الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثانى فى ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام
اعلم أن جملة ما اتفق عليه منهم ستة: القاسم وإبراهيم، وأربع بنات:
زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وكلهن أدركن الإسلام وهاجرن معه.
واختلف فيما سوى هؤلاء: فعند ابن إسحاق: الطاهر والطيب أيضا فتكون على هذا ثمانية، أربعة ذكور وأربع إناث. وقال الزبير بن بكار «1» :
كان له- صلى الله عليه وسلم سوى إبراهيم والقاسم عبد الله، مات صغيرا بمكة، ويقال له:
الطيب والطاهر، ثلاثة أسماء.
وهو قول أكثر أهل النسب، قاله أبو عمر، وقال الدار قطنى: هو الأثبت. وسمى عبد الله بالطيب والطاهر لأنه ولد بعد النبوة. فعلى هذا تكون جملتهم سبعة، ثلاثة ذكور.
وقيل: عبد الله غير الطيب والطاهر، حكاه الدار قطنى وغيره. فتكون جملتهم على هذا تسعة خمسة ذكور. وقيل: كان له الطيب والمطيب، ولدا فى بطن، والطاهر والمطهر، ولدا فى بطن، ذكره صاحب الصفوة، فيكونون على هذا أحد عشر. وقيل: ولد له ولد قبل المبعث يقال له عبد مناف، فيكونون على هذا اثنى عشر. وكلهم سوى هذا ولد فى الإسلام بعد المبعث.
وقال ابن إسحاق: كلهم غير إبراهيم قبل الإسلام. ومات البنون قبل الإسلام وهم يرتضعون، وقد تقدم من قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوة ولذلك سمى بالطيب والطاهر.
(1) هو: الحافظ النسابة، قاضى مكة وعالمها، أبو عبد الله بن أبى بكر، بكار بن عبد الله القرشى الأسدى الزبيرى المدنى المكى، كان عالما بالنسب وأخبار المتقدمين، مات سنة (256 هـ) .
فتحصل من جميع الأقوال ثمانية ذكور: اثنان متفق عليهما: القاسم وإبراهيم، وستة مختلف فيهم: عبد مناف، وعبد الله، والطيب والمطيب، والطاهر، والمطهر.
والأصح أنهم ثلاثة ذكور والأربع بنات متفق عليهن وكلهم من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم. فأما القاسم فهو أول ولد ولد له- عليه الصلاة والسلام قبل النبوة، وبه كان يكنى. وعاش حتى مشى، وقيل عاش سنتين، وقال مجاهد مكث سبع ليال، وخطأه الغلابى فى ذلك وقال: الصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا. وقال ابن فارس: بلغ ركوب الدابة ومات قبل المبعث. وفى مستدرك الفريانى ما يدل على أنه توفى فى الإسلام. وهو أول من مات من ولده- عليه الصلاة والسلام. وأما زينب فهى أكبر بناته بلا خلاف إلا ما لا يصح، وإنما الخلاف فيها وفى القاسم أيهما ولد أولا. وعند ابن إسحاق أنها ولدت فى سنة ثلاثين من مولد النبى- صلى الله عليه وسلم، وأدركت الإسلام، وهاجرت، وماتت سنة ثمان من الهجرة عند زوجها- وابن خالتها- أبى العاص لقيط وقيل مهشم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس.
وكانت هاجرت قبله وتركته على شركه، وردها النبى- صلى الله عليه وسلم إليه بالنكاح الأول بعد سنتين، وقيل بعد ست سنين وقيل قبل انقضاء العدة، فيما ذكره ابن عقبة. وفى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ردها له بنكاح جديد سنة سبع.
وولدت له عليّا مات صغيرا وقد ناهز الحلم، وكان رديف النبى- صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح، وولدت له أيضا أمامة التى حملها- صلى الله عليه وسلم فى صلاة الصبح على عاتقه، وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع رأسه من السجود أعادها «1» ، وتزوجها على بن أبى طالب بعد موت فاطمة.
