الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آيات ولادته صلى الله عليه وسلم
وروى أبو نعيم عن عمرو بن قتيبة قال: سمعت أبى- وكان من أوعية العلم- قال: لما حضرت ولادة آمنة قال الله تعالى لملائكته: افتحوا أبواب السماء كلها، وأبواب الجنان، وألبست الشمس يومئذ نورا عظيما، وكان قد أذن الله تعالى تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لمحمد- صلى الله عليه وسلم.. الحديث وهو مطعون فيه.
وذكر أبو سعيد عبد الملك النيسابورى فى كتابه الكبير كما نقله عنه صاحب كتاب السعادة والبشرى عن كعب فى حديثه الطويل، ورواه أبو نعيم من حديث ابن عباس قال: كانت آمنة تحدث وتقول: أتانى آتانى أت حين مربى من حملى ستة أشهر فى المنام وقال لى يا آمنة إنك حملت بخير العالمين فإذا ولدتيه فسميه محمدا واكتمى شأنك قالت ثم لما أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد لا ذكر ولا أنثى، وإنى لوحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه، فسمعت وجبة عظيمة وأمرا عظيما هالنى، ثم رأيت كأن جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادى فذهب عنى الرعب وكل وجع أجده، ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء فتناولتها فأصابنى نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهن من بنات عبد مناف، يحدقن بى فبينا أنا أتعجب وأنا أقول واغوثاه من أين علمن بى. قال فى غير هذه الرواية فقلن لى نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وهؤلاء من الحور العين واشتد بى الأمر وأنا أسمع الوجبة فى كل ساعة أعظم وأهول مما تقدم فبينا أنا كذلك إذا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض، وإذا قائل يقول خذاه عن أعين الناس، قالت ورأيت رجالا قد وقفوا فى الهواء بأيديهم أباريق من فضة، ثم نظرت فإذا أنا بقطعة من الطير قد أقبلت حتى غطت حجرتى، مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من الياقوت فكشف الله عن بصرى فرأيت مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاثة
أعلام مضروبات، علما بالمشرق وعلما بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخذنى المخاض فوضعت محمدا- صلى الله عليه وسلم فنظرت إليه فإذا هو ساجد قد رفع أصبعيه إلى السماء كالمتضرع المبتهل، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء حتى غشيته فغيبته عنى، فسمعت مناديا ينادى طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته، ويعلمون أنه سمى فيها الماحى، لا يبقى شىء من الشرك إلا محى فى زمنه، ثم انجلت عنه فى أسرع وقت.. الحديث. وهو مما تكلم فيه.
وروى الخطيب البغدادى بسنده كما ذكره صاحب السعادة والبشرى أيضا أن آمنة قالت لما وضعته- عليه السلام رأيت سحابة عظيمة لها نور أسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الأجنحة وكلام الرجال، حتى غشيته وغيب عنى فسمعت مناديا ينادى طوفوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم جميع الأرض وأعرضوه على كل روحانى من الجن والإنس والملائكة والطيور والوحوش وأعطوه خلق آدم، ومعرفة شيث، وشجاعة نوح، وخلة إبراهيم ولسان إسماعيل، ورضا إسحاق، وفصاحة صالح، وحكمة لوط، وبشرى يعقوب، وشدة موسى، وصبر أيوب، وطاعة يونس، وجهاد يوشع، وصوت داود وحب دانيال ووقار إلياس وعصمة يحيى وزهد عيسى، واغمسوه فى أخلاق النبيين قالت: ثم انجلت عنى فإذا به قد قبض على حريرة بيضاء خضراء مطوية طيّا شديدا ينبع من تلك الحريرة ماء وإذا قائل يقول بخ بخ قبض محمد- صلى الله عليه وسلم على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها إلا دخل طائعا فى قبضته، قالت ثم نظرت إليه فإذا به كالقمر ليلة البدر وريحه يسطع كالمسك الإذفر، وإذا بثلاثة نفر فى يد أحدهم إبريق من فضة، وفى يد الثانى طست من زمرد أخضر وفى يد الثالث حريرة بيضاء فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه فغسله من ذلك الإبريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ولفه فى الحريرة ثم احتمله فأدخله بين أجنحته ساعة ثم رده إلى ورواه أبو نعيم عن ابن عباس وفيه نكارة.
