 134) عن محمد بن على مرسلا، وعزاه-

ص: 58

ثم اعلم أنه- عليه الصلاة والسلام لم يشركه فى ولادته من أبويه أخ ولا أخت، لانتهاء صفوتهما إليه، وقصور نسبهما عليه، ليكون مختصّا بنسب جعله الله تعالى للنبوة غاية، ولتمام الشرف نهاية، وأنت إذا اختبرت حال نسبه، وعلمت طهارة مولده تيقنت أنه سلالة آباء كرام.

فهو- صلى الله عليه وسلم النبى العربى الأمى الأبطحى الحرمى الهاشمى القرشى، نخبة بنى هاشم، المختار المنتخب من خير بطون العرب وأعرقها فى النسب، وأشرفها فى الحسب، وأنضرها عودا، وأطولها عمودا، وأطيبها أرومة «1» ، وأعزها جرثومة «2» ، وأفصحها لسانا، وأوضحها بيانا، وأرجحها ميزانا، وأصحها إيمانا، وأعزها نفرا، وأكرمها معشرا، من قبل أبيه وأمه، ومن أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده.

* فهو محمد بن عبد الله، الذبيح.

* ابن عبد المطلب، واسمه شيبة الحمد، فى قول ابن إسحاق، وهو الصحيح، وقيل سمى به لأنه ولد وفى رأسه شيبة.

وقيل: اسمه عامر، وهو قول ابن قتيبة، وتابعه عليه المجد الشيرازى «3» ، وكنيته أبو الحارث، بابن له أكبر ولده.

قيل: وإنما قيل له عبد المطلب، لأن أباه هاشما قال لأخيه المطلب، وهو بمكة، حين حضرته الوفاة: أدرك عبدك بيثرب، فمن ثم سمى عبد المطلب، وقيل: إن عمه المطلب جاء به إلى مكة رديفه- وهو بهيئة بزة- فكان يسأل عنه فيقول: هو عبدى، حياء أن يقول: هو ابن أخى، فلما أدخله وأحسن من حاله، أظهر أنه ابن أخيه، فلذلك قيل له: عبد المطلب.

صاحب «الجمع الصغير» للحاكم عن ابن عمرو وقال الشيخ الألبانى فى «ضعيف الجامع» (1534) : ضعيف.

(1)

الأرومة: الأصل.

(2)

جرثومة الشىء: أصله، أو هى التراب المجتمع فى أصول الشجر، والذى تسفيه الريح.

(3)

هو: الفيروز أبادى، صاحب «القاموس المحيط» ، محمد بن يعقوب بن محمد، أبو طاهر مجد الدين، توفى سنة (817 هـ) .

ص: 59

وهو أول من خضب بالسواد من العرب، وعاش مائة وأربعين سنة.

* ابن هاشم، واسمه عمرو، وإنما قيل له هاشم لأنه كان يهشم الثريد لقومه فى الجدب.

* ابن عبد مناف، واسمه المغيرة.

* ابن قصى- بفتح الصاد- تصغير قصى، أى بعيد، لأنه بعد عن عشيرته فى بلاد قضاعة، حين احتملته أمه فاطمة، واسمه مجمع، قال الشاعر:

أبوكم قصى كان يدعى مجمعا

به جمع الله القبائل من فهر

وقيل زيد، وقال الشافعى، كما حكاه عنه الحاكم أبو أحمد: يزيد.

* ابن كلاب، وهو إما منقول من المصدر الذى فى معنى المكالبة، نحو: كالبت العدو مكالبة، وإما من الكلاب: جمع كلب، لأنهم يريدون الكثرة، كما تسموا بسباع.

وسئل أعرابى: لم تسمون أبناءكم بشر الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء، نحو: مرزوق ورباح؟ فقال: إنما نسمى أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا. يريدون أن الأبناء عدة للأعداء، وسهام فى نحورهم، فاختاروا لهم هذه الأسماء.

واسم كلاب: حكيم، وقيل: عروة.

* ابن مرة.

