المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فيها عشرة آلاف فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله- - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ١

[القسطلاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كلمة عن مصادر السيرة النبوية

- ‌عملى فى الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌نسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌مشايخه:

- ‌صفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌كلمة عن كتاب المواهب اللدنية

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌المقصد الأول

- ‌[تشريف الله تعالى له صلى الله عليه وسلم]

- ‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌[آيات حمله صلى الله عليه وسلم]

- ‌آيات ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌[ذكر رضاعه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذكر حضانته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دقائق حقائق بعثته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل فى ترتيب الدعوة النبوية]

- ‌[هجرته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[رؤيا الأذان]

- ‌[غزوة قرقرة الكدر]

- ‌ثم غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌[غزوة بنى النضير]

- ‌[غزوة ذات الرقاع]

- ‌[غزوة بدر]

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌غزوة بنى المصطلق

- ‌غزوة الخندق:

- ‌[غزوة بنى قريظة] :

- ‌غزوة بنى لحيان

- ‌غزوة الغابة

- ‌[سرية ابن رواحة إلى ابن رزام]

- ‌صلح الحديبية

- ‌[غزوة خيبر] :

- ‌عمرة القضاء:

- ‌غزوة مؤتة

- ‌غزوة الطائف

- ‌غزوة تبوك

- ‌حجة أبى بكر

- ‌المقصد الثانى

- ‌الفصل الأول فى ذكر أسمائه الشريفة المنبئة عن كمال صفاته المنيفة

- ‌الفصل الثانى فى ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثالث فى ذكر أزواجه الطاهرات وسراريه المطهرات

- ‌الفصل الرابع فى أعمامه وعماته وإخوته من الرضاعة وجداته

- ‌الفصل الخامس فى خدمه وحرسه ومواليه ومن كان على نفقاته وخاتمه ونعله وسواكه ومن يأذن عليه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌أما خدمه:

- ‌[من الرجال]

- ‌ومن النساء:

- ‌وأما حراسه:

- ‌وأما مواليه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل السادس فى أمرائه ورسله وكتّابه وكتبه إلى أهل الإسلام فى الشرائع والأحكام، ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم من الأنام

- ‌أما كتابه

- ‌وأما أمراؤه- عليه الصلاة والسلام

- ‌وأما رسله- صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السابع فى مؤذنيه وخطبائه وحداته وشعرائه

- ‌أما مؤذنوه فأربعة

- ‌وأما شعراؤه- صلى الله عليه وسلم الذين يذبون عن الإسلام:

- ‌الفصل الثامن فى آلات حروبه صلى الله عليه وسلم كدروعه وأقواسه ومنطقته وأتراسه

- ‌أما أسيافه- صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما أدراعه فسبعة:

- ‌وأما أقواسه- صلى الله عليه وسلم فكانت ستة:

- ‌وأما أتراسه

- ‌وأما أرماحه- صلى الله عليه وسلم

- ‌تكميل:

- ‌الفصل التاسع فى ذكر خيله صلى الله عليه وسلم ولقاحه ودوابه

- ‌أما خيله- صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل العاشر فى ذكر من وفد عليه صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: فيها عشرة آلاف فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله-

فيها عشرة آلاف فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله- صلى الله عليه وسلم أحدا، فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته بعشرين ألفا فأخذها منهم. قال: وهى البردة التى عند السلاطين إلى اليوم.

قال ابن إسحاق: قال عاصم بن عمر بن قتادة: فلما قال كعب: «إذا عرد السود التنابيل» وإنما عنى معشر الأنصار، لما كان صاحبهم صنع به، وخص المهاجرين بمدحته فغضب عليه الأنصار، فقال بعد أن أسلم- يمدح الأنصار- قصيدته التى يقول فيها:

من سره كرم الحياة فلا يزل

فى مقنب من صالحى الأنصار

ورثوا المكارم كابرا عن كابر

إن الخيارهم بنو الأخيار

المكرهين السمهرى بأدرع

كسوالف الهندى غير قصار

والناظرين بأعين محمرة

كالجمر غير كليلة الأبصار

والبائعين نفوسهم لنبيهم

للموت يوم تعانق وكرار

قوم إذا خوت النجوم فإنهم

للطارقين النازلين مقارى

وقد كان كعب بن زهير من فحول الشعراء، وأبوه وابنه عقبة وابن ابنه العوام بن عقبة.

