الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الصافات»
«1»
إن قيل: لم جمع تعالى لفظ «المشارق» هنا، وثنّاهما في سورة الرّحمن، ولم اقتصر هنا على ذكر «المشارق» ، وذكر ثمّة المغربين أيضا، وذكر المغارب مع المشارق، مجموعين في قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [المعارج: 40] وذكرهما مفردين في قوله تعالى قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)[الشعراء] ؟
قلنا: لأنّ القرآن نزل بلغة العرب على المعهود من أساليب كلامهم وفنونه، ومن أساليب كلامهم وفنونه:
الإجمال والتفصيل والبسط والإيجاز، فأجمل تارة بقوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)[الرّحمن] أراد مشرقي الصّيف والشتاء، ومغربيهما على الإجمال وفصّل تارة بقوله تعالى:
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [المعارج:
40] أراد جمع مشارق السنة ومغاربها، وهي تزيد على سبعمائة وبسّط مرّة، بقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [المعارج: 40]، وأوجز واختصر مرّة بقوله تعالى: وَرَبُّ الْمَشارِقِ [الآية 5] لدلالة المذكور، وهي المشارق، على المحذوف، وهي المغارب، وكانت المشارق أولى بالذكر لأنها أشرف إمّا لكون الشروق سابقا في الوجود على الغروب، أو لأنّ المشارق منبع الأنوار والأضواء.
فإن قيل: لم خصّ سبحانه وتعالى سماء الدنيا، بقوله تعالى:
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.
إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6) مع أنّ غير سماء الدنيا مزيّنة بالكواكب أيضا؟
قلنا: إنّما خصّها بالذّكر لأنّا نحن نرى سماء الدنيا لا غير.
فإن قيل: لم مدح سبحانه نوحا (ع) بقوله: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) مع أنّ مرتبة الرّسل فوق مرتبة المؤمنين؟
قلنا: إنّما مدحه بذلك، تنبيها لنا على جلالة محلّ الإيمان وشرفه، وترغيبا في تحصيله والثبات عليه، والازدياد منه، كما قال تعالى في مدح إبراهيم (ع) : وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) .
فإن قيل: لم قال تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) والنّظر إنّما يعدّى بإلى، قال الله تعالى وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف: 143] وقال: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [الروم: 50] .
قلنا: «في» هنا بمعنى «إلى» كما في قوله تعالى: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [إبراهيم: 9] الثاني: أنّ المراد به، نظر الفكر لا نظر العين، ونظر الفكر إنّما يعدّى بفي قال الله تعالى:
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 185] فصار المعنى ففكّر في علم النجوم أو في حال النجوم.
فإن قيل: لم استجاز إبراهيم (ع) أن يقول، كما ورد في التنزيل: إِنِّي سَقِيمٌ (89) ولم يكن سقيما؟
قلنا: معناه سأسقم، كما في قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ [الزمر: 30] فهو من معاريض الكلام، قاله ليتخلّف عنهم إذا خرجوا إلى عيدهم، فيكيد أصنامهم.
وقال ابن الأنباري: أعلمه الله تعالى أنّه يمتحنه بالسّقم إذا طلع نجم كذا، فلمّا رآه علم أنه سيسقم. وقيل معناه: إنّي سقيم القلب عليكم، إذا عبدتم الأصنام، وتكهّنتم بنجوم لا تضرّ ولا تنفع. وقيل إنّه عرض له مرض، وكان سقيما حقيقة. وقال الزّمخشري: قد جوّز بعض الناس الكذب في المكيدة في الحرب، والتقيّة، وإرضاء الزوج، والصلح بين المتخاصمين والمتهاجرين. قال: والصحيح أن الكذب حرام إلّا إذا عرّض وورّى وإبراهيم صلوات الله عليه، عرّض بقوله وورّى، فإنه أراد أنّ من في عنقه الموت سقيم، كما قيل في المثل «كفى بالسلامة داء» وقال لبيد:
ودعوت ربّي بالسّلامة جاهدا
ليصحّني فإذا السلامة داء وروي أن رجلا مات فجأة، فاجتمع عليه الناس وقالوا مات وهو صحيح، فقال أعرابي: أصحيح من الموت في عنقه؟
فإن قيل: لم لا يجوز النظر في علم النجوم، مع أنّ إبراهيم (ع) قد نظر فيه، وحكم منه؟
قلنا: ليس المنجّم كإبراهيم (ع) ، في أن الله تعالى أراه ملكوت السماوات والأرض فأبيح له النظر في علم النجوم والحكم منه.
فإن قيل: قوله تعالى: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) أي يسرعون، يدلّ على أنهم عرفوا أنّه هو الكاسر لها وقوله تعالى في سورة الأنبياء قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا [الأنبياء: 59] ، وما بعده يدلّ على أنّهم ما عرفوا أنّه الكاسر، فكيف التوفيق بينهما؟
قلنا: يجوز أن يكون الّذي عرفه وزفّ إليه بعضهم، والّذي جهله وسأل عنه بعض آخر ويجوز أن الكلّ جهلوه وسألوا عنه، فلما عرفوا أنه الكاسر لها زفّوا إليه كلّهم.
فإن قيل: ما معنى قوله تعالى على لسان ابراهيم صلوات الله عليه إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي [الآية 99] .