وأما رقية فولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده- صلى الله عليه وسلم. وذكر الزبير بن
(1) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (516) فى الصلاة، باب: إذا حمل جارية صغيرة على عنقه فى الصلاة، ومسلم (543) فى المساجد، باب: جواز حمل الصبيان فى الصلاة، من حديث أبى قتادة- رضى الله عنه-.
بكار وغيره أنها أكبر بناته- صلى الله عليه وسلم وصححه الجرجانى النسابة. والأصح الذى عليه الأكثرون كما تقدم، أن زينب أكبرهن.
وكانت رقية تحت عتبة بن أبي لهب، وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة، فلما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «1» قال لهما أبوهما- أبو لهب- رأسى من رأسكما حرام إن لم تفارقا ابنتى محمد، ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما.
فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة، وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة، وكانت ذات جمال رائع. وذكر الدولابى أن تزويجه بها كان فى الجاهلية، وذكر غيره ما يدل على أنه كان بعد إسلامه.
وتوفيت والنبى- صلى الله عليه وسلم ببدر. وعن ابن عباس: لما عزى- صلى الله عليه وسلم برقية قال: «الحمد لله، دفن البنات من المكرمات» «2» أخرجه الدولابى.
وأما أم كلثوم فلا يعرف لها اسم، إنما تعرف بكنيتها، وكانت تحت عتيبة بن أبى لهب- كما قدمته- ففارقها قبل الدخول.
ويروى أن عتيبة لما فارق أم كلثوم جاء إلى النبى- صلى الله عليه وسلم فقال: كفرت بدينك، وفارقت ابنتك، لا تحبنى ولا أحبك. ثم سطا عليه وشق قميصه وهو خارج نحو الشام تاجرا. فقال- صلى الله عليه وسلم:«أما إنى أسأل الله أن يسلط عليك كلبه» وفى رواية: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» وأبو طالب حاضر فوجم لها وقال: ما كان أغناك عن دعوة ابن أخى، فخرج فى تجر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشام يقال له الزرقاء ليلا، فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول: يا ويل أمى، وهو والله آكلى، كما دعا على محمد، أقاتلى ابن أبى كبشة وهو بمكة وأنا بالشام، فعدا عليه الأسد من بين القوم فأخذ برأسه ففدغه. وفى رواية: فجاء الأسد فجعل يتشمم وجوههم، ثم ثنى ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه، فقال: قتلنى ومات. وفى
(1) سورة المسد: 1.
(2)
موضوع: أخرجه الطبرانى فى الكبير عن ابن عباس كما فى «ضعيف الجامع» (2792) ، والخطيب البغدادى عن ابن عمر، كما فى «ضعيف الجامع» (2990) .
رواية: أن الأسد أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه «1» ، ذكره الدولابى.
ولما توفيت رقية خطب عثمان ابنة عمر حفصة فرده «2» ، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمر، أدلك على خير لك من عثمان، وأدل عثمان على خير له منك؟ قال: نعم يا نبى الله، قال: تزوجنى ابنتك، وأزواج عثمان ابنتى، خرجه الخجندى.
وكان تزويج عثمان بأم كلثوم سنة ثلاث من الهجرة. وروى أنه- صلى الله عليه وسلم قال له: «والذى نفسى بيده لو أن عندى مائة بنت يمتن واحدة بعد واحدة، زوجتك أخرى بعد أخرى، هذا جبريل أخبرنى أن الله يأمرنى أن أزوجكها» «3» . رواه الفضائلى.
وماتت أم كلثوم سنة تسع من الهجرة، وصلى عليها- صلى الله عليه وسلم ونزل فى حفرتها على والفضل وأسامة بن زيد. وفى البخارى (جلس- صلى الله عليه وسلم على القبر وعيناه تذرفان وقال:«هل فيكم أحد لم يقارف الليلة» فقال أبو طلحة:
أنا، فقال:«انزل قبرها» فنزل) «4» .