* ابن كعب، وهو أول من جمع يوم العروبة، وكانت تجتمع إليه قريش فى هذا اليوم، فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبى- صلى الله عليه وسلم ويعلمهم بأنه من ولده، ويأمرهم باتباعه والإيمان به، وينشد فى ذلك أبياتا منها:

يا ليتنى شاهد فحواء دعوته

حين العشيرة تبغى الحق خذلانا

* ابن لؤى تصغير اللّاى بوزن العصا، وهو الثور.

ص: 60

* ابن غالب.

* ابن فهر، واسمه قريش، وإليه تنسب قريش، فما كان فوقه فكنانى لا قرشى على الصحيح.

* ابن مالك.

* ابن النضر، واسمه قيس.

* ابن كنانة.

* ابن خزيمة، تصغير خزمة.

* ابن مدرة.

* ابن إلياس، بكسر الهمزة فى قول ابن الأنبارى، وبفتحها فى قول قاسم بن ثابت، ضد الرجاء، واللام فيه للتعريف والهمزة للوصل، قال السهيلى: وهذا أصح. وهو أول من أهدى البدن إلى البيت الحرام، ويذكر أنه كان يسمع فى صلبه تلبية النبى- صلى الله عليه وسلم بالحج؟!

* ابن مضر، وهو أول من سن الحداء للإبل، وكان من أحسن الناس صوتا.

* ابن نزار- بكسر النون- من النزر، وهو القليل، قيل لأنه لما ولد، ونظر أبوه إلى نور محمد- صلى الله عليه وسلم بين عينيه فرح فرحا شديدا، وأطعم وقال:

إن هذا كله نزر، أى قليل لحق هذا المولود، فسمى نزارا لذلك.

* ابن معد.

* ابن عدنان.

قال ابن دحية «1» : أجمع العلماء- والإجماع حجة- على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه. انتهى.

(1) هو: مجد الدين، أبو الخطاب، عمر بن حسن بن على الكلبى، كان يذكر أنه من ولد دحية- رضى الله عنه-، كان له معرفة حسنة بالنحو واللغة، وله فراسة بالحديث، فقيها على مذهب مالك، تكلم فيه، توفى سنة (663 هـ) .

ص: 61

ولله در القائل:

ونسبة عز هاشم من أصولها

ومحتدها المرضى أكرم محتد

سمت رتبة علياء أعظم بقدرها

ولم تسم إلا بالنبى محمد

ويرحم الله القائل:

وكم أب قد علا بابن ذرى شرف

كما علت برسول الله عدنان

وعن ابن عباس أنه- صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز معد بن عدنان، ثم يمسك ويقول:«كذب النسابون- مرتين أو ثلاثا-» «1» رواه فى مسند الفردوس. لكن قال السهيلى: الأصح فى هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود.

وقال غيره: كان ابن مسعود إذا قرأ قوله تعالى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ «2» قال: كذب النسابون، يعنى أنهم يدعون علم الأنساب ونفى الله علمها عن العباد.

وروى عن عمر أنه قال: إنما ينتسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندرى ما هو.

وعن ابن عباس: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون.

وعن عروة بن الزبير: ما وجدنا أحدا يعرف بعد معد بن عدنان.

وسئل مالك- رحمه الله عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم، فكره ذلك، وقال من أخبره بذلك؟ وكذا روى عنه فى رفع نسب الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.

فالذى ينبغى لنا: الإعراض عما فوق عدنان، لما فيه من التخليط والتغيير للألفاظ، وعواصة تلك الأسماء، مع قلة الفائدة.

(1) موضوع: أخرجه ابن سعد فى «الطبقات» عن ابن عباس، كما فى «ضعيف الجامع» (4351) .

(2)

سورة إبراهيم: 9.

ص: 62

وقد ذكر الحافظ أبو سعد النيسايورى عن أبى بكر بن أبى مريم عن سعيد بن عمرو الأنصارى عن أبيه عن كعب الأحبار: أن نور رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صار إلى عبد المطلب وأدرك، نام يوما فى الحجر فانتبه مكحولا مدهونا، قد كسى حلة البهاء والجمال، فبقى متحيرا لا يدرى من فعل به ذلك، فأخذه أبوه بيده ثم انطلق به إلى كهنة قريش فأخبرهم بذلك، فقالوا له: اعلم أن إله السماوات قد أذن لهذا الغلام أن يتزوج، فزوجه قيلة فولدت له الحارث ثم ماتت، فزوجه بعدها هند بنت عمرو، وكان عبد المطلب يفوح منه رائحة المسك الإذفر، ونور رسول الله- صلى الله عليه وسلم يضىء فى غرته، وكانت قريش إذا أصابها قحط تأخذ بيد عبد المطلب فتخرج به إلى جبل ثبير «1» فيتقربون به إلى الله تعالى، ويسألونه أن يسقيهم الغيث، فكان يغيثهم ويسقيهم ببركة نور محمد- صلى الله عليه وسلم غيثا عظيما.