وروى الحافظ أبو بكر بن عائذ فى كتابة المولد- كما نقله عنه الشيخ بدر الدين الزركشى فى شرح بردة المديح- عن ابن عباس: لما ولد- صلى الله عليه وسلم قال فى أذنه رضوان خازن الجنان: أبشر يا محمد فما بقى لنبى علم إلا وقد أعطيته، فأنت أكثرهم علما، وأشجعهم قلبا.
وروى محمد بن سعد من حديث جماعة منهم عطاء وابن عباس: أن آمنة بنت وهب قالت: لما فصل منى- تعنى النبى- صلى الله عليه وسلم خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ثم وقع إلى الأرض معتمدا على يديه، ثم أخذ قبضة من التراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء «1» .
وروى الطبرانى: أنه لما وقع إلى الأرض وقع مقبوضة أصابع يده مشيرا بالسبابة كالمسبح بها.
وروى عن عثمان بن أبى العاصى عن أمه أم عثمان الثقفية- واسمها فاطمة بنت عبد الله- قالت: لما حضرت ولادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم رأيت البيت حين وقع قد امتلأ نورا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع على «2» . رواه البيهقى.
وأخرج أحمد والبزار والطبرانى والحاكم والبيهقى عن العرباض بن سارية. أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «إنى عبد الله وخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل فى طينته، وسأخبركم عن ذلك، إنى دعوة أبى إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمى التى رأت، وكذلك أمهات الأنبياء يرين، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاء له قصور الشام» «3» قال الحافظ ابن حجر: صححه ابن حبان والحاكم.
وأخرج أبو نعيم عن عطاء بن يسار عن أم سلمة عن آمنة: قالت: لقد رأيت ليلة وضعته نورا أضاءت له قصور الشام حتى رأيتها. وأخرج أيضا،
(1) أخرجه ابن سعد فى «طبقاته» (1/ 101) .
(2)
أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (1/ 111) باختلاف يسير.
(3)
ضعيف: وقد تقدم قريبا.
عن بريدة عن مرضعته فى بنى سعد أن آمنة قالت: رأيت كأنه خرج من فرجى شهاب أضاءت له الأرض حتى رأيت قصور الشام.
وعن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن أم رسول الله- صلى الله عليه وسلم قالت: لما ولدته خرج من فرجى نور أضاء له قصور الشام، فولدته نظيفا ما به قذر «1» ، رواه ابن سعد وإلى هذا أشار العباس بن عبد المطلب فى شعره، حيث قال:
وأنت لما ولدت أشرقت ال
…
أرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن فى ذاك الضياء وفى النو
…
ر وسبل الرشاد نخترق
قال فى اللطائف: «وخروج هذا النور عند وضعه، وإشارة إلى ما يجىء به من النور الذى اهتدى به أهل الأرض، وزال به ظلمة الشرك. قال تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ «2» الآية، وأما إضاءة قصور بصرى بالنور الذى خرج معه فهو إشارة إلى ما خص الشام من نور نبوته، فإنها دار ملكه- كما ذكر كعب: أن فى الكتب السالفة: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مولده بمكة ومهاجره بيثرب وملكه بالشام- فمن مكة بدت نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام، وإلى الشام انتهى ملكه، ولهذا أسرى به- صلى الله عليه وسلم إلى الشام، إلى بيت المقدس، كما هاجر قبله إبراهيم- عليه السلام إلى الشام، وبها ينزل عيسى ابن مريم- عليه السلام، وهى أرض المحشر والمنشر. وخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم فى صحيحيهما عن النبى- صلى الله عليه وسلم أنه قال:«عليكم بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبى إليها خيرته من عباده» «3» ، انتهى ملخصا.