وقد روى نحو ذلك فى رقية، وهو وهم، فإنه- صلى الله عليه وسلم لم يكن حال دفنها حاضرا، بل كان فى غزوة بدر كما قدمته.
وغسلتها أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وشهدت أم عطية غسلها، وروت قوله- صلى الله عليه وسلم: «اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، بماء وسدر، واجعلن فى الآخرة كافورا، فإذا
(1) أخرجه ابن عساكر كما فى «كنز العمال» (35506) .
(2)
قلت: الذى فى الصحيح أن حفصة لما تأيمت بوفاة زوجها عرضها أبوها عمر على عثمان، وليس العكس، والخبر أخرجه البخارى (5129) فى النكاح، باب: من قال لا نكاح إلا بولى.
(3)
ضعيف: أخرجه ابن عساكر بنحوه كما فى «كنز العمال» (36199 و 36200) .
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (1342) فى الجنائز، باب: من يدخل قبر المرأة، من حديث أنس- رضى الله عنه-، ودون تعيين اسم المتوفاة.
فرغتن فاذننى» فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال: «أشعرنها إياه» قالت ومشطناها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها «1» .
و «الحقو» : الإزار، و «أشعرنها» أى اجعلناه شعارها الذى يلى جسدها، وذلك هو الشعار وما فوقه الدثار.
وأما فاطمة الزهراء البتول فولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبى صلى الله عليه وسلم، قاله أبو عمر، وهو مغاير لما رواه ابن إسحاق: أن أولاده- صلى الله عليه وسلم كلهم ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم، وقال ابن الجوزى: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، أيام بناء البيت.
وروى مرفوعا: «إنما سميت فاطمة، لأن الله قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة» أخرجه الحافظ الدمشقى. وروى الغسانى والخطيب مرفوعا:
«لأن الله فطمها ومحبيها عن النار» «2» .
وسميت بتولا لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا، وقيل:
لانقطاعها عن الدنيا إلى الله، قاله ابن الأثير.
وتزوجت بعلى بن أبى طالب فى السنة الثانية، وقيل بعد أحد، وقيل بعد بنائه- عليه السلام بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر ونصف، وقيل فى صفر فى السنة الثانية، وبنى بها فى ذى الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا.
وكان تزويجها بأمر الله ووحيه. وتزوجت ولها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف ولعلى إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر، وقيل غير ذلك. وتقدم مزيد لذلك فى المغازى والسير من المقصد الأول.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (1253) فى الجنائز، باب: غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، ومسلم (939) فى الجنائز، باب: فى غسل الميت.
(2)
موضوع: أخرجه الخطيب البغدادى عن ابن عباس كما فى «كنز العمال» (34226) ، والديلمى عن أبى هريرة، كما فى «كنز العمال» (34227) ، وانظر «الموضوعات» لابن الجوزى (1/ 421) .
قال أبو عمر: وفاطمة وأم كلثوم أفضل بنات النبى- صلى الله عليه وسلم، وكانت فاطمة أحب أهله إليه- صلى الله عليه وسلم، وكان يقبلها فى فيها ويمصها لسانه، وإذا أراد سفرا يكون آخر عهده بها، وإذا قدم أول ما يدخل عليها.
وقال- صلى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى» «1» رواه البخارى. وقال لها: «أما ترضين أن تكونى سيدة نساء المؤمنين» «2» رواه مسلم، وفى رواية أحمد «أفضل نساء أهل الجنة» «3» .
وتوفيت بعده- صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة، وهى ابنة تسع وعشرين سنة، قاله المدينى. وقيل توفيت بعده بثمانية أشهر وقيل غير ذلك، والأول أصح كذا قالوه فيما رأيته، وهو غير منتظم مع السابق فليتأمل.
وروى أنها قالت لأسماء بنت عميس: إنى قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة ما أحسن هذا، تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فاغسلينى أنت وعلى، ولا يدخل على أحد، الحديث خرجه أبو عمر.