قلنا: معناه إلى حيث أمرني ربّي بالمهاجرة، وهو الشّام. وقيل: إلى طاعة ربّي ورضاه. وقيل: إلى أرض ربّي وإنّما خصّها بالإضافة إلى الله تعالى، تشريفا لها وتفضيلا، لأنّها أرض مقدّسة مبارك فيها للعالمين، كما في قوله تعالى وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الجنّ: 18] ، وقوله تعالى: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان: 63] .
فإن قيل: ما المقصود بقوله تعالى:
سَيَهْدِينِ (99) وهو كان مهتديا؟
قلنا: المقصود: سيثبّتني على ما أنا عليه من الهدى، ويزيدني هدى. وقيل: سَيَهْدِينِ (99) إلى الجنّة. وقيل إلى الصّواب في جميع أحوالي. ونظيره قول موسى عليه الصلاة والسلام، كما ورد في التنزيل: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)[الشعراء] .
فإن قيل: كيف شاور إبراهيم ولده، عليهما السلام، في ذبحه بقوله كما نصّ القرآن: فَانْظُرْ ماذا تَرى [الآية 102] ، مع أنّه كان حتما على إبراهيم،
لأنه أمر به، لأنّ معنى قول إبراهيم (ع) كما ورد في التنزيل إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الآية 102] : أنّه أمر بذبحه في المنام، ورؤيا الأنبياء حقّ فإذا رأوا شيئا في المنام، فعلوه في اليقظة، كذا قاله قتادة والدليل على أنّ منامه كان وحيا بالأمر بالذبح، قوله تعالى حكاية على لسان ولد ابراهيم (ع) :
يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ [الآية 102] ؟
قلنا: لم يشاوره ليرجع إلى رأيه في ذلك، ولكن ليعلم ما عنده من الصّبر، فيما نزل به من بلاء الله تعالى، فيثبّت قدمه إن جزع، ويأمن عليه الزّلل إن صبر وسلّم، وليعلم القصّة فيوطن نفسه على الذّبح، ويهوّنه عليها، فيلقى البلاء وهو كالمستأنس به، ويكتسب الثواب بالانقياد والصبر لأمر الله تعالى قبل نزوله، وليكون سنّة في المشاورة فقد قيل لو شاور آدم الملائكة في أكل الشجرة، لما فرط منه ذلك.
فإن قيل: لم قيل له: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الآية 105] وإنّما يكون مصدّقا لها، لو وجد منه الذّبح، ولم يوجد؟
قلنا: معناه قد فعلت غاية ما في وسعك، ممّا يفعله الذابح، من إلقاء ولدك، وإمرار الشفرة على حلقه ولكنّ الله تعالى منع الشفرة أن تقطع.
وقيل: إنّ الّذي رآه في المنام معالجة الذبح فقط، لا إراقة الدم وقد فعل ذلك في اليقظة، فكان مصدّقا للرؤيا.
فإن قيل: أين جواب «لمّا» في قوله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَما [الآية 103] ؟
قلنا: قيل هو محذوف تقديره:
استبشرا، واغتبطا، وشكرا لله تعالى على ما أنعم به عليهما من الفداء أو تقديره: سعدا، أو أجزل ثوابهما.
وقيل الجواب هو قوله تعالى:
وَنادَيْناهُ [الآية 104] والواو زائدة كما في قول امرئ القيس:
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل أي فلمّا أجزنا ساحة الحي انتحى، كذا نقله ابن الأنباري في شرحه.
فإن قيل: لم قال تعالى في قصة إبراهيم (ع) : كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) وفي غيرها من القصص قبلها وبعدها: إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) .
قلنا: لمّا سبق في قصة إبراهيم (ع) مرة: إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) طرحه في الثاني تخفيفا واختصارا
، واكتفاء بذكره مرّة، بخلاف سائر القصص.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) وهو كان من المرسلين، قبل زمان التنجية؟
قلنا: قوله تعالى إِذْ نَجَّيْناهُ [الآية 134] لا يتعلّق بما قبله، بل يتعلّق بمحذوف تقديره: واذكر لهم يا محمّد، إذ نجّيناه أو أنعمنا عليه إذ نجّيناه، وكذا السؤال في قوله تعالى:
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) .
فإن قيل: لم قال الله تعالى:
وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) و «أو» كلمة شكّ، والشّكّ على الله محال؟
قلنا: قيل «أو» هنا بمعنى «بل» ، فلا شكّ وقيل بمعنى «الواو» كما في قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ [النساء: 43] وقوله تعالى: عُذْراً أَوْ نُذْراً (6)[المرسلات] وقيل معناه، أو يزيدون في تقديركم، فلو رآهم أحد منكم لقال:
هم مائة ألف أو يزيدون، فالشّكّ إنّما دخل في حكاية قول المخلوقين، ونظيره قوله تعالى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9)[النجم] .
فإن قيل: ما الحكمة في تكرار الأمر بالتولية والإبصار، في قوله تعالى:
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) .
قلنا: الحكمة تأكيد التهديد والوعيد.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَأَبْصِرْهُمْ [الآية 175] ثمّ قال ثانيا: وَأَبْصِرْ [الآية 179] ؟
قلنا: طرح ضمير المفعول تخفيفا واختصارا واكتفاء بسبق ذكره مرّة وقيل معنى الأوّل: وأبصارهم إذا نزل بهم العذاب، ومعنى الثاني: وأبصر العذاب إذا نزل بهم، فلا فرق بينهما في المعنى.