ولما قدم أبرهة ملك اليمن- من قبل أصحمة النجاشى- لهدم بيت الله الحرام، وبلغ عبد المطلب ذلك، قال: يا معشر قريش، لا يصل إلى هدم البيت، لأن لهذا البيت ربّا يحميه ويحفظه.

ثم جاء أبرهة فاستاق إبل قريش حتى طلع جبل ثبير، فاستدارت دائرة غرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم على جبينه كالهلال واشتد شعاعها على البيت الحرام مثل السراج، فلما نظر عبد المطلب إلى ذلك قال: يا معشر قريش: ارجعوا فقد كفيتم هذا الأمر، فو الله ما استدار هذا النور منى إلا أن يكون الظفر لنا، فرجعوا متفرقين.

ثم إن أبرهة أرسل رجلا من قومه ليهزم الجيش، فلما دخل مكة ونظر إلى وجه عبد المطلب خضع وتلجلج لسانه وخر مغشيّا عليه، فكان يخور كما يخور الثور عند ذبحه، فلما أفاق خر ساجدا لعبد المطلب، وقال: أشهد أنك سيد قريش حقّا.

وروى: أنه لما حضر عبد المطلب عند أبرهة أمر سايس فيله الأبيض

(1) ثبير: اسم جبل بمنى.

ص: 63

العظيم الذى كان لا يسجد للملك أبرهة كما تسجد سائر الفيلة أن يحضره بين يديه، فلما نظر الفيل إلى وجه عبد المطلب، برك كما يبرك البعير، وخر ساجدا، وأنطق الله تعالى الفيل، فقال: السلام على النور الذى فى ظهرك يا عبد المطلب، كذا فى النطق المفهوم.

ولما دخل جيش أبرهة ومعهم الفيل لهدم الكعبة الشريفة برك الفيل، فضربوه فى رأسه ضربا شديدا ليقوم فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام.

ثم أرسل الله عليهم طيرا أبابيل من البحر، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار، حجر فى منقاره وحجران فى رجليه كأمثال العدس، لا تصيب أحدا منهم إلا أهلكته، فخرجوا هاربين يتساقطون بكل طريق.

وأصيب أبرهة فى جسده بداء، فتساقطت أنامله أنملة أنملة، وسال منه الصديد والقيح والدم، وما مات حتى انصدع قلبه.

وإلى هذه القصة أشار سبحانه وتعالى بقوله لنبيه- صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ «1» السورة إلى آخرها.

فإن قلت: لم قال الله تعالى له- عليه الصلاة والسلام: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ.. «2» مع أن هذه القصة كانت قبل البعث بزمان طويل؟

فالجواب أن المراد من الرؤية هنا: العلم والتذكرة، وهو إشارة إلى أن الخبر به متواتر، فكأن العلم الحاصل به ضرورى مساو فى القوة للرؤية.

وقد كانت هذه القصة دالة على شرف سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم وتأسيسا لنبوته وإرهاصا لها، وإعزازا لقومه بما ظهر عليهم من الاعتناء حتى دانت لهم العرب، واعتقدت شرفهم وفضلهم على سائر الناس، بحماية الله عز وجل لهم، ودفعه عنهم مكر أبرهة، الذى لم يكن لسائر العرب بقتاله قدرة، وكان ذلك كله إرهاصا لنبوته- عليه الصلاة والسلام.

(1) سورة الفيل: 1- 5.

(2)

سورة الفيل: 1.

ص: 64

قال الرازى «1» : ومذهبنا أنه يجوز تقديم المعجزات على زمان البعثة تأسيسا، قال: ولذلك قالوا: كانت الغمامة تظله- عليه الصلاة والسلام، يعنى قبل بعثته.