‌غزوة تبوك

«1» :

مكان معروف، وهى نصف طريق المدينة إلى دمشق.

وهى غزوة العسرة، وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها.

وكانت يوم الخميس فى رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف، وذكر البخارى لها بعد حجّة الوداع لعله خطأ من النساخ.

وكان حرّا شديدا، وجدبا كثيرا، فلذلك لم يور عنها كعادته فى سائر الغزوات.

(1) انظرها فى «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 515- 537) ، وابن سعد فى «طبقاته» (2/ 165- 168) ، والطبرى فى «تاريخه» (3/ 142) ، وابن كثير فى «البداية والنهاية» (4/ 3- 68) ، وابن القيم فى «زاد المعاد» (3/ 526- 537) .

ص: 418

وفى تفسير عبد الرزاق، عن معمر عن ابن عقيل قال: خرجوا فى قلة من الظهر وفى حر شديد، حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما فى كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة فى الماء وفى الظهر وفى النفقة، فسميت غزوة العسرة.

وسببها أنه بلغه- صلى الله عليه وسلم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل. فندب- صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج وأعلمهم بالمكان الذى يريد، ليتأهبوا لذلك.

وروى الطبرانى من حديث عمران بن الحصين قال: كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل: إن هذا الرجل الذى خرج يدعى النبوة هلك، وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم.

فبعث رجلا من عظامائهم وجهز معه أربعين ألفا. فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم ولم يكن للناس قوة.

وكان عثمان قد جهز عيرا إلى الشام فقال: يا رسول الله، هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أوقية- يعنى من ذهب- قال: فسمعته يقول:

«لا يضر عثمان ما عمل بعدها» «1» .

وروى عن قتادة أنه قال: حمل عثمان فى جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا.

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان بألف دينار فى كمه حين جهز جيش العسرة فنثرها فى حجره- صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها فى حجره ويقول:«ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» «2» خرجه الترمذى وقال: حسن غريب.

(1) أخرجه الطبرانى فى «الكبير» (18/ 231- 232) من حديث عمران بن حصين- رضى الله عنه-، وذكره الهيثمى فى «المجمع» (6/ 191) وقال: رواه الطبرانى، وفيه العباس بن الفضل الأنصارى وهو ضعيف.

(2)

حسن: أخرجه الترمذى (3701) فى المناقب، باب: فى مناقب عثمان بن عفان رضى الله عنه-، وأحمد فى «مسنده» (5/ 63) ، والحاكم فى «مستدركه» (3/ 110) ، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .

ص: 419

وعند الفضائلى والملاء فى سيرته، كما ذكره الطبرى فى الرياض النضرة من حديث حذيفة: بعث عثمان- يعنى فى جيش العسرة- بعشرة آلاف دينار إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فصبت بين يديه، فجعل- صلى الله عليه وسلم يقول بيديه ويقلبها ظهرا لبطن يقول:«غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالى ما عمل بعدها» «1» .

ولما تأهب رسول الله- صلى الله عليه وسلم للخروج، قال قوم المنافقين: لا تنفروا فى الحر، فنزل قوله تعالى: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ «2» .

وأرسل- عليه السلام إلى مكة وقبائل العرب يستنفرهم.

وجاء البكاؤن يستحملونه، فقال- عليه السلام: لا أجد ما أحملكم عليه.

وهم: سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب المازنى، والعرباض بن سارية، وهرم بن عبد الله، وعمرو بن عنمة، وعبد الله بن مغافل، وعبد الله بن عمرو المزنى، وعمرو بن الحمام، ومعقل المزنى، وحرمى بن مازن، والنعمان وسويد ومعقل وعقيل وسنان وعبد الرحمن وهند بنو مقرن. وهم الذين قال الله فيهم: تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ «3» قاله مغلطاى.