(1) أخرجه ابن سعد فى «طبقاته» (1/ 101) باختلاف يسير.
(2)
سورة المائدة: 15، 16.
(3)
صحيح: أخرجه أبو داود (2483) فى الجهاد، باب: فى سكنى الشام، وأحمد فى «مسنده» (4/ 110، 5/ 33 و 288) وابن حبان فى «صحيحه» (7306) ، والحاكم فى «مستدركه» (4/ 555) ، من حديث عبد الله بن حوالة- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
وأخرج أبو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أمه الشفاء قالت: لما ولدت آمنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم وقع على يدى فاستهل، فسمعت قائلا يقول:
رحمك الله، قالت الشفاء: وأضاء لى ما بين المشرق والمغرب، حتى نظرت إلى بعض قصور الروم، قالت: ثم ألبنته وأضجعته، فسمعت قائلا يقول: أى ذهبت به؟ قال: إلى المشرق، قالت: فلم يزل الحديث منى على بال حتى بعثه الله فكنت فى أول الناس إسلاما.
ومن عجائب ولادته- عليه السلام ما خرجه البيهقى وأبو نعيم عن حسان ابن ثابت قال: إنى لغلام ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل ما رأيت وسمعت، إذا يهودى يصرخ ذات غداة: يا معشر يهود، فاجتمعوا إليه، وأنا أسمع، قالوا: ويلك مالك؟ قال: طلع نجم أحمد الذى ولد به هذه الليلة «1» .
وعن عائشة قالت: كان يهودى قد سكن مكة، فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر قريش: هل ولد فيكم الليلة مولود، قالوا: لا نعلم، قال: انظروا، فإنه ولد فى هذه الليلة نبى هذه الأمة. بين كتفيه علامة. فانصرفوا فسألوا، فقيل لهم قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام، فذهب اليهودى معهم إلى أمه، فأخرجته لهم، فلما رأى اليهودى العلامة خر مغشيّا عليه، وقال: ذهبت النبوة من بنى إسرائيل، يا معشر قريش: أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب «2» . رواه يعقوب بن سفيان بإسناد حسن كما قاله فى فتح البارى.
ومن عجائب ولادته أيضا: ما روى من ارتجاج إيوان كسرى وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، وغيض بحيرة طبرية، وخمود نار فارس. وكان لها ألف عام لم تخمد «3» ، كما رواه البيهقى وأبو نعيم والخرائطى فى «الهواتف» وابن عساكر.
(1) أخرجه ابن هشام فى «السيرة» (1/ 171) ، والحاكم فى «مستدركه» (3/ 486) ، والبيهقى فى «الدلائل» (1/ 110) .
(2)
أخرجه الحاكم فى «مستدركه» (2/ 601- 602) ، والبيهقى فى «دلائل النبوة» (1/ 108، 109) .
(3)
ذكره البيهقى فى «دلائل النبوة» (1/ 18، 19، 49) .
وفى سقوط الأربع عشرة شرفة إشارة إلى أنه يملك منهم ملوك وملكات بعدد الشرفات، وقد ملك منهم فى أربع سنين عشرة، ذكره ابن ظفر وزاد ابن سيد الناس: وملك الباقون إلى خلافة عثمان- رضى الله عنه-.
ومن ذلك أيضا: ما وقع من زيادة حراسة السماء بالشهب، وقطع رصد الشياطين، ومنعهم من استراق السمع.
ولقد أحسن الشقراطيسى حيث قال:
ضاءت لمولده الآفاق واتصلت
…
بشرى الهواتف فى الإشراق والطفل
وصرح كسرى تداعى من قواعده
…
وانقض منكسر الأرجاء ذا ميل
ونار فارس لم توقد وما خمدت
…
مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل
خرت لمبعثه الأوثان وانبعثت
…
ثواقب الشهب ترمى الجن بالشعل
وولد- صلى الله عليه وسلم معذورا أى مختونا مسرورا- أى مقطوع السرة- كما روى من حديث أبى هريرة عند ابن عساكر.