وخالفه العلامة السيد «2» فى شرح المواقف- تبعا لغيره- فاشترط فى المعجز ألايتقدم على الدعوى، بل يكون مقارنا لها. كما سيأتى إن شاء الله فى المقصد الرابع.

فإن قلت: إن الحجاج «3» خرب الكعبة ولم يحدث شىء من ذلك!!

فالجواب: أن ذلك إرهاصا لأمر نبينا- صلى الله عليه وسلم، والإرهاص إنما يحتاج إليه قبل قدومه، فلما ظهر- عليه الصلاة والسلام، وتأكدت نبوته بالدلائل القطعية فلا حاجة إلى شىء من ذلك، والله أعلم.

ولما فرج الله عن عبد المطلب، ورجع أبرهة خائبا، فبينما هو يوما نائم فى الحجر، إذ رأى مناما عظيما، فانتبه فزعا مرعوبا، وأتى كهنة قريش، وقص عليهم رؤياه، فقالت له الكهنة: إن صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك من يؤمن به أهل السماوات والأرض وليكونن فى الناس علما مبينا. فتزوج فاطمة. وحملت فى ذلك الوقت بعبد الله الذبيح، وقصته فى ذبحه مشهورة مخرجة عند الرواة مسطورة «4» .

وكان سببها حفر أبيه عبد المطلب زمزم، لأن الجرهمى عمرو بن الحارث لما أحدث قومه بحرم الله الحوادث، وقيض الله لهم من أخرجهم من مكة، فعمد عمرو بن الحارث إلى نفائس فجعلها فى زمزم وبالغ فى طمها، وفر

(1) هو: الإمام كبير المتكلمين، فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين القرشى البكرى الطبرستانى الأصولى المفسر، فى تواليفه بلايا وعظائم وانحرافات عن السنة، إلا أنه توفى على طريقة حميدة، مات بهراة، سنة (606 هـ) .

(2)

هو: أبو الحسن، على بن محمد بن على بن السيد الزين، الحسينى، المعروف بالجرجانى، ويعرف بالسيد الشريف، من علماء اللغة العربية، توفى بشيراز سنة (816 هـ) .

(3)

هو: حجاج بن يوسف الثقفى، أمير العراق، الوالى الظالم الغشوم، توفى سنة (95 هـ) .

(4)

انظر ما فى «البداية والنهاية» (1/ 147) .

ص: 65

إلى اليمن بقومه، فلم تزل زمزم من ذلك العهد مجهولة إلى أن رفعت عنها الحجب برؤيا منام رآها عبد المطلب، دلته على حفرها بأمارات عليها.

فمنعته قريش من ذلك، ثم آذاه من السفهاء من آذاه، فاشتد بذلك بلواه، ومعه ولده الحارث ولم يكن له ولد سواه فنذر لئن جاءه عشرة بنين وصاروا له أعوانا ليذبحن أحدهم لله قربانا. ثم احتفر عبد المطلب زمزم فكانت له فخرا وعزّا.

فلما تكامل بنوه عشرة وهم: الحارث والزبير وحجل وضرار والمقوم وأبو لهب والعباس وحمزة وأبو طالب وعبد الله، وقر الله عينه بهم، نام ليلة عند الكعبة المطهرة فرأى فى المنام قائلا يقول: يا عبد المطلب: أوف بنذرك لرب هذا البيت، فاستيقظ فزعا مرعوبا، وأمر بذبح كبش وأطعمه للفقراء والمساكين. ثم نام فرأى: أن قرب ما هو أكبر من ذلك، فاستيقظ من نومه وقرب ثورا، ثم نام فرأى: أن قرب ما هو أكبر من ذلك، فانتبه وقرب جملا، وأطعمه للمساكين، ثم نام: فنودى: أن قرب ما هو أكبر من ذلك، فقال: ما أكبر من ذلك فقال: قرب أحد أولادك الذى نذرته.

فاغتم غمّا شديدا، وجمع أولاده، وأخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء، فقالوا: إنا نطيعك، فمن تذبح منا؟ فقال: ليأخذ كل واحد منكم قدحا- والقدح: سهم بغير نصل- ثم ليكتب فيه اسمه، ثم ائتوا به، ففعلوا، وأخذوا أقداحهم ودخلوا على هبل «1» .