وفى البخارى عن أبى موسى قال: أرسلنى أصحابى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسأله الحملان لهم، يا نبى الله، إن أصحابى أرسلونى إليك لتحملهم، فقال «والله لا أحملكم على شىء» فرجعت حزينا من منع النبى

(1) أخرجه أبو نعيم عن حسان بن عطية عن أبى موسى الأشعرى كما فى «كنز العمال» (32847) ، وابن عدى فى الكامل والدار قطنى، وأبو نعيم فى «فضائل الصحابة» ، وابن عساكر عن حذيفة بن اليمان كما فى «كنز العمال» (36189) ، وأخرجه ابن أبى شيبة وأبو نعيم فى «فضائل الصحابة» وابن عساكر عن حسان بن عطية كما فى «المصدر السابق» (36245) .

(2)

سورة التوبة: 81.

(3)

سورة التوبة: 92.

ص: 420

- صلى الله عليه وسلم، ومن مخافة أن يكون النبى- صلى الله عليه وسلم وجد فى نفسه على فرجعت إلى أصحابى فأخبرتهم الذى قال النبى- صلى الله عليه وسلم. فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادى: أين عبد الله بن قيس، فأجبته، فقال: أجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم يدعوك. فلما أتيته قال: «خذ هاتين القرينتين وهاتين القرينتين لستة أبعرة ابتاعهم حينئذ من سعد، فانطلق بهن إلى أصحابك فقل: إن الله، أو إن رسول الله يحملكم على هؤلاء فاركبوهن» «1» الحديث.

وقام علبة بن زيد، فصلى من الليل وبكى وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ثم لم تجعل عندى ما أتقوى به مع رسولك، ولم تجعل فى يد رسولك ما يحملنى عليه، وإنى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابنى فيها، مال أو جسد أو عرض. ثم أصبح مع الناس. فقال النبى:

«أين المتصدق بهذه الليلة» فلم يقم أحد، ثم قال:«أين المتصدق بهذه الليلة؟» فلم يقم أحد، ثم قال: أين المتصدق فليقم، فقام إليه فأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم:«أبشر فو الذى نفس محمد بيده لقد كتبت فى الزكاة المقبلة» «2» رواه يونس والبيهقى فى الدلائل، كما ذكره السهيلى فى الروض له.

وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فى التخلف، فأذن لهم، وهم اثنان وثمانون رجلا.

وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة جرأة على الله ورسوله وهو قوله تعالى: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ «3» .

واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة. قال الدمياطى: وهو عندنا أثبت ممن قال استخلق غيره. انتهى.

وقال الحافظ زين الدين العراقى، فى ترجمة على بن أبى طالب من

(1) صحيح: أخرجه البخارى (4415) فى المغازى، باب: غزوة تبوك وهى غزوة العسرة، ومسلم (1649) فى الأيمان، باب: ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتى الذى هو خير ويكفر عن يمينه.

(2)

أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (5/ 218، 219) .

(3)

سورة التوبة: 91.

ص: 421

شرح التقريب: لم يتخلف عن المشاهد إلا تبوك، فإن النبى- صلى الله عليه وسلم خلفه على المدينة، وعلى عياله، وقال له يومئذ:«أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى» «1» وهو فى الصحيحين من حديث سعد بن أبى وقاص.

انتهى. ورجحه ابن عبد البر.

وقيل: استخلف سباع بن عرفطة.

وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب، منهم، كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وفيهم نزل وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا «2» . وأبو ذر، وأبو خثيمة، ثم لحقاه بعد ذلك.

ولما رأى- صلى الله عليه وسلم أبا ذر الغفارى- وكان- صلى الله عليه وسلم نزل فى بعض الطريق- فقال: «يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده» «3» . فكان كذلك.

وأمر- صلى الله عليه وسلم لكل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء وراية.