وروى الطبرانى فى الأوسط وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق، عن أنس: أن النبى- صلى الله عليه وسلم قال: «من كرامتى على ربى أنى ولدت مختونا، ولم ير أحد سوأتى» «1» وصحّحه الضياء فى المختارة.
وعن ابن عمر قال: ولد النبى- صلى الله عليه وسلم مسرورا مختونا. رواه ابن عساكر.
قال الحاكم فى المستدرك: تواترت الأخبار أنه- عليه السلام ولد مختونا «2» .
انتهى.
وتعقبه الحافظ الذهبى فقال: ما أعلم صحة ذلك؟! فكيف يكون متواترا؟ وأجيب: باحتمال أن يكون أراد بتواتر الأخبار اشتهارها وكثرتها فى السير، لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث.
(1) ضعيف: أخرجه الطبرانى فى الأوسط، كما فى «ضعيف الجامع» (5310) .
(2)
قاله الحاكم فى «مستدركه» (2/ 601، 602) .
وقد حكى الحافظ زين الدين العراقى، أن الكمال بن العديم ضعف أحاديث كونه ولد مختونا، وقال: إنه لا يثبت فى هذا شىء من ذلك.
وأقره عليه، وبه صرح ابن القيم ثم قال: ليس هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فإن كثيرا من الناس ولد مختونا.
وحكى الحافظ ابن حجر: أن العرب تزعم أن الغلام إذا ولد فى القمر فسخت قلفته- أى اتسعت- فيصير كالمختون «1» .
وفى «الوشاح» لابن دريد: قال ابن الكلبى: بلغنى أن آدم خلق مختونا واثنى عشر نبيّا من بعده خلقوا مختونين آخرهم محمد- صلى الله عليه وسلم: شيث وإدريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود وصالح- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-.
وفى هذه العبارة تجوز، لأن الختان هو القطع، وهو غير ظاهر، لأن الله تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع، فيحمل الكلام باعتبار أنه على صفة المقطوع.
وقد حصل من الاختلاف فى ختانه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ولد مختونا كما تقدم.
الثانى: أنه ختنه جده عبد المطلب يوم سابعه، وصنع له مأدبة وسماه محمدا. رواه الوليد بن مسلم «2» بسنده إلى ابن عباس وحكاه ابن عبد البر فى التمهيد «3» .
والثالث: أنه ختن عند حليمة، كما ذكره ابن القيم والدمياطى ومغلطاى وقالوا: إن جبريل- عليه السلام ختنه حين طهر قلبه.
وكذا أخرجه الطبرانى فى الأوسط وأبو نعيم من حديث أبى بكرة.
قال الذهبى: وهذا منكر.
واعلم أن الختان: هو قطع القلفة التى تغطى الحشفة من الرجل، وقطع بعض الجلدة التى فى أعلى الفرج من المرأة، ويسمى ختان الرجل:
(1) قاله فى «فتح البارى» (10/ 340) .
(2)
قلت: هو مدلس، وأكثر أخباره ضعيفة.
(3)
قلت: انظر «فتح البارى» (10/ 570) .
إعذارا- بالعين المهملة والذال المعجمة والراء- وختان المرأة خفاضا- بالخاء المعجمة والفاء والضاد المعجمة أيضا-.
واختلف العلماء: هل هو واجب؟.
* فذهب أكثرهم إلى أنه سنّة وليس بواجب، وهو قول مالك وأبى حنيفة وبعض أصحاب الشافعى.
* وذهب الشافعى إلى وجوبه، وهو مقتضى قول سحنون من المالكية.
