الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقرب إلى المسلمين من الفرس، ولهذا حزن المسلمون لهزيمتهم وفرح مشركو قريش.
تسلية المؤمنين الآيات [1- 16]
قال الله تعالى: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فذكر أن الروم غلبوا، ووعد بنصرهم على من غلبهم، ليفرح المؤمنون بنصرهم لأنّهم أهل كتاب مثلهم ثم ذكر سبحانه أنه إذا وعد لا يخلف وعده، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون، لأنّ علمهم لا يتعدّى ظاهرا أمور الدنيا من ملاذّها وملاعبها، ولا يصل إلى باطنها وأسرارها، وهم إلى هذا غافلون عن الاخرة ولا يصلون إلى علمها، فهم لهذا كلّه ينكرون وعده بالنصر ولا يصدّقون به، وينكرون الحشر وما أعدّ لهم فيه ثمّ حثّهم على ما يوصلهم إلى العلم بذلك من الفكر والنظر، لأنهم لو فكّروا في خلق السماوات والأرض وما بينهما، لعلموا أن الله جل جلاله لم يخلقهم إلّا لحكمة وأجل معيّن، ثمّ يكون بعد ذلك ما ينكرونه من الحشر، ولو ساروا في الأرض لرأوا عاقبة من كذّب قبلهم من الأمم، وحملهم ذلك على التصديق بما وعد الله من النصر ثم ذكر أنه هو الذي بدأ الخلق فهو قادر على إعادته وعلى حشرهم إليه بعد موتهم، وأنّهم يوم يحشرون إليه لا يجدون إلى الخلاص طريقا، ولا يكون لهم شفيع من شركائهم، ويكافرون بهم بعد مشاهدة عجزهم ويومئذ يتفرّق كلّ من المؤمنين والكافرين إلى ما أعدّ لهم، فأمّا المؤمنون فهم في روضة يحبرون وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) .
وسائل تثبيتهم الآيات [17- 60]
ثمّ قال تعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) فأمرهم بالمواظبة على الصلاة في أوقاتها من الصباح والمساء والعشيّ والظّهيرة، كما أمرهم بذلك في السّورة السابقة ثمّ ذكر بما يوجب عليهم القيام بتسبيحه وحمده فيها، أنّه هو الذي يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ،
إلى غير هذا ممّا ذكره من آياته ونعمه ثمّ ذكر أنّه هو الذي يتفرّد بما ذكره من ذلك كلّه، ولا يصحّ أن يكون له فيه شركاء من خلقه يستحقّون العبادة مثله، كما لا يصحّ أن يكون لنا فيما يرزقنا شركاء ممّا ملكت أيماننا.
ثم أظهر لهم فضل ذلك الدّين الذي يلقون الأذى فيه، فذكر أنه دين الفطرة التي فطر النّاس عليها، فيجب أن يتمسّكوا به ولا يكونوا من المشركين الذين تركوه فتفرّقوا شيعا يعادي بعضهم بعضا ثمّ ذكر أنّ هؤلاء المشركين منهم من إذا مسّه ضرّ رجعوا إلى فطرتهم فدعوا ربّهم، فإذا كشف الضرّ عنهم رجع فريق منهم إلى شركهم، وكفروا بما آتاهم من كشف الضرّ عنهم ومنهم من هو على عكس هذا، فإذا أذاقه رحمة فرح بها، وإن أصابته سيّئة وقع في القنوط واليأس.
ثمّ أمرهم أن يواسي بعضهم بعضا، بأن يعطي القريب حقّ النّفقة لقريبه، ويعطي الغنيّ حقّ الزّكاة للمساكين وابن السبيل، ونهاهم أن يتعاملوا بالرّبا لأنّه لا يربو عنده كما تربو الزكاة.
ثمّ ذكر لهم أنه لا يترك أعداءهم من غير أن يعجّل لهم بعض العذاب على ما أظهروا من الفساد في البرّ والبحر، وأمرهم أن يسيروا في الأرض لينظروا كيف كان عاقبة الذين أشركوا من قبلهم، وأن يتمسّكوا بدينهم من قبل أن يأتيهم ذلك العذاب فيتفرّقوا فيه، فالكافرون يعاقبون على كفرهم، والمؤمنون يثابون على إيمانهم، ليجزيهم من فضله بما صبروا على أذاهم، فيرحمهم بذلك كما يرسل الرياح مبشّرات برحمته، وينتقم من أعدائهم كما انتقم من الذين أجرموا قبلهم ثمّ قرّب وعده لهم مع ضعف حالهم بأنه يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء ثم يخرج المطر من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده فرحوا به وإن كانوا قبله في يأس منه، ثم قرّبه أيضا بما يشاهد من آثار رحمته في إحيائه الأرض بعد موتها، فمن يفعل ذلك يقدر على تقويتهم بعد ضعفهم وهو على كل شيء قدير، ثمّ ذكر أن أولئك المشركين لو أرسل عليهم ريحا مصفرّا إنذارا لهم بما يوعدهم من ذلك العذاب لظلّوا من بعده على كفرهم، لأنهم بلغوا من الجهل مالا يتأثّرون معه بإنذار أو دعاء، فلا يصدّقون وعده بنصر هؤلاء الضعفاء عليهم، ثمّ ذكر ممّا يثبت
قدرته على ذلك أنّه خلقهم من ضعف في حال طفولتهم، ثمّ جعل لهم من بعد ضعفهم قوّة في حال شبابهم، ثمّ جعل لهم من بعد قوّتهم ضعفا في حال شيخوختهم، فهو قادر على أن يضعفهم وينصر المؤمنين عليهم ثم ذكر عذابهم الأكبر بعد عذاب الدنيا، وذلك حين تقوم القيامة فتنسيهم شدّتها مقدار ما لبثوه في دنياهم، فيقسمون أنهم ما لبثوا فيها غير ساعة، ويردّ عليهم أهل العلم والإيمان بأنهم لبثوا الأجل الذي ضربه الله لهم إلى يوم البعث. ولكنّهم كانوا لا يؤمنون بذلك ففاتهم العلم به، ويومئذ يلقون عذابهم ولا ينفعهم معذرة ولا يكون لهم استعتاب، لأنّه لم يجعل لهم ما يعتذرون به بعد أن ضرب لهم في القرآن من كلّ مثل، فكانوا لا يؤمنون بما يأتيهم به من الآيات ثمّ ختمت السورة بالأمر بالصبر الى أن يتحقّق ذلك الوعد، فقال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) .