وكان معه- صلى الله عليه وسلم ثلاثون ألفا. وعند أبى زرعة سبعون ألفا، وفى رواية عنه أيضا أربعون ألفا. وكانت الخيل عشرة آلاف فرس.

ولما مر- صلى الله عليه وسلم بالحجر- بكسر الحاء وسكون الجيم- بديار ثمود قال:

«لا تشربوا من مائها شيئا، ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له» ففعل الناس، إلا أن رجلين من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر فى طلب بعيره، فأما الذى خرج لحاجته فخنق على مذهبه وأما الذى خرج فى طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلى طيىء. فأخبر بذلك رسول

(1) صحيح: أخرجه البخارى (4416) فى المغازى، باب: غزوة تبوك، ومسلم (2404) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل على بن أبى طالب- رضى الله عنه-.

(2)

سورة التوبة: 118.

(3)

أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (3/ 52) ، من حديث ابن مسعود- رضى الله عنه-، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبى قائلا: إنه مرسل، وذلك لأن الراوى عن ابن مسعود، محمد بن كعب القرظى، لم تثبت له رواية عنه بلا واسطة.

ص: 422

الله- صلى الله عليه وسلم فقال: «ألم أنهكم» ثم دعا للذى خنق على مذهبه فشفى، وأما الآخر فأهدته طيىء لرسول الله حين قدم المدينة «1» .

وفى صحيح مسلم من حديث أبى حميد: انطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله» فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلى طيىء «2» .

وروى الزهرى: لما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم بالحجر سجى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال: «لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون، خوفا أن يصيبكم ما أصابهم» «3» رواه الشيخان.

ولما كان- صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق ضلت ناقته.. فقال زيد بن اللصيت وكان منافقا-: أليس محمد يزعم أنه نبى ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدرى أين ناقته؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«إن رجلا يقول»

وذكر مقالته، «وإنى لا أعلم إلا ما علمنى الله، وقد دلنى عليها، وهى فى الوادى فى شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها. فانطلقوا حتى تأتونى بها» «4» فانطلقوا فجاؤا بها. رواه البيهقى وأبو نعيم.

وفى مسلم من حديث معاذ بن جبل: أنهم وردوا عين تبوك، وهى تبض بشىء من ماء، وأنهم غرفوا منها قليلا قليلا حتى اجتمع فى شن ثم

(1) أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (5/ 240) .

(2)

صحيح: أخرجه البخارى (1482) فى الزكاة، باب: خرص التمر، ومسلم (1392) فى الفضائل، باب: فى معجزات النبى- صلى الله عليه وسلم.

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (4419 و 4420) فى المغازى، باب: نزول النبى- صلى الله عليه وسلم الحجر، ومسلم (2980) فى الزهد والرقائق، باب: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، من حديث عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما-.

(4)

أخرجه ابن هشام فى «السيرة النبوية» (2/ 523) عن محمود بن لبيد عن رجال من بنى عبد الأشهل بسند رجاله ثقات.

ص: 423

غسل- صلى الله عليه وسلم به وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت بماء كثير، فاستقى الناس «1» . الحديث. ويأتى- إن شاء الله- فى مقصد المعجزات.

ولما انتهى- صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية.

وأتاه أهل جرباء- بالجيم- واذرح- بالذال المعجمة والراء والحاء المهملتين- بلدين بالشام بينهما ثلاثة أميال، فأعطوه الجزية، وكتب لهم- صلى الله عليه وسلم كتابا.

ووجد هرقل بحمص، فأرسل خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك النصرانى، وكان ملكا عظيما بدومة الجندل، فى أربعمائه وعشرين فارسا فى رجب سرية، وقال له- عليه الصلاة والسلام:«إنك ستجده ليلا يصيد البقر» ، فانتهى إليه خالد، وقد خرج من حصنه فى ليلة مقمرة، إلى بقر يطاردها، هو وأخوة حسان، وهرب من كان معهما فدخل الحصن، ثم أجار خالد أكيدر من القتل، حتى يأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم على أن يفتح له دومة الجندل، ففعل وصالحه على ألفى بعير وثمانمائة فرس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح «2» .