* وذهب بعض أصحاب الشافعى إلى أنه واجب فى حق الرجال، سنة فى حق النساء.
واحتج من قال إنه سنة، بحديث أبى المليح بن أسامة عن أبيه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الختان سنة للرجال مكرمة للنساء» «1» رواه أحمد فى مسنده والبيهقى.
وأجاب من أوجبه بأنه ليس المراد بالسنة هنا خلاف الواجب، بل المراد الطريقة، واحتجوا على وجوبه بقوله تعالى: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً «2» ، وثبت فى الصحيحين من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم النبى- صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» «3» وبما روى أبو داود من قوله- صلى الله عليه وسلم للرجل الذى أسلم: «ألق عنك شعر الكفر واختتن» «4» .
(1) ضعيف: أخرجه أحمد فى «مسنده» (5/ 75) ، والبيهقى فى «الكبرى» (8/ 325) ، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف الجامع» (2938) .
(2)
سورة النحل: 123.
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (2356) فى أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، ومسلم (2370) فى الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم.
(4)
حسن: أخرجه أبو داود (356) فى الطهارة، باب: فى الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، وأحمد فى «مسنده» (3/ 415) ، والحاكم فى «مستدركه» (3/ 659) ، والبيهقى فى «الكبرى» (1/ 172) ، (8/ 323) ، والطبرانى فى «الكبير» (22/ 395) ، من حديث عثيم ابن كليب عن أبيه عن جده- رضى الله عنه-، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (1251) .
واحتج القفال لوجوبه: بأن بقاء القلفة يحبس النجاسة، ويمنع صحة الصلاة، فيجب إزالتها.
وقال الفخر الرازى: «الحكمة من الختان، أن الحشفة قوية الحس، فما دامت مستورة تقوى اللذة عند المباشرة، فإذا قطعت القلفة تصلبت الحشفة فضعفت اللذة، وهو اللائق بشريعتنا تقليلا للذة لا قطعا لها، كما تفعل المانوية، فذلك إفراط وإبقاء القلفة تفريط، فالعدل الختان» . انتهى.
وإذا قلنا بوجوب الختان، فمحل الوجوب بعد البلوغ على الصحيح من مذهبنا، لما روى البخارى فى صحيحه عن ابن عباس أنه سئل: مثل من أنت حين قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «وأنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك» «1» . وقال بعض أصحابنا: يجب على الوالى أن يختن الصبى قبل البلوغ، والله أعلم.
وقد اختلف فى عام ولادته- صلى الله عليه وسلم:
فالأكثرون على أنه عام الفيل، وبه قال ابن عباس، ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه، وقال: كل قول يخالفه وهم.
والمشهور: أنه ولد بعد الفيل بخمسين يوما، وإليه ذهب السهيلى فى جماعة.
وقيل: بعده بخمسة وخمسين يوما، وحكاه الدمياطى فى آخرين وقيل:
بشهر، وقيل بأربعين يوما.
وقيل: بعد الفيل بعشر سنين وقيل: قبل الفيل بخمس عشرة سنة، وقيل: غير ذلك.
والمشهور أنه بعد الفيل، لأن قصة الفيل كانت توطئة لنبوته، وتقدمة لظهوره وبعثته، وإلا فأصحاب الفيل- كما قاله ابن القيم- كانوا نصارى أهل كتاب، وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة إذ ذاك، لأنهم كانوا عباد أوثان، فنصرهم الله تعالى على أهل الكتاب نصرا لا صنع للبشر فيه، إرهاصا وتقدمة للنبى الذى خرج من مكة، وتعظيما للبلد الحرام.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (6299) فى الاستئذان، باب: الختان بعد الكبر ونتف الإبط.
واختلف أيضا فى الشهر الذى ولد فيه.
والمشهور: أنه ولد فى شهر ربيع الأول، وهو قول جمهور العلماء.
ونقل ابن الجوزى الاتفاق عليه.