وفى حديث أم رافع سلمى أنها لما اشتكت اغتسلت ولبست ثيابا جددا واضطجعت فى وسط البيت، ووضعت يدها اليمنى تحت خدها، ثم استقبلت القبلة وقالت: إنى مقبوضة الآن فلا يكشفنى أحد ولا يغسلنى، ثم قبضت مكانها، ودخل على فأخبر بالذى قالت، فاحتملها فدفنها بغسلها
(1) صحيح: أخرجه البخارى (3714) فى المناقب، باب: مناقب قرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة- عليها السلام، ومسلم (2449) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبى- عليهما الصلاة والسلام-، من حديث المسور بن مخرمة- رضى الله عنه-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (3624) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام، ومسلم (2420) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبى- عليهما الصلاة والسلام-، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(3)
أخرجه أحمد فى «المسند» (1/ 293) من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
ذلك، ولم يكشفها ولا غسلها أحد. رواه أحمد فى المناقب والدولابى وهذا لفظه مختصرا، وهو مضاد لخبر أسماء المتقدم.
قال أبو عمر: فاطمة أول من غطى نعشها من النساء على الصفة المذكورة فى خبر أسماء المتقدم، ثم بعدها زينب بنت جحش صنع بها ذلك أيضا.
وولدت لعلى: حسنا وحسينا ومحسنا، فمات محسن صغيرا، وأم كلثوم وزينب.
ولم يكن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم عقب إلا من ابنته فاطمة- رضى الله عنها- فانتشر نسله الشريف منها من جهة السبطين الحسن والحسين فقط. ويقال للمنسوب لأولهما: حسنى، ولثانيهما: حسينى.
وقد يضم للحسينى من يكون من ذرية إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب الإسحاقى، فيقال: الحسينى الإسحاقى.
وإسحاق هذا، هو زوج السيدة نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن على، وله منها: القاسم وأم كلثوم ولم يعقبا.
وتزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت فاطمة، فولدت له: زيدا ورقية، ولم يعقبا ثم تزوجت أم كلثوم بعد موت عمر بعون بن جعفر، ثم تزوجت بعد وفاته بأخيه محمد بن جعفر ثم مات عنها فتزوجت بأخيهما عبد الله بن جعفر ثم ماتت عنده ولن تلد لواحد من الثلاثة سوى للثانى ابنة صغيرة فليس لها عقب.
ثم تزوج عبد الله بن جعفر أختها زينب بنت فاطمة، فولدت له عدة من الأولاد، منهم: على وأم كلثوم.
وتزوج أم كلثوم- هذه- ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبى طالب فولدت له عدة من الأولاد منهم: فاطمة زوج حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام، وله منها عقب.
وبالجملة: فعقب عبد الله بن جعفر انتشر من على وأخته أم كلثوم ابنى زينب بنت الزهراء. ويقال لكل من ينتسب لهؤلاء جعفرى، ولا ريب أن لهؤلاء شرفا.
وأما الجعافرة المنسوبون لعبد الله بن جعفر فلهم أيضا شرف، لكنه يتفاوت، فمن كان من ولده من زينب بنت الزهراء فهم أشرف من غيرهم، مع كونهم لا يوازون شرف المنسوبين للحسن والحسين لمزيد شرفهما، وكذا يوصف العباسيون بالشرف لشرف بنى هاشم.
قال الحافظ ابن حجر فى الألقاب: وقد لقب به. يعنى بالشريف- كل عباسى ببغداد وعلوى بمصر. وفى شيوخ ابن الرفعة شخص يقال له الشريف العباسى.
وأما عبد الله ابن النبى- صلى الله عليه وسلم فقيل مات صغيرا بمكة، فقال العاصى ابن وائل: قد انقطع ولده فهو أبتر، فأنزل الله تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ «1» .
واختلف: هل ولد قبل النبوة أو بعدها؟ وهل هو الطيب والطاهر؟
والصحيح: أنهما لقبان له، كما تقدم.
وأما إبراهيم فمن مارية القبطية، وسيأتى ذكرها فى سراريه- عليه السلام إن شاء الله تعالى فى الفصل التالى لهذا فى أمهات المؤمنين.