وفى هذه الغزوة كتب- صلى الله عليه وسلم كتابا فى تبوك إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فقارب الإجابة ولم يجب. رواه ابن حبان فى صحيحه من حديث أنس.

وفى مسند أحمد أن هرقل كتب من تبوك إلى النبى- صلى الله عليه وسلم: أنى مسلم فقال النبى- صلى الله عليه وسلم: «كذب هو على نصرانيته» «3» .

وفى كتاب الأموال لأبى عبيد، بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد الله نحوه ولفظه: فقال: «كذب عدو الله ليس بمسلم» .

ثم انصرف- صلى الله عليه وسلم من تبوك، بعد أن أقام بها بضع عشرة ليلة. وقال

(1) صحيح: أخرجه مسلم (706)(10) فى الفضائل، باب: فى معجزات النبى- صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 526) ، و «البداية والنهاية» لابن كثير (4/ 30 و 31) ، و «زاد المعاد» لابن القيم (3/ 538) .

(3)

لم أجده فى المسند.

ص: 424

الدمياطى- ومن قبله ابن سعد- عشرين ليلة، يصلى ركعتين، ولم يلق كيدا، وبنى فى طريقه مساجد.

وأقبل- صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذى أوان- بفتح الهمزة بلفظ الأوان: الحين- وبينهما وبين المدينة ساعة جاءه خبر مسجد الضرار من السماء.

فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدى العجلانى فقال: انطلقا إلى مسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه. فخرجا فحرقاه وهدماه.

وذلك بعد أن أنزل الله فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً «1» .

قال الواحدى: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعامة أهل التفسير:

الذين اتخذوا مسجد الضرار كانوا اثنى عشر رجلا، يضارون به مسجد قباء، وذلك أنهم قالوا فى طائفة من المنافقين: نبنى مسجدا فنقيل فيه فلا نحضر خلف محمد.

قال المفسرون: ولما بنوا ذلك لأغراضهم الفاسدة عند ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، ونحن نحب أن تصلى فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال عليه الصلاة والسلام:«إنى على جناح سفر، وإذا قدمن إن شاء الله تعالى صلينا فيه» «2» . فلما قفل من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد، فنزلت هذه الآية.

ولما دنا- صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه. وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

(1) سورة التوبة: 107.

(2)

الخبر أورده ابن هشام فى «السيرة النبوية» (2/ 529- 530) ، والبيهقى فى «الدلائل» (5/ 259- 260) ، وابن القيم فى «زاد المعاد» (3/ 549) .

ص: 425

وقد وهم بعض الرواة- كما قدمته- وقال: إنما كان هذا عند مقدمه المدينة، وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع إنما هى من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام- كما قدمت ذلك-.

وفى البخارى: لما رجع- صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فدنا من المدينة، قال:

«إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر» «1» وهذا يؤيد معنى ما ورد: نية المؤمن خير من عمله «2» ، فإن نية هؤلاء أبلغ من أعمالهم، فإنها بلغت بهم مبلغ أولئك العاملين بأبدانهم، وهم على فرشهم فى بيوتهم. والمسابقة إلى الله تعالى وإلى درجات العلا بالنيات والهمم لا بمجرد الأعمال.

ولما أشرف- صلى الله عليه وسلم على المدينة قال: «هذه طابة وهذا أحد، جبل يحبنا ونحبه» «3» .

ولما دخل قال العباس يا رسول الله، ائذن لى أمتدحك قال: قل لا يفضض الله فاك، فقال:

من قبلها طبت فى الظلال وفى

مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر

أنت ولا مضغة ولا علق

بل نطفة تركب السفين وقد

ألجم نسرا وأهله الغرق

تنقل من صالب إلى رحم

إذا مضى عالم بدا طبق

وردت نار الخليل مكتتما

فى صلبه أنت كيف يحترق

(1) صحيح: أخرجه البخارى (2839) فى الجهاد والسير، باب: من حبسه العذر عن الغزو، وابن ماجه (2764) فى الجهاد، باب: من حبسه العذر عن الجهاد، من حديث أنس بن مالك- رضى الله عنه-.