وفيه نظر: فقد قيل فى صفر، وقيل فى ربيع الآخر. وقيل فى رجب، ولا يصح.
وقيل: فى رمضان، وروى عن ابن عمر بإسناد لا يصح، وهو موافق لمن قال: إن أمه حملت به فى أيام التشريق.
وأغرب من قال: ولد فى عاشوراء.
وكذا اختلف أيضا فى أى يوم من الشهر:
فقيل إنه غير معين، إنما ولد يوم الاثنين من ربيع الأول من غير تعيين، والجمهور على أنه يوم معين منه.
فقيل: لليلتين خلتا منه.
وقيل: لثمان خلت منه، قال الشيخ قطب الدين القسطلانى: وهو اختيار أكثر أهل الحديث، ونقل عن ابن عباس وجبير بن مطعم، وهو اختيار أكثر من له معرفة بهذا الشأن، واختاره الحميدى، وشيخه ابن حزم، وحكى القضاعى فى «عيون المعارف» إجماع أهل الزيج عليه، ورواه الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم، وكان عارفا بالنسب وأيام العرب، أخذ ذلك عن أبيه جبير.
وقيل لعشر، وقيل لاثنى عشر، وعليه عمل أهل مكة فى زيارتهم موضع مولده فى هذا الوقت، وقيل لسبع عشرة وقيل لثمان عشرة، وقيل لثمان بقين منه. وقيل: إن هذين القولين غير صحيحين عمن حكيا عنه بالكلية.
والمشهور: أنه ولد [يوم الاثنين] ثانى عشر شهر ربيع الأول، وهو قول ابن إسحاق وغيره.
وإنما كان فى شهر ربيع على الصحيح ولم يكن فى المحرم، ولا فى رجب، ولا فى رمضان، ولا فى غيرها من الأشهر ذوات الشرف، لأنه عليه السلام لا يتشرف بالزمان، وإنما الزمان يتشرف به كالأماكن، فلو ولد فى شهر من الشهور المذكورة، لتوهم أنه تشرف بها، فجعل الله تعالى مولده صلى الله عليه وسلم فى غيرها ليظهر عنايته به وكرامته عليه.
وإذا كان يوم الجمعة الذى خلق فيه آدم- عليه السلام خص بساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه، فما بالك بالساعة التى ولد فيها سيد المرسلين.
ولم يجعل الله تعالى في يوم الاثنين- يوم مولده- صلى الله عليه وسلم من التكليف بالعبادات ما جعل فى يوم الجمعة- المخلوق فيه آدم- من الجمعة والخطبة وغير ذلك، إكراما لنبيه- صلى الله عليه وسلم بالتخفيف عن أمته، بسبب عناية وجوده قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «1» ، ومن جملة ذلك: عدم التكليف.
واختلف أيضا فى الوقت الذى ولد فيه.
والمشهور أنه يوم الاثنين. فعن. أبى قتادة الأنصارى: أنه- صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، وأنزلت على فيه النبوة» «2» رواه مسلم، وهذا يدل على أنه- صلى الله عليه وسلم ولد نهارا.
وفى المسند، عن ابن عباس قال: ولد- صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، واستنبىء يوم الاثنين، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين،. ورفع الحجر يوم الاثنين «3» . انتهى.
وكذا فتح مكة ونزول سورة المائدة يوم الاثنين.
(1) سورة الأنبياء: 107.
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1162) فى الصيام، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
(3)
أخرجه أحمد فى «مسنده» (1/ 277) ، والطبرانى فى «الكبير» (11/ 85) مختصرا.
وقد روى أنه ولد [يوم الاثنين] عند طلوع الفجر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاصى قال: كان بمر الظهران راهب يسمى عيصى، من أهل الشام، وكان يقول: يوشك أن يولد فيكم يا أهل مكة مولود تدين له العرب ويملك العجم، هذا زمانه، فكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه، فلما كان صبيحة اليوم الذى ولد فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيصى فناداه، فأشرف عليه، فقال له عيصى: كن أباه، فقد ولد ذلك المولود الذى كنت أحدثكم عنه يوم الاثنين، ويبعث يوم الاثنين، ويموت يوم الاثنين.
