الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «ص»
«1»
1-
وقال تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) .
قالوا في «لات» :
هي لا المشبهة ب «ليس» زيدت عليها تاء التأنيث، كما زيدت على «ربّ» و «ثمّ» للتوكيد.
وتغيّر بذلك حكمها حيث لم تدخل إلّا على الأحيان، ولم يبرز إلا أحد مقتضييها، إمّا الاسم وإمّا الخبر، وامتنع بروزهما جميعا.
هذا مذهب الخليل، وتبعه سيبويه.
وعند الأخفش أنها «لا» النافية للجنس زيدت عليها التاء، وخصّت بنفي الأحيان.
هذا مجمل كلام ليس لنا أن نقبله بيسر، فما معنى قولهم إنّ «التاء» للتأنيث، وتاء التأنيث ساكنة مع الفعل، ومحركة بالحركات مع الاسم. وما معنى قولهم: إنها للتوكيد؟ وهل كل زيادة توكيد؟ وما معنى التوكيد؟
وما المؤكّد في ذلك؟ وإذا كانت للتأنيث فكيف يراد التوكيد؟ وما رأينا تاء للتأنيث تفيد التوكيد! وهل التاء في «ربّت» و «ثمّت» المفتوحتان للتأنيث والتوكيد؟
وأما اختصاصها بنفي الأحيان، فهذا قائم لأنها سمعت كذلك في لغة العرب.
ولعلّنا نستطيع أن نقول شيئا آخر في هذه التاء.
ومن ذلك تصوّرنا أن هذه «التاء» هي شيء من «ايت» السريانية. و «ايت»
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.
السريانية هذه تعني «ايش» أي: الشيء في العربية. وقد ركبت مع «لا» فصارت «لا ايت» ، ثم خفّفت فصار «لات» ، واستعملت استعمالا خاصّا.
وهي نظير «ليس» الّتي قال الخليل بتركيبها من «لا أيس» أي: لا وجود.
وكنا قد شرحنا هذا الشيء بتفصيل في الكلام على قوله تعالى: إِنِّي آنَسْتُ ناراً [طه: 10] .
ولنعد إلى «لات» لنقول: إن «ايت» بمعنى «شيء» بقي شيء منها في العربية، وذلك في مادة «أثث» . وإذا رجعنا إلى «أثاث» و «أثاثة» في المعجم، وجدنا أن عموم الدلالة فيهما يشير إلى أنها مطلق الشيء، ومن غير تخصيص، ثم جاء الاستعمال فقيّد وخصّص وصرفها إلى أشياء معيّنة.
وقد بقي لنا أن نقول: إن العرب ربما أدخلوا على «حين» التاء وقالوا:
لات حين بمعنى ليس حين.
وأما قول أبي وجزة:
العاطفون تحين ما من عاطف والمفضلون يدا إذا ما أنعموا فقال ابن سيده: قيل إنه أراد «العاطفون» مثل «القائمون» و «القاعدون» ، ثم زاد التاء في «حين» كما زادها الاخر في قوله:
نولّي قبل نأي داري جمانا وصلينا كما زعمت تلانا أراد الآن، فزاد التاء، وألقى حركة الهمزة على ما قبلها.
أقول: هذا قول المتقدّمين في كلمة «حين» ، وزيادة التاء في أولها. وعلى هذا يكون قولنا:«لات حين» من باب نفي «تحين» ب «لا» قبلها.
وأرى أن هذا المنقول من كلامهم قد يشعرنا أن «للتاء» ، في لغة قديمة، ما للألف واللام في أول الاسم، ولعل هذا شيء مما ورثته العربية من اللغات الّتي سبقتها! 2- وقال تعالى: وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) .
والقطّ: القسط من الشيء، لأنه قطعة منه.
أقول: القطّ هو القسم، أي:
القطعة، وهو من الفعل، قطّ يقطّ أي:
قطع يقطع. والمصدر القطّ على فعل.
وقد أشرنا إلى كثير من المصادر الثلاثية على «فعل» ، أن الاسم منها يكون بكسر الفاء كالسّقط والنّقض
والكسر والمسخ، وكله بكسر الفاء وسكون العين. وعلى هذا يكون «القطّ» القسم، أي القسط الّذي أرادوه.
3-
وقال تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ [الآية 17] .
قلنا: إن العربية قد أفادت من أعضاء الجسم في توليد المواد المفيدة، وفي هذه الآية «الأيد» ، وهو مصدر بمعنى القوة من «اليد» عضو الإنسان، وهكذا أخذ من الضلع والعظم والسن وغيرها فوائد عدة.
4-
وقال تعالى: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ.
أريد أن أنبه إلى أن الخصم، وإن كان مفردا في لفظه، فإنه يدل على الجمع في معناه، والآية شاهد.
وانظر: الآية التاسعة عشرة من سورة الحج.
5-
وقال تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) .
والمعنى: وغلبني.
أقول: وهذا من معاني «عزّ» النادرة الّتي لا نعرفها في عصرنا.
6-
وقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ [الآية 24] .
وقوله تعالى: وَقَلِيلٌ ما هُمْ للإبهام، وفيه تعجب من قلّتهم، و «ما» زائدة.
أقول وزيادة «ما» هذه رشّحت للتركيب الجميل للإبهام والتعجب من قلّتهم.
7-
وقال تعالى: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) .
والنصب قد يقرأ بفتح النون مع سكون الصاد، وبفتحهما وضمهما كالرّشد والرّشد. والنصب هو البلاء والشرّ.
وقد نبّهت على هذا، لأننا لا نعرف من هذه الكلمة إلا النصب، بفتحتين وهو التعب.
8-
وقال تعالى: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [الآية 42] .
والمعنى: وادفع برجلك الأرض.
9-
وقال تعالى: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا [الآية 63] .
أقول: والسّخريّة والسخريّ والسّخريّ كله بمعنى مصدر سخر كالسّخر.