الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الأحزاب»
«1»
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الآية 26] وهذه استعارة. والمراد بها: أنّه تعالى ألقى الرّعب في قلوبهم من أثقل جهاته، وعلى أقطع بغتاته. تشبيها بقذفة الحجر إذا صكّت الإنسان على غفلة منه. فإن ذلك يكون أملأ لقلبه، وأشدّ لروعه.
وقوله سبحانه: مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [الآية 30] وهذه استعارة.
فكأنّه تعالى جعل الفاحشة تبيّن حال صاحبها، وتشير إلى ما يستحقّه من العقاب عليها. وهذا من أحسن الأعراض، وأنفس جواهر الكلام.
وقوله سبحانه وتعالى: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وهذه استعارة. والمراد بالسّراج المنير هاهنا:
أنّه (ص) يهتدى به في ضلال الكفر، وظلام الغي، كما يستصبح بالشّهاب في الظلماء، وتستوضح الغرّة في الدّهماء.
وقوله سبحانه: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) . وهذه استعارة.
وللعلماء في ذلك أقوال، قال بعضهم:
المراد بذلك تفخيم شأن الأمانة، وأنّ منزلتها منزلة ما لو عرض على هذه الأشياء المذكورة مع عظمها، وكانت تعلم ما فيها، لأبت أن تحملها
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
وأشفقت كلّ الإشفاق منها. إلّا أنّ هذا الكلام خرج مخرج الواقع، لأنّه أبلغ من المقدّر. وقال بعضهم: عرض الشيء على الشيء ومعارضته سواء.
والمعارضة، والمقابلة، والمقايسة، والموازنة، بمعنى واحد. فأخبر الله سبحانه عن عظم أمر الأمانة وثقلها، وأنّها إذا قيست بالسماوات والأرض والجبال، ووزنت بها، لرجحت عليها. ولم تطق حملها، ضعفا عنها.
وذلك معنى قوله تعالى: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها ومن كلامهم:
فلان يأبى الضّيم، إذا كان لا يحتمله.
فالإباء هاهنا هو ألّا يقام بحمل الشيء.
والإشفاق في هذا الموضع هو الضّعف عن الشيء، ولذلك كنّي به عن الخوف الّذي هو ضعف القلب. فقالوا: فلان مشفق من كذا. أي خائف منه. ومعنى قوله سبحانه: فالسماوات والأرض والجبال لم تحمل الأمانة ضعفا عنها، وحملها الإنسان، أي تقلّدها وقارف المأثم فيها، للمعروف من كثرة جهله، وظلمه لنفسه.