وكان فى جوف الكعبة، وكانوا يعظمونه، ويضربون بالقداح عنده، فيستقسمون بها، أى يرتضون بما يقسم لهم، ثم يضرب بها القيم الذى لها- قال: فدفع عبد المطلب إلى ذلك القيم القداح وقام يدعو الله تعالى، فخرج على عبد الله، وكان أحب ولده إليه.

فقبض عبد المطلب على يد ولده عبد الله، وأخذ الشفرة ثم أقبل إلى إساف ونائلة- صنمين عند الكعبة ينحر ويذبح عندهما النسائك- فقام إليه

(1) اسم صنم من أصنامهم.

ص: 66

سادة قريش فقالوا: ما تريد أن تصنع؟ فقال: أوفى بنذرى، فقالوا: لا ندعك أن تذبحه حتى تعذر فيه إلى ربك، ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتى بابنه فيذبحه وتكون سنة. وقالوا له: انطلق إلى فلانة الكاهنة- قلت: قيل اسمها:

قطبة، كما ذكره الحافظ عبد الغنى فى كتاب المبهمات، وذكر ابن إسحاق أن اسمها: سجاح- فلعلها أن تأمرك بأمر فيه فرج لك.

فانطلقوا حتى أتوها بخيبر «1» ، فقص عليها عبد المطلب القصة، فقالت: كم الدية فيكم؟ قالوا: عشرة من الإبل، فقالت: ارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم ثم قربوا عشرة من الإبل، ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح، فإن خرجت القداح على صاحبكم فزيدوا فى الإبل ثم اضربوا أيضا، هكذا حتى يرضى ربكم. فإذا خرجت على الإبل فانحروها فقد رضى ربكم وتخلص صاحبكم.

فرجع القوم إلى مكة، وقربوا عبد الله، وقربوا عشرة من الإبل، وقام عبد المطلب يدعو، فخرجت القداح على ولده، ولم يزل يزيد عشرا عشرا حتى بلغت مائة فخرجت القداح على الإبل. فنحرت الإبل وتركت، لا يصد عنها إنسان ولا طائر ولا سبع.

ولهذا روى- كما عند الزمخشرى فى الكشاف- أنه- صلى الله عليه وسلم قال: «أنا ابن الذبيحين» «2» .

وعند الحاكم فى المستدرك، عن معاوية بن أبى سفيان: كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابى، فقال: يا رسول الله، خلقت البلاد يابسة، والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد علىّ مما أفاء الله عليك يابن الذبيحين.

(1) اسم حصن مشهور لليهود قرب المدينة.

(2)

لا يوجد بهذا اللفظ، إلا أنه عند الحاكم فى «مستدركه» (2/ 604) من حديث معاوية رضى الله عنه- أن أعرابيّا قام يشكو جدب أرضه يا رسول الله خلقت البلاد يابسة، والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد على بما أفاد الله عليك يابن الذبيحين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه. إلا أن إسناده واه.

ص: 67

قال: فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. الحديث «1» ، وتأتى تتمته قريبا إن شاء الله تعالى-.

ويعنى بالذبيحين: عبد الله وإسماعيل بن إبراهيم.

وإن كان قد ذهب بعض العلماء إلى أن الذبيح إسحاق.

فإن صح هذا، فالعرب تجعل العم أبا، قال الله تعالى إخبارا عن بنى يعقوب- عليه السلام: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ «2» .

وفى حديث معاوية- الموعود بتتمته قريبا- قال معاوية: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الأمر بها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بنى مخزوم، وقالوا أرض ربك، وافد ابنك، ففداه بمائة ناقة، فهو الذبيح الأول وإسماعيل الذبيح الثانى.

قال ابن القيم: «ومما يدل على أن الذبيح إسماعيل، أنه لا ريب أن الذبح كان بمكة، ولذلك جعل القرابين يوم النحر بها، كما جعل السعى بين الصفا والمروة ورمى الجمرات تذكيرا بشأن إسماعيل وأمه، وإقامة لذكر الله تعالى، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة دون إسحاق وأمه» .