قال: ولد لى الليلة مع الصبح مولود، قال: فما سميته؟ قال: محمدا، قال: والله لقد كنت أشتهى أن يكون هذا المولود فيكم أهل هذا البيت، بثلاث خصال تعرّفه: فقد أتى عليهن منها: أنه طلع نجمه البارحة، وأنه ولد اليوم، وأن اسمه محمد. رواه أبو جعفر بن أبى شيبة، وخرجه أبو نعيم فى الدلائل بسند فيه ضعف.
وقيل: كان مولده- صلى الله عليه وسلم عند طلوع الغفر، وهو ثلاثة أنجم صغار ينزلها القمر، وهو مولد النبيين، ووافق ذلك من الشهور الشمسية نيسان «1» ، وهو برج الحمل، وكان لعشرين مضت منه.
وقيل ولد ليلا فعن عائشة قالت: كان بمكة يهودى يتجر فيها، فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلم قال ولد الليلة نبى هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس فخرجوا باليهودى حتى أدخلوه على أمه فقالوا: أخرجى لنا ابنك فأخرجته وكشفوا عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع اليهودى مغشيّا عليه فلما أفاق قالوا مالك ويلك قال:
ذهبت والله النبوة من بنى إسرائيل»
، رواه الحاكم.
قال الشيخ بدر الدين الزركشى: «والصحيح أن ولادته- صلى الله عليه وسلم كانت
(1) وهو ما يعرف فى بعض الدول الآن بأبريل.
(2)
أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (2/ 601، 602) ، وقد تقدم.
نهارا، قال: وأما ما روى من تدلى النجوم فضعفه ابن دحية لاقتضائه أن الولادة ليلا. قال: وهذا لا يصلح أن يكون تعليلا، فإن زمان النبوة صالح للخوارق، ويجوز أن تسقط النجوم نهارا» انتهى.
فإن قلت: إذا قلنا بأنه- عليه الصلاة والسلام ولد ليلا، فأيما أفضل:
ليلة القدر أو ليلة مولده- صلى الله عليه وسلم؟
أجيب: بأن ليلة مولده أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة:
أحدها: أن ليلة المولد ليلة ظهوره- صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر معطاة له، وما شرف بظهور ذات المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه، ولا نزاع فى ذلك، فكانت ليلة المولد- بهذا الاعتبار- أفضل.
الثانى: أن ليلة القدر شرفت بنزول الملائكة فيها، وليلة المولد شرفت بظهوره- صلى الله عليه وسلم فيها. ومن شرفت به ليلة المولد أفضل ممن شرفت بهم ليلة القدر، على الأصح المرتضى، فتكون ليلة المولد أفضل.
الثالث: أن ليلة القدر وقع التفضل فيها على أمة محمد- صلى الله عليه وسلم، وليلة المولد الشريف وقع التفضل فيها على سائر الموجودات، فهو الذى بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين، فعمت به النعمة على جميع الخلائق، فكانت ليلة المولد أعم نفعا، فكانت أفضل.
فيا شهرا ما أشرفه وأوفر حرمة لياليه، كأنها لآلىء فى العقود ويا وجها ما أشرفه من مولود، فسبحان من جعل مولده للقلوب ربيعا وحسنه بديعا.
يقول لنا لسان الحال منه
…
وقول الحق يعذب للسميع
فوجهى والزمان وشهر وضعى
…
ربيع فى ربيع فى ربيع
واختلف أيضا فى مدة الحمل به، فقيل: تسعة أشهر، وقيل ثمانية وقيل سبعة وقيل ستة.
وولد- عليه السلام فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف أخى الحجاج ويقال بالشعب، ويقال بالردم ويقال بعسفان.