(2)

انظره فى «كشف الخفاء» للعجلونى (2836) .

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (4422) فى المغازى، باب: رقم (81) ، ومسلم (1392) فى الحج، باب: أحد جبل يحبنا ونحبه، وفى الفضائل، باب: فى معجزات النبى- صلى الله عليه وسلم، من حديث أبى حميد الساعدى- رضى الله عنه-.

ص: 426

حتى احتوى بيتك المهمين من

خندف علياء تحتها النطق

وأنت لما ولدت أشرقت الأر

ض وضاءت بنورك الأفق

فنحن فى ذلك الضياء وفى ال

نور وسبل الرشاد نخترق

وقوله: من قبلها طبت إلخ: أى ظلال الجنة، أى إنك كنت طيبا فى صلب آدم حيث كان فى الجنة.

وقوله: من قبلها: أى قبل نزولك إلى الأرض فكنى عنها ولم يتقدم لها ذكر لبيان المعنى.

وقوله: ثم هبطت البلاد لا بشر، أى لما أهبط الله آدم إلى الدنيا، كنت فى صلبه غير بالغ هذه الأشياء.

وقوله: وقد ألج نسرا وأهله الغرق، يريد الصنم الذى كان يعبده قوم نوح وهو المذكور فى قوله تعالى: وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً «1» .

وقوله: حتى احتوى بيتك المهمين إلخ. النطق: جمع نطاق. وهى أعراض من جبال بعضها فوق بعض أى: نواح وأوساط منها شبهت بالنطق التى تشد بها أوساط الناس. ضربه مثلا فى ارتفاعه وتوسطه فى عشيرته وجعلهم تحته بمنزلة أوساط الجبال وأراد ببيته: شرفه، والمهمين: نعته، أى احتوى شرفه الشاهد إلى فضلك أعلى مكان من نسب خندف- وهو بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة- انتهى.

وجاءه- صلى الله عليه وسلم من كان تخلف عنه، فحلفوا له فعذرهم واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب وصاحبيه حتى نزلت توبتهم فى قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «2» .

(1) سورة نوح: 23.

(2)

سورة التوبة: 117، 118.

ص: 427

والثلاثة هم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع.

وعند البيهقى فى الدلائل، من مرسل سعيد بن المسيب: أن أبا لبابة بن عبد المنذر لما أشار لبنى قريظة بيده إلى حلقه: إنه الذبح وأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «أحسبت أن الله قد غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك» ، فلبث حينا ورسول الله- صلى الله عليه وسلم عاتب عليه، ثم غزا تبوكا فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها جاءه أبو لبابة يسلم عليه فأعرض عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة سبعا وقال: لا يزال هذا مكانى حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله على «1» . الحديث.

وعنده أيضا من حديث ابن عباس فى قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً «2» . قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك، فلما رجع- صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسوارى المسجد وكان ممر النبى- صلى الله عليه وسلم إذ رجع فى المسجد عليهم، فقال:«من هؤلاء؟» قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله، حتى تطلقهم وتعذرهم، فقال:«أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذى يطلقهم، رغبوا عنى وتخلفوا عن الغزو» فأنزل الله تعالى:

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ «3» . فلما نزلت أرسل النبى- صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم «4» . الحديث.

قالوا: ولما قدم- صلى الله عليه وسلم من تبوك وجد عويمر العجلانى امرأته حبلى، فلاعن- عليه السلام بينهما.

(1) انظره فى «دلائل النبوة» للبيهقى، (5/ 270) .

(2)

سورة التوبة: 102.

(3)

سورة التوبة: 102.

(4)

انظره فى المصدر السابق (5/ 271- 272) .

ص: 428