ثم قال: «ولو كان الذبح بالشام- كما يزعم أهل الكتاب، ومن تلقى عنهم- لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة» .

«وأيضا فإن الله سمى الذبيح حليما، لأنه لا أحلم ممن سلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سماه: عليما» .

«وأيضا: فإن الله أجرى العادة البشرية: أن بكر الأولاد أحب إلى الوالدين ممن بعده، وإبراهيم لما سأل ربه الولد، ووهبه له تعلقت شعبة من

(1) إسناده واه، وقد تقدم فيما قبله.

(2)

سورة البقرة: 133.

ص: 68

قلبه بمحبته، والله تعالى قد اتخذ إبراهيم خليلا، والخلة منصب يقتضى توحيد المحبوب بالمحبة، وألايشارك فيها، فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد جاءت غيرة الخلة تنزعها من قلب الخليل، فأمر بذبح المحبوب، فلما قدم على ذبحه، كانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد خلصت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة، فلم يبق فى الذبح مصلحة، إذ كانت المصلحة إنما هى فى العزم وتوطين النفس، وقد حصل المقصود فنسخ الأمر وفدى الذبيح، وصدق الخليل الرؤيا» . انتهى.

وقد أنشد بعضهم فقال:

إن الذبيح- هديت- إسماعيل

نطق الكتاب بذاك والتنزيل

شرف به خص الإله نبينا

وأبانه التفسير والتأويل

وروى مما ذكره المعافى بن زكريا، أن عمر بن عبد العزيز سأل رجلا أسلم من علماء اليهود: أى ابنى إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن اليهود ليعلمون أنه إسماعيل، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب أن يكون أباكم، للفضل الذى ذكره الله عنه، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لأن إسحاق أبوهم. انتهى.

فانظر أيها الخليل ما فى هذه القصة من السر الجليل، وهو أن الله تعالى يرى عباده الجبر بعد الكسر، واللطف بعد الشدة، فإنه كان عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة والغربة والتسليم لذبح الولد، آلت إلى ما آلت إليه من جعل آثارهما ومواطىء أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين، ومتعبدات لهم إلى يوم الدين، وهذه سنة الله تعالى فيمن يريد رفعته من خلقه بعد استضعافه وذله وانكساره وصبره، وتلقيه القضاء بالرضا فضلا منه، قال الله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ «1» ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «2» .

(1) سورة القصص: 5، 6.

(2)

سورة الجمعة: 4.

ص: 69

وقد استشكل بعض الناس: أن عبد المطلب نذر نحر أحد بنيه إذا بلغوا عشرة، وقد كان تزويجه بهالة أم ابنه حمزة بعد وفائه بنذره، فحمزة والعباس ولدا عبد المطلب إنما ولدا بعد الوفاء بنذره، وإنما كان أولاده عشرة بهما.

قال السهيلى: ولا إشكال فى هذا، فإن جماعة من العلماء قالوا: كان أعمامه عليه السلام اثنى عشر، فإن صح هذا، فلا إشكال فى الخبر، وإن صح قول من قال: كانوا عشرة لا يزيدون، فالولد يقع على البنين وبنيهم حقيقة لا مجازا، فكان عبد المطلب قد اجتمع له من ولده وولد ولده عشرة رجال حين وفى بنذره.

ويقع فى بعض السير أن عبد الله كان أصغر بنى أبيه عبد المطلب. وهو غير معروف. ولعل الرواية أصغر بنى أمه، وإلا فحمزة كان أصغر من عبد الله، والعباس أصغر من حمزة.

وروى عن العباس أنه قال: أذكر مولد رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاثة أعوام أو نحوها، فجىء به حتى نظرت إليه، وجعل النسوة يقلن لى: قبّل أخاك، فقبلته.

فكيف يصح أن يكون عبد الله هو الأصغر؟!

ولكن رواه البكائى»

، ولروايته وجه: وهو أن يكون أصغر ولد أبيه حين أراد نحره، ثم ولد بعد ذلك حمزة والعباس.

(1) هو: الشيخ الحافظ المحدث، أبو محمد، زياد بن عبد الله بن الطفيل العامرى، البكائى الكوفى، راوى السيرة النبوية عن ابن إسحاق، توفى سنة (183 هـ) .

ص: 70