وولد فى ذى الحجة سنة ثمان من الهجرة، وقيل ولد بالعالية، ذكره الزبير بن بكار، وكانت سلمى زوج أبى رافع مولاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم قابلته، فبشر أبو رافع به النبى- صلى الله عليه وسلم فوهب له عبدا، وعق عنه يوم سابعه بكبشين، وحلق رأسه أبو هند، وسماه النبى- صلى الله عليه وسلم يومئذ، وتصدق بزنة شعره ورقا على المساكين، ودفنوا شعره فى الأرض.
وفى البخارى: من حديث أنس بن مالك، أنه- صلى الله عليه وسلم قال: «ولد لى
(1) سورة الكوثر: 3.
الليلة غلام سميته باسم أبى إبراهيم» ثم دفعه إلى أم سيف، امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف «1» ، الحديث، وفيه: أنه بقى عندها إلى أن مات، والقين:
الحداد.
ويجمع بينهما: بأن التسمية كانت قبل السابع، كما فى حديث أنس هذا ثم ظهرت فيه، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- عند الترمذى مرفوعا- أنه أمر بتسمية المولود يوم سابعه «2» ، فيحمل على أنها لا تؤخر عن السابع، لا أنها لا تكون إلا فيه، بل هى مشروعة من الولادة إلى السابع.
قال الزبير بن بكار: وتنافست الأنصار فيمن ترضع إبراهيم- عليه السلام، فإنهم أحبوا أن يفرغوا مارية له- عليه السلام، فأعطاه لأم بردة بنت المنذر بن زيد الأنصارى، زوجه البراء بن أوس، فكانت ترضعه بلبن ابنها فى بنى مازن بن النجار وترجع به إلى أمه. وأعطى- صلى الله عليه وسلم أمه بردة قطعة نخل.
وقد تقدم أنه أعطاه أم سيف وبقى عندها إلى أن مات، فيحتمل أن يكون أعطاه أولا أم بردة ثم أعطاه أم سيف وبقى عندها إلى أن توفى، لكن قد روى أنه توفى عند أم بردة، فيرجع فى الترجيح إلى الصحيح.
وعن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعا فى عوالى المدينة فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وكان ظئره قينا، فيأخذ فيقبله ثم يرجع. الحديث رواه أبو حاتم.
وفى حديث جابر: أخذ- صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف، فأتى به النخل فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه، فأخذه- صلى الله عليه وسلم فوضعه فى حجره ثم
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (3126) فى الجنائز، باب: فى البكاء على الميت، وأصل الحديث عند البخارى (1303) فى الجنائز، ومسلم (2315) فى الفضائل.
(2)
حسن: أخرجه الترمذى (2832) فى الأدب، باب: ما جاء فى تعجيل اسم المولود، وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال.
ذرفت عيناه، ثم قال:«إنا بك يا إبراهيم لمحزنون، تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب» «1» خرجه بهذا السياق أبو عمرو بن السماك، ومعناه فى الصحيح.
وتوفى وله سبعون يوما- فيما ذكره أبو داود- فى ربيع الأول يوم الثلاثاء لعشر خلون منه، وقيل: بلغ ستة عشر شهرا وثمانية أيام، وقيل: سنة وعشرة أشهر وستة أيام.
وحمل على سرير صغير، وصلى عليه النبى- صلى الله عليه وسلم بالبقيع وقال:
«ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون» . وروى أن عائشة قالت: دفنه- صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه، فيحتمل أن يكون لم يصل عليه بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه، أو لم يصل عليه فى جماعة.
وروى أن الذى غسله أبو بردة، وروى الفضل بن العباس، ولعلهما اجتمعا عليه.
ونزل قبره الفضل وأسامة. والنبى- صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، ورش قبره وعلم بعلامة.
قال الزبير: وهو أول قبر رش.
وانكسفت الشمس يوم موته فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم، فقال- صلى الله عليه وسلم:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد» «2» رواه الشيخان: قيل: الغالب أن الكسوف يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، فكسفت يوم موت إبراهيم فى العاشر، فلذلك قالوا:
كسفت لموته.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (1303) فى الجنائز، باب: قول النبى- صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزونون، ومسلم (2315) فى الفضائل، باب: رحمته- صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، من حديث أنس- رضى الله عنه-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (1041) فى الجمعة، باب: الصلاة فى كسوف الشمس، ومسلم (911) فى الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، من حديث أبى مسعود الأنصارى.
وقال- صلى الله عليه وسلم: «إن له مرضعا فى الجنة» «1» رواه ابن ماجه.
وقد روى من حديث أنس بن مالك أنه قال: «لو بقى- يعنى إبراهيم ابن النبى- صلى الله عليه وسلم لكان نبيّا، ولكن لم يبق لأن نبيكم آخر الأنبياء» «2» أخرجه أبو عمر.
قال الطبرى: وهذا إنما يقوله أنس عن توقيف يخص إبراهيم، وإلا فلا يلزم أن يكون ابن النبى نبيّا، بدليل ابن نوح- عليه السلام.
وقال النووى فى تهذيب الأسماء واللغات: وأما ما روى عن بعض المتقدمين: لو عاش إبراهيم لكان نبيّا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم. انتهى.
قال شيخنا فى كتابه «المقاصد الحسنة» : ونحوه قول ابن عبد البر فى تمهيده: لا أدرى ما هذا، فقد ولد نوح غير نبى، ولو لم يلد النبى إلا نبيّا لكان كل أحد نبيّا، لأنهم من ولد نوح. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: ولا يلزم من الحديث المذكور ما ذكره الطبرى لما لا يخفى، وكأنه سلف النووى، وقال أيضا عقب كلام النووى: إنه عجيب من وروده عن ثلاثة من الصحابة، قال: وكأنه لم يظهر له وجه تأويله، فقال فى إنكاره ما قال.
وجوابه: أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا يظن بالصحابى الهجوم على مثل هذا بالظن.
قال شيخنا: والطرق الثلاثة:
أحدها: ما أخرجه ابن ماجه وغيره من حديث ابن عباس: لما مات
(1) صحيح: أخرجه ابن ماجه (1511) فى الجنائز، باب: ما جاء فى الصلاة على ابن رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وذكر وفاته، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-، وهو عند البخارى (2250) فى بدء الخلق، باب: ما جاء فى صفة الجنة، من حديث البراء- رضى الله عنه-.
(2)
صحيح: أخرجه أحمد فى «مسنده» (3/ 133) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (5272) .
إبراهيم ابن النبى- صلى الله عليه وسلم، صلى عليه وقال:«إن له مرضعا فى الجنة، لو عاش لكان صديقا نبيّا، ولو عاش لأعتقت أخواله من القبط، وما استرق قبطى» «1» . وفى سنده أبو شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطى، وهو ضعيف، ومن طريقه أخرجه ابن منده فى المعرفة وقال: إنه غريب.
ثانيها: ما رواه إسماعيل السدى عن أنس قال: كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو بقى لكان نبيّا، الحديث.
ثالثها: ما عند البخارى من طريق محمد بن بشر عن إسماعيل بن أبى خالد قال: قلت لعبد الله بن أبى أوفى: «رأيت إبراهيم ابن النبى- صلى الله عليه وسلم؟
قال: مات صغيرا،. ولو قضى بعد محمد نبى عاش ابنه إبراهيم، ولكن لا نبى بعده» «2» .
وأخرجه أحمد عن وكيع عن إسماعيل سمعت ابن أبى أوفى يقول: لو كان بعد النبى- صلى الله عليه وسلم نبى ما مات ابنه «3» . انتهى.
(1) ضعيف بهذا المقام: أخرجه ابن ماجه (1511) ، وقد تقدم قبل حديثين.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (6194) فى الأدب، باب: من سمى بأسماء الأنبياء.
(3)
أخرجه أحمد فى المسند» (4/ 353) .